قافية الكاف
وقال:
يا سالكًا شوط النميمة في الورى
حدْ عنهُ، إن التيهَ في سوء السلوكْ
شككتَ أربابَ السذاجة والتقى
ويلٌ لمن تأتي على يدهِ الشكوك
الصبابة
أنارٌ ضمن قلبيَ أم هواكِ
ونورٌ نصبَ عيني أم بهاكِ؟
أيا ذاتَ التلفُّت والتَّثني
أظبيٌ أنتِ أم غصنُ الأراكِ؟
دلالُكِ قد سبى صبري وعقلي
وتيهُك لَم يَذَرْ لي من حراكِ
عن السلوان حسنُكِ قد نهاني
فعن وصلي فديتُكِ مَن نهاكِ؟
ببحر الحبِّ جفنُكِ صادَ قلبي
ولا عَجَبٌ فهدبٌ كالشباكِ
حشايَ بنار هذا الوجدِ ذابت
فهلاَّ رشفةٌ لي من لماكِ
جفوتِ فكدتُ أن أقضي فرفقًا
بمن لم يُحيهِ إلَّا لقاكِ
إذا ما رمتِ أن تجفي فإني
مقيمٌ يا منايَ على وفاكِ
جمالكِ قد هداني للهوى مذ
بدا، ولكلِّ تيهٍ قد هداكِ
عيوني إذ رأتكِ تذوبُ لكن
تذوبُ جوانحي إذ لا أراكِ
ولي قلبٌ بحبكِ يا حياتي
حكى طيرًا يرفرفُ في شراكِ
إذا ما كنتِ خاليةً فإني
شجيٌّ تيمتْهُ مقلتاكِ
عيوني قد شهدن بأنَّ قلبي
على جمرٍ زكيٍّ من هواكِ
فإن لم ترحمي سقمي ودمعي
فباللهِ ارحمي ذلَّ انهتاكِ
ولا يخلو المحبُّ من اتضاعٍ
ولو بلغ الوصولَ إلى السماكِ
إذا ما شئتِ تعذيبي فَعَذْبٌ
لديَّ إذا غدا فيهِ رضاكِ
وإن أكُ في هواكِ قتلتُ ظلمًا
فروحي يا معذبتي فداكِ
فها إني قضيتُ ولم أنلْ من
وصالكِ ساعةً ليَدُمْ بقاكِ
يرومُ العاذلُ الخالي سلوِّي
فليتَ عيونهُ يومًا تراكِ
فليس سوايَ في حلبٍ محبٌ
كذلك ليس محبوبٌ سواكِ
ألاَ يا نفسُ، ما هذا التصابي؟
وما هذا الهوى؟ فدعي عناكِ
علامَ تغازلينَ الحسن إذ لا
يفيدُكِ غير بوسٍ واشتباكِ؟
حياةُ العاشقين شقا وموتٌ
وراحتهمُ هلاكٌ في هلاكِ
وقال:
فتكتْ بالفؤاد أعظَم فتكِ
صعدةُ القدِّ يا مليحةُ منكِ
ودمي شاهدٌ فإن جرحَتْهُ
عينُ ظبيٍ فخدُّ وردٍ يُزكي
بين عيني والثغر منكِ طباقٌ
فهو مستضحكٌ بما هي تبكي
لا تشكي إذا شكوتُ بعادي
عنكِ، فالصبُّ مُوْلَعٌ بالتشكي
لكِ قرطٌ يشكو مسافةَ بعدٍ
عن عقودٍ تبتزُّ دمعي لتحكي
لا تشكي بلوعتي وهيامي
لا تشكِّي يا منيتي لا تشكِّي
خصركِ اللدْنُ قالبُ التيهِ فيهِ
سُبِكَ الظرفُ والهوى خيرَ سبكِ
إنما الثغرُ واللمى زقُّ خمرٍ
ختمتهُ يدُ الجمالِ بمسكِ
فَلَكَ الحسن هاجَ بحرُ غرامي
وفؤادي يطفو عليهِ كفُلْكِ
أنت مديونةٌ بعهدي فإن أنـ
ـكرتِ فالسرُّ في يدي خيرُ صكِّ
بظلام الأثيثِ أمسى افتضاحي
وبصبح الجبين أصبح هتكي
ليَ نفسٌ ذابت جوًى وجفونٌ
تُضرِمُ الحبَّ بالدموع وتُذكي
أَجْفُنٌ مذ نثرنَ لؤلؤَ وجدي
كان جسمي النحيلُ أليقَ سُلْكِ
يا لصبٍّ بالروح أشرقَ لمَّا
غصَّ بالدمعِ، يا لصبٍّ مبكِّ!
وقال موشحًا:
صرتُ يا قاتلَ الأسودِ قتيلك
وأنا لم أزل أراعي سبيلك
كم أعانيك كم أقاسي كحيلك!
يا طبيبي، أمرضتَ قلبي دخيلك
يا مداوي العليل داوِ عليلك
دور
يا غزالًا غزا فؤَادي نفارا
وهلالًا على الأهلَّة جارا
كلما لحتَ غابَ عقلي وطارا
طال هذا الصدودُ، فاقصرْ طويلك
يا مداوي العليل داوِ عليلك
دور
رأَتِ الشمسُ حسنَ وجهك طالع
فشكت غبنهَا لكلِّ الطوالع
ثم ناداك بدرها وهو والع
تِهْ، فواللهِ ما رأيتُ مثيلك
يا مداوي العليل داوِ عليلك
دور
هاجري لو علمتَ بعض مصابي
كنت ترثي لشدَّتي وعذابي
في هواك الظلوم شاب شبابي
وأنا لا أوَدُّ خلًّا بديلك
يا مداوي العليل داوِ عليلك
دور
خنتَ عهدي وما رعيتَ ذمامي
وأنا لم أخن عهودَ غرامي
رُدَّ يا ظالمي عليَّ منامي
علني أن أرى الخيالَ خليلك
يا مداوي العليل داوِ عليلك
دور
إن تكن أنت يا حبيبي غزالا
فانعطفْ، فالغزالُ يعطفُ حالا
وعلى كلِّ حالةٍ لن أحالا
حاشا للهِ أن أخونَ جميلك
يا مداوي العليل داوِ عليلك
دور
ضاق صدري وعيل صبري بهجرك
وأنا أسهرُ الليالي بشعرك
ليت شعري! أنا خُلقْتُ بأمرك
كَلَّ عزمي وما رحمتَ كليلك
يا مداوي العليل داوِ عليلك
دور
وقال متخلصًا باسم صاحبٍ لهُ:
يا أيها القلبُ، ما الذي شَغَلَكْ
أغرى بك الدهرُ أم هوًى شَمَلَكْ؟
إن كنتَ تصبو لذي الجمال فسمْ
صبرًا على هجرهِ ولو قَتَلَك
يا قلبُ يا قلبُ لا تملْ أبدًا
عن التصابي بمن بهِ جبلك
واخضع لأمرِ الهوى فذا مَلِكٌ
يصولُ، واعصِ الخليَّ إن عذلك
وظبيةٍ عنك حيثما كَتَمَتْ
سرَّ الهوى تُفشِه اللواحظُ لك
هيفاء إن أدبرتْ أرى بشرًا
لكن إذا أقبلتْ رأَيتُ ملك
إذا انثنت فالقوامُ غصنُ نقًا
وإن بدت فالجمالُ بدرُ فلك
أتت وسترُ الظلام منسَدِلٌ
والقلبُ من حاسد الوصالِ هلك
قالت وقد ضمَّتِ النُّهودَ يدي:
أطلتَ بي يا أخا الجوى أملك
بتنا ونورُ العفافِ يرشدنا
ﻟ «يوسفٍ» فهوَ بالعفافِ سلك
وقال:
على مزاياكِ قد دلَّت ثناياكِ
فحسنُ وجهكِ يحكي حسنَ معناكِ
حزتِ الجمالَ مزانًا بالحياءِ فما
أحلى حياكِ، وما أجلى محيَّاكِ!
من أين للبدرِ ذي الأنوار وجهكِ، أو
للغصنِ قدُّكِ، أو للظبي عيناكِ؟
من لي بها أعينًا إن غازلت وغزت
صالت على كلِّ فتَّان وفتَّاكِ؟
أفدي جمالك بالنفس التي قُتلتْ
بهِ، فيا طالما عاشت بمرآكِ
صلي إذا شئتِ، أو صدِّي فحسبي أن
تشيْ، وحسبُكِ في الحالين أهواكِ
يزيدني الهجرُ أشواقًا فأشكرهُ
ومنهُ أشكو، فيا للشاكرِ الشاكي!
تيهي فكلُّ جميلٍ عن جمالكِ قد
روى، وكلُّ لطيفٍ عن سجاياكِ
ما للنسيم سرت في الروض عاطرةً؟
لعلَّها لَثَمتْ لمَّا سرت فاكِ
وما لزنبق ذاك الروض يرفل في
ثوب البياضِ؟ فهل ضمتهُ نهداكِ؟
لولاكِ لم يشتملْ لفظُ الجمال على
معنًى، ولم يدرِ قلبي العشقَ لولاكِ
وكلُّ وصفٍ أتى عن كلِّ غانيةٍ
بالحسن بُولِغَ في معناهُ إلَّاكِ
في كل جارحةٍ مني هواكِ ثوى
لذاكَ أرجفُ كلِّي عند ذكراكِ
وكُلَّما لحتِ قالت كلُّ كاعبةٍ:
سبحان من لجميع الحسن أولاكِ!
وإن تَبَسَّمْتِ قالَ الدرُّ وهو شجٍ:
على مزاياكِ قد دلَّت ثناياكِ
وقال:
إذا كنتَ في أرضٍ بها يتهمُ الورى
أخا سلطةٍ بالعدل؛ خوفًا من الفتكِ
وقال:
بحقِّ مَنْ بالحسنِ قد جمَّلك
من ذا على الهجران قد حملك
يا غصنَ بانٍ مالَ عن صبِّهِ
ما أعشقَ الصبَّ! وما أميلَك!
ملكتَ قلبي بالجمالِ فسُدْ
بالعدلِ يا ملَكًا بوجهِ مَلك
كُلُّ خضوعٍ في الهوى حُقَّ لي
وكُلُّ حكمٍ فيهِ قد حُقَّ لك
سلكتَ طرقَ الصَّدِ عنِّي وما
داريتَ من طُرْق الودادِ سلك
وتهتَ حتى لو قدرتَ لما
أبيتَ أن تصْعَدَ فوقَ الفلك
أفديك ريمًا نافرًا آنسًا
تبارك اللهُ الذي كمَّلك
أقصِرْ نفارًا منهُ يا قاتلي
تعجبَ الظبيُ ومن عذلك
أحرَمتني مرسحَ طيفك هل
تحرمني فكري إذا مثلك
هيهات أن يأْوي الكرى مُقَلي
فهو لعمري عاشقٌ مُقَلك
أحسنتُ مثواكَ بقلبيِ أيا
مولاي، أَحسِنْ بالوفا عملك
أخافُ من كلٍّ عليك فَلَو
زاركَ طيفي خفتُ أن يصلك
باللهِ يا وردًا على وجنةٍ
زهراء لا تعتبْ فمًا قبَّلك
حارسك الطرفُ صمى كَبِدي
لذاك باللثم فمي أشعلك
وأنتَ يا ذا الثغرُ هلَّا ترى
قد نهض النهدُ لكي ينهلك
وأيُّها الرَّدفُ الغليظُ اتَّئِد
ما أرشقَ الخصرَ! وما أثقلك!
وسِمْ أيا ذا الخصرُ صبرًا على
تثاقل الرَّدفِ ولو أنحلك
هذا جمالٌ ما لهُ مَثَلٌ
في حبِّهِ قلبُ المعنَّى هَلَك
يا قلبُ أنهكتَ القوى بالهوى
سبحان من على الهوى جَبَلك!
جرحك الظبيُ بألحاظهِ
ليتَ الذي أدماكَ قد أدملك
لا يصدقُ الحبُّ إذا لم تَمتْ
شهيدَهُ، فالحبُّ ما قتلك