الْفَلَّاحُ وَاللِّصُّ
وَأَخَذَ الْفَلَّاحُ الْمِسْكِينُ يَسْتَعْطِفُهُ، وَيَسْتَرْحِمُهُ، بِكُلِّ مَا حَضَرَهُ مِنَ الْعِبَارَاتِ الْمُؤَثِّرَةِ، رَاجِيًا أَنْ يَرِقَّ لَهُ قَلْبُهُ، وَقَالَ لَهُ: «ارْحَمْنِي يَرْحَمْكَ اللهُ، أَيُّهَا الرَّفِيقُ! فَإِنِّي قَدْ كَدَدْتُ وَكَدَحْتُ حَوْلًا كَامِلًا حَتَّى تَمَكَّنْتُ بِعَرَقِ جَبِينِي مِنْ جَمْعِ مَا اشْتَرَيْتُ بِهِ هَذِهِ الْبَقَرَةَ، وَكَمْ كُنْتُ أُعَلِّلُ نَفْسِي بِهَذَا الْيَوْمِ الْمُؤَمَّلِ الَّذِي أَجِدُ نَفْسِي فِيهِ صَاحِبَ بَقَرَةٍ فِي مَزْرَعَةٍ صَغِيرَةٍ، وَالْآنَ، إِنْ أَنْتَ حَرَمْتَنِي إِيَّاهَا فَإِنَّكَ تَهْدمُ كُلَّ مَا بَنَيْتُهُ مِنَ الْآمَالِ، فَتَكْسِرُ قَلْبِي و…»
فَقَالَ اللِّصُّ مُقَاطِعًا، وَقَدْ بَدَا عَلَيْهِ التَّأَثُّرُ: لَا تَجْزَعْ أَيُّهَا الرَّفِيقُ الطَّيِّبُ الْقَلْبِ، وَلَا تَحْسَبْنِي مِنَ اللُّصُوصِ قُسَاةِ الْقُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَرْحَمُونَ ضَحَايَاهُمُ الْمَسَاكِينَ أَمْثَالَكَ! فَهَاكَ السَّطْل فَخُذْهُ فَلَا حَاجَةَ لِي بِهِ؛ لِأَنِّي سَأَبِيعُ الْبَقَرَةَ عِنْدَ أَوَّلِ فُرْصَةٍ بَعْدَمَا أَتْرُكُكَ، فَاذْهَبْ فِي سَبِيلِكَ، وَادْعُ لِي بِالتَّوْفِيقِ وَالسَّتْرِ، وَعَلَيْكَ السَّلَامُ.