الفصل التاسع عشر
تقع المنطقة المعروفة باسم «داون تاون كروسينج» في بوسطن على الجانب الآخر من بوسطن كومون. وقد اعتادت المتاجر الكبيرة أن ترتكز عليه، ولا سيَّما فيلين وميسي، على الرغم من أنَّ كلا المبنيَين فارغٌ حاليًّا. وما تبقَّى هو مزيجٌ من متاجر الأحذية الرياضية وبائعي الهوت دوج، بالإضافة إلى القليل من الحانات والمطاعم على أملِ أن تتمكَّن المدينة بنجاح من إعادة تسمية المنطقة باسم منطقة لادر، وهو شيءٌ كانوا يحاولون القيامَ به منذ بضع سنوات الآن.
من الواضح أنَّ مقهى «لادر» كان قد وافقَ على تغييرِ العلامة التجارية. يقع «لادر» بين متجرٍ للأقمشة وحانة رياضية، وهو عبارة عن غرفةٍ ضيقة ذات سقف مرتفع، بها نُدُل يضعون وشومًا على أجسامهم، وتحتوي جدرانُها على رسومٍ تبسيطية. وصلتُ إلى هناك مبكرًا، واشتريتُ كوبًا كبيرًا من القهوة بالحليب، وجلستُ في مكانٍ يحظى بإطلالةٍ على الأبواب الأمامية. كنت أظن أن جيليان نجوين، عندما تصل، سيكون لديها العديدُ من الأسئلة حول سبب سؤالي إياها عن صديقها السابق. قرَّرتُ أنني سأخبرها بأقلِّ قدرٍ ممكن، باستثناء أنه من المفترض أن يكون مُحرِّرًا لمختارات مُقبِلة من ناشر كبير، وأنه كانت هناك بعض الأسئلة حول حياته الشخصية. وإذا ضغطَت عليَّ، فسأخبرها أنني كنت أعمل لدى شركةِ تحرياتٍ خاصة تُجري تحقيقًا للخلفية. وكنت آمُل ألا تطلب مني بطاقتي.
في تمام الساعة الثالثة والنصف عبَرت امرأةٌ البابَ فأدركتُ أنها جيليان. كانت ضئيلةَ الجسم، مُتدثِّرةً بسترةٍ منتفخة بها غطاءُ رأس. لا بد أنها لاحظتني وأنا أنظر إليها؛ لأنها اتجهَت نحوي على الفور، وقدَّمتُ نفسي.
قالت: «لديَّ نحو عشرين دقيقةً فقط»، وتساءلتُ إن كانت قد أصبحَت أكثر حذرًا منذ مكالمتنا الهاتفية.
عرَضتُ عليها أن أشتريَ لها فنجانًا من القهوة، ولكنها طلبت شاي أعشاب. وقفتُ في الطابور مرةً أخرى وأحضرتُ لها شاي الأعشاب. كان من المستحيل بالنسبة إليَّ ألا أفكِّر في كلير، التي اعتادت دائمًا الحصول على شاي الأعشاب في المقاهي، وكيف كان دفعُ ثلاثة دولاراتٍ أو أكثر مقابل كيس شاي وبعض الماء الساخن يدفعني عادةً إلى الجنون.
عندما عُدتُ إلى الطاولة، قلتُ: «شكرًا جزيلًا مجدَّدًا على مقابلتي. أعلم أن هذا يبدو غريبًا للغاية، لكن طُلب مني إجراء تحقيق أو فحص للخلفية، ويجب أن يحدث ذلك بسرعة كبيرة؛ لأن الناشرين يريدون اتخاذَ قرار على الفور».
اشْرأبَّ عنقُها عند ذكرِ كلمة ناشرين، وكنت أعلم بردِّ فعلها هذا. قالت: «أوه. ما الذي …»
«في الواقع، لا يمكنني أن أخبرك باسم دار النشر، لكنه كان مرشَّحًا للعمل محرِّرًا لمختاراتٍ كبيرة، وعلى ما يبدو، أعرب شخصٌ ما في مكانٍ ما عن قلقه حيال حياته الشخصية، وعن أن ذلك قد يُعرقل اضطلاعه بهذا العمل».
كانت جيليان على وشْك تناوُل رشفةٍ من الشاي الخاص بها، لكنها أعادت وضْع الكوب على الصحن. «قلتَ إن هذه المحادثة ستكون سرِّية تمامًا.»
قلتُ: «أوه، بالتأكيد. مائةً بالمائة. فأنا لن أقدِّم تقريرًا مكتوبًا أبدًا.»
«لم أرَ أو أتحدَّث إلى نيك منذ أكثرَ من ثلاث سنوات، ليس منذ أن تركتُ نيو إسيكس. من الواضح أنك تعلم بالفعل أنني قدَّمتُ ضده طلبًا بعدم التعرُّض، وإلا فلماذا تتحدَّث معي، أليس كذلك؟»
قلتُ: «صحيح.» ثم أضفتُ: «كم من الوقت استمرَّت علاقتكما؟»
نظرَت نحو السقف. «أقل من عام. أعني، كنا على علاقة فعليًّا أقلَّ من عام. كنتُ أعرفه منذ عامٍ قبل أن نبدأ في المواعدة، وبعد أن انفصلتُ عنه أخيرًا، كنت ما زلت في نيو إسيكس مدة ستة أشهر أخرى أو نحو ذلك.»
«وهل يمكنكِ إخباري ما الذي دفعكِ إلى تقديم طلبٍ بعدم التعرُّض؟»
تنهَّدَت. «لم يؤذِني قط أو يهدِّدني بالعنف الجسدي، ولكن بعد الانفصال، كان يتصل بي طوال الوقت، ويظهر أينما كنت، وفي مرة — كانت مرةً واحدة فقط، ولكن هذا هو سبب استصداري أمرًا بعدم التعرُّض — كان قد ثمِل كثيرًا واقتحم منزلي.»
قلتُ: «يا إلهي.»
«الفكرة هي … أعتقد أنه في الواقع رجلٌ محترم، لكنه كان ثملًا. هل تعرف … أمَا زال يشرب الكحول؟ آخر مرة تحدَّثتُ فيها معه، أخبرني أنه لم يشرب الكحول منذ أكثرَ من شهر.»
«سأتيقَّنُ من ذلك. إذن لم يكن عنيفًا معك البتَّة؟»
«لا. قطعًا لا. كان لحوحًا فحسب، في واقع الأمر. لقد اعتبرني حُبَّ حياته.»
قلتُ: «لقد أهدى كتابه إليكِ.»
قالت: «يا إلهي.» وغطَّت وجهها كما لو أنها تشعر بالإحراج. «أعرفُ. وكان ذلك بعد أن انفصلنا. انظر، لا أريد أن أكون حائلًا أمام حصول نيك على وظيفةٍ ربما يحتاج إليها. كانت لي تجرِبةٌ سيئة معه، ولكن إذا توقَّف عن الشرب، فربما سيكون عندئذٍ مناسبًا جدًّا لها. إنه شخصٌ واسع المعرفة والاطلاع.»
«إذن، من خلال معرفتك به، ألا تعتقدين أنه يستطيع ارتكابَ أيِّ نوع من أنواع العنف؟ ألم تشعري قط أنه سيسعى إلى الانتقام بعد الانفصال؟»
بدَت مرتبكةً قليلًا جراء السؤال، وتساءلتُ عمَّا إذا كنتُ قد تماديت. همَّت بالكلام، وتوقَّفَت، ثم قالت: «لم أرَ قط جانبًا عنيفًا منه، لكنه … كان مهتمًّا جدًّا بالعنف من وجهة نظرٍ أدبية. لقد كان منجذبًا إلى قصص الانتقام. لكن ذلك … كان مجردَ اهتمام مِهني، على حدِّ علمي. إنه أستاذ لغة إنجليزية نموذجي حقًّا. مثقفٌ ومُحبٌّ للكتب.»
أردتُ أن أسألها عمَّا إذا كانت تعرف أيَّ شيء عما حدث لشقيقته، أو بعد ذلك، زوج أخته السابق، نورمان تشيني. لكنني شعرتُ أنني في مأزق. كانت جيليان نجوين تدرسني بطريقةِ شخصٍ يدرُس بها شخصًا آخرَ قد يتعيَّن عليه وصفه في وقتٍ لاحق. قلتُ: «أعلم أن هذه الأسئلة تبدو غريبة. على ما يبدو، وليكن هذا بيني وبينك فقط، تقدَّم شخصٌ ما إلى دار النشر واتهم نيكولاس برويت بارتكاب عمل عنيف.»
قالت: «أوه»، وأخذَت رشفةً من الشاي.
«لم يرَ الناشرون أنَّ الاتهام أو موجِّه الاتهام جديرٌ بالثقة، ولكن فقط للتأكد …»
قالت جيليان وهي تعتدل في كرسيها: «يا إلهي! أنت تعتقد أنني ذلك الشخص.»
قلتُ: «أوه، لا، لا، على الإطلاق. لدينا اسمُ موجِّه الاتهام. نحن نبحث فقط عن أي نوع من الأدلة المساندة.»
قالت وهي تضع كوبها جانبًا: «حسنًا، انظر، عليَّ الذهاب. كما أنني ليس لديَّ أيُّ شيءٍ آخر لأُضيفه.»
نهضَت، وفعلتُ مثلها. «شكرًا لك، لقد كنتِ خيرَ عون لي». كان من الواضح أنني فقدتُ ثقتَها، لكنني قررتُ أن أجرِّب حظي. «فقط شيءٌ أخير. هل كان نيك برويت يمتلك سلاحًا، على حدِّ علمكِ؟»
هزَّت رأسها وهي ترتدي سترتها الضخمة التي انزلقَت داخلها انزلاقًا. ثم قالت: «أعني، كلَّا. باستثناء البنادق الأثرية، لكني لا أعتقد أنها تعمل.»
«البنادق الأثرية؟»
«إنه يجمع البنادق. ليس لإطلاق النار، ولكن فقط المسدسات القديمة. أيُّ شيءٍ ظهر في فيلم قديم من أفلام الجريمة. إنها هوايته.»
•••
وضعَت النادلة الجِعة أمامنا؛ «ستيلا» من أجل مارتي، و«بلهافن» من أجلي. كنا في مقصورة خلفية في حانة جاك كرو، التي بدت مثل غرفته الصغيرة التي يقيم فيها، حيث ذكَّرني ذلك بالمقاعد في الكنيسة الجنوبية القديمة. وارتشف كلانا الجِعة.
قلتُ: «من الجيد رؤيتُك يا مارتي». كنت أراه إلى حدٍّ ما مؤخرًا، لكنه بدا لي أكبرَ سنًّا. كانت قصَّة شعره الأبيضِ أكثرَ هشاشةً من أي وقتٍ مضى، وكان الجِلد أسفلها مُنقَّطًا بالبُقع الداكنة. وكانت أصابع يديه ذات المفصل الكبير مثنيَّةً بطريقةٍ تُوحي بالتهاب المفاصل.
قال، وهو يتكئ خارج مقصورتنا لإلقاء نظرةٍ على الحانة المزدحمة: «لقد نسيتُ أمرَ هذا المكان. آخر مرة جئنا إلى هنا تناولنا ناتشوز عليه ملفوف بروكسل.»
قلتُ: «حقًّا؟ أنا لا أتذكَّر ذلك.»
«لن أنسى ذلك أبدًا. مَن الذي يضع ملفوفَ بروكسل على الناتشوز؟»
قلتُ: «الآن أتذكَّر. دعنا نلتزم بالجِعة الليلة.» وقرعنا كأسينا معًا.
قلتُ: «هل من جديد؟» كنت مترددًا في نفسي إن كان ينبغي أن أخبره أنني جمعتُ معلوماتٍ عن نيك برويت بطريقتي، ولا سيَّما ما سمِعتُه عن مجموعة الأسلحة، لكنني لم أقرِّر بعد.
قال مارتي: «يوجد القليل. لا أدري إن كان سيساعدك أم لا، ولكن نيك برويت ليس قديسًا.»
«لا؟»
«لقد اعتُقل مرتين؛ مرةً بسبب القيادة تحت تأثير الشراب، ومرةً بسبب السُّكر وإثارة الشَّغب والفوضى، وإليك هذه؛ كان ذلك بعد طقسٍ ديني عشيةَ عيد الميلاد. أُلقيَ القبضُ عليه وهو يحاول سرقةَ صندوق من تلك الشموع البيضاء الصغيرة التي يوزِّعونها. كما صدر في حقه أمران بعدم التعرُّض، انتظر.» مدَّ يده إلى جيب سترته الصوف، وأخرج دفترَ ملاحظاتٍ صغيرًا ذا سلك حلزوني بالإضافة إلى نظَّارةٍ للقراءة. «الأول كان من قِبل جودي بلاك بيري. كان هذا في ميتشجان، عندما كان طالبَ دراساتٍ عليا. قالت إنها ضبطَته وهو ينظر من نافذة منزلها ويتعقَّبها في أنحاء الحرم الجامعي. والآخر صدر في وقتٍ أقربَ من ذلك. منذ ثلاث سنوات فقط، قدَّمته جيليان ن-ج-و-ي-ن. لا أريدُ أن أثير سخطَها بمحاولة نطقها. وكانت من الرتبة نفسِها. صديقة سابقة لها تدَّعي أنه لم يدَعْها وشأنها. لقد اقتحم منزلها.»
«إذن، لا يوجد شيءٌ عنيف في سجلِّه؟ لا شيء يتعلق بالسلاح؟»
«لا. لكن هذا يكفي، أليس كذلك؟ إذا كان نيك برويت هو مَن أراد موت تشيني، فإنه سيطلب من شخصٍ آخرَ القيام بذلك. إنه ليس قاتلًا حقًّا رغم أنه من الواضح كونُه مختلسًا للنظر ورجلًا لا يستطيع تحمُّل تأثير الخمور. علاوةً على ذلك، لقد نظرتُ في حُجَّة غيابه وهي حجة دامغة.»
«حُجَّة غيابه عندما قُتل نورمان تشيني؟»
«أجل.» نظر مارتي إلى دفتر ملاحظاته مرةً أخرى. «كان ذلك في شهر مارس من عام ٢٠١١. كان نيك برويت في ولاية كاليفورنيا في لقاءٍ عائلي. تُحقِّق من ذلك. ولكن كما قلت، لا أعتقد أنه من النوع الذي سيضرب صهره حتى الموت، لكنه قد يكون من النوع الذي يجعل شخصًا ما يفعل ذلك من أجله. أو ربما طلب من شخصٍ ما أن يؤدِّب نورمان تشيني فحسب، لكنَّ الأمر تجاوز الحدَّ. في كلتا الحالتين، فقد أفلتَ من العقاب. تخميني هو، إذا كنت تريد حقًّا أن تعرف، فمن الممكن أن تحاول استخراجَ المعلومات منه، وتحمله على تقديمِ نوعٍ من الاعتراف. أعرفُ نوعه، وإذا ضغطتَ عليه قليلًا، فأعتقد أنه سيستسلم. لا أُملي ذلك عليك، ولكني أخبرك رأيي فحسب.»
قلتُ: «فهمت. كلَّا، كلُّ ما أحتاج إليه هو المعلومات. ولقد قدمتَ إليَّ معلوماتٍ مفيدة يا مارتي، شكرًا لك.»
«بل شكرًا لك أنت. في الواقع، شعرت بأنني ذو فائدة هذا الأسبوع. للمرة الأولى فيما يبدو وكأنه منذ الأزل. أمَا زال مكتب التحقيقات الفيدرالي يستجوبك بشأنِ جريمة قتل تشيني هذه؟»
تناولتُ رشفةً طويلة من الجِعَة الخاصة بي، متسائلًا مرةً أخرى، عن مقدارِ ما سأقوله لمارتي. قلتُ: «لا، لم يفعلوا. يبدو أن الأمر كلَّه يتعلق بقائمةٍ أنشأتُها على مدوَّنة «أُولد ديفيلز» منذ نحو مائة عام.»
«أوه، حقًّا؟»
«نعم. هل سبق لك أن ذهبتَ إلى مدوَّنتنا؟»
قال مارتي: «لا أعرف حتى ماذا تقصد بالمدوَّنة.»
«لم أعُد أفعل ذلك، ولكن عندما بدأتُ العمل في «أُولد ديفيلز»، كانت تلك المدوَّنة مكانًا على الإنترنت حيث كتبتُ مقالاتٍ صغيرة. وتقييمات الكتب الجديدة. وقوائم بالمؤلِّفين المفضَّلين لديَّ. أشياء من هذا القبيل. كتبتُ مرةً عن جرائم القتل الثماني المفضَّلة لديَّ في الكتب، ورأى شخصٌ ما في مكتب التحقيقات الفيدرالي وجودَ رابط بين قائمتي واثنين من جرائم القتل التي ارتُكِبَت مؤخرًا ولم يتوصلوا إلى حلٍّ لها. كانت روابطَ واهيةً إلى حدٍّ ما؛ ولذا لا أعتقد أنهم سيتابعون ذلك.»
قال باهتمام واضح: «عمَّ سألوك أيضًا؟»
«وفاة شخص في ولاية كونيتيكت، حيث عُثر على شخصٍ بالقرب من قضبان قطار ركَّاب. وسألوني عن مذيعة الأخبار تلك، روبن …»
قال مقاطعًا: «روبن كالاهان، بالتأكيد. إنَّ زوجها هو مَن فعل ذلك. لا أصدقُ أنهم لم يعتقلوه بعد».
قلتُ: «هل تعرف ذلك؟»
«لا، لا علم لي، ولكن، حسنًا، كانت هي مَن ألَّفَت الكتاب الذي يتحدَّث عن فائدة الزنى للزواج. أعتقدُ أنني أميلُ إلى القول بأنه يتعيَّن عليهم إلقاء نظرة فاحصة على الزوج.»
ضحكتُ. «نعم، إذن، أعتقد أنني بالغتُ في رد فعلي.»
«لا أعرفُ إن كنتَ قد بالغت في ردِّ فِعلك. يبدو أنهم هم مَن بالغوا في رد فعلهم. هل سألوك عن كلِّ هذه القضايا؟»
بإمكاني القول إنه أصبح مهتمًّا أكثرَ فأكثر، ولم أكن أرغبُ في توريطه. لقد ذكَّرني بالكلب الذي يحمل عظمة، وإذا أخبرتُه بكل شيءٍ عن جرائم القتل المحاكية لقائمتي، فسيبدأ في النظر في الأمر. فضلًا عن أنني قد أعطيتُه بالفعل اسمَ نورمان تشيني.
«سألوني فقط عمَّا إذا كان لي أيُّ علاقة بهم؛ بنورمان تشيني، أو هذا الرجل الموجود في ولاية كونيتيكت، أو روبن كالاهان. ونفيتُ ذلك. سألتُك عن نورمان تشيني لأنه بدا — ولسببٍ ما — أنهم مهتمُّون به أكثرَ. بصراحة، لم يكن أمرًا مهمًّا رغم ذلك. على الأقل أتمنَّى ألا يكون مهمًّا. أمَا زالت ابنتك قادمةً للزيارة؟»
سأل متجاهلًا سؤالي عن سيندي: «ما الكتبُ التي ذكرتها في تلك القائمة؟»
أخبرتُه، متظاهرًا بأنني أجد صعوبةً في تذكُّرها. لكنني لم أذكر «غريبان على متن قطار»، رغم ذلك. دوَّن مارتي، الذي كان يبحث دائمًا عن ترشيحاتٍ بشأن الكتب، بعضَ العناوين في دفتر ملاحظاته الصغير.
قال: «جرائم الأبجدية. أحبُّ وقْع الاسم. في هذه الأيام أعتقد أنني أحبُّ أن أقرأ لأجاثا كريستي أكثرَ مما أحبُّ أن أقرأ لجيمس إلروي. لا أعرفُ لماذا، لكن ربما أصبحت مرهفَ الحسِّ.»
«هل كنتَ تقرأ لأجاثا كريستي؟»
«نعم، كما قلت لي، هل تذكُر؟ لقد قرأتُ للتو «عشرة هنود صغار».»
قلتُ بشيءٍ من التلقائية: «ثم لم يبقَ أحدٌ»، كان هذا هو العنوان الأقل إزعاجًا الذي بِيعَ الكتاب تحته الآن.
«صحيح، هذا هو. إنها جريمةٌ كاملة حقًّا. من المؤسف ألا يحاول المزيدُ من القتلة محاكاةَ هذا الكتاب.»
قلتُ: «أن يقتل المرءُ نفسه بعد ارتكاب جرائم القتل، أهذا ما تقصده؟». لم أتذكَّر أنني قلت له أن يقرأ لأجاثا كريستي، لكنني متأكِّد من أنني فعلت ذلك. لقد بدا الأمر من شيَمي.
طلبنا جِعةً أخرى وتحدَّثنا عن الكتب وتحدَّثنا قليلًا عن عائلته. سألني عما إذا كنتُ أرغب في البقاء لتناول جِعة ثالثة، لكنني قررتُ الانسحاب. كما هو الحال دائمًا مع مارتي، أحببتُ قضاء الوقت معه، ولكن بعد وقت لا تتبقَّى لدينا أشياءُ لنقولها، وكنت أشعر بالحزن والوحدة. لطالما شعرتُ أن الوجود مع الناس — على العكس من أن تكون وحيدًا — يمكن أن يجعلك تشعر بالوحدة على نحوٍ أقوى.
سألني وأنا أرتدي سترتي: «هل ستفعل أيَّ شيءٍ بشأن نيك برويت؟»
قلتُ: «كلَّا. ليس إلا إذا قرَّر مكتب التحقيقات الفيدرالي التحدُّث معي مرةً أخرى. إذا فعلوا ذلك، أعتقد أن بإمكاني أن أذكره، وأخبرهم إنني أطلعتُ شرطيًّا سابقًا على جريمة قتل نورمان تشيني وكيف بدا برويت مشتبهًا به.»
قال مارتي: «لا تذكر اسمي. إذا كنتَ لا تُمانع.»
«كلَّا، بالطبع لا. في الواقع، لن أذكره على الإطلاق. أعتقد أنه قد تملَّكَني الفضول فحسب، كان هذا كلَّ شيء. لقد شعرتُ بالحيرة لأنهم أقاموا بعض الصلة بيني وبين هذه الجرائم.»
قال مارتي: «ظننتُك ستخبرني أن الأمر يتعلق بنيرو»، ثم أنهى جِعته.
قلتُ: «هاه؟».
«أوه. اعتقدتُ أنَّ مكتب التحقيقات الفيدرالي أتى يُمطرك بالأسئلة حول نورمان تشيني بسبب قطِّك نيرو. في المتجر.»
قلتُ، محاولًا أن أبدوَ هادئًا نسبيًّا: «لماذا؟»
«كنت أقرأ تقاريرَ الشرطة وكان نورمان تشيني يمتلك قطًّا، قطًّا برتقاليَّ اللون مثل نيرو، فُقد بعد جريمة القتل. قرأتُ ذلك … ثم اعتقدت أن هذا قد يكون هو الرابط.»
قلتُ: «هذا مضحك.»
«إنه مشهورٌ قليلًا، هذا النيرو، هل تعلم ذلك؟»
«أعلمُ أنه كذلك. نصفُ الناس الذين يأتون إلى متجرنا يأتون لرؤيته. أخبرَتني إيميلي أنَّ لديه صفحته الخاصة على «الإنستجرام»، على الرغم من أنني لم أرَها من قبل. لا، لم يتطرَّقوا إلى قطي بالسؤال. وهو ليس من ولاية فيرمونت، على أي حال». ضحكتُ، ورأيتُ في ذهني أنَّ الأمر بدا مزيَّفًا ومصطنَعًا.
قال مارتي: «قد أبقى هنا مدةً أخرى.»
شكرتُه مرةً أخرى وخرجتُ في أجواء الليل. كانت درجة الحرارة قد انخفضَت خلال الوقت الذي قضيتُه مع مارتي، وسرتُ إلى المنزل بحذر، متجنِّبًا رُقع الجليد الأسود على الأرصفة الضيقة. عندما وصلتُ إلى شارعي، لم أرَها على الفور، بينما هي منتظرةٌ في ظل شجرة الزيزفون الميتة أمام منزلي، لكنني شعرتُ بها. كان هذا هو الشعور الذي اعتراني مؤخرًا، ذلك الشعور بأنني كنتُ مراقَبًا.
عند الدرَج الخاص بي، خرجَت من الظلال وقالت: «مرحبًا مال.»