قافية الفاءِ
وقال:
شوقٌ لوصلك وَاوُ الصدغ تعطفُهُ
وعاملُ الهجر عني ليس يصرفهُ
فما احتيالي وسيفُ اللحظِ منصلتٌ
والقلبُ في موضع الأشجان موقفُهُ
ويلاهُ قد قتلت صبري العيونُ فلو
أُعْطيتُ بحرَ دموعٍ كنتُ أذرفُهُ
يا من بقلبي هواهُ قد هوى ونما
حتامَ أنتَ بنار الصدِّ تتلفُهُ
ناديتُ إذ فتكت أيدي التشوُّق بي
ليت الحبيبَ يرى شوقي ويعرفُهُ
يا طالما قد حمت عن ناظري مقلٌ
وردًا أكادُ بأيدي الفكر أقطفُهُ
هذا فؤادي، وذا جمرُ الغرام بهِ
وذي دموعي ولكن لا تُلطِّفُهُ
وذاك قلبي، وهذا الوجدُ أثقلهُ
وذا اصطباري ولكن لا يخففُهُ
لو كنتَ تعلمُ ما يلقى فؤَادي إذ
تُلقي نقابًا على وجهٍ يشرِّفهُ
لما جعلتَ على ثغر الضحى حجبًا
ولا تركتَ شفَاهَ الستر ترشفُهُ
سرُّ الهوى غامضٌ، فارخِ اللثام عسى
ضياكَ ينفذُ في قلبي ويكشفُهُ
ما لاح وجهك ذو البشرى لدى بصري
إلَّا وكاد ببرق الحسن يخطفُهُ
بيني وبينك قد جدَّ العذولُ، وكم
من مغرمٍ لم يَنَلْ فوزًا معنِّفهُ!
لا ترعَ سمعك للواشي أيا قمري
ولا تَدَعْ فلتاتِ الهذرِ تسعفُهُ
إن الجهولَ إذا ما الدهرُ جادلهُ
بنعمةٍ ظنَّ أن الدهرَ ينصفُهُ
يتيهُ عُجْبًا، ويُعلي أنْفَهُ عَجَبًا!
إذ ليس يعلمُ أن الناسَ تأنفهُ
وقال:
حتامَ وعدُكَ بالوصالِ يُسَوَّفُ
وإلامَ أنتَ عليَّ لا تتعطَّفُ؟
يا من أثار على الحشا حربَ الجفا
رفقًا؛ فجيشُ الصبر أوشك يتلفُ
أيحلُّ في شرع الهوى قتلي بلا
ذنبٍ؟ أجبني؛ قد عهدتكُ تنصفُ
أفديكَ من ظبيٍ أعدَّ لقتلتي
عِدَدَ الجمالِ وما ثناهُ مخوِّفُ
فالخدُّ نارٌ، والعذارُ سلاسلٌ
والطرف سيفٌ، والقوامُ مسقَّفُ
يا بدرُ لي حَدَقٌ بوجهك حُدَّقٌ
أبدًا، ولي طرفُ لغيرك مُطرَفُ
أنتَ الحبيبُ فلا أرومُ سوًى ولا
يثني فؤادي عن هواكَ مُعنِّفُ
خطراتُ ذكرك كلَّما خطرت على
سمعي تؤثرُ بالفؤَادِ فيرجفُ
أطلعتَ من تحت القناع لأعيني
قمرًا، ولكن نورُهُ لا يُخسفُ
وعلى خدودك قد بدا لذوي الهوى
وردٌ بغير نواظري لا يقطفُ
لك مبسمٌ عذبٌ، وريقٌ طيِّبٌ
هذا لنا كاسٌ، وذلك قرقفُ
ما لاح برقٌ من جمالك في الحمى
إلَّا لأبصار المتيم يخطفُ
إني عشقتكَ لا لحسنكَ وحدَهُ
لكن لذاك اللطفِ وهو الأشرفُ
هيهات أن أسلوكَ يا قمري ولي
قلبٌ يذوبُ، وأعينٌ لا تنشفُ
أورثتني أحزان «يعقوبٍ» بلا
رفقٍ، فكيفَ ظلمتني يا «يوسفُ»!
لم أرعَ في غَسَق الدُّجى شُهبَ العُلى
إلَّا ومن جفني المقرَّحِ أرعفُ
هلَّا ثناكَ عن الصدودِ تغزُّلي
بك أيها الغصنُ الذي لا يقصفُ
غزلٌ حكى الصهباءَ فعلًا والصبا
لطفًا، ولستُ بهِ لغيركَ أُتْحِفُ
إن كنتُ يا ذا السخطِ عندكَ نكرةً
فإذا أُضِفْتُ إلى الرضا أتعرَّفُ
أبلى الهوى قلبي بكلِّ أسًى فيا
قلبي على بلواكَ ما لك مسعفُ
فاخْفِ الهوى عمن يلومكَ وادّرعْ
جلدًا؛ فإنَّ الحبَّ داء متلفُ
أَيُعينني جلدٌ على البلوى وذي
جَبلٌ أصمُّ، وذاك قاعٌ صفصفُ؟
والصبرُ يحلو للفتى بمصابهِ
إنَّ التَّصَبُّرَ في البليَّةِ يُعْرَفُ
وقال:
ماذا أقولُ: أَذلٌّ فيك أم شرفُ؟
يا أيها العشقُ حيث الرشدُ لا يقفُ
هيهات ما دام حكمُ الحسن منتصرًا
فليس للصبِّ إلَّا الذلُّ والتلفُ
حكمٌ لهُ خضعت كلُّ النفوس بلا
حربٍ وسحرٌ لديهِ القلبُ يرتجفُ
فما بدت طلعةُ الحسن العجيب لدى
عينيَّ إلَّا وكادَ العقلُ ينخطفُ
يا طلعةً غلبت كُلَّ القوى ولها
قد ذلَّ من قام فيهِ الكبرُ والصَّلَفُ
وا حسرتاهُ! فبي أودى الغرامُ، ويا
ويلاهُ! فالقلبُ مني غالهُ الدَّنفُ
أفدي التي طالما قاومتُ سطوتها
باللهوِ، لكنني بالعجز أعترفُ
بديعةٌ لو مشت يومًا على تُرَبٍ
لأوشكت تحتها الأمواتُ تنشغفُ
وغادةٌ ذاتُ جسمٍ كالرخام بدا
يزهو بنهدينِ لا يغشاهما كلفُ
نهدان كالفضِّةِ البيضاءِ ما برزا
إلَّا لسلبِ فؤَادٍ كلهُ شغفُ
فلي غدا حبُّها فصلًا أقوم بهِ
كذا لها فضلُ حسنٍ فيهِ تتَّصفُ
كلٌّ من الكون أعطتهُ طبيعتهُ
فصلًا بهِ عن جميع الكون يختلفُ
يا من على أعيني ألقت غشاءَ هوًى
وفي فؤَادي عناءً ليس ينصرفُ
طعنتِ قلبي فوا حزني، ووا ألمي!
بحربةٍ قد ثوى في جرحها اللهفُ
أبكي وليس البكا يجدي المحبَّ سوى
فرط العذابِ الذي يجري بهِ الأسفُ
بئس الزمان الذي ألقى عِنانَكَ في
يدِ الغبيِّ وأبقى الشهمَ ينتزفُ
فلا رعى الله دهرًا فيهِ زاحمني
أوغادُهُ في هوًى يعزَى لهُ الشرفُ
وقال:
تجنَّبْ طعاماتٍ غلظنَ فكم قضى
بهنَّ شهيدًا من عن النهم ما عفَّا!
ولا تزوجَنَّ البطنَ بابنة أكلةٍ
فتندمَ عمَّا فات، إذ تلدُ الحتفا
وقال:
بالطرف أومت إلى الكاساتِ ناهدةٌ
أعطافُها قد شربنَ خمرةَ الظَّرفِ
فرحتُ سكرانَ لا عقلٌ ولا جلدٌ
فكان سكري قُبيلَ الراح بالطرفِ
وقال:
أرتنا في رياض الحسنِ لمَّا
تثنَّت غصنَ قدٍّ ذا شنوفِ
عليهِ بلبلُ الألباب غنَّى
فقامَ اللحظُ يرقص بالسيوفِ
خيانة العهد
دعاني إلى السلوانِ صدُّكِ والجفا
وغدرُكِ لم يترك بقلبي سوى الوفا
عشقتُكِ جهلًا مذ تظاهرت بالولا
وما كنتُ أدري ما بقلبكِ من خفا
وهيهات أن تُصفي المودَّةَ غادةٌ
فمن يسلها رغمَ الهوى يجدِ الصفا
إذا جذبتني للتصابي يدُ الصبا
ثناني الحجا عنهُ، فحسبي تشرُّفا
وما أنا ممن يرتضي بهوى التي
خلائقها ساءَت، وعنها الوفا انتفى
فإن كنتِ قد عفتِ الودادَ فإنني
تركتُ الهوى، لكن ودادي ما عفا
أنا لستُ أهوى ذا بهاءٍ بوجههِ
إذا لم يكن باهي السجيةِ منصفا
ولم أخُنِ الميثاقَ حتى منيَّتي
فإنيَ ممَّن قابلَ الغدرَ بالوفا
فقلبيَ صافٍ كالزلال وليِّنٌ
ولكنهُ أقوى احتمالًا من الصفا
إذا لم يكن فعلُ الجميل كوجههِ
فذا شبهُ قبرٍ بالبياضِ تزخرفا
فلا تحسبي أنَّ الجمالَ الذي بدا
بوجهكِ يوليكِ المقام المشرِّفا
سلوتكِ مذ خنتِ العهودَ جهالةً
وكنتُ على حتفي بحبِّكِ مشرفا
ومن عادةِ الحسناءِ ألا تقومَ في
زمامٍ، وأن تبدي البديلَ الوفا جفا
جرعتُ كئوسَ الذلِّ والعزُّ جانبي
فحسبيَ ما لاقيتُ منكِ وقد كفى
أضعتُ شبابي في المحبَّة، ليتني
بذاتكِ عمري لم أكن متعرِّفا
لحا الله أيامًا بها كنتُ ضاربًا
بوادي هواكِ هائمًا متلهفا
بحبكِ قد أودى السقام بأضلعي
وها قد دعاهنَّ السلوُّ إلى الشفا
وإن تكُ عيني بالهوى هدرت دمي
سدًى فعليهِ اليومَ تبكي تأَسُّفا
فكم من عذولٍ في هواكِ عققتهُ!
فيا ليتني طعتُ العذولَ المعنفا
وما الحسنُ إلَّا ساحرٌ خادعٌ، فكم
يحاولُ أن يُغري النفوس ويُتلفا!
دعيني دعيني من هواكِ فإنني
فتًى ليس يهوى من تُسيءُ التصرفا
وقد ينثني قلبُ المحبِّ عن الهوى
إذا ما رأَى ودَّ الحبيبِ تكلفا
فحرَّرتُ روحي من عبوديَّةِ الجوى
بثورة عقلٍ طالما كان مسعفا
أَأَرجعُ للحبِّ المذلِّ وكم وكم
على دوح قلبي طائرُ العزِّ رفرفا؟
ولم يمحُ عن صدري رسوم الهوى سوى
رياض قويقٍ حيثما الطيرُ قد هفا
هناكَ جلاء الحزن والكربِ والضنا
هناك الأماني والتهاني والصفا
سقى اللهُ روضًا قد ألفتُ بظلهِ
كواعبَ أترابًا يعاطينَ قرقفا
فلا باعد الوسميُّ ذاك الحمى ولا
جفتهُ الصبا ما الغصنُ يحنو تعطُّفا
إلى «الخواجا إلياس صالح» في «اللاذقية» جوابًا لرسالةٍ أتتهُ منهُ:
حَدَقٌ سفكنَ دماكَ أم ذي أسيفُ
ومسقَّفٌ أرداكَ أم ذا معطفُ؟
وسوالفٌ غشيتْ فؤَادَك أم دُجًى
وسلافةٌ أخذتكَ أم ذا مرشفُ؟
وهلِ الغزالةُ قد بدت من أفقها
لك أم غزالٌ حسنهُ لا يكسفُ؟
وضرام جمرٍ في حشاك يثورُ أم
وجدٌ تمورُ بهِ القلوبُ وتتلفُ؟
يا أيُّها الصبُّ المقيمُ على الهوى
خذْ منهُ حذْرَكَ فالهوى لا ينصفُ
وتوقَّ إن غازلتَ ألحاظ الظِّبا
فهي الظُّبا ولكم جريحٌ مدنفُ
بأبي وبي أفدي التي هدرت دمي
بلواحظٍ يعنو لديها المرهفُ
هيفاءُ في قلبي هواها كالرُّبى
قد قام حيثُ الصبرُ قاعٌ صفصفُ
ومليحةٍ لم يأَلُ عهدَ ولائها
كلفٌ لحبِّ الغير لا يتكلَّفُ
وإذا المحبَّةُ مازجت روحَ الفتى
تُوحي لهُ بالطيِّباتِ فيعرفُ
يا وردةً بيد الصبا يا من بها
لا زلتُ من كاس الصبابةِ أرشفُ
بل يا مليكة مهجةٍ بكِ قد عفت
وضياء عينٍ بالمدامعِ تنزفُ
رضَّيتِ قلبي تحت أثقال الجفا
ورضيتِ قطعَ الوصلِ وهو المسعفُ
وقصصت جنح الصبرِ من قلبي لذا
قد عادَ في صدري يجدُّ ويجدفُ
فشردتُ لا ألوي على أحدٍ وفي
عينيَّ طيفُكِ واقفٌ مستوقفُ
يا ليلةً ليلاء هالَ ظلامُها
شُهُبَ العلا فغدت كمثلي ترجفُ
حيثُ الدُّجى يتلو على كلِّ الملا
خُطَبَ السكوتِ وبالتصابي يهتفُ
والأرض في عمق الفضاءِ شريدةٌ
ترجو الهدَى وسوى الضيا لا يكشفُ
وأنا أخوضُ بحارَ شوقٍ حيث لا
سلمٌ هناك ولا خلاصٌ يسعفُ
وإذا غدا أملُ التخلُّص فاسدًا
فالقصدُ عندي صالحٌ مستظرفُ
فتًى احتوى كلَّ الحذاقة والذكا
ولهُ يُجَرُّ من اللياقةِ مطرفُ
ينسابُ في ثوب المعارفِ مارحًا
وبلفظهِ لوحُ الفصاحةِ يُرصفُ
شعرٌ لهُ طربت إليهِ ذوو الحجا
وبدُرِّهِ أُذُنُ الزمان تُشنفُ
أَنَّى ثملتُ بهِ وملتُ ولم يكن
خمرًا وأينَ الخمرُ فهو الأشرفُ؟
كَلمٌ يصح بطيبها كَلِم الحشا
وتضجُّ عن طربٍ إليها القرقفُ
من كلِّ معنًى يسلبُ الألبابَ إذ
يُتلى كأَنَّ السحرَ فيهِ مُخَلَّفُ
كن يا بن صالحَ بين أرباب النُّهى
عَلَمًا بألقابِ الصلاحِ يُعَرَّفُ
وردت عليَّ اليومَ منك خريدةٌ
تبغي الوفا، وأنا لديها محجفُ
وصفت صفاتِكَ لي بخير بلاغةٍ
وصفت فشمتُ بها خيالَكَ يعطفُ
فكأَنني «يعقوبُ» من شوقي لها
وكأنها لما أتتني «يوسفُ»
وقال:
حسامكَ أم عيناك أمضى وأرهفُ
وثغرك أم عقدُ الترائب أشرفُ؟
وفرقك أَسنى أم هلالُ السما؟ وهل
خدودك أم وردُ الخمائل أتحفُ؟
فديتكَ يا بدرًا تلألأَ حسنهُ
فأشرقَ في قلبٍ من الوجد يتلفُ
إذا رنَّحت عطفيكَ رائعةُ الصبا
رأيتَ غصون البانِ تصبو وتعطفُ
وإن رأَتِ الغزلانُ جيدك أطرقت
وإن شامتِ الأقمار نوركَ تخسفُ
بروحي من الغاداتِ غيداءَ إن بدت
تكادُ شموس الكون في الأوج تكسفُ
عليلةُ أجفان صحيحةُ أعينٍ
لماها وريقُ الثغر مسكٌ وقرقفُ
وقامتها غصنٌ بقلبي غرستهُ
فيا حبذا غصنٌ رشيقٌ مهفهفُ
أقول لها والطرفُ سح سحابهُ
وقلبي في نار الصبابة يرجفُ:
رويدك حتامَ الجفا لمتيمٍ
لهُ جسدٌ من لطف ودكِ أنحفُ؟
وكيف أطيقُ الهجرَ أحملُ ثقلهُ
وإني ضعيفٌ من جفونك أضعفُ؟
فلا تحسبيني مثل خصرك قادرًا
على حمل أثقالٍ، فإني مدنفُ
فخصركِ يقضي الوصل منك على المدى
وإني في الهجران مضنى ومتلفُ
إلامَ إلامَ الهُجر يهتك أَعظُمي
وحتامَ منكِ النفسُ لا تتعطفُ؟
أما أنتِ غصنٌ في رياضِ محاسن
وعهدي أَن الغصن يدنو ويعطفُ
ولكن دَلالُ الخودِ يجدي نفارَها
فهلا التفاتٌ للنفار سيخلفُ!
وللصب قلبٌ لا يزال على ظما
وليس لهُ إلا من الثغر يرشفُ
وما الحب إلَّا كالزمانِ فإنهُ
يُذلُّ الفتى طورًا وطورًا يشرِّفُ
زمانٌ لقومٍ بهجةٌ وترفهُ
كذاك لقومٍ حسرة وتحيُّفُ
فكم يبتلي ناسًا ويهتك عيشهم
وكم لأناس راح يرعى ويسعفُ!
كأَني بهِ يأبَى الوفا لذوي النهى
ويرعى ذمامَ الجاهلينَ وينصفُ