وفى ثالث المحرم سنة أربع وعشرين وماية وألف
ورد مرسوم سلطاني بطلب ثلاثة آلاف من العساكر المِصْرَيَّة إلى الغزو، وفي ثامنه تشاجر رجل شريف مع تركي في سوق البندقانيين فضرب التركي الشريف فقتله، ولم يُعلم أين ذهب؟ فوضع الأشراف المقتول في تابوت، وطلعوا به إلى الديوان، وأثبتوا القتل على القاتل.
فلما كان يوم عاشره قامت الأشراف، وقفلوا أسواق القاهرة، وصاروا يرجمون أصحاب الدكاكين بالحجارة، ويأمرونهم بقفل الدكاكين، وكل من لقوه من الرعية أو من أمير يضربونه، ومكثوا على ذلك يومهم، وأصبحوا كذلك يوم الجمعة وأرسلوا خبرًا للأشراف القاطنين بقرى مصر ليحضروا، واجتمعوا بالمشهد الحسيني، ثم خرجوا وأمامهم بيرق وذهبوا إلى منزل قيطاس بك الدفتردار، فخرج عليهم أتباعه بالسلاح فطردوهم وهزموهم.
فلما تفاقم أمرهم تحركت عليهم العساكر، وركب أغوات الإسباهية الثلاث، وأغات الينكجرية في عَدَدِهم وعِدَدِهم، وطافوا البلد، فعند ذلك تفرقت الجمعية ورجع كل إلى مكانه، ونادوا بالأمن والأمان، وفتحت الدكاكين، ثم اجتمع رأي الأمراء على نفي طائفة من أكابر الأشراف، فتشفع فيهم المشايخ والعلما فعفوا عنهم.
وفي هذا الشهر وقع ثلج بقريتي سرسنة وعشما من بلاد المنوفية، كل قطعة منه مقدار نصف رطل، وأقل وأكثر، ثم نزلت صاعقة أحرقت مقدارًا عظيمًا من زرع الناحية وقتلت أناسًا.
وفي يوم الخميس ثامن ربيع الأول سافر مصطفى بك تابع يوسف أغا من بولاق بالعسكر صحبة المعينين للغزو، وحضرت العساكر الذين كانوا في سفر الموسقو صحبة سردارهم إسماعيل بك، ولما عادوا إلى إسلامبول بالنصر، وضعوا لهم على رؤوسهم ريشًا في عمائمهم سِمَة لهم، ومات أميرهم إسماعيل بك بإسلامبول، ودخلوا مصر وعلى رؤوسهم تلك الريش المسماة بالشلنجات.
وفي ثاني عشرينه قبل الغروب خرجت فرتينة بريح عاصف أظلم منها الجو، وسقط منها بعض منازل.
وفي غرة ربيع الثاني ورد أغا ومعه مرسوم مضمونه حصول الصلح بين السلطنة والموسقو، ورجوع العسكر المصري، ولما رجعوا أخذوا منهم ثلثي النفقة وتركوا لهم الثلث، وكذلك التراقي من الجوامك التي تعطى للسردارية وأصحاب الدركات.
وفي ثامن عشْرِه ورد قابجي باشا وعلى يده مرسوم بتقليد قيطاس بك الدفتردار أميرًا على الحاج عوضًا عن يوسف بك الجزار، وأن يكون إبراهيم بك بشناق المعروف بأبي شنب دفتردارًا، فامتثلوا ذلك ولبسوا الخلع، ومرسوم آخر بإنشاء سفينتين ببحر القلزم لحمل غلال الحرمين، وأن يجهزوا إلى مكة ماية وخمسين كيسًا من الأموال السلطانية برسم عمارة العين على يد محمد بك ابن حسين باشا. ثم إن قيطاس بك اجتمع بالأمرا وشكا إليهم احتياجه لدراهم يستعين بها على لوازم الحاج ومهماته، فعرضوا على الباشا وطلبوا منه أن يمده بخمسين كيسًا من مال الخزينة، ويعرض في شأنها بعد تسليمها إلى الدولة، وإن لم يمضوا ذلك يحصلوها من الوجاقات بدلًا عنها.
وفي يوم الأربعاء وصل من طريق الشام باشا معين لمحافظة جدة يُسمى خليل باشا، فدخل القاهرة في كبكبة عظيمة وعساكر رومية كثيرة يقال لهم: «سارجة سليمان» وجمال محملة بالأثقال يقدمهم ثلاثة بيارق، وخرج لملاقاته الباشا وقيطاس بك أمير الحاج في طايفة عظيمة من الأمراء والأغوات والصناجق، وقابلوه وأنزلوه بالغيط المعروف بحسن بك، ومدوا هناك سِماطًا عظيمًا حافلًا، وقدموا له خيولًا، وساروا معه إلى أن دخلوا إلى المدينة في موكب عظيم إلى أن أنزلوه بمنزل المرحوم إسماعيل بك المتوفى في سَفر الموسقو بجوار الحنفي، فلم يزل هناك حتى سافر في أوائل رجب سنة تاريخه، وخرج بموكب عظيم أيضًا.
وفي منتصف شعبان تقلد أحمد بك الأعسر على ولاية جرجا عوضًا عن محمد بك الصغير المعروف بقطامش. ثم ورد أمر بتقليد إمارة الحج لمحمد بك قطامش عوضًا عن سيده، وطلع بالحج سنة أربع وعشرين، ورجع سنة خمس وعشرين، وذلك من فعل قيطاس بك سرًّا، وتقلد ولاية جرجا مصطفى بك قزلار، وفي يوم الخميس عشرينه تقلد محمد بك المعروف بجركس تابع إبراهيم بك أبي شنب الصنجقية، وكذلك قيطاس تابع قيطاس بك أمير الحاج، وفي عاشر شوال ورد عبد الباقي أفندي، وتولى كتخداية والي باشا، ومعه تقرير للباشا على ولاية مصر.
وفي ثالث عشر ذي القعدة ورد أيضًا مرسوم صحبة أغا معين بطلب ثلاثة آلاف من العسكر المصري لسفر الموسقو لنقضهم المهادنة، وقرئ ذلك بالديوان بحضرة الجمْع. فألبسوا حسين بك المعروف بشلاق سردار. عوضًا عن عثمان بك ابن سليمان بك بارم ديله، وقضى أشغاله، وسافر في أوائل المحرم.