الْقَرَوِيُّ يَسْتَجْدِي
فَأَجَابَهُ هَذَا، بَعْدَ أَنْ هَزَّ رَأْسَهُ، تَحَسُّرًا عَلَيْهِ: «يَا صَدِيقِي الْقَدِيم، إِنَّ مَا أَصَابَكَ لَيْسَ إِلَّا نَتِيجَةً طَبِيعِيَّةً لِكَثْرَةِ مَا كُنْتَ تَتَحَدَّثُ بِهِ عَنْ مَالِكَ وَثَرْوَتِكَ، حَتَّى أَطْمَعْتَ هَذَا اللِّصَّ اللَّئِيمَ وَأَغْرَيْتَهُ بِسَرِقَتِكَ، وَهَكَذَا تَرَى أَنَّكَ قَدْ أَخْطَأْتَ ضِدَّ نَفْسِكَ، وَفِي حَقِّ أَصْحَابِكَ؛ لأنكَ أَفْقَدْتَهُمْ صَدِيقًا كَانُوا يَدَّخِرُونَهُ لِوَقْتِ الضِّيقِ، وَبِمَا أَنَّكَ قَدْ أَخْطَأْتَ؛ فَعَلَيْكَ أَنْ تَتَحَمَّلَ نَتِيجَةَ خَطَئِكَ وَحْدَكَ، وَاللهُ فِي عَوْنِكَ!»
وَقَالَ لَهُ صَدِيقٌ آخَرُ: «هَذَا دَرْسٌ يَنْفَعُكَ يَا صَاحِ، وَمِنْهُ تَتَعَلَّمُ أَنَّ مَنْ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ لَكَ مِنْ مَالٍ، يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنَامَ وَرَاءَ بَابِ مَخْزَنِهِ»، وَصَرَفَهُ بِنَظْرَةٍ تُشِيرُ إِلَى الْبَابِ الَّذِي دَخَلَ مِنْهُ، وَلَمْ يَمُدَّ إِلَيْهِ يَدَهُ، لَا بِخَيْرٍ وَلَا بِشَرٍّ.
وَيَسُرُّنِي أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكَ جَرْوَيْنِ، لَا حَاَجَةَ لِي بِهِمَا، وَكُنْتُ عَلَى وَشْكِ إِغْرَاقِهِمَا لِأَتَخَلَّصَ مِنْهُمَا، فَإِنْ شِئْتَ فَخُذْ أَحَدَهُمَا لِتُرِيحَنِي مِنْ عَنَاءِ إِغْرَاقِهِ، وَلَا تَنْتَظِرْ مِنِّي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الصَّدِيقُ الْعَزِيزُ!»