الضربة الكبرى!
في محطة البنزين، جهَّز دراجته تمامًا للرحلة، وحمل معه زجاجاتِ ماء إضافية، ومتطلبات إسعافات أولية … تحسُّبًا للظروف.
ثم أعطى الدراجةَ حريتَها … فطارَت فوق الأرض وهو مِن فوقها … يميل يمينًا وشمالًا … ورغم ضخامة حجمها، وثِقَل وزنِها، فقد أصبحت لسرعتها كقارب صغير فوق سطح المحيط، وعلى تابلوه السيارة، رأى ضوءًا أحمرَ متقطعًا يصدر عن جهاز الاتصال … فحوَّله إلى الخوذة، ودار حديثٌ طويل بين «فهد» و«أحمد» عرف منه أنهم توصلوا لمكان «إلهام» وأن «ريما» مختطفة … وهي مع «القطط» في أحد الكهوف … وهم يطلبون تسليم الديسك … مقابل إطلاق سراحها … فسأله عن «إلهام» و«عثمان»، فأخبره أنهما يحومان حول الكهف … فسأله «أحمد» إن كان قد رأى القطط؟
فهد: نعم …
أحمد: هل ما زالوا يرتدون النظارات السوداء؟
فهد: نعم.
أحمد: إذن، فنقطة ضعفهم هي الضوء الشديد.
فهد: ماذا تقصد؟
أحمد: إذ أردتم القبضَ عليهم فسلِّطوا عليهم ضوءًا شديدًا ولكن عليكم أولًا أن تُفقدوهم نظاراتهم السواء، عندما سيختلُّ توازنهم سيكون من اليسير التعامل معهم.
فهد: المهم الوصول إلى نظاراتهم.
أحمد: هذه مهمتكم … فأنا لن أشتبكَ معهم، بل سأطاردكم أنتم.
«فهد» مندهشًا: … تُطاردنا؟!
أحمد: نعم … هذه هي خطتنا … وعليك إبلاغهم ليستعدوا لها.
لم تكن عودة «إلهام» و«عثمان» إلى السيارة الشيروكي هروبًا من مطاردة القطط. ولكن تنفيذًا لما طلب «فهد»، لعقد اجتماع عاجل، وعندما عرض عليهم ما قاله «أحمد» تحمَّس «عثمان» للفكرة جدًّا، ولكن تبقى خطوة مهمة. وهي كيف سيدفعونهم لخلع النظارات؟
قالت «إلهام»: إن ما نعرفه عنهم، أنهم كثيرو الحركة ليلًا … أليس كذلك؟
فهد: نعم.
عثمان: تقصدين أن نهاجم ليلًا … وهم بدون نظارات؟
إلهام: نعم.
راقَت فكرةُ الهجوم ليلًا لكلٍّ من «عثمان» و«فهد»، فقامَا يُعدَّان العدَّة لقطعِ جميعِ الطرق على القطط. ورفع «عثمان» الهوائيَّ الخاصَّ بجهاز إرسال الذبذبات، حتى إذا ما حضر «أحمد» استطاع الوصول إليهم بسهولة، بتتبُّع هذه الذبذبات عن طريق أجهزة خاصة مزوَّدة بها دراجته.
ثم قاموا بشحن بطاريات الدراجات النارية مستخدمين في ذلك أجهزةً متطورة للغاية … وقضَوا النهار يُجهِّزون أنفسَهم للمواجهة والمطاردة الكبرى.
وقبل اختفاءِ آخرِ شعاعِ ضوءٍ في الأفق، تحرَّك الشياطين يدفعون دراجاتهم، دون إدارة محركاتها، حتى لا ينتبهَ القطط لهم.
ولأن الطريق الممهد الوحيد المؤدي للكف ينتهي عند فتحتِه الوحيدة، مما يعني أنه مراقب جيدًا من القطط؛ فقد اتخذ الشياطين طريقًا دائريًّا حول الكهف … تكثر فيه العثرات، والمرتفعات والمنخفضات … مما أرهقهم واستغرق منهم قطعُه وقتًا طويلًا.
ولم يقف الأمر عند ذلك … بل زاد إرهاقَهم وتوتُّرَهم قطيعٌ من ذئاب الجبل الجائعة … تعوي وهي تجري في طريقها إليهم. ولم يكن في مقدورهم استخدامُ أسلحتهم، حتى لا يُثيروا انتباهَ القطط.
وكان التأخُّر في اتخاذ القرار في غير صالحهم؛ لأن الذئاب لا تفكر، والذئاب الجائعة لا تتردد في الهجوم، ولم يكن هناك حلٌّ، غير كُرة «عثمان» الجهنمية؛ فقد ظلَّ يرفعها في الهواء ويلتقطها ثانية، وهو يراقبها بعينه. وبالأخرى كان يراقب تقدُّم قائد قطيع الذئاب، ومن خلفه جيشٌ من الجياع. مما أوحى له بأن ضرْبَ القائد يُصيب بقيةَ القطيع بالفزع فيفرون إلا أن الذئابَ كلَّها كان لها رأي آخر.
فعندما اقتربوا منهم، والتفوا حولهم في دائرة، غيَّروا ﻟ «عثمان» كلَّ حساباته، إلا أنه أصرَّ على الإسراع في تنفيذ الخطة، وأطلق كرتَه الجهنمية … صاروخًا، تُصدر سرعةُ حركته صفيرًا. لم ينقطع إلا عندما علَا صوتُ ارتطامها برأس قائد القطيع، مصحوبًا بصوت فرقعة تُكسر عظامَ جمجمته … أعقبه عواءٌ واهن منه، وصراخُ مَن معه. وما كاد «عثمان» يلوِّح بقبضته لهم، وكان بها كرة ثانية، حتى فروا جميعًا، تاركين جثةَ قائدهم … فاستأنف الشياطين سيرَهم … حتى ساروا خلف الكهف تمامًا، فتبادلوا النظرات، ثم توسطَتهم «إلهام» راكبةً دراجتها، وبجوارها «عثمان» عن يمينها … وعن يسارها «فهد».
وحين رفعَت يدَها، أداروا جميعًا الدراجات، وحين أنزلَتها انطلق كلٌّ من «فهد» و«عثمان» من على جانبَي الكهف، وهي تقف راكبةً الدراجة في وضعِ استعدادٍ من أعلى سقفه.
وفي ثوانٍ معدوداتٍ كانت الدراجتان تقفان أمام فتحة الكهف … تستعدَّان لدخوله، حين سمعَا صوتَ طلقاتِ الرصاص تُحيط بهما … فقامَا بإنارة الكشافات … التي أحالَت ليلَ الكهف نهارًا … وجعلَت رجالَ عصابة القطط يغطُّون عيونهم، فانطلق الشيطانان كطلقات مدفع … يعبران فتحةَ الكهف، ويدوران حول «القطط»، ويسألونهم عن «ريما» التي لم تكن موجودةً أمامهم … والقطط يجرون أمامهم، يحاولون إخفاءَ عيونهم … إلى أن أصابهم الإجهادُ … وكانت هذه هي فرصة «عثمان» ليلعب بأعصابهم هو و«فهد»، فأطلقَا أصواتًا عالية متعددة من بوق الدراجة الإلكتروني، وزادَا من سرعة دورانهما حولهم. حتى حضرَت «إلهام» وأخذَت تلفُّ وتدور بدراجتها أمام فتحة الكهف مشارِكةً الشيطانَين.
ولم يستطع القطط تحمُّلَ ذلك … ووسط دهشة الشياطين … علَا صوتُ صراخهم الذي يُشبه إلى حدٍّ كبيرٍ صراخَ القطط البرية معلنين استسلامهم.
وطبعًا لم يكن هذا مطلبهم الوحيد … بل الأهم منه … أين «ريما»؟
وأين سيارتهم المرسيدس السوداء … وفي هذه الأثناء كان «أحمد» قد وصل إلى مكان تواجد السيارة «الشيروكي» متتبِّعًا الذبذبات الصادرة منها.
وعن طريق التقرير الذي تركوه له في جهاز كمبيوتر السيارة … لم ينتظر ليحصل على قسط من الراحة … من عناء السفر … بل انطلق إلى حيث يقع الكهف … وأمام فتحتِه، أعلن عن احترافه لقيادة الدراجة النارية، بالدوران في حركات استعراضية … وكأنه يتحدَّى مَن بالكهف … فخرج له «عثمان» يدور حوله … فدار هو في اتجاه العكس … مما خلق احتكاكًا خشنًا بينهما كاد يُودي بحياتهما … فابتعد «عثمان» في حركة تمثيلية … منهزمة، ودخل هو الكهف يُطارد «إلهام» و«فهد» اللذَين تركاه … وفرَّا من الكهف … واقفَين خارجه. في إصرار على القبض على القطط …
فطلب «أحمد» من القطط أن يركبَا خلفه … وكان الموجودان منهم رجلَين فقط … فلم يجدَا مخرجًا مما هما فيه … غير الانصياع لأمره …
وما كاد يخرج بهما من الكهف حتى كان بقيةُ الشياطين في أثره. يطاردونه عن قرب … و«القطَّان» يتابعانهم في قلق شديد …
إلا أن «أحمد»، والذي ظنَّ أنهما صدَّقا خدعتَه، شعر بفوهة مسدس في ظهره، وسَمِع صوت القطِّ الراكب خلفه يأمره بالاختباء خلف إحدى الصخور العملاقة، التي قابلاها في الطريق … ثم أمره بالنزول، وقام بتفتيشه … وتجريده من كلِّ أسلحته …
ثم أجلسه أمام صديقه … وجلس هو أمامه يقود الدراجة متخذًا طريقًا رمليًّا غيرَ ممهد … وتحيَّر «أحمد»؛ فكيف عرف هذا الرجلُ القطُّ … هذه المسالك … والظلام يملأ فضاء الصحراء.
وتوقَّفَت الدراجة النارية … وتحت تهديد السلاح … سار أمامهما … حتى اصطدم بجسمٍ معدنيٍّ … لم يعرفه إلا عندما تحسَّسه … إنها سيارتهما …
وسمعَت أذناه فتْحَ الباب … ثم شعر بمن يدفعه من الخلف إلى داخل صالون السيارة، والذي كان الشيءَ الوحيد المضيءَ في الصحراء … وما إن جلس حتى رأى بجواره «ريما» نائمة … فسُرَّ كثيرًا …
وخلف عجلة القيادة، جلس أحدُ القطط، وبجواره صديقه … وما إن أدارَا محركَ السيارة، حتى رأى كشافَين يُضاءَان بالقرب منهم، وفي مواجهة السيارة، فعرف أنها سيارة أخرى لهما، وقد سَمِع محرِّكَها يدور هي الأخرى … ثم انطلقَت تلفُّ حول السيارة الجالس بها إلى أن توقَّفت بجوارها … وفتح زجاج أحد الأبواب الخلفية، فأطلَّ منه رأسُ رجل أحمر الوجه، ما إن رآه حتى عرفه، إنه «فولف» الذي باغتَه بالسؤال قائلًا: هاه … هل وجدت الديسك؟
أحمد: نعم.
فولف: وكيف حصلتَ عليه؟
أحمد: هذه مهمتي.
فولف: وأين هو؟
أحمد: النصف مليون دولار أولًا.
فولف: أهو معك؟
فقال «أحمد» بنفاد صبر: هل أحضرتَ النصف مليون دولار؟
إلا أن «فولف» لم تُعجبه طريقةُ كلامه، وكان هذا هو ما يريده «أحمد»، فأمر القطط بتفتيشه.
فاستسلم لهم حتى عثرَا معه على الديسك … فسلَّماه ﻟ «فولف» الذي أمرهما بقتله.
إلا أن «أحمد» لم تُعجبه أخلاقُ «فولف»، فانطلق كالصاعقة يلفُّ ويدور، وينثني وينفرد. وتنخفض قدماه وترتفع … وتنقبض ذراعاه وتنبسطان، وبين كلِّ هذا وذاك يتطوَّح القطَّان في ذهول، غير مصدقَين لما يحدث … حتى أرهقتهما كثرةُ ما أصابهما منه. فألقيَا بأسلحتهما بناء على طلبه، وشاهد في هذه اللحظة «فولف» يجري إلى السيارة النائمة بها «ريما» محاولًا إغلاقَ البابِ خلفه. لولا اعتراض «أحمد» له …
فقال له في فزع: أنت تريد النصف مليون دولار … أليس كذلك؟
أحمد: نعم …
فولف: لك هذا … ولكن يجب أن أتأكد من الديسك أولًا.
أحمد: إذن أعطني إياه إلى أن تتأكد …
فولف: نحن فقط نحتاج إلى جهاز كمبيوتر …
أحمد: وكيف سأدبِّره لك هنا في الصحراء؟!
فولف: سنذهب إلى مكان ما …
أحمد: لن نذهب إلى مكان يخصُّك … فلم أَعُد مطمئنًّا لك …
فولف: اقترح أنت المكان المناسب …
أحمد: أعطني إذن الديسك وسِرْ خلفي.
وأثناء حصوله على الديسك منه، لاحظ أنه ينظر بطرفِ عينه إلى بعيدٍ، وبدَا عليه الارتياح … وفي نفس الوقت لاحظ أن «ريما» تتململ في نومها ثم نظرَت له بنصف عين وأغلقَتها ثانية …
فالتفتَ خلفه في سرعةٍ خاطفةٍ ليرى ما يجري حوله …
فتحرك «فولف» بالسيارة في قفزة مفاجئة … أطاحَت به بعيدًا … ثم دار بها حوله … يراقبه حتى وجده لا يتحرك، فنزل من السيارة مقتربًا منه في حذر، وفي نيته الحصول على الديسك …
فاستغلَّت «ريما» الفرصة وجلست خلف عجلة قيادة السيارة … وانطلقَت بها، تحوم حول «فولف» الذي جرى مبتعدًا عنها في ذهول … فأشار لها «أحمد» أن تهرب هي وكأنهما لا يعرفان بعضهما … فأكملَت سيرها …
وعاد «فولف» يبحث عن الديسك مع «أحمد»، وكان القطَّان قد بدآ يُفيقان … فساعدَا «فولف» على حمل «أحمد»، ووضعاه في سيارتهما. وانطلقَا يقطعان الصحراء به …
وطال بهما السير حتى بلغَا الإسكندرية … ولم يتوقَّفَا. بل أكملَا سيرهما، حتى الكيلو عشرين من الطريق الصحراوي … ولم يتوقَّفَا أيضًا بل واصلَا السير حتى ميدان الرماية، ومنه إلى شارع فيصل … حيث مبنى مجاور للمقرِّ السريِّ … يتألَّف من دورَين … وحوله سورٌ مبنيٌّ من الحجارة … تُغطيه أشجار كثيفة الخضرة … رأى بينهما بعضَ الشباب يعبرون السور قفزًا من فوقه …
وعندما توقَّفَت السيارة، وضعوا على عينَيه شريطًا لاصقًا … وحاولوا إيقاظه فتململ في نومه موحيًا لهم بأنه يستيقظ من إغفاءة عميقة.
ثم قادوه أمامهم حتى اجتمعوا في غرفة … وعلَت بينهم الهمهمات والأحاديث المتداخلة، التي سمع من بينها صوتَ مفاتيح جهاز كمبيوتر ثم آهات استحسان من «فولف» … ومرَّ الوقتُ بطيئًا إلى أن سَمِعه يأمرهم بإبعاده عن المكان قدرَ الإمكان وإعطائه عشرة آلاف دولار … فقد يحتاجونه يومًا ما … وقبل أن يُركبوه السيارة، وقعَت على رقابهم … أيادٍ لها ثقلٌ … فسقطوا في إغماءة طويلة … فتركوهم، صاعدين المقرَّ … حيث يجلس «فولف» … الذي ما إن رآهم حتى حاول أن يقطع التيارَ الكهربيَّ عن جهاز الكمبيوتر، ليمسحَ ما تم تخزينه عليه من الديسك … ولكن كانت أيدي «أحمد» أسرع إليه … فتركتهم «ريما» … ذاهبة إلى المقرِّ … سيرًا على الأقدام، لتُبلغ «صفر» بالقبض على القطط إلا واحدًا … والقبض على «فولف» بعد أن حلَّ شفرة الديسك … وهي في شوقٍ لمعرفة ماذا يحمل من مفاجآت …