وقال تاريخًا ﻟ «بطركخانة الروم» في حلب وقد نُقشت على الإيوان:
حقيقة الغرام
أَحرابُ نارٍ يخترقنَ ضلوعي
أم لمحُ ذكركِ يستشيرُ ولوعي؟
يا من أذابت بالدلالِ حشاشتي
واستنزفت بلظى الصدودِ دموعي
ها قد سطوتِ عليَّ سطوة كاسرٍ
فترفقي بتدلُّلي وخشوعي
وملكتِ كلَّ عزائمي وجوارحي
ملكًا يحققهُ لديكِ خضوعي
لكِ أعينٌ فتحت حصون دمي لدى
وجهٍ توقَّفَ مثلَ شمس يشوعِ
فأنا أحبُّكِ يا مليكة مهجتي
حبًّا سيصحبني ليوم هجوعي
هيهات أن أسلو هواكِ وأنثني
عن منظرٍ يسبي العقولَ بديعِ
لا أرعوي عمري لقولِ مشنِّعٍ
بكِ فالحسودُ يميلُ للتشنيعِ
عودي مريض الحبِّ يا عين الشفا
وتبصَّري في حالةِ الموجوعِ
فبغير قربكِ لا تطيبُ خواطري
وبدونِ أنسكِ لا تُسَرُّ ربوعي
أهلًا بمن زارت عقيب بعادها
تدنو وتلوي مثلَ ريمِ رتوعِ
ما لي أرى الوجهَ البشوشَ مقطبًا
عند اللقاءِ كساعةِ التوديعِ
ماذا أغاظكِ؟ هل أغرَّك حاسدٌ
أم قد ظننتِ الصبَّ غيرَ مطيعِ؟
تبًّا لعشقٍ عاث فيهِ حسودُهُ
ومتيَّمٍ للطوع غيرِ سريعِ
واللهِ إن أكُ عاصيًا كلَّ القوى
فلديكِ طوعيَ لا يزال طبيعي
يا مَن أصابتني بسحر جُفُونها
رفقًا بصبٍّ في الغرام صريعِ
وتعطَّفي كرمًا على القلب الذي
بهواكِ يرقصُ رقصةَ الملسوعِ
فجوارحي بكِ قد غدت مفتونةً
وجوانحي مازلنَ في تفجيعِ
وغدا شعاعُ الشوقِ من نار الهوى
كالبرق ينفذُ في سحاب دموعي
ظلعتْ بيَ الدُّنيا وضاقت حيلتي
وأطاحني في التيهِ فرطُ ولوعي
والحبُّ يقتادُ النفوسَ إلى الضنا
ويُعيدُ في الإقلال كُلَّ فنيعِ
إني عليمٌ أنَّ قلبَكِ بي لهُ
شُغُلٌ، فكيف أباحَ شعلَ ضلوعي؟
وكذاك أعلمُ أنَّ موتيَ في الهوى
يبقيكِ باكيةً بكاء فجيعِ
تأثير الهوى
ما لاح وجهُكَ من خلال البرقعِ
إلَّا وراحَ الوجدُ يتلفُ أضلعي
وبروقُ ثغركَ حيثُ لاحتْ أرعدت
كبدي، وعادَ يسيلُ غيث المدمعِ
يا من يجورُ على المحبِّ بصدِّه
عطفًا على ضعفي وذلِّ تخشعي
يكفيك أني لو لقيتُ منيَّتي
بالهجر لا أصغي لقول مشنِّعِ
إن كان ريحُ جفاك دام هبوبهُ
فغيومُ شوقي قطُّ لم تتقشعِ
انظرْ لجيدكَ فهو مثلَ طويتي
صافٍ يبنْ لكَ فيهِ صدقُ تولُّعي
أنتَ الحبيبُ فكلُّ شيءٍ منك لي
يحلو، فتهْ ما شئتَ واحكمْ أَخضعِ
ما طاب لي عيشٌ إذا أحرمتني
طيبَ الوصالِ ولا أَلذُّ بمضجعي
ذابت بنار هواك روحي، والحشا
تَلِفَتْ، فباللهِ ارحمنَّ تفجعي
أشكو لجفنك من عذابي بالهوى
يا ظبيُ وهو بغفلةٍ لم يسمعِ
فبحقِ طرفك والفتور ولين عطـ
ـفك والنفور وخدَّك المتضوِّعِ
رفقًا بجسمي ذي السقام، وأعيني
ذات السهادِ، وقلبي المتوجعِ
ضَعْ يا ظلومُ يدًا على صدري تجدْ
قلبًا كطيرٍ في يد ابن الأربعِ
لم يبقَ لي جلدٌ ولا جَلَدٌ ولا
صبرٌ ولا بصرٌ فعدت كبلقعِ
وهواكَ أشغل كُلَّ أعضائي ولم
يتركْ بقلبي للسوى من موضعِ
قتلتْ فؤَادي مقلتاك وأعيني
أدَّت عن المقتولِ درَّ الأدمعِ
لا تخفِ حسنكَ يا حبيبُ فإنهُ
يغني العيونَ عن البدورِ الطلَّعِ
هذا زمان الحسن فاغنمْ عزَّهُ
إن الجمالَ إذا مضى لم يرجعِ
زاد الجوى والصبرُ في نقصٍ فيا
عينيَّ من طيب المنام تودَّعي
إني على شوط الهوى ماشٍ فلو
صادفتُ فيهِ كلَّ هولٍ لا أعي
فكري يخوضُ بحار شعرٍ بالهوى
وحشايَ مثلُ عروضهِ المتقطِّعِ
بَعُدَ الحبيبُ وعدتُ في ضيق فيا
قلبُ اصطبرْ تفرجْ، وإلَّا فاهجعِ
ظهور الجمال
بدرُ المحاسن من برج الخبا طلعا
وبلبلُ الحبِّ في دوح الصبا سجعا
والقلبُ هامَ، وجفني كالسحاب همى
مذ شمتُ برقَ المحيا في الحمى لمعا
أرجو التصبُّرَ علَّ الحبَّ يسمح لي
بالقربِ والصبرُ كالسلوان قد هجعا
هيهاتَ أسلو ونارُ الشوقِ في كبدي
تُصلى وماء الهوى من مقلتي نبعا
كم بتُّ والليلُ كالأشواق مزدحمٌ
أرعى النجومَ وفي قلبي الغرام رعى
أنوحُ جنحَ الدُّجى نوحَ الثكولِ ولم
أنظر لصوتي غيرَ الليل مستمعا
قام الفؤادُ على عرش الهوى فبهِ
مَعَ ارتفاعِ مقامي صرتُ متضِعا
تكهربَ القلبُ من برق الطلا فغدا
يجاذبُ العشقَ لكن قطُّ ما دفعا
ناشدتُكِ اللهَ يا ذات النفار صلي
متيَّما بالجوى والوجدِ قد صرُعا
إلى جمالكِ كم قلبي يتوقُ وما
أصبتُ لقياكِ إلَّا والفراقُ سعى
حالت رعاعُ الورى ما بيننا ورأَت
عينايَ درًّا على الأوعال قد وُضعا
كان الملالُ بهذا الهجر يمكنني
فصار لما علمتُ القصدَ ممتنعا
هبي سلوتُكِ إن خنتِ الودادَ فهل
أعودُ أهوى السوى؟ لا والذي صنعا
سلي فؤَادكِ عن قلبي فذاك بذا
يدرى إذا كان في بحر الهوى وقعا
تمثالُ حسنكِ ما ناجى مخيلتي
إلَّا وكنتُ عنِ السلوانِ مرتجعا
أشكو لقلبكِ ما قاسيتُ من ألمٍ
بالحبِّ لكنَّهُ لم يرعني سَمَعَا
فربَّمَا الدَّلُّ عن شكوايَ أشغَلهُ
يا ليتهُ مثلَ قلبي بالجوى صُدعا!
إني قنعتُ بمرآكِ الجميل وذا
فضلُ المحبِّ، فهل تجفين من قنعا؟
ما مسَّ دائرةَ الأشواق حظ لقا
إلَّا وخطُّ النوى — وا حسرتي — قطعا
لا تظهري ليَ شوقًا منكِ حسبي أن
أدري بأني فتًى بالحبِّ قد فُجعا
وإن كتمتِ الهوى عني فذا عبثٌ
إذ في لحاظكِ عنوانُ الهوى طبعا
من يرجُ تخفيف أثقال الغرام فلا
يكنْ على باطن المحبوب مُطَّلِعا
فها اخترعتُ جديدًا بالغرام فمن
يُجيزُ منْ لجديدٍ جاء مخترعا
يا منيةَ القلبِ، يا ذاتَ الدلال، ويا
من حبُّها في فؤَادي طالما رتعا
ما كان بدَّد منكِ التيهُ مصطبري
لو لم يكن لجميع اللطفِ قد جمعا
لا تفخري بمحيَّاكِ الجميل سدًى
بل افخري بفتًى مثلي لهُ خضعا
والحسنُ سيفٌ ولكن لا يُقَلَّدُهُ
سوى الجبان، وكم تُدمى بهِ الشُّجَعَا!
غلبة الغرام
الحسنُ يمنحُ والتدلُّلُ يمنعُ
والقلبُ يعشقُ والتعقُّل يردعُ
والحبُّ يجتذبُ القلوبَ إلى العنا
بقوى الجمالِ ومالهُ مَن يدفعُ
وفمُ الجمالِ يقولُ لي: لا خيرَ في
قلبٍ على شرف الهوى لا يُطبَعُ
ذقتُ الصبابة في الصبا فوجدتها
أشهى من المجد الذي لا ينزعُ
والمرءُ لا يدري حقيقةَ لذَّةٍ
في عمرهِ إن كان لا يتولَّعُ
ولقد ولعتُ بغادةٍ قد غادرت
قلبي بآلامِ الهوى يتفجَّعُ
حسناء ينتعشُ الفؤَادُ بها فمن
وَجناتها وردُ الصبا يتضوَّعُ
دانت لها دُوَلُ الجمال بأسرها
وعنت لطلعتها البدورُ الطُلَّعُ
فإذا انثنت ورنت قُتِلتُ وفي الهوى
بيضٌ مجرَّدةٌ وسمرٌ شرَّعُ
يا ربَّة الحسن الذي ملك النهى
كم لي لديكِ تذلُّلٌ وتخشُّعُ!
حتامَ تفتكُ بالفؤَادِ يدُ الجوى
وإلامَ دمعي كالسحابة يهمعُ؟
قلبي لغيرك لا يميلُ، ومهجتي
بسواكٍ يا خيرَ الدُّمى لا تُصدعُ
إنَّ الجمال عليك صنعةُ خالقٍ
وعلى سواكِ تجمُّلٌ وتصنُّعُ
لكِ قامةٌ قام الدلالُ بها وقد
هامت بميلتها الغصونُ اليُنَّعُ
ولواحظٌ هُنَّ السيوفُ فما رنت
إلَّا وكان لها بقلبي موقعُ
رفقًا أيا ذاتَ الدلالِ بمغرمٍ
قد كاد يقتُلُهُ الغرامُ المفجعُ
أشكو لقدِّك ما لقيتُ من الجفا
يا خيبة الشكوى لمن لا يسمعُ
لهواكِ أخضَعَني الزمان فآمري
تجدي فتًى هو من بنانكِ أطوعُ
ولقد عصيتُ العاذلين لأنني
طعتُ الهوى، فأنا عصيٌّ طيِّعُ
هيهاتَ أن يسطو العذولُ على الهوى
بملامهِ فلقد حمتهُ الأضلعُ
والعشقُ بحرٌ لا قرارَ لهُ وقد
غرقت بهِ روحي، فماذا أصنعُ؟
كثرت عيونُ الراقبين وإنَّما
عندي قبالةَ كلِّ عينٍ إصبعُ
قد سرتُ في سُبُل المحبَّة طالبًا
نيل المنى، هيهات عنهُ أرجعُ
أَرخيمةَ الأعطاف، هل تدرين كم
بكِ قد وهى جلدٌ وسحَّت أدمعُ؟
لله ما أحلى شمائلك التي
بشمول رقتها المتيَّمُ مُولعُ!
رفع الهوى قلبي وأنتِ خفضتهِ
والصبُّ يُخفضُ بالغرام ويُرفعُ
مهما فعلتِ من الجفا فهو الوفا
إذ ليس في قلبي لغيركِ موضعُ
والله لا أهوى سواكِ فأنتِ في
عينيَّ جوهرةٌ وغيرُكِ يرمعُ
فلكم بحبِّكِ قد نشدتُ قصائدًا
طربَ الزمانُ بها وطابَ المسمعُ
لكِ معطفٌ قد رقَّ حتى خلتهُ
بي عند قلبكِ ذي القساوة يشفعُ
وتدلُّلٌ أورى زنادَ الشوق في
قلبي فتاهَ وجُنَّ وهو اللوذعُ
فقتِ الغزالةَ يا غزالُ فطالمًا
نورُ المحاسنِ فوقَ وجهكِ يلمعُ
لكِ صورةٌ بضياكِ قد نقلت إلى
بصري، ففوقَ ستار قلبي تطبعُ
فبروق حسنكِ ما بدت إلَّا وفي
كبدي غدا رعدُ الغرام يلعلعُ
لا تحجبي الوجه الجميل ببرقعٍ
فالبدرُ ليس عليهِ يُوضَعُ برقعُ
فأوَدُّ لو سكنت بوجهكِ ذي البها
عيني فمِن مرآكِ ليست تشبعُ
طال الجفا والقلبُ ذاب تشوُّقًا
فمتى بلذَّاتِ اللقا أتمتعُ
أضحت ببعدكِ مهجتي مأهولةً
بالشوق، لكن مقلتي هيَ بلقعُ
فكرهتُ عمري حين فرَّق شملنا
دهرٌ يُفَرِّقُ تارةً ويُجَمِّعُ
لا أشتري طيب الحياة بدرهمٍ
إن كان عني طيبُ وصلكِ يُمنعُ
فإذا منعتِ الوصلَ ردِّي النوم لي
فأنا بطيفك في منامي أقنعُ
أرجو الكرى علَّ الخيالَ يزورني
لولا خيالُك لم يطبْ لي مضجعُ
فلو اطَّلعتِ على الفؤَادِ لشمتِ من
ألم الجوى ما للجبال يُصدعُ
رعيًا لقلبٍ في هواكِ معذَّبٍ
ونواظرٍ في روض حسنك ترتعُ
أستعذبُ التعذيبَ في سنن الهوى
يا من تركتِ حشاشتي تتقطعُ
كيف السبيلُ إلى لقاكِ فإنَّ لي
قلبًا بحبِّكِ هائمًا يتوجَّعُ؟
عجبًا لغصن رضاكِ عندي يابسٌ
أبدًا وعند الغير أخضر مُفرعُ!
أبديتِ ودًّا في التكلف لي وإن
كان الودادُ تكلفًا لا ينفعُ
والحبُّ يمحلُ عند بعضٍ غرسُهُ
كالمالِ، لكن عند بعض يينعُ
والمالُ مثلُ الماءِ فهو يغيضُ من
جهةٍ، ومن جهةٍ يفيضُ وينبعُ
لولا عيونُك ما غدوتُ صريعا
هُنَّ السيوفُ وبي فتكنَ ذريعا
مُقلٌ يسلُّ سوادُها بيضًا ولا
يضربنَ إلَّا أكبدًا وضلوعا
ويلاهُ كم جارت مضاربُها على
قلبٍ عنا ذلًّا لها وخضوعا
يا أختَ أم الخشفِ كفِّي أعينًا
سفكت دمي واستنزفتهُ دموعا
وترفَّقي بمتيَّمٍ في الحبِّ لم
يبرح لأمركِ سامعًا ومطيعا
وتلفتي يا ظبيةَ الأنس التي
لم ترْضَ إلا في حشايَ رتوعا
للهِ جيدٌ فاق رونقهُ الحُلى
فَصَبَتْ إليهِ وعانقتهُ ولوعا
ومعاطفٌ هيْفٌ إذا خطرت لدى
غصن الأراكِ جثا لهنَّ ركوعا
وشمائلٌ طافت على خلو الحشا
بشمولها فحسا ومالَ سريعا
وغدائرٌ وقعت سلاسلُها على
قلبي فعادَ بأسرهنَّ وقيعا
تسري نسيمُ اللطفِ تحت ظلالها
بضحى شبابٍ لا يكفُّ سطوعا
هذا جمالٌ إن بدا للبدر في
عُلياهُ خرَّ لدى سناهُ خشوعا
وإذا رأَت شمسُ السماءِ طلوعهُ
خجلت وعادت لا تودُّ طلوعا
يا للهوى حتامَ يتلفني الهوى
وإلى متى أغدو بهِ مصروعا؟
ولأَنتِ يا ذاتَ الجفا رفقًا فقد
قطَّعتِ قلبي بالجفا تقطيعا
لا تقتلي صبَّا قتلتِ رقادهُ
ظلمًا، فأمسى باكيًا مفجوعا
أَترينَ بعدي مَن بحبِّكِ يعتني
مثلي على طبع الوفا مطبوعا
لا والذي سوَّاكِ أكمل غادةٍ
وكساكِ سربالَ الجمالِ بديعا
وقال إلى الخواجا «إلياس صالح» في «اللاذقية» لحادثةٍ جرت:
البدرُ من ذروة الدُّجى طلعا
والنجم في لجة السنا وقعا
والأرض بُرْدَ الضياءِ قد لبست
والأفقُ ثوبَ الظلام قد خلعا
فقطَّع الليلُ سحبهُ وغدا
يلقي على وجهِ بدرهِ قطَعا
حتى يحامي قلاعَ ظلمتهِ
فإنهُ لانقلاعها فزعا
فالكلُّ حتى البهيمُ واعجبي!
لم يحتمل سلبَ حقهِ فسعى
نعم فلا أصمتنَّ عن رجلٍ
بسلب إِنْعام خالقي طمعا
حاشا لمثلي يروحُ في هلعٍ
واللهِ غيرُ الدنيِّ ما هلعا
والموتُ خيرٌ لباسلٍ برزت
لهُ الأعادي ففرَّ مندفعا
رأى حسودي جمالَ غانيتي
فهامَ فيها، ورام أن يضعا
فأكثرَ السعيَ بيننا وبذا
أضرَّ أوطارهُ ولي نفعا
وشَّى فوشَّى الهوى بكلِّ هوًى
فراحَ يرعى السكوتَ والوجعا
كالرعدِ رجَّ الجبال فاتَّصلت
فغار في الهاوياتِ منقطعا
ما الرعدُ في الجوِّ يا عذولُ سوى
برقٍ مُذ افترَّ ثغرها ركعا
فكيف لا أعشقنَّ مبسمها
يومًا وأرعى عواذلي سَمَعَا؟
يا عاذلي، ما أصبتَ قطُّ فلا
تعذلْ وكنْ عاذرًا ومقتنعا
أتعبتَ مسعاكَ بالفساد وما
لصانعِ الشرِّ غيرُ ما صنعا
ومن أعادَ الفسادَ عادتهُ
أضحى عدوَّ الورى ولو هجعا
ما يفعلِ المرءُ يلقه فإذا
رعى تسامى، وإن بغى وقعا
لا بدَّ من وقعةٍ لكلِّ فتًى
ونهضةٍ كيفما صحا ووعى
من سار في مسلكِ الظلام غوى
في سيرهِ، فالحزوم من رجعا
على طريقِ الحياةِ كامنةٌ
أُسْدُ الشقا، والسعيدُ من قطعا
والناسُ يشكونَ دهرَهُم وهُم
للدهرِ دهرٌ، فكم بهم صُدعا!
ما الدهرُ إلَّا طباعهم فإذا
شكا الفتى طبعهُ اشتفى طُبعَا
هم يُضرمونَ الحروبَ بينهُمُ
هم يهدمونَ الحصونَ والقلعا
هم يسفكونَ الدما وهم شرعوا
لبعضهم ما الإلهُ ما شرعا
عصوا قضاءَ النظامِ فانتثروا
والكلُّ للجزءِ كالجدا خضعا
والكلُّ من جزئهِ أجلُّ فلِمْ
ذا الحكمُ في الناس رُدَّ وانردعا
حتى غدا ذا عدوَّ ذاك لذا
كلٌّ من الخوفِ باتَ منصرعا
وها عليَّ العداةُ قد هجموا
وإذ رأَوا حملتي انثنوا جزعا
واسترجعوا يفسدونَ في حلبٍ
وصالحُ اللاذقيةِ اطَّلعا
فسلَّ ما حَسْبَ رأَيهِ قلمٌ
وحسبَ رأَيي مهنَّدٌ قطعا
وغار كالباسلِ الشجاع على
جمع الأعادي ففرَّقَ الجمعا
وراحَ كلٌّ يلومُ صاحبهُ
حتى غدا اللومُ بينهم بُدَعا
هذا الأديبُ الذي الزمانُ لهُ
أعدَّ إكليلَ رفعةٍ لمعا
سعى فنال المرادَ منتفعا
وكم فتًى قد سعى وما انتفعا!
ونعمةُ اللهِ لا تجيءُ سوى
أربابها لا لمن بها طمعا
يا صاحبي أنت لي إذن عَضُدٌ
وصارمٌ راحَ يخرق الدُرُعا
كنْ ناحرًا كلَّ من بغى وطغى
وناصرًا كلَّ من وعى ورعى
فأنتَ لا تختشي أخا نكدٍ
حتى ترى الليثَ يختشي الضَبُعا
ألبستني إذ حميتَ عن ذُممي
أيامَ هجري حمًى ومُرْتَبَعا
تاجَ امتنان أبى البلى، فعلى
رأَسٍ أبى العوثَ بالوفا وُضعا
أنت الأخ الحقُّ لا عدمتُك من
خلٍّ إذا غاب ذو وفًا طلعا
لولاكَ كان العدوُّ منتصرًا
ما بين قومٍ تديَّنوا الورعا
قومٌ كحيَّاتهم غدوا حُكما
وكالحمام الوديعِ هم وُدَعا
أشتكي الدهرَ ذا الخطوبِ ولا
أضجُّ مهما لنقمتي اخترعا
فالدهرُ كالظعنِ، والجميع لهُ
حادٍ، فمن ضجَّ حثَّ ما ظلعا
قاسٍ وهيهاتَ أن يلينَ ولا
يرى سوى الغبنِ من بذا شرعا
ومن أصار القساءَ عادتهُ
لم يُثنهِ لا رجًا ولا شُفَعَا