الْكَلْبُ وَالْحِصَانُ
بَعْدَ أَنْ خَدَمَ الْكَلْبُ وَالْحِصَانُ صَاحِبَهُمَا سِنِينَ عَدِيدَةً، جَلَسَا يَتَنَاقَشَانِ فِي قِيمَةِ خِدْمَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَفَجْأَةً صَاحَ الْكَلْبُ فِي الْحِصَانِ قَائِلًا: «لَوْ كَانَ لِي أَنْ أَتَصَرَّفَ كَمَا أَرَى وَأَشَاءَ، لَكُنْتُ طَرَدْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْمَزْرَعَةِ مِنْ زَمَنٍ بَعِيدٍ؛ لِأَنَّهُ: مَا قِيمَةُ جَرِّ الْمِحْرَاثِ أَوِ الْعَرَبَةِ؟ وَلَيْسَ لَكَ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ عَمَلٍ تَفْخَرُ بِأَدَائِهِ وَتَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ مَا تَنَالُهُ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ، بَيْنَمَا تَرَانِي دَائِمَ الْحَرَكَةِ فِي رَعْيِ الْمَاشِيَةِ نَهَارًا، وَحِرَاسَةِ حَظَائِرِهَا، وَمَسَاكِنِ الْمَزْرَعَةِ لَيْلًا و…»
فَقَاطَعَهُ الْحِصَانُ قَائِلًا: «هَوِّنْ عَلَيْكَ يَا صَاحِ! وَكَفَى بَعْضُ مَا ذَكَرْتَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ لِتَسْوِيغِ مَا تَأْخُذُهُ أَنْتَ أَيْضًا مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، فَلَسْتُ مِمَّنْ يَغْمِطُونَ النَّاسَ حُقُوقَهُمْ، وَلَكِنِّي أَوَدُّ أَنْ أُوَجِّهَ نَظَرَكَ إِلَى أَنَّنِي لَوْ لَمْ أَشْتَغِلْ بِجَرِّ الْمِحْرَاثِ لِحَرْثِ الْأَرْضِ وَزَرْعِهَا، لَمَا وَجَدْتَ أَنْتَ مَا تُتْعِبُكَ رِعَايَتُهُ مِنَ الْمَاشِيَةِ، وَلَا مَا يَشْغَلُكَ حِرَاسَتُهُ مِنَ الْحَظَائِرِ وَالْمَسَاكِنِ.»