الفصل الحادي والعشرون
في وقتٍ مبكر من صباح اليوم التالي، وقبل أن أتوجَّه بسيارتي إلى نيو إسيكس، ذهبتُ إلى «أُولد ديفيلز». خرج نيرو من القبوِ عبْر البابِ المخصَّصِ له ليحيِّيني، وهو يسير بجُرأة، ورأسه مرفوع. حملتُه ورحت أُهدهِدُه بين ذراعيَّ، وحككتُ تحت ذقنه. لقد سألتُ نفسي من قبلُ إن كان الأمر يستحق إنقاذه، وأعتقد أنه كان كذلك. لا أعرفُ إن كانت هناك بالفعل طريقةٌ لتقييم سعادة الحيوان، لكنني أعتقد أنه يحب حياتَه في المتجر. أنزلتُه، والتقطتُ إحدى شعراته من معطفي الصوف. تُرى، هل جمعوا شَعره من منزل نورمان تشيني في تيكهيل أثناء التحقيق في حادث مقتله؟ هل كانوا سيعتبرون الأمر مهمًّا أم غير ذي صلة؟ لم أكن أعرف حقًّا.
تركتُ ملاحظة، مع قائمة بالأشياء التي يجب القيامُ بها لإيميلي وبراندون، ثم خرجتُ مجدَّدًا إلى أجواء الصباح البارد.
أصبحتُ في نيو إسيكس بعد أكثرَ من ساعة بقليل، كنت أتسكَّع على طول الرصيف المقابل للمكان الذي يعيش فيه نيك برويت، وهو منزلٌ صغير مربع ذو سقفٍ منحدر. كانت الساعة الثامنة صباحًا، وشعرتُ بأني لافتٌ للنظر. كان شارع كورنينج سكنيًّا بالكامل تقريبًا، وكان لجميع المنازل ممرَّاتُ سياراتٍ. وكانت سيارتي هي السيارةَ الوحيدةَ المتوقِّفة بمحاذاة الرصيف. كان هناك متجرٌ على الناصية بالخلف يبعُد نحو مائة ياردة. استدرتُ وتوقَّفتُ أمامه، وأطفأتُ محرِّك سيارتي. لا يزال لديَّ زاويةُ رؤية لمنزل برويت، وإذا تساءل أيُّ شخصٍ عن سبب جلوسي في سيارتي، يمكنني القول إنني كنتُ على وشْك الدخول إلى المتجر.
بدأ البخار يتكاثف داخل سيارتي، ومسحتُ رقعةً صغيرة في الجزء السفلي الأيمن من الزجاج الأمامي حتى أتمكَّن من مشاهدة المنزل بينما أجلس مرتخيًا في مقعدي. أخذتُ رشفاتٍ صغيرةً من قهوتي الموجودة في الترمس. كانت هناك سيارةٌ متوقِّفة في ممر سيارته — سيارة رياضية قد تكون من طراز بورش — لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه لا يزال في المنزل. كان يعمل في الجامعة، على بُعد بضع بناياتٍ فقط. إذا كان يُدرِّس صفًّا صباحيًّا، فبإمكانه السير بسهولة إلى هناك.
وبينما كنت منتظرًا، رحت أراجعُ قائمةَ الكتب في ذهني، رابطًا إياها بجرائم القتل. ما لم تكتشف جوين مالفي إحداها، فإنَّ تشارلي قد ارتكب جرائم قتلٍ موصوفة في أربعة من الكتب الثمانية في قائمتي، ربما خمسة. الأولى بالطبع كانت معي، إريك أتويل ونورمان تشيني. جرائم القتل بالوكالة من «غريبان على متن قطار». ثم أعاد تشارلي إنشاء الحبكة من رواية «جرائم الأبجدية»، مستبدلًا بأسماء الناسِ أسماءَ الطيور. أما بيل مانسو، فقد قُتل باستخدام فكرة «تعويض مزدوج». قُتلت إيلين جونسون بالطريقة نفسِها التي قُتلت بها زوجةُ الكاتب المسرحي في رواية «مصيدة الموت». وهل من الممكن أن يكون ستيفن كليفتون قد قُتل باستخدام طريقة القتل في رواية «التاريخ السري»؟ كيف عرَف تشارلي حتى بأمر كليفتون؟ لكن بالطبع قد عرَف. كان يعرف عني وعن زوجتي. كم كان من الصعب اكتشافُ أنَّ كلير مالوري قد ذهبَت إلى مدرسةٍ إعدادية حيث اتُّهم معلمٌ بسلوكٍ غير لائق مع طلابه. كان أمرًا غير وارد، لكنه لم يكن مستحيلًا. هكذا يتبقَّى ثلاثة كتب وثلاث جرائم قتل. «لغز المنزل الأحمر»، «سبق الإصرار»، و«المُغْرِق». على حدِّ علمي، واحدة أو أكثر من هؤلاء قد حدثَت بالفعل، لكنني شككتُ في ذلك بطريقةٍ ما.
في نحو الساعة الحادية عشرة خرجتُ من السيارة، وتمطَّيتُ، ثم دخلتُ متجرَ البقالة. كان واحدًا من تلك الأماكن التي تبيع الحليب ومواد البقالة الأساسية، ولكنه موجودٌ فقط بسبب تذاكر اليانصيب والسجائر. اشتريتُ جرانولا وزجاجةَ مياه مُغبرَّة من الرجل الموجود خلف دُرج النقود ودفعتُ نقدًا. وبينما كنت عائدًا باتجاه سيارتي، رأيتُ امرأةً شابة ترتدي الجينز وحذاءً برقبةٍ عالية تصل إلى الركبة تتجه نحو الباب الأمامي لمنزل برويت. ضغطت على جرس الباب عندما عدتُ إلى مقعد السائق. مرَّرتُ يدي عبْر زجاج السيارة الأمامي من الداخل لأراقب المرأةَ بينما تنتظر، وهي تهتز قليلًا على كعبيها. قرَعَت الجرس مرةً أخرى، ثم حاولت الطَّرْق، ثم نظرَت عبْر أحد الألواح الزجاجية المستطيلة التي تُبطِّن جانبَ الباب. في النهاية، استسلمَت ونظرَت إلى هاتفها، ثم استدارت عائدةً إلى الشارع.
نزلتُ من السيارة وبدأتُ أتبعها. اعتقدتُ أنها إذا كانت تبحث عن نيك برويت، فستجده في النهاية، وإذا تبعتُها، فسأجده أيضًا.
كانت تمشي بسرعة، مُوشِكةً على الركض من حينٍ لآخر؛ ولذا سرَّعتُ خُطاي. وفي نهاية شارع منزل برويت، استدارت يسارًا في طريق جلوسيستر، متسلِّقة تلًّا قصيرًا باتجاه جامعة نيو إسيكس، ودخلَت في النهاية مبنًى من طابقين من القِرميد على حافة الحرم الجامعي. كانت هناك لافتة فوق المظلة تشير إلى قاعةِ بروكتر. هُرِعتُ إلى الأبواب الزجاجية المزدوجة، واندفعتُ إلى مدخلٍ على طرازِ رَدهة، محاولًا الإمساكَ بخيال المرأة المتقهقرة، وكان وقعُ حذائها يُسمع على طول قاعة طويلة إلى اليسار. نظر إليَّ رجلٌ ملتحٍ خلفَ مكتب استعلاماتٍ، وابتسمتُ وأومأتُ إليه برأسي كما لو كنت قد رأيتُه مئات المرات، ثم تبعتُ المرأة في الرَّدهة المضاءة بالفلوريسنت. كانت تندفع عبْر الباب الثالث على اليسار. أخبرتني لافتةٌ صغيرة أنها كانت في الفصل «١ج»، ورحت أمعنُ النظرَ من خلال نافذة داخلية من الزجاج المقوَّى بالأسلاك. كلُّ ما استطعتُ رؤيته هو الصفُّ الخلفي المنحني لمقاعدَ من طراز مقاعد الاستاد، نحو اثني عشر طالبًا منتشرين على مكاتبهم. اندفعتُ من خلال الباب ودلفتُ إلى الداخل، متخذًا لنفسي مقعدًا في نهاية الصف الخلفي. كانت غرفة كبيرة منحدرة نحو الأمام. ربما كانت تتَّسع لنحو مائة طالب، وقد خمَّنتُ أن ٦٠ بالمائة من المقاعد قد شُغلت. كانت المرأة التي كنت أتبعها قد خلعت سترتها السوداء وقبَّعتها الصوفية وأصبحت تقف الآن في صدارة الغرفة وتبدو متوتِّرة.
قالت: «لسوء الحظ، لن يكون الأستاذ برويت قادرًا على حضور فصل اليوم. سأكون هنا بقيةَ الوقت في حالة وجود أي أسئلة لدى أيٍّ منكم، ولكن ما لم تسمعوا خلاف ذلك، فإن فصل صباح الجمعة هو نفسه كما هو مقرَّر، كما أن واجب القراءة كما هو لم يتغيَّر».
في منتصف إعلانها، بدأ جميعُ الطلاب يدخلون أجهزةَ الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهم في حقائب ظهورهم، ويرتدون معاطفَهم مرةً أخرى. نهضتُ أيضًا وغادرتُ الغرفة سريعًا، سرتُ عائدًا إلى أسفل المدخل، ثم إلى الخارج، على أملِ أن أحدًا لم يلحظ وجودي. تجوَّلتُ في اتجاه مقعدٍ ذي إطلالة على المحيط الأطلسي، الذي تلوَّن بلونٍ رمادي غامق تحت سماءٍ بلون الرصاص. جلستُ لحظةً، منعطفًا بجسدي بزاوية بحيث أتمكَّن من رؤية واجهة قاعة بروكتور، كان الطلاب يتدفَّقون الآن إلى الخارج، ويتحركون بسرعةٍ خشيةَ ظهور أستاذهم فجأة وحرمانهم من إجازة الصباح.
كان ما حدث واضحًا. لم يحضُر برويت إلى فصله، ولم يردَّ على الرسائل النصية أو المكالمات على هاتفه الخلوي. توجَّهَت مساعِدتُه إلى منزله القريب لمعرفةِ إن كان في المنزل أم لا. تملَّكني شعورٌ سيئ لكنني أخمدتُه. كان برويت سِكيرًا من نوعٍ ما، على الأقل هذا ما أبلغتُ به جيليان نجوين. ربما كان يُعاني آثارَ السُّكْر. ربما يحدث هذا النوع من الأمور طوال الوقت، وتتمكَّن أحيانًا مساعِدتُه من إيقاظه من خلال الطَّرق على بابه.
أبقيتُ عيني على بروكتور هول، وقد تملَّكَني الفضول لمعرفةِ ما الذي ستفعله مساعِدته عندما غادرت المبنى، وتساءلتُ في نفسي عمَّا إذا كانت ستعود إلى منزل برويت. ثم تذكَّرتُها وهي تقول إنها ستلزم قاعةَ الدرس طَوال مدة الصف المُلغى. نهضتُ وبدأتُ أسير أسفلَ التل باتجاه شارع منزل برويت. كان جسدي يخبرني بأن أعود إلى سيارتي وأن أقود عائدًا إلى المنزل. حدث شيءٌ ما. وتبادر إلى ذهني بيتٌ من الشعر — «شخصٌ ما قد مات، حتى الأشجار تعرف ذلك» — واستغرق الأمر مني هُنيهةً لأتذكَّر أنه كان بيتًا شِعريًّا لآن سيكستون، من قصيدةٍ عن وفاة أحد والديها، على ما أظن. عندما اقتربتُ من منزل برويت، تفحَّصتُ صفَّ الأشجار على امتداد شارع كورنينج. كانت جميعًا بلا أوراقٍ بالطبع، وبدَت في مواجهة السماء المظلمة أنها مجرد أشكال سوداء، خدوش قلم رصاص. كان من الصعب تخيُّلها وهي مليئةٌ بالأوراق في يوم صيفي. أجل، «شخصٌ ما قد مات». لكن لم يكن كافيًا معرفةُ ذلك فحسب.
عندما وصلتُ إلى منزل برويت، عبرتُ ممرَّ السيارات الخاص به، مرورًا بسيارته. كنت أرتدي قفازاتٍ وفتحتُ البابَ الخشبي المؤديَ إلى فِناء منزله الخلفي المُسيَّج. شغَلَت الثلوج الرقيقة الهشَّة المتراكمة أرجاءَ الساحة المربعة. كانت هناك شواية مغطَّاة بقماش القنب، لكن لا شيء آخر. أوراق الأشجار التي لم تُكنس، والتي استحالت سوداءَ الآن، كانت تصطفُّ على حافة السياج البعيد.
صعدتُ ثلاث درجاتٍ أوصلَتني إلى مصطبةٍ صغيرة وباب خلفي. ومن خلال زجاج النافذة تمكَّنتُ من رؤيةِ مطبخٍ يكسو أرضيتَه مشمَّع مُشطرجٌ. وخلفه كان هناك ما يُشبه غرفةَ طعام مع طاولة طويلة. كان الباب مغلقًا، وطرَقتُ على الزجاج. كنتُ على وشْك اختراق النافذة، لكن كان هناك صفٌّ من أُصص النباتات القديمة على السطح. جلستُ القرفصاء، ورُحتُ أرفع كلًّا منها على حدة. وأسفل أصيص به نباتُ إكليل الجبل كان يرقد مفتاحٌ فِضي واحد. أمسكتُ به بين أصابع قفازي، ثم وضعتُه في الباب الخلفي، فانفتح البابُ وأصبحتُ في الداخل. صحتُ في المنزل الخالي: «مرحبًا»، ثم انتظرتُ الرد. سرتُ عبْر المطبخ المرتَّب إلى غرفة الطعام متباطئًا، مما سمِح لعينيَّ بالتكيُّف مع الأجزاء الداخلية المعتِمة. كانت جميع الستائر قد أُسدِلَت. كان بإمكاني النظرُ من خلال حجرة الطعام إلى غرفة الجلوس بالمنزل، حيث توجد أريكة طويلة. كان برويت جالسًا هناك على أحدِ طرَفَي الأريكة، قدَماه مسطَّحتان على الأرض، ويداه على جانبَي فخِذَيه، ورأسه مائلٌ للخلف، مستلقيًا على وسادة الأريكة. كان ميتًا. عرَفتُ ذلك بمجرد النظر إليه، كيف كان ساكنًا، كيف كانت رقبته مكشوفةً ورأسه بهذه الزاوية غير المريحة.
وبقدرِ ما كنتُ مصعوقًا من منظر جسده، صعقني بالقدرِ نفسِه ما عناه ذلك من أن برويت لم يكن تشارلي. كنت متيقنًا من أنه هو، ومن الواضح أنني كنتُ مخطئًا. كان هناك على ما أظن احتمالٌ ضئيل أن برويت ربما كان تشارلي حقًّا، وأن الشعور بالذنب تجاه ما فعله قد جعله يحتسي الشراب حتى الموت. لكنني كنتُ أعرف في قرارة نفسي أن الأمر لم يكن كذلك. لقد قُتل برويت على يدِ تشارلي الذي سبقني بخطواتٍ عديدة.
كانت هناك رائحةُ ويسكي قوية جدًّا منبعثة من الغرفة، ورأيتُ القنينة على الأرض مائلةً على جانبها فوق السجادة الفارسية الرقيقة. عكستُ القليل من الضوء الموجود في الغرفة، الذي انبعث من كابل سلكي يُغلِّف شكلها المثلثي. تعرَّفتُ على العلامة التجارية — كان ويسكي اسكتلنديًّا — لكنني لم أستطِع تذكُّر اسمها بالضبط. كانت هناك أيضًا رائحةٌ أخرى، رائحة جعلتني أفكِّر في المستشفيات. اقتربتُ قليلًا بحيث وقفتُ في إطار الباب. ومن هناك استطعتُ رؤيةَ قيءٍ جافٍّ أسفل الجزء الأمامي من سترة برويت.
نظرًا إلى معرفتي بأنني لن أذهب أبعدَ من ذلك في الغرفةِ مع وجود جثة برويت هناك؛ ألقيتُ نظرةً خاطفة في الأرجاء. لا عجبَ في وجود العديد من رفوف الكتب. في إحدى الزوايا، كان هناك تلفزيون كبير بشاشة مسطَّحة وما بدا أنه نظام استريو قديم. وعلى الحائط فوق الأريكة، كان هناك ملصقٌ مسرحي كبير بداخل إطار، معلنًا عن إنتاج مسرحية «حكاية الشتاء» لشكسبير، وقد تضمَّن رسمًا تخطيطيًّا لدبٍّ على رأسه تاج. لاحظتُ أنه باستثناء الزجاجة الموضوعة على الأرض أمام الأريكة، لم أرَ أيَّ علاماتٍ أخرى لخمورٍ في المنزل.
تراجعتُ ببطءٍ إلى غرفةِ الطعام، ثم المطبخ. نظرتُ حولي بحثًا عن الخمور أيضًا، لكن لم أرَ أيًّا منها. فتحتُ ثلاجته. كانت شحيحة من الداخل، ولكن كان هناك ستُّ عبوات من الجِعة على الرف العلوي، ولكن بالنظر إليها عن كثَب أدركتُ أنها ليست مشروباتٍ كحولية. أغلقتُ باب الثلاجة متسائلًا عمَّا إذا كان الأمر يستحق إلقاءَ نظرةٍ أكبر حول المنزل، أو إذا كان من الغباء البقاءُ مدةً أطول. كنت أعرف ما حدث هنا بالطبع على الرغم من أنني لم أعالجه بالكامل بعدُ. إنه كتابُ «سبق الإصرار». في هذا الكتاب تُقتل امرأةٌ مدمنة للمخدرات بجرعة زائدة منها، مما يجعل الأمر يبدو كأنه حادث. كان برويت مدمنَ كحول متعافيًا على نحوٍ واضح، لكن تشارلي جعله بطريقةٍ ما يشرب مرةً أخرى، وجعله يشرب كميةً قاتلة. أو على الأقل جعل الأمر يبدو كما لو أنه شرب.
ملأت المطبخَ فجأةً أصواتُ نقيقٍ مثل الصراصير، وتسارعَت دقاتُ قلبي بأقصى سرعة. لقد كان هاتف برويت، يُشحن بجوار محمصة الخبز على طاولة المطبخ. ذهبتُ ونظرتُ إلى الشاشة. كان الشخص الذي يُهاتفه يُدعى تمارا ستراهوفسكي، وقد خمَّنتُ أنها كانت مساعِدتَه في التدريس، تتفقَّده مرةً أخرى. كم من الوقت سيمرُّ قبل أن تتصل بالشرطة وتطلب التحقُّق من سلامته؟ لم يكن لديَّ أيُّ فكرة. بحثتُ سريعًا في أرجاء المنزل مدةَ خمس دقائق.
كان للمطبخ بابان، وذهبتُ من خلال الباب الآخر. كان هذا الباب يؤدي إلى رِواق خلفي ونصف حمَّام وغرفة كانت مكتبَ برويت. كان هناك مكتبٌ قائم، وقد وُضع عليه كمبيوتر محمول مفتوحًا، والمزيد من الرفوف معظمها مليءٌ بنسخٍ لا نهاية لها من كتابه «سمكة صغيرة». علمتُ من زيارتي لمنزل براين موري أن المؤلِّفين يحصلون على عددٍ من إصداراتهم الخاصة، ولكن ليس بتلك الكمية الموجودة هنا. شغَلَت رواية «سمكة صغيرة» رفَّين للكتب وكانت هناك أكوامٌ على طول الأرض. بدا أنها بالمئات. تساءلتُ عما إذا كان قد اشترى نسخًا من كتبه، ربما لزيادة المبيعات. ومن المكتب توجَّهتُ بسرعة إلى قاعةٍ جانبية مؤدية إلى الدرَج. في الجزء العلوي من مَهبِط الدَّرج ألقيتُ نظرةً على غرفة نوم برويت، كانت أكثرَ فوضويةً من أي غرفة في الطابق السفلي. ومحتوياتها أكثر بعثرةً. كانت هناك كومةُ ملابسَ على الأرض، وسرير غير مرتَّب، وملصق مسرحي آخر مرسوم باليد بداخل إطار على الحائط. كان هذه المرة لمسرحية «الليلة الثانية عشرة». تمكَّنتُ من إلقاء نظرةٍ أفضلَ على هذا الملصق. كان من إنتاج مسرح جامعة نيو إسيكس، وكان المُخرج هو نيكولاس برويت. وقبل مغادرة غرفة النوم، ألقيت نظرةً خاطفة على أعلى مكتبه، المليء بصور مُبروَزة، معظمها لقطاتٌ عائلية قديمة، على الرغم من أنني تعرَّفت إلى صورةِ جيليان نجوين، وهي تقف مع برويت أمام ما بدا وكأنه ترميمٌ لمسرح جلوب في لندن.
خرجتُ من الباب الخلفي وأعدتُ المفتاحَ أسفل أصيص إكليل الجبل. ثم عُدتُ إلى سيارتي وقُدتُ عائدًا إلى المنزل في بوسطن.