بدت شمسُ الحمى والليلُ عابس
فكان النورُ للظلماءِ لابس
مهاةٌ شاكلت قمر السماء
فذات سنًى تشعشع من سناءِ
لها مُقَلٌ زرت مُقَلَ الظباءِ
فأجفنُها اكتحلنَ بكهرباءِ
تجاذبُني مجاذبةَ الفوارسِ
وهُنَّ لمهجتي أبدًا فوارس
نظرتُ جمالَها فأضعتُ لبِّي
وعاد الوجدُ موجودًا بقلبي
فيا قلبي لذات العجبِ عجْ بي
ويا شوقي لسربِ الحبِّ سرْبي
فللعشاقِ أنفاسٌ نفائس
وألفاظٌ بها تحلو العرائس
أنا أهوى العيون على الدوامِ
ولو أحشاي كن بها دوامي
ومذ حبُّ الجفون غدا مرامي
وجدت لهنَّ في كبدي مرامي
فخلِّ الحربَ يا قلبي وآيس
فإنَّ الحسنَ يفعل كابن آيس
محبٌ في الهوى قاسى عذابا
وقد وجدَ الشجونَ بهِ عِذابا
فللآمال لو لم يرعَ ذابا
ولو كانت رواقبهُ عذابا
لكان على سرير الوصل جالس
وللنعمى بأيدي الفوز خالس
التنبيه
قومي بنا يا غزالة الأُنس
نقض الصفا تحت مضرب الغلسِ
قومي فسترُ الظلام منسدِلٌ
على الملا، والرقيبُ في النعسِ
قد نبهتني يدُ الغرامِ لذا
عفت الكرى، والغرامُ كالجرسِ
وكيف يرضى بأن ينامَ فتًى
إليك ينقادُ غيرَ منعكسِ؟
يا ربَّةَ الحسن والدلال ويا
من قد سبتني برقة الميسِ
ميلي على الصبِّ ميلَ غصن نقًا
واستودعي سمعهُ صدى الهجسِ
وإن شرحتِ الغرامَ لي علنًا
لا تجعلي الشرحَ قاصرَ النفسِ
يا طالما فوقَ عاج زندكِ قد
عجَّت شفاتُ المحبِّ ذي الهوسِ
وفي الحشا كم ضرمتِ نارَ هوًى
إذ تبسمينَ السنا عن اللعسِ
سَجَنتُ في مهجتي الهوى فغدت
عليهِ تلك اللحاظُ كالحرَسِ
آهًا ووا حسرتاهُ كم فعلت
عيناكِ في القلبِ فعلَ مفترسِ!
طبعتِ في النفس رسمَ وجهكِ يا
روحي ولكنَّما على قَبَسِ
فحيثما لحتِ طاب لي تلفي
في ذا التصابي ولذَّ لي تعسي
مظاهر
أَسْمَعَتْ أُذْني رنَّةَ الأقواسِ
بفؤادي حواجبُ الميَّاسِ
أغيدٌ كالغزال يُبدي نفارًا
تارةً أو يجودُ بالإيناس
أحوَرُ الطرفِ، أنورُ الوجهِ دريُّ
الثنايا، مُعَطَّرُ الأنفاس
شعرُهُ كالدُّجى فإن تهتُ فيهِ
يهدني نورُ وجههِ النبراسِ
طرفهُ قد حبا عيون المها من
حسنهِ ثم راح يغزو نعاسي
إنَّ سكري بغنج مقلتهِ لا
بابنةِ الكرم بين طاسٍ وكاسِ
رمتُ وصلًا فازورَّ غيظًا فمن لي
بازورارٍ من الحبيب القاسي
كم أقاسي من شدَّةٍ بهواهُ
ليتهُ كان عارفًا ما أقاسي!
يا بديعَ الجمالِ، رفقًا بمن لم
يبقَ منهُ سوى عظامٍ كواسِ
آسُ تلك الخدودِ أمرضَ قلبي
وأرى البرءَ عندَ ذاك الآسي
زُرْ مُعَنَّاك آمنًا يا حبيبي
غسقًا عند غفلةِ الحرَّاس
بمحيَّاكَ من أحلَّك قتلي
بالحواجيبِ بالعيون النعاسِ
إن تكن قد نسيتَ عهدي فإني
لم أكنْ قطُّ للعهود بناسِ
لك عينٌ يا ظبيُ ما بَرِحَتْ تجـ
ـدحُ كاس الهوى وقلبي الحاسي
هجرُكَ المرُّ قد أذابَ فؤَادي
وبرى أعظمي وشيَّب راسي
ليس لي منك والهوى من مرامٍ
غيرُ مرآك، هل بذا من باسِ؟
قد أطلتَ الصدودَ عني فهلَّا
من محيَّاكَ نظرةٌ باختلاسِ
عن عيوني إن غبتَ لا قدَّر اللهُ
فبالقلب والحشا أنتَ راسِ
إن تنوِّعْ بمقلتيك عذابي
فاحتمالي قد جاء بالأجناسِ
لم أحل عن هواكَ يا من كساني
بثيابِ الضنا ونعمَ الكاسي!
أنا كالرخِّ في رقاع الهوى لا
أتلوَّى، والغير كالأفراسِ
رسم الشرقُ على أُفقِ السما
بخطوط الفجرِ أشكال قِسيِّ
اتخذ النورَ نبالًا ورمى
عند دور الأرض جيش الغَلَسِ
دور
إنَّ ضوءَ البدرِ قد غشَّى السُّهى
وحبا الأرضَ إزارًا من بهق
وأثار الصبحُ هيجاءً لها
لاح وخطُ الشيبِ في فرع الغسق
صارمُ الفجر فرى الليلَ وها
دمهُ خضَّب أذيال الشفق
قم إلى الروضِ، فذا الوقتُ سما
وارشفِ الصهباءَ بين النرجسِ
فترى الشحرورَ يتلو الفرضَ ما
سجدَ الغصنُ لشمس الأكؤُسِ
دور
فاح نشرُ الوردِ من تلك الرياض
ساريًا في طيِّ أبرادِ النسيم
وصدوحُ الورق ما بينَ الغياض
نوَّعَ الألحانَ كالنَّاي الرخيم
وغدا الزهوُ ضحوكًا حيث فاض
مدمعُ الطلِّ على ذاك الأديم
يا سقى صوبُ الحيا روضًا نما
ضمنهُ نبتُ الصفا والأنسِ
ومن البؤس تعرى مثلما
بثياب البشر والنعمى كسي
دور
دارتِ الكأْسُ على قطب العراق
وصبا الشاذي إلى الدور الكبير
فاشربِ الصهباءَ واملأْ للرفاق
واكتم الأسرارَ إن كنتَ الخبير
بنتُ كرمٍ خدَّرُوها في زقاق
وجلوها من يدي ظبيٍ غرير
عنبريُّ الخال، مسكيُّ اللما
ليِّنُ الأعطافِ، حلوُ الميسِ
ريقهُ الجريالُ يشفي السقما
وبمرآهُ حياةُ الأنفسِ
دور
مَنْ يفُزْ بالقربِ منهُ فسعيد
شاذنٌ إن لاح يزري ﺑ «سعاد»
مدمعي في حبهِ بحرٌ مديد
أين من يشرحُ حالي بمداد؟
خصرُهُ والقلبُ شمعٌ وحديد
والحيا والطرفُ نارٌ وحداد
جمعَ الحسنَ ولمَّا قسما
قسمةَ الميراثِ بين الأرؤُسِ
أورثَ البدرَ سناهُ والدُّمى
دلَّهُ والغضنَ لطفَ المَيسِ
دور
بأَبي أفدي محياهُ النضير
وبروحي لا بمالٍ ونضار
كلما قلتُ لهُ: جدْ للفقير
قال: من عيني، ولكن ذو الفقار
ليت شعري! هل لذي الحبِّ مجير
من رشًا قاسٍ على العشَّاق جار؟
هزَّ من أعطافهِ سمرًا كما
سلَّ بيضًا من جفونٍ نعَسِ
لا أبالي إن يرُمْ قتليَ ما
دام لي في الحبِّ كلُّ الهَوسِ
قالوا لزيدٍ: إنَّ عمرًا فاز إذ
ربحت نجارتهُ بحظٍّ كيِّسِ
فازورَّ من غضبٍ، وسكرجَ عينهُ
وتنفَّس الصُعدَاءَ أيَّ تنفسِ
وأجابهم مخرنطمًا ومبرطمًا:
ويلاهُ من تحسين حال المفلسِ!
وكذاكَ لما أخبروا عمرًا بأن
بكرٌ غدا ذا رفعةٍ في المجلسِ
أرغى وأزبدَ خائرًا كالمعتري
وانتابَ سحنتهُ ظلامُ الحندسِ
وتوقَّدت عيناهُ أيَّ توقدٍ
بشرارة الحسد البهيم الغطرسِ
وإنحاز يصرخُ قد كذبتم فاصدقوا
إنَّ السعادةَ لا ترى في المتعسِ
وروَوا على بكرٍ بأنَّ صديقهُ
يحيا بعزٍّ بعد ذلٍ قد كسي
فانساب كالأفعى وقال: أعوذ من
غمرٍ غدا متبخترًا بالأطلسِ
والكلُّ يبدون المسرَّة كلَّما
سمعوا بنائبةٍ سرت بالأرؤُسِ
تبًّا لبغيك أيها الإنسان ما
«إبليسُ» ربُّ النحس منك بأنحسِ
لولاك لم يُطرحْ بنار جهنَّمٍ
خزيًا وقدرُ مقامهِ لم يُركَسِ
يا أيها الإنسان شرُّكَ قد نما
في الأرض بين منوَّع ومجنَّسِ
يؤَذيك عطرُ سواك إِمَّا فاح وا
عجبي وأنتَ تذمُّ طبعَ الخنفسِ!
ذي كبرياؤُكَ يا لها من آفةٍ
كالأفعوانِ سعت لقتل الأنفسِ
أمُّ الكبائرِ والجرائرِ كلَّما
شابت تشبُّ بطبعها المتدنسِ
وتُعيدُ من يبلى بها بين الورى
متعرضًا لعروض ثوبِ الملبسِ
هي أصل كلِّ خطيئةٍ ولأجلها
أتت الشريعة بالقصاص المركسِ
لولا الخطيئةُ لم يكن شرع كذا
لولا الشريعةُ لم يكن خطأٌ يُسي
عارٌ على الشعراءِ مدحُ الناسِ
فالشعرُ أفخر من لهى الأكياسِ
ما الفرقُ بين يدٍ تُمدُّ بذلَّةٍ
ويدٍ تخطُّ المدحَ دونَ قياسِ؟
لا أمدحنَّ سوى لبيبٍ فاضل
أو صاحبٍ حامي الذمام مواسِ
ما لي وللألقاب فهي بأهلها
جاءَت كأجراسٍ على أفراسِ
كم دولةٍ أو رفعةٍ أو عزَّةٍ
شُرِيَتْ بمالٍ أو برشفة كاسِ!
كلماتُ تعظيمٍ على مستحقرٍ
لم يسوَ فلسًا في غلاءِ الناسِ
لو كانت العظماتُ تلحق أهلها
خفيت ولم تنصبْ لهنَّ كراسي
كم من دنيٍّ تحت أسماءِ العُلى
يبغي التسامي وهو واطي الراسِ!
يتسربل الديباجَ مختالًا بهِ
فخرًا على بَدَنِ من الأدناسِ
لكن يمدُّ يدَ السؤَالِ لرشوةٍ
فيثلُّ عرش الشرع بالأركاسِ
وإذا أردت خصامهُ أوما إلى
لوحٍ عليهِ مرصَّعٍ بالماسِ
لوحٌ بهِ لا حقَّ للشاكي ولا
صاغٍ لمن يدعو سوى الحبَّاسِ
إنَّ الذي يشري القضاء يبيعُهُ
ذا متجر الباغي وشغلُ الخاسي
لا أمدحنَّ نظيرَ هذا لا ومن
سبحانهُ خَلَقَ الأسى والآسي
إني أرى باني القصورِ أحقَّ من
سكَّانها بالمدحِ والإيناسِ
كلٌّ يجدُّ إلى العلا وبقدر ما
يعلو يرى ضيق العلا ويقاسي
فدوائر العلياء كالمخروط ما
برحت تضيق لتنتهي في الراسِ
وثبة النخوة
لِمَ الذلُّ؟ لا حزتُ المعزَّةَ في جنسي
إذا بعتُ في سوق الهوى شرفَ النفسِ
ألا يا لحا الله الجمالَ فكم بهِ
يذلُّ لذي ضعفٍ قويٌّ أخو بأْسِ
سلوتُ وما السلوانُ إلَّا لأنني
أرى الراس مني لا يميل إلى النكسِ
ولا عدتُ أهوى ربَّة الحسنِ طالما
أبى الحسنُ أن يجدي المحب سوى النحسِ
إذا ما نأى عنكَ الغرامُ حذارِ من
مفاعيل ردِّ الفعل تنجُ من البؤْسِ
وإن أصبحتْ مثل السيوف عيون من
تحبُّ، فغض الطرف؛ فالغضُّ كالترسِ
هويتُ فتاةً والهوى شرُّ نقمةٍ
فرحتُ عديم الرشدِ والعقل والحسِ
ذللتُ لها ذلَّ الفقيرِ لدى الغني
فيا ويحَ ذي عزٍّ غدا ناكس الرأسِ
ولكنني — والحمدُ لله — ساليًا
غدوتُ وسلوانُ الهوى راحة النفسِ
غرستُ بقلبي نصح أهل مودتي
فذقتُ ثمارَ الفوز من ذلك الغرسِ
بسجن الهوى قد غادرتني كمجرمٍ
حبيسًا وها إني خرجتُ من الحبسِ
وقد أطلقتْ عيني إلى النوح والبكا
كما قيَّدت عقلي عن العلم والدرسِ
عشقتُ احمرارَ الخد منها ولم أكن
عليمًا بأن الفضل للصبغِ والدبسِ
ومن وجههُ لم يكسهُ الطبعُ رونقًا
فموَّهَ ذا قبرٌ تبيَّض بالكلسِ
أرتني البها بينَ الحواجب وانثنت
تقولُ: أشمتَ الشمسَ في دارة القوس؟
فقلتُ: بلى لكنَّ ذاك تَصَنُّعٌ
وما اليوم قد عيانتهُ لم يكن أمس
إذا لم يكن لونُ المحيَّا يلوحُ عن
تشعشع أنوار الجمال فذو فكس
دارت عليَّ من الصفاحِ كئوسُ
وبدت لديَّ من الرماح شموسُ
بأبي كئوسَ هوًى تدورُ بها على
قلبي شموسُ دمًى لهنَّ نفوسُ
من كل بيضاءِ الجبين عفافُها
ما شابهُ كدرٌ ولا تدنيسُ
عذراء عزَّ على المحبِّ وصالُها
والصبرُ عزَّ، فذا وذاك نفيسُ
كيف الهجومُ على الوصال وبرجُهُ
أبدًا بأسوارِ الحيا محروسُ؟
راق التغزُّلُ قلبها فصبتْ ولا
عجبٌ فذا عطرٌ وتلك عروسُ
يا ربَّةَ الحسن الذي هو فاعلٌ
ما ليس تفعلهُ الكماةُ الشوسُ
قسي فؤَادكِ ما استطعتِ فإنَّ لي
سحرًا يقودُ زمامهُ ويسوسُ
هذا فؤَادٌ من حديدٍ باردٍ
أبدًا، وذاك السحرُ مغناطيسُ
أهواكِ أو ألقى العدوَّ مشاركي
وأرى الجنادلَ في النجوم تدوسُ
وأرى الحسودَ يمرُّ بي متبسمًا
ويلوحُ وجهُكِ وهو فيَّ عبوسُ
أينَ الخلاصُ من الهوى وحسودهِ
فَجَهَنَّمٌ هذا وذا «إبليسُ»؟
حتامَ يا قاضي الغرامِ تكدُّني
لا قامَ شرعٌ والقضاة نكوسُ
عيني جنتْ ذنبًا فكفَّرهُ دمي
فإلامَ قلبي في الجوى محبوسُ؟
وقال مؤَرخًا جلوس عظمة السلطان «عبد العزيز خان دام ملكهُ إلى مدى الدوران»: