واستلهت سنة سبع وماية وألف
وفي غرة المحرم سنة سبع ومائة وألف، اجتمع الفقراء والشحاذون رجالًا ومن نسا وصبيان، وطلعوا إلى القلعة، ووقفوا بحوش الديوان، وصاحوا من الجوع، فلم يجبهم أحد، فرجموا بالأحجار. فركب الوالي وطردهم، فنزلوا إلى الرُميْلة، ونهبوا حواصل الغلة التي بها، ووكالة القمح، وحاصل كتخدا الباشا، وكان ملآنا بالشعير والفول، وكانت هذه الحادثة ابتداء الغلا حتى بيع إردب القمح بستماية نصف فضة، والشعير بثلثماية، والفول بأربعماية وخمسين، والأرز بثمانماية نصف فضة، وأما العدس فلا يوجد، وحصل شدة عظيمة بمصر وأقاليمها، وحضرت أهالي القرى والأرياف حتى امتلأت منهم الأزقة، واشتد الكرب، حتى أكل الناس الجيف، ومات الكثير من الجوع، وخلت القرى من أهاليها، وخطف الفقراء الخبز من الأسواق، ومن الأفران، ومن على روس الخبازين، ويذهب الرجلان والثلاثة مع طبق الخبز يحرسونه من الخطف، وبأيديهم العصا، حتى يخبزوه بالفرن، ثم يعودون به، واستمر الأمر على ذلك إلى أن عزل علي باشا في ثامن عشر المحرم سنة سبع ومائة ألف.
وورد مسلم إسماعيل باشا من الشام، وجعل إبراهيم بك أبا شنب قائممقام، ونزل علي باشا إلى منزل أحمد كتخدا العزب المطل على بركة الفيل. فكانت مدته أربع سنوات وثلاثة أشهر وأيامًا، ثم تولى إسماعيل باشا، وحضر من البر، وطلع إلى القلعة بالموكب على العادة في يوم الخميس سابع عشر صفر. فلما استقر في الولاية ورأى ما فيه الناس من الكرب والغلاء، أمر بجميع الفقرا والشحاذين بقراميدان، فلما اجتمعوا أمر بتوزيعهم على الأمرا والأعيان، كل إنسان على قدر حاله وقدرته، وأخذ لنفسه جانبًا، ولأعيان دولته جانبًا، وعين لهم ما يكفيهم من الخبز والطعام صباحًا ومسا، إلى أن انقضى الغلا.
وأعقب ذلك فناء عظيم، فأمر الباشا بيت المال أن يُكفِّن الفقرا والغربا، فصاروا يحملون الموتى من الطرقات ويذهبون بهم إلى مَغْسِل السلطان عند سبيل المؤمنين، إلى أن انقضى أمر الوباء، وذلك خلاف من كفنه الأغنياء، وأهل الخير من الأمرا والتجار وغيرهم، وانقضى ذلك في آخر شوال، وتوفي فيه الشيخ زين العابدين البكري، وإبراهيم بك ابن ذي الفقار أمير الحاج وغيرهما.
ولما انقضى ذلك عمل الباشا مُهِمًا عظيمًا لختان ولده إبراهيم بك، وخَتَنَ معه ألفين وثلاثماية وستة وثلاثين غلامًا من أولاد الفقرا، ورسم لكل غلام بكسوة كاملة ودينار.
وورد مرسوم بمحاسبة علي باشا المنفصل فحوسب، فطلع عليه ستماية كيس، فختموا منزله وباعوا موجوداته، حتى غَلِقِ ذلك.
وورد أمر بالزينة بسبب نصرة، فزينت المدينة وضواحيها ثلاثة أيام.
وفي رجب ورد مرسوم بطلب ألفين من العسكر وأميرهم مراد بك، فلبس الخلع هو وأرباب المناصب، وسافروا في حادي عشر شعبان.
وفي عاشر رجب سنة سبع وماية وألف، تقلد قيطاس بك، تابع أمير الحاج ذي الفقار بك الصنجقية عوضًا عن ابن سيده إبراهيم بك.
وورد الإفراج عن نذير أغا، ورتب له خمسماية عثماني وخمس جرايات وعشر علايف في ديوان مصر، واستمر رفيقه إسماعيل أغا بالسجن.
وفي رابع رجب ورد أحمد بك من السفر، وفي سابعه تقلد أيوب بك إمارة الحج.
وفي ثاني شعبان ورد إسماعيل بك راجعًا من السفر.
وفي ثالث عشر ربيع الأول سنة ثمانٍ وماية وألف، ورد أمر بتزيين أسواق مصر سرورًا بمولود للسلطان وسمي محمود، وورد أيضًا الخبر باستشهاد مراد بك.
وفي ثالث عشر رمضان من السنة قامت العساكر على ياسف اليهودي وقتلوه، وجروه من رجله وطرحوه في الرميلة، وقامت الرعايا فجمعوا حطبًا وحرقوه، وذلك يوم الجمعة بعد الصلاة، وسبب ذلك: أنه كان ملتزمًا بدار الضرب في دولة علي باشا المنفصل، ثم طُلب إلى إسلامبول، وسيل سئل عن أحوال مصر فأملى أمورًا، والتزم بتحصيل الخزينة زيادة عن المعتاد، وحسَّن بمكره إحداث مُحدثات، ولما حضر مصر تلقته اليهود من بولاق وأطلعوه إلى الديوان، وقُريت الأوامر التي حضر بها، ووافقه الباشا على إجرايها إجرائها وتنفيذها، وأشهر الندا بذلك في شوارع مصر، فاغتمَّ الناس، وتوجه التجار وأعيان البلد إلى الأمرا، وراجعوهم في ذلك؛ فركب الأمرا، والصناجق، وطلعوا إلى القلعة وفاوضوا الباشا، فجاوبهم بما لا يرضيهم. فقاموا عليه قومةً واحدة، وسألوه أن يسلمهم اليهودي فامتنع من تسليمه، فأغلظوا عليه، وصمموا على أخذه منه فأمرهم بوضعه في العرقانة، ولا يشوشوا عليه حتى ينظروا في أمره، ففعلوا به كما أمرهم. فقامت الجند على الباشا وطلبوا أن يسلمهم اليهودي المذكور ليقتلوه فامتنع، فمضوا إلى السجن وأخرجوه وفعلوا به ما ذُكر، وفي ذلك يقول الشيخ حسن البدري الحجازي رحمه الله:
وفي تاريخه أحضر الباشا الشيخ محمد الزرقاني أحد شهود المحكمة، بسبب أنه كتب حجة وقف منزل آل إلى بيت المال، فأمر بحلق لحيته، وتشهيره على جمل في الأسواق، والمنادي ينادي عليه، هذا جزاء من يكتب الحجج الزور، ثم أمر بنفيه إلى جزيرة الطينة.
وفي صفر وردت سكة دينار عليها طُرّة. فجمع الباشا الأمراء، وأحضر أمين الضربخانة وسلمها له، وأمره أن يطبع بها، وأن يكون عيار الذهب اثنين وعشرين قيراطا، والوزن كل مائة شريفي ماية وخمسة عشر درهمًا، وسعر الأبوطرة ماية وخمسة عشر نصفًا، وفي ذلك الشهر لبس عبد الرحمن بك واليًا على ولاية جرجا، وتوجه إليها.
وفي ثاني عشر ربيع الأول قامت العسكر المصرية وعزلوا الباشا، فكانت مدة إسماعيل باشا سنتين، وتقلد مصطفى بك قايممقام مصر إلى أن حضر حسين باشا من صيدا، وطلع إلى القلعة في موكب عظيم، في منتصف رجب سنة تسع وماية وألف، ورد مرسوم بطلب تجهيز ألفي نفر من العسكر، وعليهم يوسف بك المسلماني، فقضى أشغاله، وسافر في تاسع عشر رمضان.
وفي منتصف شهر ذي الحجة، خرج إسماعيل باشا إلى العادلية ليسافر، وكان قد حاسبه حسين باشا، فتأخر عليه خمسون ألف إردب، دفع عنها خمسين كيسًا، وباع منزله وبلاد البدرشين التي كان قد وقفها، وتوجه إلى بغداد.
وفي سنة عشر وماية وألف، أخذ أرباب الاستحقاقات الجراية والعلايف بثمن، عن كل إردب قمح خمسة وعشرون نصفًا فضة، وكل إردب شعير ستة عشر نصفًا.
وفي آخر جمادى الثانية ظهر رجل من أهل الفيوم يدعى بالعليمي، قدم إلى القاهرة، وأقام بظهر القهوة المواجهة لسبيل المؤمن، فاجتمع عليه كثير من العوام، وادَّعوا فيه الولاية، وأقبلت عليه الناس من كل جهة، واختلط النساء بالرجال، وكان يحصل بسببه مفاسد عظيمة، فقامت عليه العسكر، وقتلوه بالقلعة، ودُفن بناحية مشهد السيدة نفيسة رضي الله عنها وفى ذلك يقول الشيخ حسن الحجازي، عفا الله عنه:
وفي رابع عشر شوال، كانت واقعة المغاربة من أهل تونس وفاس، وذلك أن من عادتهم أن يحملوا كسوة الكعبة التي تُحمل كل سنة للبيت الحرام، ويمرون بها في وسط القاهرة، ويحملون المغاربة جانبًا منها للتبرك بها، ويضربون كل من رأوه يشرب الدخان في طريق مرورهم. فرأوا رجلًا من أتباع مصطفى كتخدا القازدغلي فكسروا إنبوبته، وتشاجروا معه وشجوا رأسه، وكان في مقدمتهم طايفة منهم متسلحون، وزاد التشاجر، واتسعت القضية، وقام عليهم أهل السوق، وحضر أوضباشة البوابة فقبض على أكثرهم، ووضعهم في الحديد، وطلع بهم إلى الباشا، وأخبروه بالقضية؛ فأمر بسجنهم بالعرقانة، فاستمروا حتى سافر الحج من مصر، ومات منهم جماعة في السجن، ثم أفرج عن باقيهم.
ثم تولى قره محمد باشا، وحضر إلى مصر منتصف ربيع الثاني سنة إحدى عشرة وماية وألف، وهو كتخدا إسماعيل باشا المتقدم ذكره.
وفي أيامه سنة أربعة عشر حصلت حادثة الفضة المقصوصة والتسعيرة، وسياتى خبر ذلك في ترجمة على أغا مستحفظان.
وفي سنة خمس عشرة وردت أخبار بوفاة السلطان مصطفى، وجلوس السلطان أحمد بن محمد خان في سابع عشر ربيع الآخر منها.
وأمر الباشا بقطع السقايف والدكاكين؛ لأجل توسعة الطرق والأسواق، ثم أمر بقطع الأرض وتمهيدها، فحفروا نحو ذراع أو أكثر من الأسواق، ففعل ذلك، ثم أمر بقطع الأرض إلى أن كشفت الجدران.
ومكث محمد باشا واليًا على مصر خمس سنوات إلى أن عُزل في شهر رجب سنة ست عشرة وماية وألف، ومن مآثره تعمير الأربعين الذي بجوار باب قراميدان، وأنشأ فيه جامعًا بخطبة، وتكية لفقراء الخلوتية من الأروام، وأسكنهم بها، وأنشأ تجاهها مطبخًا ودار ضيافة للفقرا، وفي علوها مطبخًا ومكتبًا للأطفال يقراون (يقرأون) فيه القرآن، ورتب لهم ما يكفيهم، وأنشأ فيما بينها وبين البستان المعروف بالغوري حمامًا فسيحة مفروشة بالرخام الملون، وجدد بستان الغوري وغرست فيه الأشجار، ورمم قاعة الغوري التي بالبستان، وعمر بجوار المنزل سكن أمير أخور، وبنى مسطبة عظيمة برسم إلباس القفاطين، وتسليم المحمل لأمير الحاج وأرباب المناصب، وعمر مسطبة يُرمى عليها النشاب، وأنشأ الحمام البديع بقراميدان، ونُقل إليه من القلعة حوض رخام صحن قطعةً واحدةً، أنزلوه من السبع حدارات، وعملوا به فسقية في وسط المسبح، وعمر بالقرافة مقام سيدي عيسى بن سيدي عبد القادر الجيلاني، وجعل به فقراء مجاورين، ورتب لهم ما يكفيهم، وأنشأ صهريجًا بداخل القلعة بجوار نوبة الجاويشية، ورتب فيها خمسة عشر نفرًا يقراون القران كل يوم بعد طلوع الشمس.
وهو الذي تسبب في قتل عبد الرحمن بك حاكم جرجا لحزازةٍ معه من أجل مخدومه إسماعيل باشا، وسيأتي تتمة ذلك في خبره عند ذكر ترجمته.
وتولى رامي محمد باشا، وكان تولى الوزارة في زمن السلطان مصطفى، وانفصل عنهما، وجُعل محافظًا بجزيرة قبرص، ثم حضر منها واليًا على مصر، فطلع إلى القلعة في يوم الاثنين سادس شعبان سنة ست عشرة وماية وألف.
وفي سبعة عشر تقلد قيطاس بك إمارة الحج عوضًا عن أيوب بك.
وفي تلك السنة توقف النيل عن الزيادة؛ فضج الناس، وابتهلوا بالدعاء، وطلب الاستسقا، واجتمعوا على جبل الجيوشي وغيره من الأماكن المعروفة بإجابة الدعا، فاستجاب الله لهم في حادي عشر توت، وشذ ذلك من النوازل.
وقد أرخه بعضهم فقال:
وفى ذلك يقول الشيخ حسن الحجازي:
فروى بعض البلاد، وهبط سريعًا، فحصل الغلا، وبلغ سعر الإردب القمح مايتين وأربعين نصف فضة، والفول كذلك، والعدس مايتين نصف فضة، والشعير ماية نصف فضة، والأرز أربعماية نصف فضة، وبيع اللحم الضاني كل رطل بثلاثة أنصاف فضة، والجاموسي والبقري بنصفين، والسمن القنطار بستماية نصف فضة، والزيت بثلاثماية وخمسين، والدجاجة بثمانية أنصاف، وعلى هذا فَقِس، والبيض كل ثلاث بيضات بنصف، والرطل الشمع الدهن بثمانية أنصاف، وكثر الشحاذون في الأزقة.
وفي سنة ثمانية عشر لم يأتِ من اليمن ولا من الهند مراكب، فشح القماش الهندي وغلا البن حتى بلغ القنطار ألفين وسبعماية وخمسين فضة، وغلا الشاش، فبيع الفرحات خان بأربعماية نصف فضة، والخُنكاري بسبعماية نصف.
وفي سادس رجب عزل محمد باشا، وحضر مُسلِّم علي باشا. وفي تاسعه نزل محمد باشا من القلعة في موكب عظيم، وسكن بمنزل أحمد كتخدا العزب سابقًا المطل على بركة الفيل بالقرب من حمام السكران.
ووصل علي باشا من طريق البحر، وذهبت إليه الملاقات على العادة، وأرسى بساحل بولاق يوم الاثنين تاسع شعبان، وهو في نحو ألف ومايتين نفس خلاف الأتباع، وفي ثاني عشر شعبان سنة ثماني عشرة ركب بالموكب، وطلع إلى القلعة، وضربوا المدافع لقدومه.
وفي أواخر هذا الشهر وقعت فتنة بين العزب والمتفرقة، سببها: أن شخصًا من بلك العزب يسمى محمد أفندي كاتب صغير سابقًا، ثم بعد عزله تولى خليفة في ديوان المقابلة، وحصل له تهمة عُزل بها من المقابلة، ثم عمل سردار بالإسكندرية على طايفة العزب، وعمل كتخداى القبودان، وركب في المراكب، وأشيع أنه غرق في البحر، فحلوا اسمه وماله من التعلقات في بابه وغيره، وبعد مدة حضر إلى مصر وطلع إلى الديوان، وصحح اسمه الذي في العزب وجراياته وتعلقاته، وبقي له بعض تعلقات لم يقدر على خلاصها، ولم يساعده أهل بابه، وأهملوا أمره، فتغير خاطره منهم وذهب إلى بُلك المتفرقة وانضم إليهم، وسألهم أن يخرجوه من العزب ويدخلوه فيهم، وجعل يركب معهم كل يوم للديوان، ويمر على باب العزب. فبينما هو ذات يوم طالع إلى الديوان إذ وقف له جماعة من العزب، وقبضوا على لجام فرسه، وأنزلوه من على فرسه وحبسوه في بابهم، وبلغ الخبر المتفرقة وهم في الديوان، وحضر محمد أمين بيت المال في العزب، وكان في ذلك اليوم نايبًا عن باش جاويش لتمرضه، فعاتبه جماعة المتفرقة على ما فعله جماعته، فأغلظ عليهم في الجواب، فقبضوا عليه من أطواقه وأرادوا ضربه، فدخل بينهم المصلحون، وخلصوه من أيديهم. فنزل إلى باب العزب، وأخبرهم بما فعله المتفرقة، فاجتمعت طائفة العزب، ووقفوا على بابهم. فلما مرّ عليهم اثنان من جماعة المتفرقة نازلين إلى منازلهم، وهما محمد الأبدال، وصاري علي، فلما حاذوهم هجموا عليهم طايفة العزب هجمة واحدة، وضربوهما ضربًا مؤلمًا، وأنزلوهما عن الخيل وشجوهما، ونهبوا ما على الخيل من العُدد، وأخذوا ما عليهم من الملبوس. فلما وصل الخبر للمتفرقة اجتمعوا مع بقية الوجاقات، وقعدوا في باب الينكجرية، وأنهوا أمرهم إلى الأغوات والصناجق وأهل الحل والعقد، واستمروا على ذلك ثلاثة أيام إلى أن وقع التوافق على إخراج أربعة أنفار الذين كانوا سببًا لإشعال نار الفتنة، ونفيهم من مصر، وهم: أحمد كتخدا العزب، ومحمد أمين بيت المال، والشريف محمد باش أوده باشه، ومحمد أفندي قاضي أوغلي الذي كان الباعث على ذلك. فوافق على ذلك الجميع وصمموا عليه، فسفروهم إلى جهة الصعيد.
وفي ثاني شهر الحجة عزل علي أغا مستحفظان، وتولى عوضه رضوان أغا كتخدا الجاويشية سابقًا، وركب بالشعار المعلوم، وقطع ووصل، وأمر أهل الأسواق أن يدمغوا الأرطال في دار الدرب (الضرب) بالدمغة السلطانية، وجعلوا على كل دمغة نصف فضة، فتحصل من ذلك مال له طرة.
وفي سابع عشر المحرم سنة تسعة عشر وماية وألف، توفي إسماعيل بك الدفتردار، ولي أبراهيم بك عوضه، وهو الذي كان أمير الحاج سابقًا.
وفي سادس صفر ورد مرسوم من السلطان أحمد بأن يكون عيار الذهب اثنين وعشرين قيراطًا، وكانوا يقطعونه على ستة عشر.
وفي سابعه يوم الخميس ورد أمر بحبس محمد باشا الرامي وبيع كامل ما يملكه من متاع ملبوس وغيره، فحبس بقصر يوسف صلاح الدين، وإبطال والي البحر الذي يتولى من باب العزب، وفيه وصل الحجاج، وقد تأخروا إلى نصف صفر بسبب دخول مراكب الهند، وشراء ما بها من الأقمشة.
وفي شهر ربيع حبس جماعة من أتباع الباشا، وهو الكتخدا والخازندار وغيرهم من أرباب الكلمة.
وفي ثامن عشر جمادى الآخرة تقلد إبراهيم بك الدفتردار عوضًا عن أيوب بك بموجب مرسوم سلطاني، وفيه عُزل رضوان أغا مستحفظان وتولى أحمد أغا ابن بكير أفندي عوضًا عنه، وفيه ورد أمر بإبطال نوبة محمد باشا ونفيه إلى جزيرة رودس، فنزل من يومه إلى بولاق، وأقام بها إلى أن سافر.
وفي أوايل رجب، ورد أمر بعزل علي باشا، وحبسه في قصر يوسف، واستخلاص ما عليه من الديون إلى تجار إسلامبول، وجعل إبراهيم بك قايممقام، وحبس علي باشا، وبيعت موجوداته.
وفيها وقعت فتنة بباب الينكجرية، فعزلوا إفرنج أحمد باشا أوده باشه وحسين أغا ثم نفوهم إلى الطينة بدمياط.
ووردت الأخبار بولاية حسين باشا على مصر، وقدومه إلى الإسكندرية، فقدم إلى مصر في ثالث عشرين شعبان سنة تسعة عشر، وفيه سافر الشريف يحيى بن بركات إلى مكة بمرسوم سلطاني.
وفيه فرّ إفرنج أحمد أوده باشة، وحسين أغا من حبس الطينة، ودخلا مصر ليلًا، فاختبأ إفرنج أحمد عند أغاة الجراكسة، والتجأ حسين إلى باب التفكجية.
وفي خامس عشرينه طلع حسين باشا إلى القلعة بالموكب المعتاد على العادة، وفي سادس عشرينه اجتمع الينكجرية بالباب بأسلحتهم لما بلغهم قدوم إفرنج أحمد إلى مصر، وقالوا لا بد من نفيه ورجوعه إلى الطينة. فعاند في ذلك طايفة الجراكسة، وامتنعوا عن التسليم فيه، وقالوا لا بد من نقله من وجاقكم، وساعدهم بقية البلكات، ولم يوافق الينكجرية على ذلك، ومكثوا ببابهم يومين وليلتين، وكذلك فعل كل بلك ببابه، فاجتمع كل العلما والمشايخ على الصناجق والأعيان، وخاطبوهم في حسم الفتنة، فوقع الاتفاق على أن يجعلوه إفرنج أحمد صاحب طبلخانه، وأرسلوا له القفاطين مع كتخدا الباشا وأرباب الدرك، وأحضروه إلى مجلس الأغا، وقراوا عليه فرمان الصنجقية، وإن خالف يكون عليه بخلاف ذلك. فامتثل الأمر، ولبس الصنجقية، وطلع من منزل أغاة الجراكسة بموكب عظيم إلى منزله، ونزل له الصنجق السلطاني والطبلخانة في غايته.
ومن الحوادث: أنه حضر كتخدا حسين باشا المذكور عن طريق البحر بأوامر منها: تحرير عيار الذهب على ثلاثة وعشرين قيراطًا، وأن يضربوا الزلاطة والعثمانية التي يقال لها: الأخشاية، بدار الضرب، وأحضر معه سكة لذلك. فامتنع المصريون من ذلك، ووافقوا على تصحيح عيار الذهب فقط.
وفي شهر شوال حضر أغا بمرسوم ببيع موجودات علي باشا المسجون، فباعوها بالمزاد بالديوان.
وفي شهر الحجة ورد أغا بطلب خليل خازندار إبراهيم بك الدفتردار، وسببه: أنه أُنِهى إلى السلطان أن خليل الخازندار المذكور أتاه رجل دلال بقوس، فصار يجذبها ويتصرف فيها، وكان بجانبه رجل من العثمانيين، فأخذ القوس من يد خليل المذكور، وأراد جذبها فلم يستطع، فتعجب من قوة خليل المذكور، وأخذ منه القوس، وسافر بها إلى الديار الرومية ليمتحن بها أهل ذلك الفن، فلم يقدر أحد على جذبها، واتصل خبرها بالسلطان فطلبها لجذبها فلم يستطع، فتعجب من صعوبتها. فقال له الرجل: إن بمصر مملوكًا عند إبراهيم بك أوترها، وصار يجذبها حتى تجتمع طرفاه، وعنده أيضًا مكحلة وزنها ثلاثون درهمًا، يرمي بها الهدف وهو رامح على ظهر الحصان. فأمر السلطان بإحضاره، فجهزه إبراهيم بك وأرسله.