الفصل الثاني والعشرون
لم أعُد إلى «دوكبرج» منذ عام ٢٠١٠، عندما رتَّبتُ لجريمتَي القتل بالوكالة. لكنني كنتُ أفكِّر في أنني بحاجةٍ إلى زيارة الموقع مرةً أخرى الآن، فقط في حالِ تمكَّنتُ من الاتصال بتشارلي. على حدِّ علمي، لا يزال لديَّ إشارةٌ مرجعية بالموقع على كمبيوتر العمل. كان الوقت في بدايةِ ما بعد الظهيرة، وسرتُ من المنزل إلى «أُولد ديفيلز». في كل مرة طرَفتُ بعيني فيها، كان بإمكاني رؤية جسدِ نيك برويت الهامد، جالسًا بهدوء على أريكته، ورأسه مائلٌ إلى الخلف، وفمُه يتدلَّى مفتوحًا.
اندفعتُ خلال الباب. كانت إيميلي وراء دُرج النقود تسجِّل عمليةَ بيع، وسمعتُ براندون قبل أن أراه. قال بصوته الجهوري: «العصابة بأكملها هنا». كان جاثمًا على يساري، يبحث في أحد الرفوف السفلية، محاولًا على الأرجح العثورَ على كتابٍ لطلبٍ عبْر الإنترنت.
قلتُ: «فقط مدةً من الوقت. آسف لأنني تركتُكما بمفردكما كثيرًا مؤخرًا».
«ما الذي يجري معك؟» قالها براندون وهو يقف الآن ممسكًا بنسخةٍ من كتاب جون لو كاريه «الجاسوس المستجير من البرد».
قلتُ: «بصراحة، لم أكن على ما يُرام». كانت تلك الكذبة الأولى التي قفزَت إلى رأسي. «فقط متعب للغاية وأشعر بقليلٍ من الألم. لا أعرف سببه».
قال براندون: «حسنًا، لا تأتِ إلى هنا وتنشر العدوى في كل مكان. إي وأنا سنتكفَّل بالأمر، أليس كذلك، إي؟»
لم تُجِب، لكنني رأيتُ إيميلي تنظر لأعلى من وراء المكتب. كان العميل الذي تساعده عميلًا شبه منتظم، لم أستطِع تذكُّر اسمه بتاتًا، لكنه كان مداومًا على شراء كلِّ جديد لمايكل كونولي من متجرنا، وكان يتَّجه الآن نحوَ باب الخروج.
قلتُ: «لديَّ بعضُ العمل لأنجزه في مكتبي، ثم سأعود رأسًا إلى المنزل، أعدك»، وشقَقتُ طريقي إلى هناك حين بدأ براندون يخبر إيميلي كيف أُصيبت والدته مرةً بنزلة بردٍ عامًا كاملًا.
كان نيرو جالسًا على كرسيِّ مكتبي، ملتفًّا على شكل دائرة، لكنه استيقظ عندما دخلت، ومدَّ ظهره، ثم قفز على الأرض. جلستُ وفتحتُ جهاز الكمبيوتر الخاص بي. شعرتُ بالقلق فجأةً من أن أكون قد حذفت الإشارةَ المرجعية الخاصة بموقع «دوكبرج» الإلكتروني — الشيء الذكي الذي يجب القيام به، حقًّا — ولكن بمجرد أن دخلت إلى الإنترنت، كانت موجودة هناك. سجَّلتُ الدخول، وذهبتُ إلى القسم المسمَّى مُقايضات، وألقيتُ نظرةً سريعة على آخرِ خمسين إدخالًا أو نحوِ ذلك. كانت الأشياء المعتادة؛ عُروض عمل والمقابل المدفوع فيها إما خدمة جنسية أو مخدرات. كانت هناك أشياءُ شاذة بالطبع؛ رجل يتطلع إلى مقايضةِ مجموعة أحذية زوجته بالكامل (ثمانية أزواج على الأقل ماركة «جيمي تشوز») مقابل تذكرة لحفل «سبرينجستين» الموسيقي الذي نفِدَت تذاكرُه. لم أرَ أيَّ شيءٍ يشير إلى «غريبان على متن قطار». لم أكن متفاجئًا. فلم يكن تشارلي بحاجةٍ إلى الاتصال بي؛ لأنه فعل ذلك بالفعل، بطريقةٍ ما. كان يعرف بالضبط مَن أنا. ومع ذلك، كان الأمر يستحقُّ إرسالَ رسالة إليه على أمل أنه كان يشاهد هذا الموقع الإلكتروني الآن.
أنشأتُ هُوية مزيفة جديدة، مطلِقًا على نفسي اسم فارلي ووكر، ونشرتُ رسالة. «عزيزي المحب لرواية «غريبان على متن قطار»، أودُّ أن أقترح مقايضةً أخرى. أنت تعرف من تكون». حدَّقتُ في الرسالة مدة خمس دقائق تقريبًا بعد نشرها، متسائلًا عما إذا كان الرد سيأتي على الفور، لكن لم يحدث شيء. سجَّلتُ الخروجَ من «دوكبرج» وأجريتُ بحثًا سريعًا عن جامعة نيو إسيكس لمعرفةِ ما إذا كان هناك أيُّ شيءٍ قد ظهر في الأخبار. لم أكن متفاجئًا عندما لم أجد شيئًا. فحتى لو اكتُشفت جثةُ نيك برويت، التي على الأرجح لم تُكتشف بعد، عندئذٍ سيكون الخبر بصعوبةٍ جديرًا بالاهتمام. سيبدو الأمر كأنه جرعة زائدة عرَضية من مدمنِ كحول عاد إلى مُعاقرة الشراب. وتُعد هذه جريمةَ قتلٍ كاملة، إلا إذا كان تشارلي قد أخفق في شيءٍ ما. لن يشكَّ أحدٌ أنها جريمة قتل.
تساءلتُ كيف فعل ذلك. وكان أفضلُ ما هداني إليه تخميني أنه ذهب إلى باب برويت حاملًا زجاجةَ ويسكي ومسدسًا، وأرغمه على الشرب. ربما وضع مخدرًا في الويسكي أيضًا.
كان السؤال الأهم الذي طرَحتُه هو كيف استهدف تشارلي برويت في المقام الأول. فالأشخاص الوحيدون الذين عرَفوا أنني مهتمٌّ به هم مارتي كينجشيب وجيليان نجوين. بالطبع، كان برويت على صلةٍ بنورمان تشيني. وإذا كان تشارلي قد رتَّب لوفاة تشيني، فسيكون على صلة أيضًا ببرويت. تذكَّرتُ فجأة الكتاب، «سمكة صغيرة»، وأنني تركتُه هنا في المتجر. كانت إيميلي الآن قد عادت إلى مكتبها، لتتعامل مع الطلبات عبْر الإنترنت على الأرجح، ومن ثمَّ ذهبتُ إلى دُرج النقود. وكان كتاب «سمكة صغيرة» هناك حيث تركتُه. أدركتُ أنَّ وجودَ نسخةٍ مكتبية من هذا الكتاب في حوزتي يعني إدانتي؛ لذا قررتُ عدمَ ترْكهِ في مكانه.
قال براندون: «جاءك زائرٌ ليلة أمس.»
رفعتُ عينيَّ. وقلتُ: «آه حقًّا؟»
«زوجة براين موري — هل تُدعى تيس؟ — كانت هنا تبحث عنك.»
قلتُ: «أوه، هل قالت ماذا تريد؟»
«كلَّا. قالت إنها كانت تزورنا فحسب؛ لأنها لم تزُرْنا منذ مدة، لكن يمكنني القولُ إنها كانت مُحبطة بعضَ الإحباط لأنك لم تكن هنا. إنها لا توجد عادةً في بوسطن، أليس كذلك؟ ليس عندما يكون الجوُّ شديدَ البرودة إلى هذه الدرجة، أليس كذلك؟»
قلتُ: «براين كسر ذراعه. رأيتُهما قبل ليلتين، ويبدو أن عليها المكوثَ هنا الآن لمساعدته في كل شيءٍ.»
قال براندون: «أوه يا رجل، هذا مضحك»، على الرغم من أنني لم أكن متأكِّدًا من أنه كان كذلك حقًّا.
لم أكن متفاجئًا كثيرًا من زيارةِ تيس للمتجر. فقد كانت تعمل في مجال الكتب على أي حال، مسئولةَ دعاية. وكنتُ متأكِّدًا أنها سئمَت من مجالسة زوجها. ومع ذلك، لم أستطِع منْع نفسي من التفكير في الطريقة التي عانقَتني بها عناقَ الوداع بعد أن تناولنا المشروبات في فندق بيكون هيل.
سألتُ: «هل ابتاعت أيَّ شيء؟»
«كلَّا. لكنها أعادت ترتيبَ كلِّ أعمال براين موري لنا.»
قلتُ: «لست متفاجئًا.»
قبل مغادرتي، دوَّنتُ الرابطَ المُعقَّد لموقع «دوكبرج» على قطعةٍ من الورق؛ حتى أتمكَّن من تفقُّد الموقع من جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بي في المنزل. ثم أمسكتُ كتاب «سمكة صغيرة»، وأخبرتُ براندون وإيميلي أنهما قد يكونان بمفرديهما مدةً من الوقت، وتوجَّهتُ إلى المنزل. في الخارج، بدأَت رقائقُ الجليد الصغيرة تدور في الهواء. عاصفة أخرى — ليست كبيرةً جدًّا — كانت تُنذر بالوصول في تلك الليلة. ظللتُ أفكِّر في تيس موري، كيف حضرت إلى المتجر. هل رأت نسختي من كتاب نيك برويت؟ وإذا كانت قد رأتها، فماذا في ذلك؟ ومع ذلك، فقد أزعجَتني الفكرة.
فتحتُ الباب الخارجي وصعدتُ الدَّرج إلى شقتي في العليَّة. في الداخل، كان الجو باردًا فجأة، وأدركتُ أنني تركتُ النوافذ مواربة، وهو شيء لم أتذكَّر القيام به على الإطلاق. أغلقتُها، ثم توجَّهتُ من فوري إلى جهاز الكمبيوتر الخاص بي للتحقُّق من موقع «دوكبرج». لم يكن هناك ردٌّ. بحثتُ عن «تيس موري». خطر ببالي أنني لم أكن أعرفُ أيَّ شيء عنها تقريبًا إلى جانبِ حقيقةِ أنها كانت الزوجةَ الأصغر سنًّا لشريكي في العمل، وأنها كانت تعمل في الدعاية عندما التقَيا أولَ مرة. وجدتُ مَن اعتقدتُ أنها هي على صفحة «لينكد-إن»، على الرغم من عدم وجودِ صورة. كانت قد أدرجَت إحدى دُور النشر الكبرى مكانَ عمل سابق، بالإضافة إلى شركة تُدعَى «سنيمان بابليسيتي»، وتذكَّرتُ أن سنيمان كان اسمها قبل أن تغيِّره إلى موري. كان مكان عملها الحالي هو «تريجر تشيست» في لونجبوت كي بولاية فلوريدا، متجر المجوهرات الصغير الذي تُديره الآن. تساءلتُ عمَّا إذا كانت قد تركَت العمل في مجال الكتب بسبب ارتباطها ببراين موري. لقد كانت فضيحةً صغيرة عندما تزوَّجا، في الغالب لأنها هدمَت زواجه، ولكن أيضًا لأنها كانت أصغرَ منه بكثير، وأكثرَ جاذبية بكثير. حقيقةُ أنهما بقيَا متزوجَين أكثرَ من عشر سنواتٍ لم تُغيِّر رأيَ أيِّ شخص بأنها كانت طامعةً في ثروته.
تذكَّرتُ قصةً كنت قد سمعتُها عنها، ربما من كاتب آخرَ من كُتَّاب الجريمة المحليِّين. كان ذلك عندما كانت تيس لا تزال تعمل في مجال الدعاية، لكنها كانت قد بدأت للتو في مواعدة براين. لقد كانت في حفل كوكتيل في ثريلرفيست في مدينة نيويورك عندما أدلى شخصٌ ما بملاحظةٍ مُهينة عن براين، كيف أنه لم يَعُد يُعير قصصَ الإثارة الأخيرة التي يؤلِّفها الاهتمامَ المطلوب لسنوات. لم يكن هذا اتهامًا في غير محلِّه، في رأيي، لكن يبدو أن تيس صفعَت الشخص الذي قال ذلك بصوتٍ عالٍ، ثم اندفعت بعيدًا. أتذكَّر أن أيًّا مَن أخبرني بهذه القصة، يبدو أنه رواها لإظهارِ ما كانت عليه تيس من جنون، لكنني سمعتُها بوصفها قصةً أكَّدَت حُبَّها الكبير لبراين. وأعتقدُ أنهما كانا يحظيان بزواجٍ جيد.
تحقَّقتُ من هاتفي لمعرفةِ ما إذا كانت بيانات تيس موري موجودةً عليه. وقد كان؛ وجدتُ كلًّا من عنوان بريدها الإلكتروني ورقم هاتفها الخلوي. أرسلتُ إليها رسالة:
«مرحبًا تيس، أنا مالكوم في حالِ لم تتعرَّفي على الرقم. سمعتُ أنكِ كنتِ في المتجر وسألتِ عني. دعينا نتناول العشاء قريبًا، ثلاثتنا. سيكون من دواعي سروري أن نلتقيَ ونتحدَّث.»
أغلقتُ شاشةَ هاتفي بعد إرسال الرسالة، ولكن حالما أنزلتُ الهاتف، رنَّ، وكانت هناك رسالةٌ من تيس: «أجل! تعالَ لتناول العشاء ليلة الغد!»
كتبتُ إليها مجددًا أُخبرها أنني يُسعدني القدوم وسألتُها عن الموعد وعمَّا يمكنني إحضاره معي.
جاء الردُّ: «السابعة، ونفسك!» لدرجةِ أنني تساءلت على الفور كيف كان لديها الوقتُ حتى لكتابة الكلمات. وبعد علامات التعجب، وضعَت قلبًا أحمرَ.
ذهبتُ إلى الثلاجة للحصول على جِعة. كان لديَّ بعضُ البيض والجُبن، وقررتُ إعدادَ عجَّة البيض على العشاء، على الرغم من أنني لم أشعر بأي نوع من الجوع منذ رؤيةِ جثة برويت في الصباح. وضعتُ مجموعةً من الأقراص المضغوطة لمايكل نيمان في مشغل الأقراص المضغوطة القديم، واستمعتُ أولًا إلى الموسيقى التصويرية لفيلم «نهاية العلاقة» (ذي إند أوف ذي أفير). صنعتُ العجَّة وأكلتُ نصفها، ثم فتحتُ زجاجةَ جِعة أخرى. ذهبتُ إلى رف الكتب الخاص بي ووجدتُ القسم الذي أحتفظُ فيه بكتب براين موري. كان لديَّ كلُّ كتبه تقريبًا. كلُّ الأعمال الأخيرة بالتأكيد؛ لأنَّ براين أقام حفلات طرح كُتُبه في «أُولد ديفيلز»، وكان دائمًا يُهدي كتابًا إليَّ. ولكن كان لديَّ أيضًا معظم الكتب القديمة ذات الأغلفة الورقية، وهي روايات إليس فيتزجيرالد الأولى التي بدأتُ في قراءتها عندما كان عمري نحو عشر سنوات. لم أكن مضطرًّا إلى الحصول على تلك الكتب تحديدًا من «أنيز بوك سواب»؛ لأن أمي كانت من محبي إليس فيتزجيرالد، وكانت قد ابتاعت كلَّ الكتب بنفسها. كانت الروايات الأولى جيدة حقًّا، مثل روايات روس ماكدونالد المضحكة. وقد كان أمرًا جللًا إلى حدٍّ ما في ذلك الوقت كونُ المحقِّقة أنثى، وصارمةً صرامةً لا هوادةَ فيها. لقد أخبرني براين عدةَ مرات أنه في المسوَّدة الأولى لرواية إليس فيتزجيرالد الأولى «شجرة السموم»، كان إليس رجلًا. أخبره وكيله أن الكتاب جيد، ولكنه مألوف بعض الشيء. ومن ثمَّ، جعل إليس امرأةً دون تغيير أي شيءٍ آخر، وبِيع الكتاب.
سحبتُ النسخة الورقية من رواية «عَينُ الهدف». كان هذا هو خامس كتاب لإليس فيتزجيرالد وقد فاز بجائزة إدجار. بالنسبة إلى المعجبين، كان هذا إما كتابهم المفضَّل في السلسلة، أو أقل الكتب تفضيلًا لديهم. وبالنسبة إليَّ كان هذا هو المفضَّل لديَّ، على الأقل كان كذلك عندما قرأتُه أولَ مرة حين كنت مراهقًا. في نهاية الكتاب السابق في السلسلة «دم معتدل»، قُتل صديق إليس الحاضر الغائب، بيتر أبلمان، على يدِ أحدِ أفراد مافيا بوسطن. وفي «عينُ الهدف»، تُنفِّذ إليس انتقامَها، فتقتل بوحشية كلَّ مَن تورَّط عن بُعد في وفاة أبلمان. الكتابُ له القليل من القواسم المشتركة مع الكتب الأخرى في السلسلة. لا يوجد عملاء مهرِّجون، أو نِكات إليس؛ لديه الكثير من القواسم المشتركة مع إحدى روايات باركر لريتشارد ستارك.
أخذتُ «عينُ الهدف» وزجاجةَ جِعةٍ جديدة واتجهتُ إلى أريكتي. كان الكتابُ قد قُرئ مراتٍ عديدةً حتى إن بعض الصفحات كانت تنزلق بعيدًا عن الغلاف المتشقِّق البالي. كان الغلاف المُجعَّد أسودَ اللون، وعليه صورة مسدس قد فُتحت أسطوانته لتكشف عن ستِّ خزناتٍ فارغة حيث كان الرصاص. فتحتُ صفحة العنوان، ولم أُفاجأ برؤية اسم والدتي بخط يدها في الركن الأيمن العلوي. مارجريت كيرشو، وتاريخ شرائها للكتاب. كان ذلك في شهر يوليو من عام ١٩٨٨. إذن، كنت في الثالثة عشرة من عمري، وكان من شبه المؤكَّد أنني سوف أقرأ هذا الكتاب بمجرد أن أضع يدي المتواضعة عليه، ربما فور انتهاء أمي منه. أعتقدُ أنني أتذكَّرها وهي تخبرني بأنَّ الكتاب كان عنيفًا للغاية. أنا متأكِّد من أن هذا جعلني أكثرَ حرصًا على قراءته بنفسي.
كان الكتاب قد أُهديَ إلى زوجة براين موري الأولى، ماري. لم أكن أعرفُها قط، لكن براين أخبرني مرةً أنَّ السبب في أنه قد أهدى كلَّ كتبه تقريبًا إليها هو أنها سوف تستاء عدة أيام إذا لم أفعل. وقد أخبرني أن طلاقه منها كان جيدًا لعدة أسباب، ولكن السبب الأغلب أنه قد أصبح الآن حرًّا في إهداء كتبه إلى أناسٍ آخَرين في حياته.
بدأتُ في قراءة الكتاب وتعلَّقتُ به على الفور. يبدأ الكتاب بأليس وهي تلتقي بزعيم مافيا بوسطن في حانة فندق الريتز وتُسلِّمه لائحةَ أسماء: «إما أن تعاقبهم، وإلا فسأتولى الأمر بنفسي. الأمر عائدٌ إليك». يسخر منها، ويخبرها بأنها عليها أن تنسى وتمضيَ قُدمًا. بقيةُ الكتاب تتضمَّن تركيزَ سعيها وراء هؤلاء المسئولين عن مقتل صديقها. إنه مشوِّق وعنيف، ويصادف أن إليس مصابةٌ بذُهانٍ طفيف. بعد كل عملية قتل، تضع أحمرَ الشفاه وتقبِّل الميت على خدِّه تاركةً بصمة. ينتهي الكتاب بها في فندق ريتز مرةً أخرى، وهي تحتسي نبيذَ شاردونيه مع رئيس المافيا، الذي يعتذر عن التقليل من شأنها، ويتفقان معًا على أن التوازن قد عاد. لقد حقَّقت انتقامها. يسألها عن أحمر الشفاه، فتقول: «اعتقدتُ أن ذلك سيُبهج الشرطة، لا شيء يعجبهم أكثرَ من قاتلٍ بعلامة مميَّزة. فذلك يجعلهم يعتقدون أنهم في فيلم لكلينت إيستوود».
انتهيتُ من الكتاب بعد منتصف الليل بقليل، وواصلتُ التفكير في العلامات المميَّزة. في نهاية المطاف، كان هذا ما تدور حوله جرائمُ قتل تشارلي، تاركةً علامةً من نوعٍ ما، دلالة تخبر العالم أنَّ القاتل كان أهم من الضحية. لعلَّ ما ألهم تشارلي هو الشعور بالانتقام، أو العدالة، عندما طلب مني قتل نورمان تشيني. ولكن الآن كان الأمر يتعلق به. وبقائمتي. وبي أيضًا، على ما أعتقد. أيُّ نوع من الأشخاص هو ليضع نفسَه فوق ضحاياه؟ أيُّ نوعٍ من الأشخاص هو ليُصبح مهووسًا بقائمة للكتب؟
إحدى نصائح المؤلِّف التي يُشاركها براين هي أنه عندما لا تتمكَّن من استخلاص شيءٍ ما في حبكة كتابك، اخلُد إلى الفراش واترك عقلك الباطن يُمسك به. قررتُ أن أفعل ذلك، أن أحاول الحصول على قسطٍ من النوم أخيرًا؛ وربما حتى بعض الإجابات.