الْفَلَّاحُ الْحِمَارُ
اسْتَأْجَرَ فَلَّاحٌ سَاذَجٌ حِمَارًا نَشِيطًا، وَكَلَّفَهُ بِحِرَاسَةِ الْحَدِيقَةِ وَحِمَايَتِهَا مِنَ الطُّيُورِ كَالْعَصَافِيرِ وَالْغِرْبَانِ؛ الَّتِي كَانَتْ تَتَرَدَّدُ عَلَيْهَا لِالْتِقَاطِ مَا تَعْثُرُ عَلَيْهِ مِنَ الْبُذُورِ أَوِ الثِّمَارِ.
وَقَامَ الْحِمَارُ بِوَاجِبِهِ بِكُلِّ أَمَانَةٍ وَإِخْلَاصٍ فِي إِبْعَادِ الطُّيُورِ، وَلَمْ يَسْمَحْ لِفَمِهِ أَنْ يَمْتَدَّ إِلَى مَا كَانَ فِي الْحَدِيقَةِ مِنَ النَّبَاتَاتِ النَّاضِرَةِ الَّتِي جَرَى لُعَابُهُ عِنْدَ رُؤْيَتِهَا، وَطَبْعًا لَمْ يَكُنْ فِي وُسْعِ الْحِمَارِ أَنْ يُؤَدِّي عَمَلَهُ وَهُوَ وَاقِفٌ لَا يُبْدِي حَرَاكًا، وَلَا يَرْفَعُ نَظَرَهُ إِلَى مَا فَوْقَهُ، بَلْ كَانَ وَاجِبُهُ يَضْطَرُّهُ إِلَى الْجَرْيِ وَالْوُثُوبِ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَى نَاحِيَةٍ؛ لِيَطْرُدَ مَا يَلُوحُ لَهُ أَنَّهُ سَيَهْبِطُ عَلَى الْحَدِيقَةِ مِنَ الطُّيُورِ الصَّغِيرَةِ أَوِ الْكَبِيرَةِ، غَيْرَ مُكْتَرِثٍ لِمَا تُخَرِّبُهُ أَرْجُلُهُ مِنْ أَحْوَاضِ الْأَزْهَارِ الْجَمِيلَةِ، الَّتِي تَعِبَ الْبُسْتَانِيُّ فِي زَرْعِهَا وَتَنْسِيقِهَا وَالْعِنَايَةِ بِهَا!
•••
وَلَكِنْ قُلْ لِي بِرَبِّكَ! عَلَى مَنْ يَقَعُ اللَّوْمُ فِي هَذَا الْأَمْرِ؟ أَعَلَى الْحِمَارِ الَّذِي قَامَ بِمَا طُلِبَ مِنْهُ الْقِيَامُ بِهِ خَيْرَ قِيَامٍ، وَبِكُلِّ نَشَاطٍ وَهِمَّةٍ وَإِخْلَاصٍ؟ أَمْ عَلَى الْفَلَّاحِ الَّذِي أَسَاءَ الِاخْتِيَارَ؟ وَأَيُّهُمَا كَانَ أَجْدَرَ بِالْعِقَابِ؟