وقايع القرن الثاني عشر الهجري
واستهل القرن الثاني عشر، وأمراء مصر فريقين فقارية وقاسمية. فالفقارية: ذو الفقار بيك، وإبراهيم بيك أمير الحاج، ودرويش بيك، وإسماعيل بيك، ومصطفى بيك قزلار، وأحمد بيك قزلار بجدة، ويوسف بك القرد، وسليمان بيك بارم ديله، ومرجان جوز بيك كان أصله قهوجي السلطان محمد، عملوه صنجقًا فقاري بمصر. الجميع تسعة وأمير الحاج منهم.
والقاسمية: مراد بيك الدفتردار، ومملوكه أبو ظبيك، وإبراهيم أبو شنب، وقانصوه بيك، وأحمد بيك منوفية، وعبد الله.
ونواب مصر من طرف السلطان سليمان بن عثمان في أوايل القرن: حسن باشا السلحدار سنة تسع وتسعين وألف حتى سنة ماية وواحد بعد الألف، والسلطان في ذلك الوقت السلطان سليمان بن إبراهيم خان، وتقلد إبراهيم بيك أبو شنب إمارة الحاج، وإسماعيل بيك دفتردار، وذلك سنة تسع وتسعين.
وفي أواخر الحجة سنة تسع وتسعين وألف حصلت واقعة عظيمة بين إبراهيم بيك ابن ذي الفقار وبين العرب الحجازيين خلف جبل الجيوش، وقتلوا كثيرًا من العرب، ونهبوا أرزاقهم ومواشيهم، وأحضر منهم أسرى كثيرة، ووقفت العرب في طريق الحج تلك السنة بالشرقية، فقتل من الحاج خلقًا كثيرًا، وأخذوا نحو ألف جمل بأحمالها، وقتلوا خليل كَتْخُداي الحج. فعين عليهم خمسة أمراء صناجق، فوصلوا إلى العقبة، وهرب العربان.
وفي أيامه سافر ألفا شخص من العسكر، وألبسوا عليهم مصطفى بيك طكوزجلان، وسافروا إلى أدرنه في غرة جمادى الأول سنة ماية وألف ١٦٨٨م.
وفي رابع جمادى الثاني خنق الباشا كتخداه بعد أن أرسله إلى دير الطين على أنه يتوجه إلى جرجا لتحصيل الغلال، وذلك لذنب نقمه عليه.
وفي شعبان نقب المحابيس العرقانة وهرب المسجونون منها.
وفي أيامه غلت الأسعار مع زيادة النيل وطلوعه في أوانه على العادة.
ثم عُزل حسن باشا، ونزل إلى بيت محمد بيك حاكم جرجا المقتول، وتولى قيطاس بيك قايم مقام. فكانت مدته هذه المرة سنة واحدة وتسعة أشهر.
ثم تولى أحمد باشا، وكان سابقًا كتخدا إبراهيم باشا الذي مات بمصر، وحضر أحمد باشا عن طريق البر، وطلع إلى القلعة في سادس عشر المحرم سنة إحدى وماية وألف، ووصل أغا بطلب ألفي عسكري، وعليهم صنجقًا يكون عليهم سردارًا، فعينوا مصطفى بيك حاكم جرجا سابقًا، وسافر في منتصف جمادى الآخرة، وفي هذا التاريخ سافرت تجريدة عظيمة إلى ولاية البحيرة والبهنسا وعليهم صنجقان، وتوجهوا في ثاني عشر جمادى الآخر، وسافر أيضًا خلفهم إسماعيل بيك، وجميع الكشاف، كتخدا الباشا، وأغوات البلكات، وكتخدا الجاويشية وبعض اختيارية، وحاربوا ابن وافي وعربانه مرارًا. ثم وقعت بينهم وقعة كبيرة، فهُزِم فيها الأحزاب، وولوا منهزمين نحو الغرق، وأما قيطاس بيك وحسن أغا بلفيا، وكتخدا الباشا فإنهم صادفوا جمعًا من العرب في طريقهم فأخذوهم، ونهبوا مالهم، وقطعوا منهم رءوسًا، ثم حضروا إلى مصر.
وفي أيامهم كانت وقعة ابن غالب شريف مكة، ومحاربته بها مع محمد بيك حاكم جدة، فكانت الهزيمة على الشريف، وتولى السيد محسن بن حسين بن زيد إمارة مكة، ونودي بالأمان بعد حروب كثيرة، وزينت مكة ثلاثة أيام بلياليها وذلك في منتصف رجب، ومرض أحمد باشا، وتوفي ثاني عشر جمادى الآخر سنة اثنتين وماية وألف ودفن بالقرافة. فكانت مدته سنة واحدة وستة أشهر.
ومن مآثره: ترميم الجامع المؤيدي، وقد كان تداعى إلى السقوط، فأمر بالكشف عليه، وعمره ورمَّه.
وفي رابع عشر رجب توفي قيطاس بك الدفتردار.
وفي ثاني يوم حضر قانصوه بيك تابع المتوفى من سفره بالخزينة، مكان كتخدا الباشا المتولي قائممقام بعد موت سيده. فألبس قانصوه بك دفتردار. ثم ورد مرسوم بولاية علي كتخدا الباشا قائممقام، وأُذن بالتصرف إلى آخر مسرى فكانت مدة تصرفه أربعة وتسعين يومًا.
ثم تولى علي باشا، وحضر من البحر إلى القلعة في ثاني عشر رمضان سنة اثنتين ومائة وألف، وحضر صحبته تترخان، وأقام بمصر إلى أن توجه إلى الحج، ورجع على طريق الشام.
وفي ثاني عشر القعدة حضر قرا سليمان من الديار الرومية، ومعه مرسوم مضمونه الخبر بجلوس السلطان أحمد بن السلطان إبراهيم؛ فزينت مصر ثلاثة أيام، وضربت مدافع من القلعة.
وفي ثالث عشر صفر سنة ثلاث وماية وألف، ورد نجاب من مكة، وأخبر بأن الشريف سعد تغلب على محسن، وتولى إمارة مكة، فأرسل الباشا عرضًا إلى السلطنة بذلك.
وفي ثامن عشر ربيع أول، ورد مرسوم مضمونه ولاية نظر الدشايش والحرمين لأربعة من الصناجق، فتولى إبراهيم بك ابن ذي الفقار أمير الحاج حالًا عوضًا عن أغات مستحفظان، ومراد بك الدفتردار على المحمدية عوضًا عن كتخدا مستحفظان، وعبد الله بك على وقف الخاصكية عوضًا عن كتخدا الغرب، وإسماعيل بك على أوقاف الحرمين عوضًا عن باش جاويش مستحفظان، فألبسهم علي باشا قفاطين على ذلك.
وفي مستهل رمضان من السنة حضر من الديار الرومية الشريف سعد بن زيد بولاية مكة، وتوجه إلى الحجاز.
وفي شهر شوال سافر علي كتخدا أحمد باشا المتوفى إلى الروم، وفي تاريخه تقلد إسماعيل بك الدفتردارية عوضًا عن مراد بك.
وفي ثالث عشر شوال، قتل جلب خليل كتخدا مستحفظان ببابهم، وحصلت في بابهم فتنة أثارها كچك محمد، وأخرجوا سليم أفندي من بلكهم، ورجب كتخدا، وألبسوهما الصنجقية في ثالث عشرينه.
وأبطل كچك محمد الحمايات من مصر باتفاق السبع بلكات، وأبطلوا جميع ما يتعلق بالعزب والانكشارية من الحمايات بالثغور وغيرها، وكتب بذلك بيورلدى، ونادوا به في الشوارع.
وفي غرة القعدة قبض الباشا على سليم أفندي وخنقه بالقلعة، ونزل إلى بيته محمولًا في تابوت، وتغيب رجب كتخدا، ثم استعفى من الصنجقية، فرفعوها عنه وسافر إلى المدينة.
وفي ثامن عشر ربيع الأول ورد مرسوم بتزيين الأسواق بمصر وضواحيها بمولودين توأمين رُزقهما السلطان أحمد، سمى أحدهما: سليمان، والآخر: إبراهيم.
وفي ثاني عشر شعبان سافر حسين بك أبو يدك بألف نفر من العسكر لاحقًا بإبراهيم بك أبي شنب، وقد كان سافر في أواخر ربيع الأول لقلعة كريد.
وفي ثاني عشر رمضان سنة خمس وماية وألف، الموافق لحادي عشر بشنس، هبت ريح شديدة وتراب أظلم منه الجو، وكان الناس في صلاة الجمعة، فظن الناس أنها القيامة، وسقطت المركب التي على منارة جامع طولون، وهُدمت دور كثيرة.