الفصل الحادي عشر
علمتُ أنني كنتُ أعتزم قتْل إريك أتويل في اللحظة التي انتهيتُ فيها من قراءة مذكِّرات كلير. لكن الأمر استغرق مني عدة أشهر حتى أكتسبَ الشجاعة لأعترف بذلك لنفسي.
علمتُ أيضًا أنه بعد مقتل أتويل، ستحوم الشكوك حولي على الفور. فقد كانت زوجتي قادمةً من منزله ليلةَ وفاتها في حادث سير. بل إنَّ أتويل قد اعترف بتزويدها بالمخدِّرات التي عُثر عليها في جسدها، وكانت الشرطة قد قرَّرَت مما لا شك فيه أيضًا أن كلير كيرشو ني مالوري كانت على علاقةٍ مع صاحب شركة «بلاك بارن إنتربرايسيز» الثري.
فكَّرتُ في استئجار شخص لقتل أتويل، ثم التأكُّد من أنني كنت بعيدًا (خارج البلاد؟) عندما يحدث ذلك. ولكن كان هناك العديد من الأسباب التي قد تؤدي إلى فشل تلك الخطة. فعلى سبيل المثال، كنت أشكُّ في حيازة المال الذي سيتكلَّفه استئجارُ قاتل محترف، وحتى إذا تمكَّنت من تدبير المبلغ بطريقةٍ ما، فسيتَّضح الأمر لأي شخصٍ يتفقَّد حسابي المصرفي الذي استُنفد فجأة. بالإضافة إلى أنني لم تكن لديَّ أيُّ فكرة عن كيفية استئجار قاتل. ولم أرغب أيضًا في دعمِ القتلةِ المرتزقين؛ فأيُّ شخص يقتل الناس من أجل المال لم يكن شخصًا قد أرغب في التورُّط معه؛ إلى جانب ذلك، سيكون الأمر بمنزلة تمكين شخصٍ من التحكم في حياتي الخاصة.
ومن ثمَّ، قررتُ أنه ليس باستطاعتي استئجار قاتل، لكن فكرة كوني بعيدًا عندما يُقتل إريك أتويل كانت قد حازت إعجابي.
قبل عام، في وقتٍ ما من عام ٢٠٠٩، دخلت امرأةٌ شابة متجر «أُولد ديفيلز» ومعها مجموعة من الطبعات الأولى القيِّمة للغاية. لم تكن في الأساس رواياتٍ بوليسية، على الرغم من وجودِ طبعة «هاربر آند برازرز» من «مغامرات شيرلوك هولمز» الصادرة عام ١٨٩٢. كان يوجد ما يقرُب من عشرة كتب إجمالًا — من بينها الطبعة الأولى لكتابَين من كتب مارك توين لا بد أنهما كانا يساويان الآلاف — وكانت المرأة، ذات الشعر الخشن والشفاه المتشقِّقة، تحمل الكتبَ في حقيبة بقالة. سألتُها من أين حصلت عليها.
قالت: «ألا تريدها؟»
«ليس إذا لم تُخبريني من أين أتيتِ بها.»
غادرتُ المتجرَ بأسرعَ مما دخلت إليه. وبالنظر إلى الماضي الآن، تمنَّيتُ لو أنني ابتعتُ منها الكتبَ بأي مبلغ لديَّ في درج النقود حينذاك. وبعدها، كنت سأتمكَّن من العثور على المالك — إذ لا بد أنها سرقت منزلَ أحدِهم — ومن ثمَّ إعادة الكتب إليه. وما حدث أنني اتصلتُ وقتها بالشرطة للإبلاغ عن الحادث، وأخبروني أنهم سيبقون على اطلاع على محاضر الكتب المسروقة. لكنني لم أتلقَّ أيَّ ردٍّ منهم قط، ولم أرَ تلك المرأة مرةً أخرى. في ذلك الوقت، كان لدى «أُولد ديفيلز» موظفٌ يُدعَى ريك مورفي، كان يعمل في مناوبات نهاية الأسبوع. كان ريك جامعًا للكتب، مهتمًّا في المقام الأول بأي شيءٍ يتعلق بالرعب.
أخبرتُ ريك عن المرأة التي جاءت بالطبعات الأولى النادرة.
قال ريك: «ربما تُحاول بيعها عبْر الإنترنت.»
«لم تَبدُ من النوع الذي يتصل بالإنترنت.»
قال: «ومع هذا، فهي فكرة تستحقُّ النظر، يوجد هذا الموقع الصغير الممتع للغاية، وهو أكثر من مجرد موقع مظلم على الإنترنت، حيث يبيع الناسُ المقتنيات على نحوٍ غير شرعي.»
عرَضَ لي ريك، الذي عملَ في قسم تكنولوجيا المعلومات لدى شركة تأمين خلال الأسبوع، موقعًا إلكترونيًّا اسمه «دوكبرج». بالنسبة إليَّ، بدا الأمر غيرَ مفهوم تقريبًا، مثل لوحاتِ تبادل الرسائل من أيام الإنترنت الأولى، لكن ريك سحب قسمًا حيث تُعرَض المقتنيات النادرة للبيع. كان الجميع مجهولي الهُويَّة. بحثنا عن بعض الكتب التي أُحضرت إلى المتجر، لكن لم يظهر شيء.
قلتُ: «ماذا يوجد هنا أيضًا؟»
«آه، لقد أُثير فضولُ السيد. جزءٌ كبير منه مجرد مكان للدردشة دون الكشف عن هُوية المتحدِّث. لأصدُقك القول، هذه ليست شبكةَ الويب المظلمة الحقيقية، لكنها مظلمةٌ بدرجة كافية.»
ذهبَ ريك لإحضار الصودا العملاقة الخاصة به، وسارعتُ بوضع إشارة مرجعية على الصفحة. فكَّرتُ أنني قد أتحقَّق منها لاحقًا، لكنني لم أفعل ذلك قط.
بعد أن قررتُ في أواخر عام ٢٠١٠ قتْل إريك أتويل، ذهبتُ إلى إشاراتي المرجعية واكتشفتُ أن هذا الرابط لا يزال موجودًا لديَّ. في ليلةٍ ما، قضيتُ بضع ساعاتٍ بعد وقت إغلاق المتجر، ورُحتُ أتصفَّحُ البوابات المختلفة، وأنشأتُ هُوية مُزيَّفة، مطلِقًا على نفسي اسم «بيرت كلينج». ثم سجَّلتُ الدخول إلى بوابة باسم «سوابس» (أي مقايضة أو تبادُل)، وهو ما لم يتحدَّد بالضبط الغرضُ من استخدامها، ولكن بدا أنها ذات طبيعة جنسية في المقام الأول. «رجلٌ في الستين من عمره يريد أن يشتريَ ملابس بقيمة ١٠٠٠ دولار لامرأة. شابة ومثيرة فقط. ولا تمانع في مرافقتي إياها إلى غرفة تغيير الملابس. من دون لمس، مجرد النظر». ولكن كانت هناك أيضًا عروضٌ مثل «البحث عن عاملات تنظيف يرغبن في تقاضي أجورهن على هيئة عقار أُوكسيكودون.»
فتحتُ مربَّع حوار وكتبتُ: «هل يوجد أيُّ معجَبين ﺑ «غريبان على متن قطار»؟ أودُّ أن أقترح مقايضةً ذاتَ منفعة متبادلة». نشرتُ المنشور وأجريتُ تسجيل خروج.
اعتزمتُ أن أنتظر مدة أربع وعشرين ساعة قبل أن أعاود الدخول، لكنني لم أصمد سوى اثنتَي عشرة ساعة. كان يومًا هادئًا في المتجر، وسجَّلتُ الدخول مجددًا إلى «دوكبرج» باسمي المستعار. لقد تلقيتُ ردًّا. «معجبٌ كبير بذلك الكتاب. أحبُّ أن نتناقش. هلا ننتقل إلى الدردشة الخاصة؟»
أجبتُه: «حسنًا»، بينما نقرتُ فوق المربع الذي جعل الدردشة مرئيةً للطرَفَين المعنيَّين فقط. بعد ساعتَين، ظهرت رسالة جديدة: «ما الذي يدور في ذهنك؟»
كتبتُ: «هناك شخصٌ يستحق أن يختفيَ من على وجه الأرض. ولكنني لا أستطيع أن أفعلها بنفسي». بطريقةٍ ما، لم أستطِع حمْل نفسي فعليًّا على كتابة كلمة «يموت» بلفظها الصريح.
جاءَ الرد على الفور تقريبًا: «لديَّ المشكلة نفسُها.»
«فليُساعد أحدُنا الآخر، اتفقنا؟»
«اتفقنا.»
•••
كان قلبي يخفق وأصبحَت أذناي دافئتَين. أتُراه شَركًا ينصبه لي؟ كان ذلك احتمالًا واردًا، ولكن كل ما أعطيتُه هو معلومات عن إيريك أتويل، وليس معلوماتٍ عني. قررتُ بعد خمس دقائق تقريبًا أن الأمر يستحق.
كتبتُ: «إيريك أتويل، ٢٥٥ شارع إلزينور، ساوثويل، ماساتشوستس. في أي وقتٍ من ٦ فبراير حتى ١٢ فبراير». كنت سأحضُر مؤتمر بائعي الكتب القديمة في ساراسوتا بولاية فلوريدا، خلال ذلك الأسبوع. وكنت قد اشتريتُ تذكرتِي بالفعل.
راقبتُ الشاشة وقتًا بدا كأنه ساعة، ولكنه على الأرجح كان عشر دقائق فقط. في النهاية، ظهرَت رسالة. «نورمان تشيني، ٤٢ طريق كوميونتي، تيكهيل، نيو هامبشير. في أي وقتٍ من ١٢ مارس حتى ١٩ مارس». بعد تلك الرسالة ظهرَت رسالةٌ أخرى بعد ثلاثين ثانية. «يجب ألا نتراسل مرةً أخرى.»
كتبتُ: «موافق». وكتبتُ عنوان نورمان تشيني على الجزء الخلفي من فاصلِ كتبٍ قديم لأُولد ديفيلز، ثم سجَّلت الخروج. وفقًا لما فهمتُه من سياسة موقع «دوكبرج»، فإن المحادثة ستختفي الآن إلى الأبد. كانت فكرةً مطَمْئِنة، رغم أنني شككتُ في صحَّتها.
بعد أن أخذتُ نفَسًا عميقًا، أدركتُ أنني كنت أتنفَّس بصعوبةٍ طَوال العشرين دقيقةً الماضية. حدَّقتُ في الاسم والعنوان اللذَين كتبتُهما وكنتُ على وشْك إدخالهما في الكمبيوتر إلا أنني تراجعت. أردتُ توخِّيَ الحذَر أكثرَ من ذلك. كانت هناك طرقٌ أخرى للتعرُّف إلى هذا الشخص. وفي الوقت الحالي، كان الاسم كافيًا. كنتُ سعيدًا، عليَّ أن أعترف، أنه رجلٌ من المفترض أن أقتله. وكنت سعيدًا جدًّا لأنَّ دوري في الصفقة كان الثاني. من الواضح أنني سأُضطرُّ فقط إلى الخوض في نصف الصفقة إذا مات إريك أتويل أثناء وجودي في ساراسوتا.
•••
حضرتُ المؤتمر في فبراير عام ٢٠١١. لم أكن قد ذهبتُ إلى ساراسوتا من قبل، وأحببتُ وسطَ المدينة القديم المبنيَّ من القِرميد. زُرت المنزلَ الذي عادةً ما كان ينزل فيه جون دي ماكدونالد في سيستا كي؛ حيث نظرتُ عبْر البوابات المغلقة لأرى مبنًى عصريًّا يرجع إلى منتصف القرن تحيط به النباتاتُ الخضراء الوارفة. كما أنني حضرتُ بعضَ العروض التقديمية وتناولتُ العشاء مع إحدى صديقاتي القلائل في مجال تجارة الكتب القديمة، شيلي بينجهام، التي كانت تمتلك متجرًا لبيع الكتب المستعمَلة في ميدان هارفارد قبل أن تنتقل إلى برادنتون بولاية فلوريدا، وتبيع الكتب المستعملة في سوق بيع السلع المستعملة الأسبوعي بجزيرة آنا ماريا. احتسينا المارتيني في نادي جاتور، وبعد الكأس الثانية قالت شيلي: «مال، لقد شعرتُ بالحزن الشديد عندما سمعتُ ما حلَّ بكلير العام الماضي. كيف تسير أمورك؟»
فتحتُ فمي لأتحدَّث، لكنني شرَعتُ في البكاء بصوتٍ عالٍ عوضًا عن ذلك، لدرجةٍ جعلَت العديدَ من الناس يُديرون رءوسهم نحوي. كانت مباغَتةُ الدموع وقوَّتها مروِّعة. نهضتُ وسِرتُ إلى دورة المياه في الجزء الخلفي من الحانة المظلمة، حيث جمعتُ شتات نفسي، ثم عُدتُ إلى الحانة، وقلتُ: «آسفٌ على ذلك، شيل».
«لا عليك. آسفة لأنني فتحتُ الموضوع. دعنا نأخذ مشروبًا آخرَ ونتحدَّث عن الكتب التي نقرؤها.»
في وقتٍ لاحق من تلك الليلة، عُدتُ وحدي إلى غرفتي بالفندق، أحضرتُ الكمبيوتر المحمول الخاص بي وتفقَّدتُ موقعَ «بوسطن جلوب» على الإنترنت. كان الخبر الرئيسي يدور حول الصفقة التي أبرَمها التوَّة فريقُ البيسبول الأمريكي (ريد سوكس) خارج الموسم، بينما كان الخبر الثاني حول جريمة قتل في ساوثويل. لم تكن الشرطة قد أزاحت الستارَ بعدُ عن اسم الضحية. كنت أميلُ إلى الجلوس أمام الكمبيوتر المحمول الخاص بي، وتحديث الموقع حتى إعلان اسم إيريك أتويل على أنه الضحية، لكنني أرغمتُ نفسي على محاولة الخلود إلى النوم بدلًا من ذلك. فتحتُ نافذةَ غرفتي في الفندق، واستلقيتُ على الفراش تحت ملاءة واحدة، وأنصتُّ إلى صوت النسيم، بالإضافة إلى دوي شاحنة من حينٍ لآخَر على الطريق السريع القريب. غفوتُ في وقتٍ ما قُبيل الفجر، واستيقظتُ بعد بضع ساعاتٍ، وجِلدي رطبٌ مبلَّل من العَرق، والملاءة ملتفَّة حول جسدي. سجَّلتُ الدخول مرةً أخرى إلى موقع «جلوب». أعلنَت الشرطة أن الجثةَ التي عُثر عليها هي جثة إريك أتويل، وهو رجلُ أعمال محلي بارز ومستثمر مموِّل. بعد أن تقيَّأت في حمَّام الفندق، عُدتُ إلى الاستلقاء في فراشي واستمتعتُ، للحظة، بحقيقةِ أن أتويل قد نال ما يستحقُّه.
بعدما عُدتُ إلى بوسطن، علمتُ أنَّ إريك أتويل قد أبلَغ عنه أحدُ رفاقه في السكن في عداد المفقودين ليلة الثلاثاء. كان قد خرج في إحدى جولاته اليومية في وقتٍ مبكِّر من ذلك اليوم ولم يعُد قط. وفي صباح اليوم التالي، بحثَت الشرطةُ فعثرَت على جثة أتويل بالقُرب من ممرٍّ للمشي في محميَّةٍ على بُعد ميل تقريبًا من منزله. أُطلقتُ النار عليه عدة مرات؛ واستُوليَ على محفظته، بالإضافة إلى مجموعةٍ باهظة الثمن من سمَّاعات الرأس وهاتفه الخلوي. أخذت الشرطة تُحقِّق في احتمالية وقوع الحادث بدافع السرقة وطلبَت المساعدة من السكان المجاورين. هل رأى أحدُهم شخصًا مريبًا؟ هل سمِع أحدٌ ما صوت أعيرة نارية؟
واستطرد المقال ليُشير إلى أن أتويل كان فاعلَ خيرٍ مشهورًا، ولديه اهتمامٌ كبير بالمشهد الفني المحلي، واستضاف مرارًا وتكرارًا التجمُّعات وحملات جمع التبرعات في مزرعته المجدَّدة في ساوثويل. لم يتطرَّق المقال إلى المخدرات، أو الابتزاز، أو أي شيءٍ عن دور أتويل في وفاة كلير مالوري في حادث سير. ومن ثمَّ، كنت سعيدًا. مرَّ أسبوعٌ، وبدأتُ أعتقد أن لا أحد قد ربط بيني وبين أتويل. ثم، بعد ظهر أحد أيام الأحد، وأنا أعاني نزلةَ برد، فوجئتُ بصوتِ جرسِ الباب. وحتى قبْل أن أُجيبَه، كنتُ متأكِّدًا من أنها الشرطة قد جاءت لاعتقالي. استجمعتُ نفسي. وكانت بالفعل الشرطة — مُحقِّقة طويلة، يعتلي ملامحها الوجوم، تُدعى جيمس — لكن لم تدلَّ هيئتُها على أنها ضابطة شرطة جاءت بغرض اعتقالي. قالت إنَّ لديها بعضَ الأسئلة السريعة. سمحتُ لها بالدخول، وأوضحَت لي أنها كانت محقِّقة في شرطة بوسطن تتَّبع بعض الخيوط في جريمة قتل لم تُحلَّ في ساوثويل.
سألتني بعد أن اتخذت لنفسها مقعدًا عند حافة الأريكة: «هل تعرف إيريك أتويل؟»
«لا، لكن زوجتي كانت تعرفه. لسوء الحظ.»
«لماذا لسوء الحظ؟»
«أعتقدُ أنك تعرفين بالتأكيد؛ لأن هذا هو سببُ وجودك هنا. كانت زوجتي قد أنتجَت فيديو لإريك أتويل، وبعد ذلك أصبحا صديقين. زوجتي … كلير … تُوفِّيَت في حادث سير في طريقها إلى المنزل عائدةً من منزله في ساوثويل.»
«وهل ألقيتَ باللوم على إريك أتويل في هذا الحادث؟»
«نعم، ولو جزئيًّا على الأقل. أعلمُ أن زوجتي بدأت في تعاطي المخدرات مجددًا بعد أن قابلتْه.»
أومأت المحقِّقة ببطءٍ: «هل كان هو مَن يُزوِّدها بتلك المخدرات؟»
«نعم. انظري، أعرفُ إلامَ يتجه هذا. أنا أكره … كرهتُ … إريك أتويل. لكن لا علاقة لي بوفاته. الحقيقة هي أن زوجتي كانت تُعاني مشكلاتٍ متكررة مع المخدرات والكحول. هو لم يجبرها على العودة إلى تعاطي المخدرات. لم يكن أولَ مَن يقدِّمها لها. وفي النهاية، كان ذلك قرارَ زوجتي بالأساس. لقد سامحتُه. استغرق الأمرُ مني الكثير، ولكن بعد ما حدث، قررتُ أخيرًا أن أسامحه.»
«إذن ما شعورك الآن بعد أن علمت بمقتله؟»
حدَّقتُ إلى السقف، كما لو كنت أفكِّر: «بصراحة، لا أعرفُ حقًّا. إنني أعني ما أقوله حقًّا عندما أعترفُ أنني سامحتُه، لكن هذا لا يعني أنني أحببتُه. أنا لستُ حزينًا، ولست سعيدًا تمامًا. الأمرُ سيَّان. لأصدُقَك القول، أعتقد أنه ربما كان يستحقُّ ما حدث له.»
«إذن فأنت تعتقد أنه ربما قُتل على يد أحدهم … بدافع الانتقام؟»
«تعنين هل أعتقد أنه قُتل عمدًا. وليس فقط بدافع السرقة؟»
«صحيح، هذا ما أعنيه.» كانت المحقِّقة ساكنةً جدًّا، لا تكاد تتحرك على الأريكة.
«خطر لي. بالتأكيد. لا أستطيع أن أتخيَّل أن زوجتي هي الوحيدة التي أعطاها المخدرات. وربما لم تكن هي الوحيدةَ التي بدأ في مطالبتها بالمال بعد أن أصبحَت مدمنة. لا بد أنه فعل ذلك مع أشخاص آخرين». بمجرد أن أنهيتُ كلامي، أدركتُ أنني قلتُ أكثرَ مما كنت أرغب في إخبار المحقِّقة به. كان هناك شيءٌ ما في حضورها الهادئ جعلني أرغبُ في التحدُّث.
أخذَت تُومئ برأسها مرةً أخرى، وعندما أدركَت أنني توقَّفتُ عن الكلام، قالت: «هل انتهى الأمر بزوجتك بتقديم الكثير من المال إلى أتويل؟ مال لم يكن في حوزتك؟»
«كان لكلٍّ من زوجتي وأنا حسابٌ مصرفي منفصل، ومن ثمَّ لم أكن على دراية بذلك حينها. لكن، نعم، شرَعَت في إعطاء المال إلى أتويل مقابل المخدرات.»
«يُؤسفُني أن أسألك عن هذا الأمر، سيد كيرشو، ولكن على حدِّ علمك، هل كانت هناك أي علاقة جنسية بين زوجتك وأتويل؟»
ترددتُ. جزءٌ مني أراد فقط إخبارَ هذه المحقِّقة بكل شيءٍ علمتُه من مذكرات كلير، لكنني أدركتُ أيضًا أنه كلما تحدَّثتُ أكثر، أصبح من الواضح أن لديَّ دافعًا قويًّا جدًّا لقتل أتويل. قلتُ: «لا أعرف، لأصدِقك القول. أشكُّ في أنه ربما كانت هناك علاقة». قَولي تلك الكلمات جعل حلقي ينغلق قليلًا، كأنني على وشْك البكاء، وضغطتُ براحة يدي على إحدى عينيَّ.
قالت المحقِّقة: «حسنًا.»
قلتُ غيرَ قادر على إيقاف نفسي: «لم تكن على طبيعتها. أعني بسبب المخدرات.» ومسحتُ دمعةً عن وجنتي.
«إنني أتفهَّمُ ذلك. يُؤسفُني المجيءُ إلى هنا وتعريضُك لكلِّ هذا مرةً أخرى، سيد كيرشو. أكره أن أفعل هذا، لكن التحقيقات من هذا النوع غالبًا ما تدور حول تصفيةِ المشتبَهِ بهم المُحتملين. هل تتذكَّر أين كنتَ بعد ظهر يوم الثامن من فبراير؟»
«في الواقع، كنت في فلوريدا، لحضور مؤتمر.»
قالت المحقِّقة جيمس، وهي تبدو سعيدة تقريبًا: «أوه، أيُّ نوع من المؤتمرات كان ذلك؟»
«بائعي الكتب العتيقة. فأنا أُديرُ متجرًا للكتب المستعملة هنا في بوسطن.»
«أُولد ديفيلز، صحيح. لقد ذهبتُ إلى هناك من قبل.»
«حقًّا؟ هل أنت من مُحبِّي الروايات البوليسية؟»
قالت المحقِّقة، وقد اعتلَت وجهَها ابتسامةٌ عريضة للمرة الأولى منذ أن دخلَت شقتي: «أحيانًا. لقد ذهبتُ لحضور ندوة نقاشية لسارة باريتسكي. قبل ما يقرُب من سنة؟»
قلتُ: «يبدو هذا صحيحًا، أعتقدُ أنها كانت جيدة.»
«كانت كذلك. هل أنت مَن قدَّمها؟»
«نعم، كنتُ أنا. سوف أغفرُ لك إذا لم تتذكَّريني. فالتحدُّث أمام الجمهور ليس موطنَ قوَّتي.»
قالت: «أعتقدُ أنك كنتَ جيدًا، على حسب ما أتذكَّر.»
قلتُ: «شكرًا لكِ على ذلك.»
وضعَت المحقِّقة جيمس يديها على ركبتيها، وقالت: «إن لم يكن لديك أيُّ شيءٍ تُضيفه، فأعتقدُ أننا على الأرجح قد انتهينا هنا.»
قلتُ: «ليس لديَّ شيءٌ أضيفه»، ونهضنا واقفَين في آنٍ واحد. كانت في نفس طولي تقريبًا.
قالت: «سأحتاج إلى إثباتٍ بشأن المؤتمر في فلوريد.»
وعَدتُ بإرسال تفاصيل رحلة الطيران إليها، وأعطيتُها أيضًا اسمَ شيلي بينجهام وعنوانها.
تركَت المحقِّقة كارتًا ببياناتها. كان اسمها الأول روبيرتا.