الْفَلَّاحَانِ وَحَظُّهُمَا
السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا صَدِيقِي إِبْرَاهِيمُ!
وَعَلَيْكَ السَّلَامُ يَا عَزِيزِي صَادِقُ! خَبِّرْنِي كَيْفَ أَنْتَ؟ وَكَيْفَ حَالُكَ الْآنَ؟ لِأَنِّي لَمْ أُقَابِلْكَ مُنْذُ زَمَنٍ طَوِيلٍ.
وَكَيْفَ حَدَثَ ذَلِكَ أَيُّهَا الصَّاحِبُ الْعَزِيزُ؟
حَدَثَ فِي لَيْلَةِ عِيدِ الْمِيلَادِ الْمَجِيدِ؛ إِذْ ضَيَّفْنَا بَعْضَ الْأَصْحَابِ لِنُحْيِيَ مَعَهُمْ سَهْرَةَ هَذَا الْعِيدِ بِاحْتِسَاءِ بِضْعِ كُئُوسٍ مِنَ الْخَمْرِ كَالْعَادَةِ الْمُتَّبَعَةِ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُنَاسَبَاتِ، وَلَمَّا انْتَشَيْتُ مِنَ الشَّرَابِ، تَذَكَّرْتُ حِصَانِي الْمَحْبُوبَ، فَأَشْعَلْتُ شَمْعَةً لِأَسْتَنِيرَ بِهَا فِي ذَهَابِي إِلَيْهِ بِقَلِيلٍ مِنْ طَعَامِ الْعِيدِ؛ كَيْ يُشَارِكَنَا فِي فَرَحِنَا وَمَرَحِنَا؛ وَلَوْ أَرَدْتُ الْحَقَّ لَقُلْتُ: إِنِّي لَمْ أَكُنْ أَدْرِي تَمَامًا مَا الَّذِي خَرَجْتُ لِأَفْعَلَهُ، وَلِسَبَبٍ مَا، سَقَطَتِ الشَّمْعَةُ مِنْ يَدِي فَأَشْعَلَتِ الْبَيْتَ وَمُلْحَقَاتِهِ، وَأَتَتِ النِّيرَانُ عَلَى كُلِّ مَا كَانَ لِي فِيهِ.
هَذِهِ قِصَّتِي ذَكَرْتُهَا لَكَ بِنَصِّهَا وَفَصِّهَا، فَخَبِّرْنِي بِدَوْرِكَ عَنْ نَفْسِكَ؛ لِأَنِّي أَشْعُرُ مِمَّا أَرَى أَنَّكَ لَسْتَ أَحْسَنَ حَالًا مِنِّي.
فَأَجَابَهُ إِبْرَاهِيمُ — وَالْحُزْنُ بَادٍ عَلَى نَبَرَاتِ صَوْتِهِ: لَقَدْ صَدَقْتَ فِيمَا قُلْتَ يَا صَدِيقِي، فَأَنْتَ أَحْسَنُ حَالًا مِنِّي بِمَا لَا يُقَاسُ؛ لِأَنَّكَ تَرَى أَمَامَكَ كَسِيحًا عَاجِزًا عَنْ كُلِّ عَمَلٍ سِوَى النَّدَمِ وَالْحَسْرَةِ، وَالتَّعَجُّبِ مِنْ بَقَاءِ رُوحِهِ فِي جَسَدِهِ إِلَى الْآنَ.
وَسَمِعَ الْجَارُ حَدِيثَهُمَا؛ فَخَاطَبَهُمَا بِجَفْوَةٍ، قَائِلًا: «لَا تَلُومَا إِلَّا نَفْسَيْكُمَا عَلَى مَا جَرَى لَكُمَا يَا صَاحِبَيَّ، فَالشَّمْعَةُ فِي يَدِ السَّكْرَانِ مَجْلَبَةٌ لِلْأَذَى إِنْ كَانَتْ وَالِعَةً أَوْ مُطْفَأَةٌ.»