الْبَخِيلُ وَالْكَنْزُ
وَخَطَرَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ مَخْبَأً مَنِيعًا يَتَوَلَّى رَصْدَهُ حَارِسٌ أَمِينٌ يَدْفَعُ إِلَيْهِ أَجْرًا كَبِيرًا يَتَنَاسَبُ وَجَسَامَةَ التَّبِعَةِ الَّتِي سَتُلْقَى عَلَى عَاتِقِهِ، وَلَكِنَّهُ تَذَكَّرَ أَنَّ ذَلِكَ يَسْتَغْرِقُ وَقْتًا طَوِيلًا بَيْنَ الْبِنَاءِ وَالْبَحْثِ عَنِ «الْحَارِسِ الْأَمِينِ» الَّذِي أَصْبَحَ أَنْدَرَ مِنَ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ.
وَأَخِيرًا تَذَكَّرَ أَنَّ صَاحِبَ الْبَيْتِ الَّذِي يَعْلُو مَخْبَأَ كَنْزِهِ مَشْهُورٌ بِالْبُخْلِ وَالشُّحِّ، وَأَنْ لَا أَهْلَ لَهُ، فَهَدَتْهُ عَبْقَرِيَّتُهُ إِلَى أَنْ يُوكِلَ أَمْرَ الْكَنْزِ إِلَيْهِ، فَحَمَلَ كَنْزَهُ وَصَعَدَ بِهِ إِلَيْهِ، وَبَعْدَ أَنْ حَيَّاهُ أَحْسَنَ تَحِيَّةٍ، وَضَعَ الْكَنْزَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: «يَا صَدِيقِي الْعَزِيزَ، قَدْ كُنْتُ أَحْتَفِظُ بِهَذَا فِي سِرْدَابٍ تَحْتَ دَارِكَ، وَالْيَوْمَ أُمِرْتُ أَنْ أَرْحَلَ إِلَى بِلَادٍ بَعِيدَةٍ لَسْتُ أَعْرِفُ مَتَى أَعُودُ مِنْهَا، وَبِمَا أَنَّ ظُرُوفِي لَا تَسْمَحُ لِي بِحَمْلِهِ مَعِي، فَإِنِّي أَتْرُكُهُ لَكَ مِلْكًا حَلَالًا تُنْفِقُهُ — إِنْ شِئْتَ — فِيمَا يَحْلُو لَكَ أَوْ يَعُودُ عَلَيْكَ بِالْهَنَاءِ وَالسُّرُورِ؛ لِأَنَّكَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سِوَاكَ، وَلَسْتُ أَطْلُبُ مِنْكَ سِوَى شَيْءٍ لَسْتُ أَظُنُّهُ يَثْقُلُ عَلَيْكَ، وَهُوَ أَنْ تُوصِي بِمَالِكَ لِي بَعْدَ عُمرٍ طَوِيلٍ.»
قَالَ ذَلِكَ، وَاسْتَخْفَى مِنَ الْبَخِيلِ.
وَبَعْدَ زَمَنٍ عَادَ مِنَ الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ، وَطَبْعًا ذَهَبَ تَوًّا لِيَرَى مَصِيرَ كَنْزِهِ … فَمَاذَا وَجَدَ؟ وَجَدَ مَا وَثَبَ لَهُ قَلْبُهُ طَرَبًا … وَجَدَ الْبَخِيلَ جُثَّةً هَامِدَةً مُسْتَوِيَةً عَلَى صَنَادِيقِ الْكَنْزِ فِي السِّرْدَابِ لِتَحْرُسَهُ.
فَيَا لِلْبَخِيلِ مِنْ حَارِسٍ لِلْمَالِ أَمِينٍ!