الْغِرَارَةُ الْمَغْرُورَةُ
فَلَهِجَتِ الْبَلْدَةُ بِالْحَدِيثِ عَنْهَا وَعَنْ مُحْتَوَيَاتِهَا الثَّمِينَةِ، فَدَاخَلَهَا الْعُجْبُ وَالْغُرُورُ وَالِاعْتِدَادُ بِالنَّفْسِ، وَأَدَّى بِهَا ذَلِكَ إِلَى إِبْدَاءِ آرَائِهَا، وَإِصْدَارِ أَحْكَامِهَا عَلَى مَنْ حَوْلَهَا، كَأَنْ تَقُولَ عن فلانٍ: إِنَّهُ مَاهِرٌ بَارِعٌ، وَإِنَّ فُلَانَةَ غِرَّةٌ بَلْهَاءُ، وَهَذَا الْعَالِمُ الشَّهِير حمارٌ جاهلٌ لَا يَعْرِفُ كُوعَهُ مِنْ بُوعِهِ، وَذَاكَ الَّذِي تَظُنُّونَهُ ثَرِيًّا كَبِيرًا لَيْسَ إِلَّا رَجُلًا فَقِيرًا لَا يَمْلِكُ شَرْوَى نَقِيرٍ.
وَبِحُكْمِ مَا كَانَ فِي الْغِرَارَةِ مِنَ الْمَالِ الْوَفِيرِ كَانَتْ تُطَأْطِئُ رُءُوسُ السَّامِعِينَ مُؤَمِّنَةً عَلَى مَا تَقُولُهُ مِنْ سَفَاسِفِ الْأَقْوَالِ، وَتُبْدِيهِ مِنْ سَخَائِفِ الْآرَاءِ.
وَأَخِيرًا لَمَّا فَرَغَ مَا كَانَ فِيهَا مِنَ الذَّهَبِ الْخَدَّاعِ، طَرَحَهَا صَاحِبُ الدَّارِ حَيْثُمَا كَانَتْ لِتَنْظِيفِ الْأَحْذِيَةِ وَمَسْحِ الْبَلَاطِ.