وقال يمدح غبطة «غوريغوريوس» البطريرك الإسكندري والأورشليمي والأنطاكي وسائر
المشرق:
مدح الأفاضل دين كل لسانِ
من لا يفيهِ فليس بالإنسانِ
صرح الفلاح على الفضيل مشيد
فالفضل ركن الخير والعمرانِ
ندر الفضيل، فمن يصادف فاضلًا
وجبت عليهِ قصائد الشكرانِ
حسن الخلائق، قلَّ لكن قد غدا
متكاثرًا في السيد المنصانِ
حبر الكنيسة «غوريغوريوس» الذي
عمت فضائلهُ على البلدانِ
حبر بهاطل علمهِ قد أحبرت
أرض الهدى، وغدت كروض جنانِ
شهدت بحكمتهِ الأنام شهادةً
ما حازها قبلًا سوى «لقمانِ»
هو بطريرك الروم فيهِ قد زهوا
زهو الزهور بعارضٍ هتانِ
إن قال فالدر الجمان بلفظهِ
يسمو بسلك نتائجِ الأذهانِ
أوعى الحجا في صدرهِ، يا حبذا
بحر تموَّجَ فيهِ بحر ثاني
يسعى ليسدي قومهُ كل المنا
أكرم بهِ من سيدٍ منانِ
فرقت بهِ الملكية العليا إلى
أوج العلا وزهت على الأقرانِ
لا ريب فهو لجسم ملتهِ غدا
نفسًا تحاكي النفس للأبدانِ
يبدو تواضعهُ بقدر سموِّهِ
مثل الشهاب يلوح في الغدرانِ
وجب المديح لهُ وكلٌّ منشدٌ
لمديحهِ فلذاك غار لساني
لكنني هيهاتَ أقدر أن أفي
حقًّا يفوق على قوى إمكاني
كملت خلائقهُ وطابت عنصرًا
فكأنها صيغت من الريحانِ
وسمت نباهتهُ التي تهدي السنا
ورقت إلى أرقى من الدبرانِ
فذكاؤُهُ السامي وسالم حزمهِ
طبعا من الأنوار والنيرانِ
حلت دراري الرشد في فلك النهى
منهُ حلول الشمس في الميزانِ
فجلى بحكمتهِ دجى غسق الغوى
كالنور يجلو ظلمة الأكوانِ
أسر القلوب بأسرها فعنت لهُ
بالقوتين: العقل والبرهانِ
لطفت مكارمهُ فزان لهُ الملا
إكرامهم في أثقل الأوزانِ
جلَّ الذي أنشاهُ من عقلٍ ومن
علمٍ ومن لطفٍ ومن إحسانِ
لو تعلم الجوزاءُ شأو مكانهِ
خرت لهُ طوعًا إلى الأذقانِ
أو لو درت شمس السماءِ رشادهُ
قالت: حماهُ الله من طغيانِ
آهٍ على تقبيل طاهر ذيلهِ
لأرى شفاي من العضال الجاني
وأروح في فرحٍ بحسن السعد ما
سرت الصبا وتعاقب الملوانِ
فأدم عليَّ دعاكَ يا قدس التقى
دامت سنوك لأطول الأزمانِ
وقال إلى «الخوري أنطونيوس قندلفت» جوابًا عن رسالة بعث بها إليهِ حين قدومهِ من
باريس:
بشراك يا قلبي فقد نلت المنى
بلقا الأحبة، فابتهج فلك الهنا
ولأنتِ يا عيني، فقري وابشري
فالدهر بالإقبال جاد وأحسنا
والبين بان وعاد عود سرورهِ
فينا بأثمار الصفا متزينا
لله ما أحلى اللقا وأسرهُ
وأمرَّ مقدور الفراق وأحزنا!
لولا النوى ما طابَ قلبٌ باللقا
يومًا، فلولا الليل ما لمع السنا
لو كان يدري الدهر ما عقبى النوى
لا ريب ما شرع الفراق وما اعتنى
يا أيها الأحباب، إني لم أزلْ
لكم الوفيُّ وفيَّ ودٍّ أزمنا
ما غيرت غيرُ الزمان قلوبنا
يومًا، فأنتم أنتمُ، وأنا أنا
وإذا القلوب تقلبت في البعد ما
كان الوداد بها سوى ظل القنا
ودٌّ قديم في فؤادٍ راسخٍ
في الحب حين دنا حكى جبلًا دنا
والله أقسم والألية حجةٌ
قد كان ذكركم لقلبي ديدنا
فلكم مزجت بأدمعي راح الهوى
في أكؤس الذكرى براحات الضنا
والبين إن يك للجسوم مفرقًا
فالذكر للأرواح يجمع بيننا
قسمًا بحبكمُ المقيم بأضلعي
وبأضلعٍ قاست لبعدكمُ العنا
ما مرَّ في قلبي تذكر أنسكم
إلا وهمت وملت سكرًا معلنا
كلٌّ لهُ عند اللقاءِ منًى وكم
لي في لقا الخوري أنطونٍ مُنى
شهمٌ على حفظ الشهامة ثابتٌ
وأبٌ يمد إلى البنين الأعينا
متسربلٌ حلل الولا، راعي الوفا
كوفاءِ دينٍ والثنا يدعو السنا
ولكم لهُ في الأمر نهضة كاسرٍ
تزري بأرباب المروءَة والونا
ما غال همتهُ الحمية غائلٌ
فلكم بنى فضلًا على هذا البنا!
لما اغتنى بالعقل جاد بحقهِ
والجود في ربِّ الغنى يحمي الغنى
والشح في طبع الغني مصيبةٌ
تفضي بهِ نحو المذلة والفنا
والناس هم صنفان: ذو عقلٍ وذو
مالٍ، ومال الجهل بئس المقتنى!
يا أيها الخِلُّ الذي غنت بهِ
كل الأخلة نعم ذياك الغنا
وكذا بهِ الأسماع قد طربت وقد
أضحت على سمعٍ تدير الألسنا
والأذن توحي للسان فإن يكن
نقصًا فقدحٌ، أو كمالًا فالثنا
يا كامل الأوصاف، سامي الذات، را
عي الود، محروس الهنا، داني الجنا
أتحفتني بقصيدةٍ لو قستها
بالدرِّ في الأجياد كانت أحسنا
يسطو على الألباب خمر بيانها
فبسرها السحر الحلال تبينا
رقَّت فكانت كالنسيم إذا سرى
وصفت فكانت كالزلال بها الهنا
ناديت حين جلت لقلبي حسنها
بشراكَ يا قلبي فقد نلت المنى!
نبوة الماضي
ينبئُ ما كان بما سيكونْ
هذا نبيٌّ صادقٌ لا يخونْ
وما يخال المرءُ مستبعدًا
لا بد أن يجري بمجرى القرون
يهون أن نقول: سوف يرى
لكنَّ حد الوقت ليس يهونْ
كم قوةٍ خارت! وكم دولةٍ
هارت! وكم شعبٍ طوتهُ المنون!
أين انطوت دولة مصرٍ ترى
أين ثوى أولئك العاهلونْ؟
وأين أثورٌ وبابلهم
أين هوت أسوار تلك الحصونْ؟
وأين رومان الحروب مضوا
وأين يونان الحجا محجمونْ؟
ذي غِيَرُ الأيام غائرةٌ
وشأنها تبديل كل الشئون
كم رفعت سهلًا، وكم خفضت
حزنًا وكم سدت وأسدت عيون!
ما خط أشكال الأراضي سوى
تقلباتٍ أحدثتها السنونْ
فسوف تفنى كل مملكةٍ
وسوف يبلي الدهر كل المتونْ
وسوف يخفى كل حيٍّ، ومن
آثارهُ تظهر غير عيونْ
طوفان ماءٍ كان قدمًا كذا
طوفان نارٍ بعد سوف يكونْ
فكم جرى هذا القضا ولهُ
في الأرض آثارٌ تراها العيونْ؟
فكيف قد شاد الورى مدُنًا
على اضطرام الأرض ضمن البطون؟
قد كردسوا الصخر على هامهم
وأصبحوا تحت القضا يرقدونْ
تمدن الإنسان، يا ويلهُ!
تمدنًا ما هو إلا جنونْ
قد جلب البلوى على نفسهِ
بألفةٍ قد أورثتهُ الشجونْ
ذي ألفةٌ ساقتهُ قهرًا لأن
يصاحب الدهر العدو الخئون
فكم بها حرٌّ لعبدٍ عنا
وكم غدا عالٍ أسيرًا بدونْ!
أما ترى ألوف هذا الملا
أسرى لأفرادٍ بها يفتكونْ
قد ظلموا واستكبروا وبغوا
وقد أتوا من شرهم بفنونْ
وعظموا ألقابَ أنفسهم
ليكبروا بها وهم صاغرونْ
لا علم لي كيف الورى عبدوا
بغاتهم؟ فذاك سرٌّ مصونْ
قد سلبوا أموالهم وغدوا
منها على لذاتهم ينفقونْ
ساقوهُم سوقَ النعاج إلى
مجزرة الغش ولا يشفقونْ
قد غفلوا عن كل صالحةٍ
لكن عن الفحشاءِ لا يغفلونْ
فسوف يمحو الدهر دولتهم
وسوف يطوَون ولا ينشرونْ
وتقطع الأقدار دابرهم
فهذه غاية من يظلمونْ
فالناس عن أطوارهم نوَّمٌ
يا ويلهم إن نهض النائمونْ
فأي قومٍ أمطروا ظلمهم
ولم يصبهم من قصاص هتونْ!
لا عتبٌ على غبيٍّ بغى
لكن على قومٍ لهُ يسعدونْ
كم فاسقٍ مرتكبٍ هام في
إطرائِه الراوون والكاتبونْ!
يدعون سفَّاك الدما بطلًا
والجائر القاسي رءوفًا حنونْ
قومٌ يبيعون اللها باللها
وغير خسر الصيت لا يربحونْ
هم يقتلون الحقَّ وا أسفي
فسوف يبكون الذي يقتلونْ
قد لبسوا ثوبَ النفاقِ لكي
يخادعوا الله، وما يخدعونْ
ومزَّقوا العدلَ، وخانوا التقى
ليحسنوا في عين والٍ خئونْ
يعزهم شخصٌ وتزري بهم
أمتهم، فليتهم يعلمونْ
سوفَ يقوم الحقُّ من قبره
وتهتك الضوضاءُ ستر السكون
ويفتح الناموس دفترهُ
فكم لهُ على الأنام ديونْ!
ما كان ليلٌ قط إلا لهُ
صبحٌ فما قد كان سوفَ يكون
يا قدودًا إذا انثنت فتنتنا
وعيونًا إذا رنت قتلتنا
وثغورًا تهدي فرائد درٍّ
ووجوهًا بالحسن قد سلبتنا
دأبنا نعشقُ الجمالَ ونهوى
كل قدٍّ يسبي القنا أن تثنى
ومهاةٍ تدير من مقلتيها
أكؤُسًا، طالما بها أسكرتنا
تخجل الغصنَ في النقا بقوامٍ
وبجيدٍ تزري الغزال الأغنَّا
آية الحسن وجهها فإذا لا
ح تقولُ العشاقُ: قد آمنا
هي نورٌ بمقلتيَّ، ونارٌ
بفؤادي، وذاك حسًّا ومعنى
ذاتُ خدٍّ يفني القلوب وودٍّ
ليس يفنى، فذات حسنٍ وحسنى
سبت القلبَ بالتجني وما أحلى
الحبيبَ الذي عليَّ تجنَّى!
وأحلت بالهجر قتلي فمن ذا
يا خليلي يعين هذا المُعَنَّى؟
عذبت بالدلال قلبي ظلمًا
وهو في ذلك العذابِ تهنَّا
كلما هزَّ غصنَ قامتها الإد
لال حام الصبا عليهِ وغنَّى
ما أدار الشباب أحدقها إلَّا
وسهمٌ منهنَّ في القلب رنَّا
كيف يسلو تلك المحاسن صبٌّ
سحرتهُ سود العيون فجُنَّا؟
وإذا رمتُ أن أملَّ هواها
ضجَّ قلبي، وقالَ: كيف وأنَّى؟
ومحال أني أروم سلوًّا
عن كَعوبٍ تشاكل البدر حسنًا
أبعدتني فكيف أهنا بعيشٍ؟
وجفتني فكيف أغمض جفنا؟
وأذاقت قلبي بذاك النوى كُلـْ
ـلَ عذابٍ، فهل كمثليَ مضنى؟
والهوى كالزمان ما أطعم المرءَ
سرورًا إلا ويسقيهِ حزنا
جدت بالدمع للزمان عساهُ
بلذيذ اللقا يجود فضنَّا
يا قامة الغصن، بل يا ظبية البانِ
هذا الجمال بذاك الحب أغراني
وكيف لا وهو من شمس ومن قمر
ومن زهورِ ومن درٍّ ومرجانِ؟
ما بين مقلتك الكحلا وثغرك قد
سعى فؤاديَ من حانٍ إلى حانِ
يا لذة السكر من حسن الحسان، ويا
شقاءَ من بات منهُ غير سكرانِ
يا ما يعاني فؤادي في محبة من
يبيت بدرُ السما في حبها عاني
غزالةٌ لو رأتها الشمس ما طلعت
إلا مطأطئةً في وجه خجلانِ
يا ليتَ شعري! متى تجفو الوشاة كما
جفوت كل عذول جاءَ يلحاني؟
كم أفسد الحبَ من واشٍ أخي حسدٍ
وراح ينسب مسعاهُ لشيطانِ!
حتَّامَ ننسب للجنيِّ منكرنا
وليس للجنِّ دخلٌ عند إنسانِ؟
نحنُ الذين ابتدعنا كلَّ معصيةٍ
نعوذ بالله منَّا لا منَ الجانِ
يقول جابي الخطا: «إبليس» وسوس لي
وما الموسوس إلا قلبهُ الجانيَ
كل الخلائق في الإنسان ناقصةٌ
إلا الردى، فهو نامٍ دون نقصانِ
أيُّ قلبٍ على الصبابة ساكنْ
مثل قلبي، وفي المحبة راكنْ
لي فؤادٌ على الغرامِ مقيمٌ
بين دمع وافٍ، وصبر خائنْ
ما احتيالي وقد زوى غصن صبري
وشجوني شواجرٌ كالشواجنْ؟
آهِ لو كان من أحبُّ عليمًا
بتلافيَّ على هواهُ ولكنْ
أيها العاذلون طيروا شعاعًا
ليس في القلب للسلوِّ مواطنْ
عدِّدوا عدِّدوا عيوبَ حبيبي
فلعيني جميعهنَّ محاسنْ
غير سحر العيون لا عيبَ فيهِ
آهِ من أعين تصيب المعاينْ
كلما لاحَ ناظرًا قلتُ: هذا
ملكٌ ناظرٌ بمقلة شادنْ
طاعنَ القلبِ رِقَّ وارحم محبًّا
لقلوبِ العذالِ دونك طاعنْ
وترفقْ بمغرم ليس يشكو
ظاهرًا وهو ذائب الروح باطنْ
كل نار سوى زفيريَ تخبو
كل ماءٍ سوى دموعيَ آسنْ
طالَ أمري في حبِّ ذات نفار
ما لها في سوى فؤادي مساكنْ
قلبها معدن القساءِ وقلبي
معدن الحبِّ، وهو خير المعادنْ
قلبُ سلمى رحًى ودمعي قناةٌ
وغرامي للنوم والصبر طاحنْ
ظبية الأنس، ما لحسنك ندٌّ
أو قرينٌ، وما لحبي مقارنْ
أيُّ غصن يجرُّ دعصًا وتبدي
قمرًا غيرُ ذا القوام الفاتنْ؟
فأميليهِ نحو صدري، أميلي
واغرسيهِ في القلبِ لا في الجنائنْ
وقال يمدح الشيخ «عبد القادر سلطان» مفتي مدينة حلب سابقًا رحمهُ الله:
سل عن فؤادي موقد النيرانِ
واسأل نجوم الليل عن أجفاني
وانظر تشمْ نار القرى بجوانحي
عبثت وحب النوم قد أجفاني
في حب من إن أسفرت خرتْ لها
الأقمار من خجلٍ إلى الأذقانِ
هيفاءُ إن ماست فما غصن النقا
وإذا رنت ما أعين الغزلانِ؟
غزتِ الفؤاد بقدها وبطرفها
هذا لها رمحٌ وذاك يماني
لما أمال قضيب قامتها الهوى
خفقت عليهِ جناح طير جناني
جيش الهوى بسيوف مقلتها أتى
نحوي فشتتَ جيشَ صبري الفاني
ولقد أرتني مذ بدت وتمايلتْ
مرأى البدور وميلة الأغصانِ
الصبح والديجور تحتَ قناعها اجـ
ـتمعا، وهل هذان يجتمعانِ؟
لاحتْ عقود الحسن من ثغرٍ لها
فعقودها ومدامعي سيانِ
لما تجلتْ شمسُ طلعتها انجلت
عنا ليالي الغم والأحزانِ
لعب الغرام بعطفها لما انثنت
لعبَ ابنة العنقود بالنشوانِ
لما أتت والبرق يومضُ من مبا
سمها أزادت بالهوى أشجاني
فجنيت من وجناتها وردَ الجما
ل، ونرجسًا من لحظها الفتانِ
قد أثمرت ليلًا وصبحًا بانةٌ
من فضةٍ تعلو كثيب جمانِ
سود العيون حمت ببيض نقطةً
خضراءَ تزهو فوقَ خدٍّ قانِ
ما روضةٌ نظم الربيع لجيدها
عقدًا من النوار والريحانِ
وتسربلت حللًا حلت من سندس
وتزينت بشقائق النعمانِ
والورد توجهُ النسيم من الندى
وقت الصباح بأفخر التيجانِ
وتصافحت أيدي الغصون بأيكها
طربًا، وغنى الطير بالألحانِ
يومًا بأجمل من جمال خدودها
لما غدت بالورد خير جنانِ
خودٌ ينال الغصن من أعطافها
لينًا وتلفت لفتةَ الغزلانِ
قالت: أقدي قد سباك بميلهِ
يا أيها العاني؟ فقلت: سباني
قالت: عمدت على مماتك يا فتى
فاخضع لدلي، واحتمل هجراني
فأجبت: لا أخشى ولي غوثًا غدا
مولاكِ عبد القادر السلطانِ
العالم العلم الأغرُّ الفاضل النـْ
ـنَدب الأبرُّ، الكامل الإحسانِ
ذو فطنةٍ أضحت بأجسام النهى
روحًا وشمسًا في سما الأذهانِ
ذهبُ المعاني من معادن فكرهِ
أضحى برأس الشعر تاج بيانِ
بحر العلوم بهِ بدا موج الذكا
بدر الكرام، وكوكب الأقرانِ
يا صاح، إن تسمع بذكر حديثهِ
أغناك عن مغنًى يضمُّ مثاني
لولا مصابيح الهدى منهُ محت
غسق الضلال ضللت بالطغيانِ
منهُ البلاغة لا يرام سموها
وفصاحةٌ فاقت على حسانِ
مصدام فرسان الطروس يراعهُ
كم سلَّ عند الكرِّ بيضَ معانِ!
علمٌ قد استغنى عن التعريف لا
يحتاج للتبيان والبرهانِ
قد أخجل الجوزاءَ في سبل الهدى
والضد ضاهى مشية السرطانِ
أفعالهُ الغراءُ قد سلمت عن الـ
إعلال، بل صحَّت من النقصانِ
يختال في ثوب الطهارة والتقى
ويجرُّ ذيل الدين والإيمانِ
لا عيب فيهِ غير أن لسانهُ
أضحى قياس نتائج الأذهانِ
ما كنتُ ممن قال شعرًا في الورى
لولا القيام بمدحهِ المنصانِ
إن عشتُ كان وجودهُ لي نعمةً
وإذا قضيتُ فجودهُ أكفاني
حزت السنا والفخر يوم قدومهِ
وغدا مكاني فيهِ خير مكانِ
وخدمتُ عزتهُ بأنشط همةٍ
ومن السعادة خدمة السلطانِ
يا من بأفق الفقه أمسى نجمةً
غراءَ تجلو ظلمة الهذيانِ
خذها إليك رقيقة لا تنثني
عن مدحك الزاهي مدى الدورانِ
واسبل ستار الحلم فوق عيوبها
وانْعِمْ لها مولاي بالرضوانِ
لما أتت ذات الملاحة والسنا
تزري بهز قوامها سمر القنا
عاتبتها، فجنيت من وجناتها
ورد الحياءِ، فطاب لي هذا الجنا
قالت وقد لعب الدلال بخصرها:
يهنيكَ؟ قلت: بما فتكتِ لك الهنا
درٌّ بثغرك قد حكتهُ مدامعي
فكلاهما عقد المحبة بيننا
يا طرفها الرامي سهامًا في الحشا
رفقًا، فلي كبدٌ سرى فيها الضنا
دع عنك عذلي يا عذولي واتئدْ
فالقلب غيرَ هوى المليحة ما اقتنى
خودٌ تريك بفرعها وبجيدها
وبعطفها وبردفها العالي البنا
ليلًا على صبحٍ على غصن على
موج ترى حركاتهِ لن تسكنا
قدٌّ وطرفٌ فيهما سلب النهى
فإذا انثنى هذا وذاك إذا رنا
روض المحاسن وجهها الباهي وكم
راعي المحبة فيهِ يرعى الأعينا
ظنَّ العذولُ بأنني أسلو الهوى
وإلى السلو القلبُ مني ما انثنى
ما أكثر العذال يالله في
حبِّ الملاح وما أقلَّ المذعنا!
لما أتى قلبي الغرامُ وجيشهُ
فرآهُ حصنًا ثابتًا فتحصنا
المشتري
وجه سعدى البادي على النهدينِ
قمرٌ ينجلي على كوكبين
غادةٌ إن بدت بدا الليل والصبح
على خوط بانةٍ عاكفينِ
ذات ثغر كلؤلؤ وشفات
كعقيق ووجنة كلجينِ
شأنها تصحب النفار عن الصبِّ
وتلوي بالجيد والمعطفينِ
إن تبدَّت فالبدر، أو لفتت فالظـْ
ـظَبي، أو أقبلت فقدُّ رُدَيْنِ
لعياني إن تبدُهمت كذا للـ
ـقلب وا فتنتي من الطرفينِ
طال شوقي إلى بديع محيا
ها الذي راح يخجل النيرينِ
بهواها قد ذاب قلبي وروحي
تلفت وانثنيت أرقب حَينى
منيتى إن أكن بعينك مقتو
لًا، فروحي فدًى لتلك العينِ
إن تضيعي عهدي وودِّي فلم أبر
ح إلى الموت حافظ الاثنين
وإذا ما طلبتِ روحي فلم أقـ
ـبض يدي يا كحيلة المقلتينِ
إن دأْبي بذل النفائس بالحبـْ
ـبِ وخلق الكريم بسط اليدينِ
لستُ ممن يشكو بحبك ذلًّا
فالهوى والهوان دِيني ودَيني
كل شيءٍ يحلو لديَّ من الحسنا
ءِ غير القلى وطول البينِ
ساقني للهوى شبابي فما با
لك يا شيب تالف الفودينِ
يا مهاةً تقصى وتدنو انعطافًا
ونفارًا والحب بالأمرينِ
بمحياك ذي البهَا كم بدا من
عجيبٍ ينجلي لذي العينينِ؟
لم تغبْ شمس ذا الجمال فإني
شفقٌ قد بدا على الوجنتينِ
أنتِ والله فتنة العقل والقلـ
ـب كذا أنتِ فتنة القمرينِ
وأنا ذلك المحب الذي أضـ
ـحى عديم المثالِ في كل أينِ
كم من الشوق والصدود فؤادي
ذو التصابي يبيت في لوعتينِ
ليَ عينٌ تظل جنح الدياجي
ترقب المشتري فيا سعد عيني
كوكبٌ قد غدت أشعتهُ أخـ
ـبار صدق ما شانها من مينِ
وعلى محور البشائر قد دا
رَ عمودًا فصار في فصلينِ
فمن الغرب قد بدا وللقيا
هُ غدا الشرق باسط الراحتينِ
يرشد الناس للتمدن والتهـ
ـذيبِ فهو الآتي من النوعينِ
فيهِ شمل الأخبار يحكي الثريا
فإليهِ يشار بالكفينِ
منهُ تجري عين الهدى للبرايا
وجميع الهنا لنا بالعينِ
الهداية
ليس الرقاد لذي الصبابة بالحسنْ
فامسحْ بأذيال الهوى كحل الوسنْ
وإذا المحبة واصلت قلبَ امرئ
سرًّا فطيب النوم يهجرهُ علنْ
يا من بحسن الغيد مفتتنًا غدا
صبرًا فلست اليوم وحدك مفتتنْ
ولكم فتًى رشقتهُ ألحاظ المها
بنبالهنَّ وغادرتهُ أخا شجنْ
يا أيها العشاق أنتم كلكم
قومٌ لهم جلدٌ على حمل المحنْ
كم تسفحونْ مدامعًا لو أنها
دررٌ لكان الدر صار بلا ثمنْ
لا تحسبوا أني عديم صبابةٍ
فأنا وايمِ الله صبٌّ ممتحنْ
أفدي كواعبَ غانياتٍ في الحشا
شيدنَ مغنى حبهنَّ بهِ سكنْ
من كل ذات ملاحة تنساب في
مرح الشبيبة للدلال غدت وطنْ
يبسمنَ عن درر الطلا ويمسنَ عن
قضب النقا ويلحن عن قمر الدجنْ
حمر الخدود سلبنني سمر اللمى
سود العيون قتلنني بيض البدنْ
ولربَّ خودٍ قد سباني جفنها
لما رنت وبهِ الفتور قد اقترنْ
هي في الحسان بديعةٌ تختال في
حلل الحيا للطف قد أضحت سكنْ
يتألقُ البرق السني إذا بدت
وإذا انثنت مَن يحمل الخطيَّ مَنْ؟
وا حيرتي من خصرها وفؤادها!
ذا كاد أن يجري وذلك ما مرنْ
ما هزَّ ذاك العجب رمح قوامها
إلا وللأحشاءِ مني قد طعنْ
رمت الفؤاد بنبل طرف أدعجٍ
عن قوس حاجبها الذي في القلب رنْ
إن أسفرت سجد الهلال لها وإن
نظرت عنا للحاظها الظبي الأغنْ
والحسن ينصب في الوجوه شراكهُ
فيصيد أحشاءَ الفتى أنَّى اطمأَنْ
وحواسدٍ يسعون جهلًا بالنوى
والسعي دون العقل يذهب كالدخنْ
ويحٌ لكم يا أيها الواشون هل
تثنون عني ذات حسنٍ لم يشنْ
إن لم أكن أنا ذلك الصبَّ الذي
بذل النهى والروح للحسنا فمن؟
لو جاءَني غيلان مية حائرًا
لاغتال مني بالمحبة كل فن
كم بات يقطع سطح دائرة السما
طرفي وفي قلبي التشوق مرتهنْ
بي من أتتني والظلام مبرقعٌ
عين الرقيب فكم حبتني من مِننْ
لمَا رأت أني أمينٌ واصلت
ما فاز بالأوطار غير المؤتمنْ
نضت الإزار عن النهود وقد بدت
فنظرت ما عقلي بمنظرهِ افتتن
كرتا لجينٍ في سما عاجٍ نقٍ
يغشاهما نورٌ من الوجه الحسنْ
ما زلت أسكرها بأشعار الهوى
مني، وتسكرني بطرفٍ ذي فنن
حتى طوى الديجور رايتهُ وقد
برد الحلى والطير صاح على الفنن
كم قد أبحت لها بسري في الهوى
لتكون عالمة بما فيَّ استكنْ
لا أكتمنَّ عن الحبيب سرائري
سرُّ الفتى عن قلبهِ لا يكتمنْ
يا طيب وقتٍ قد مضى فلكم بدا
ليَ منهُ ما يجلي المصائب والشجنْ
زمنٌ شربت بهِ سلاف الوصل من
بدرٍ فوا أسفي على ذاك الزمنْ!
ما كنت أفطنُ أن دهري كامنٌ
لي بالأسى والمرءُ يهدى بالفطنْ
وإذا الكميُّ أصابَ نصرًا في الوغى
فليأخذنَّ الحذر ممن قد كمنْ
ذو الباس يأخذ بالصوارم والقنا
وأخو الجبانة بالخديعة والخونْ
لو دام فكر المرءِ بالمحن التي
في الدهر كان زمان راحتهِ محنْ
والدهر يفتك بالرجال وطالما
قد أبدل الأفراح منهم بالحزنْ
والمرءُ لا يحميهِ من قدرٍ حمًى
والصقر يقتنص الفراخ من الوكنْ
لا خير في رجلٍ يعادي قومهُ
أبدًا ولو في ذروة العليا قطنْ
وإذا المليك أراد يحسنُ ملكهُ
فليسعَ في خير الشعوب يرَ الحسنْ
والجند لم تنشط بلا قوادها
لولا وجود الراس ما نفعَ البدنْ
وتزاحم الآراءِ يستبقي الخطا
يكفي لإظهار الصواب أخو الزكنْ
يا صاح لا تركن لكل مخبرٍ
فاليوم صار الصدق ميتًا في كفنْ
وإذا سألت فتًى فكن مستفهمًا
لا تمتحنْ إن كنت لست بممتحنْ
إن حدثوك بما يفيد اسمع وإن
كان الحديث سدًى فلا تسمع تُصنْ
واحفظ لسانك من وقوع في خطا
فلسان كلٍّ في الأنام لهُ رسنْ
إني أرى الشعراءَ في ذا الجيل قد
كثروا، ولكن قل ذو الشعر الحسنْ
والشعر ما طربت بهِ الألباب لا
لفظٌ على مجرى التفاعيل اتزنْ
ودليل عقل المرءِ كلمتهُ كما
أضحى دليل مزاجه بلدًا قطنْ
والحمد لله العظيم بأنني
حلبيُّ أصلٍ لي بأحسنها سكن
وطني هي الشهبا وفيها مولدي
والمرءُ منطبعٌ على حبِّ الوطن
أضحى عبير الأنس في أرجائها
متأرجًا وبها السعادة والغَدَن
فيها الأهالي قد رأت كل الهنا
وكذا بها الغرباءُ صادفت المنن
صحت عناصرها وعلَّ نسيمها
وافتر ثغر هوائها فبكى الجنن
ترعى الإخاء رجالها ونساؤُها
أبصارهنَّ إلى الخنا لا تطمحن
فسقى هزيم الودقِ خصبَ ثراكِ يا
حلبًا، وصان الله هاتيك الدمن
اللقا
جاد الزمان بهم وكان ضنينا
فنأَى العنا عنا إلى الواشينَا
والقرب مذ قتل النوى بظبا اللقا
حزنت حواسدنا ونحن هنينا
يا أيها الأحباب ها أرواحنا
فخذوا ولكن وصلَكم فهبونا
أنتم نعمتم بالجمال وإنما
في حبهِ نحن الذين شقينا
عودوا المنازل يا نزولًا في الحشا
فالعود أحمد واللقا يشفينا
لا بأس إن قصر الدجى بوصالكم
فطويل ليل شعوركم يغنينا
لم ندرِ ما طيب المسرة والهنا
إن لم نكن بالوصل مسرورينا
فتن النهى منا جمالكم الذي
أمسى بهِ قمر السما مفتونا
والحسن كم تُسبى العقول بهِ وكم
قلبٍ غدا بيد الغرام رهينا!
إني غدوت أليف كل محبةٍ
أهوى طلًا ومباسمًا وعيونا
بأبي وبي هيفاءُ هزَّت قامةً
كالرمح صار بها الفؤاد طعينا
نور الوضاءَة لاح بين نهودها
وغدا البها بجبينها مقرونا
بيضاءُ يفتننا احمرار خدودها
وسواد مقلتها غدا يسبينا
والنور يظهر أبيضًا وهو الذي
يهدي لنا الألوان والتلوينا
قابلتها فتبرقعت وجناتها
بسنا الحيا ولوت معاطف لينا
لما أمالت وجهها خجلًا حكت
قمرًا يلوح بليلة العشرينا
كم قد قتلت أيا مهاة الحيِّ من
حيٍّ وكم بكِ قد أهجت شجونا!
ثبتت بحبك سكرتي فتلجلجي
بادٍ وطرفك يسكر الزرجونا
والشيء يثبتهُ لنا معلولهُ
حينًا وعلتهُ تثبِّت حينا
شقيقة النسيم
إذا ما الصادح الدوحيُّ غنَّى
أهاج الوجد في قلب المعنَّى
وإن خطرت نسيم الحيِّ صبحًا
ذكرت من الأحبة كل معنى
فمهلًا يا حمام الدوح، مهلًا
فقد هيجت بي شجنًا وحزنًا
ويا نسمات ذاك الروض مرِّي
عليَّ، فأنتِ للعشاق حسنى
أنا الصب العليل وأنتِ مثلي
فلم يبقَ سوى الأرواح منا
ولكن بيننا فرقٌ عظيمٌ
وهذا الفرق لي أشقى وأضنا
أنا أقضي الدجى سهرًا ونوحًا
وأنتِ تقبلين فمًا ووجنا
أباتُ الليل والظلماءُ تحكي
رقيبًا قد صغى وأمال أذنا
فطار على جناح الشوق نومي
وأحرمني طروق الطيف وهنا
إذا لمعت بروق الحي أجرت
جفوني من غزير الدمع مزنا
غرامٌ قد أذاب الروح وجدًا
وأسكرني وما دانيت دنَّا
وشوقٌ قد أعاد القلب مني
صريعًا نادبًا طللًا ومعنى
تمنيت اللقا فأصبت بينًا
وما كلٌّ سيبلغُ ما تمنى
فهمت إلى الفلا وجننتُ عشقًا
كأني في زماني قيس لبنى
وتهت بكل نجمٍ إن تبدَّى
وهمت بكلِّ غصنٍ إن تثنى
ولم أنظر ظباءَ القفر إلَّا
وأذكر ذلك الظبيَ الأغنا
على قلبي أثار الحبُّ حربًا
فأتلفهُ، فيا قلبي تهنَّا
فؤادي لا تضقْ بالحب ذرعًا
وذرْ عنك التضجَّر يا معنَّى
تأَنَّ وكن على البلوى صبورًا
فقد يجدُ الأماني من تأنَّى
رياح العشق بين الناس تجري
على أعلى وأوسط ثم أدنى
وبي أفدي مهاةً ذات وجهٍ
لهُ نورٌ من الأقمار أسمى
كأَن عيونها من كهرباءٍ
جذبنَ أخا الغرام وما دفعنا
تجنَّت بالدلال على فؤادي
وما أحلى الحبيب إذا تجنَّى
رداحٌ إن بدت ورنت وماست
حكت قمرًا وهنديًّا وغصنا
فإنَّ هزَّت معاطفها دلالًا
أذاقت مهجتي وخزًا وطعنًا
وإن نظرت إليَّ إخال سهمًا
من الأحداق في الأحشاءِ رنَّا
تزاحمت القلوب على هواها
ولكن غير قلبيَ ليس يهنا
فلا أبغي سواها وهي تأبى
سوايَ فبالدماءِ قد اتفقنا
فنيتُ بها هوًى وعلى نظيري
لقد وجب التأسف حين يفنى
أتت لترى الذي فعل الهوى بي
وقد سحبت من الإعجاب ردنا
فلم تنظر سوى شبحٍ ضئيلٍ
غدا بيد الجوى والوجد رهنا
ومذ نظرت ضناي بكت حنوًّا
وقالت: ويحَ مثل صباك يضنى
وقد وضعت على صدري يديها
فظنت أن قلبي فيهِ جنا
رويدكِ لم يجنُّ القلب لكن
رآكِ فضجَّ عن طربٍ وغنَّى
بعيشك يا مهاة البانِ عودي
مريضَ هوًى بغيرك ما تعنَّى
يراعي كلَّ نجم لاح ليلًا
وفي أحشائهِ الأشواق تبنى
فلو تدري عيونك كل سهدي
لما كانت مدى الأيام وسنى
أضاعَ الشوق عقلي فانشديهِ
مكان العقد حيث يروم سكنى
أغرَّكِ أن حسنكِ قد سباني
وأنَّ هواكِ في كبدي استكنَّا
ظننتِ بأنني للحبِّ أسلو
فما أحسنتِ بي يا هند ظنا
وهل يسلوكِ من لكِ صار عبدًا
وأصبح بالهوى ينمو ويفنى؟
فأنتِ لأعيني نورٌ ونارٌ
لقلبي كلما أبديتِ حسنا
وقال راثيًا «يوسف باشا شريف زاده» وقد بعث بها إلى ولدهِ نعمان بك:
صلت المنية في قلوبِ العالمينْ
شرَّ المصابِ وما لهم أبدًا معينْ
والدهرُ يجري بالخطوب على الورى
ويذيقهم كأس البلية كل حينْ
هيهات ينجو المرءُ من غزواتهِ
أبدًا وإن يكُ ساكنًا برجًا حصينْ
ما الدهرُ إلا باسلٌ بطلٌ إذا
طلبَ النزال يروع آساد العرين
تبًّا لهُ من غادرٍ متمردٍ
تجري مكائدهُ على مجرى السنين
دهرٌ خئونٌ ليس يرعى حرمةً
وأبٌ جهولٌ طالما أردى البنين
لو كان يخشى الدهر ذا فضلٍ لما
أودى بمن هو كان خيرَ الفاضلينْ
وأذاقهُ كأس المنية والفنا
فأعاد في الأحزان كل المؤمنينْ
آل الشريفِ أَحْسِنَنَّ تصبرًا
فالله ليس يضيع أجر المحسنينْ
حزنٌ طويلٌ والتصبر دونهُ
أجرٌ فبشر بالأجور الضامرين
الناس هالكةٌ ويبقى وجههُ
وكذا الإله قضى بكل المرسلين
إن كان غابَ عن الحمى أسد الحمى
فبهِ نرى الأشبال أضحت راتعين
بشرى لرمسٍ ضم جوهرَ جسمهِ
فبهِ ثوى من كان ذخر الطالبينْ
ضمَّ الدراية والنباهة والهدى
وحوى الوزارة فالكمال بهِ رهين
لو كان يدري الرمس أيَّ فتًى حوى
لجرى يصفق صفقة المستبشرينْ
يا تربُ حزت من البرية يوسفًا
فانعم فإن الحسن فيك غدا دفين
إن كنت ذا نطقٍ سقاك الله قل
جل الذي سواهُ من ماءٍ وطين
من للوزارة بعدهُ هيهات أن
نلقى فتًى يحكيهِ بين المسلمينْ
والموتُ ينتقد الرجال لأنهُ
يختار قبل الكل أخذ الصالحينْ
هيهات أن نلقى فضيلًا مثلهُ
يومًا وإن كثر ادعاءُ الجاهلينْ
كلٌّ إذا فشت الجهالة مدعٍ
فالجهل مصداقٌ لدعوى المدعينْ
يا قاتل الله المنية فهي قد
نهبت فريدًا ما لهُ أبدًا قرينْ
ذهبت سريرتهُ إلى دار البقا
حيث الحسان غدت بهِ متمتعين
والحور نادت أرخوا بحسابهِ
يا يوسفًا ولنعم دار المتقين
تاريخ وفاة المرحوم ابن خالهِ «عبد الله بن ميخائيل أنطاكي» لينقش على ضريحهِ في
الإسكندرونة:
لعينيَّ أم ثغرُ الحبيبة حياني
فرائد درٍّ لُحن في سلك مرجانِ
وهل غصن بانٍ راضهُ الشوق فانثنى
يعانقني أم قدُّ مخجلة البانِ؟
وهل ملت بالصهباءِ أم برضابها
وقبلتُ خدَّ الوردِ أم خدها القاني؟
رداحٌ تصبَّاها الصبا وأمالها
فيا لقضيبٍ بالصبابة نشوانِ!
فزارت وقد كاد الجفا يهتك الخفا
ويا ما ألذَّ الوصل من بعد هجرانِ!
فعاهدتها أني ولو سفكت دمي
بأعينها لا أستتبُّ بسلوانِ
وصنت الذي أجرت يميني ولم أقل
يمينًا فلم يحلف سوى كل خوانِ
ولما تلاثمنا فمًا لفمٍ وقد
قطفت ثمار الوصل من غصنها الداني
ولم يكُ في المنجى رقيبٌ لنا سوى
خيالي بمرآة الخدود ولا ثاني
حبانيَ من نيرانهِ مالك الهوى
أطائبَ لم تخطر على قلب رضوانِ
نعيمَ وصالٍ لن يرى مثلهُ ولا
بجنة عدنٍ بين حورٍ وولدانِ
وكانت عيون البين في غفلاتها
وما كان غير النيل في الليل يغشاني
غير بلوايَ لم يعد لي مدانِ
كل خلٍّ جفوتهُ وجفاني
وما لي نجيٌّ غير حسن الذي إذا
بدت غادرت كالقدم مقول سحبانِ
ولكن زمانُ الرغد يأبى دوامهُ
وكل نعيمٍ فوق هذ الثرى فانِ
فهمَّ عليَّ الدهر بالبين والنوى
وبدلَ أفراحي بغمٍّ وأحزانِ
وأجرى على رأسي سيولًا من العنا
فهبَّ نبات الصبر من قلبيَ العاني
فأوهج قيظُ الغيظِ حتى تيبست
يوانِع صبرٍ شبَّ في قلب إنسانِ
لحا لله دهرًا خال أني عدوُّهُ
فأوقعَ بي لكنهُ لم يشن شاني
وأبرقَ رأسَ العزم منيَ عنوةً
بعضبٍ لهُ تعنو رءوسٌ بتيجانِ
وأفرى بلا رفقٍ دروع تجلدي
بمرَّانِ جورٍ دونهُ كل مرانِ
رغبت الهدى فاشتقَّ منهُ ليَ الدَّها
فما كان عن هذه اللبانة أغناني!
جنيت على نفسي بكثر مروءتي
وهل أنا وحدي من على نفسهِ جانِ؟
وإني خسرت الشوط مذ فزت بالهدى
وقد يقبل الفوز الكبير بخسرانِ
يعيرني قومٌ بجدِّي وهمتي
كما عيرَ النعسان أعين يقظانِ
فوا عجبي من قرطمٍ شان لؤلؤًا
ووا حيرتي من كل وانٍ وكسلانِ!
وليت ثيابي كنَّ سودًا فلم يبن
بها دنسٌ يأتي علي ببرهانِ
ولكنَّ ثوبي أبيضٌ مثل جبهتي
وما انسحبت إلا على الطهر أرداني
ولم يلقَ إلا الصفحَ منيَ قادحي
فإن جميع الناس أهلي وإخواني
وإذا لم يصارم المرءَ خطبٌ
فهو خير الخلانِ والإخوانِ
إن تحطكَ الأرزاءُ حطها وإلَّا
فانطح الرأسَ منك بالحيطانِ
كل قرمٍ يمسي جبانًا إذا لم
يضحَ صخرًا أمام قرم الزمانِ
والشجاع الخميس بين الورى من
عندهُ الدهر والهبا سيانِ
واللبيب الخبير من ظنَّ سوءًا
بجميع الصحاب والخلانِ
لم أجد في الزمان خلًّا يوافي
يوم تأتي الأيام بالحدثانِ
أصدق الأصدقاءِ عيناهُ تندو
فرحًا كلما رأى أحزاني
كم عدوٍّ يسعى بزي صديقٍ
مثل سعي الثعبان والأفعوانِ
ليتَ شعري! ماذا فعلت مع النا
س وماذا اجترحت من عدوانِ؟
ليس لي جنحةٌ سوى أن فضلي
قد رماهم بالخزي والخذلانِ
يا لقومٍ لم يكفهم أن ودِّي
ضاعَ فيهم حتى بغوا ضيعاني
منذ سلمتهم يمامة قلبي
لم أخلْ أنهم من العقبانِ
خانهم كبرهم فخانوا ودادي
ليتني لم أشنْ بهم عزَّ شانِ
هم أذلاءُ يرفعونَ نفوسًا
هنَّ أدنى من أصغر الديدانِ
رزقوا قدرَ حفةٍ فأرادوا
أن يفوقوا بها على بهرمانِ
ربَّ نملٍ حوى جناحًا فأهوى
واقعًا حال نهضة الطيرانِ
يقبلون العطا ولو كيل تبنٍ
زه فهم من أكابر البعرانِ
لم يبالوا لجلهم بعظاتي
إنما الجهل آفة الإنسانِ
حسبوا منطقي كريحٍ وقالوا
فلنصدنهُ عن السريانِ
يا لها من جهالةٍ كم أجنَّت
أنفسًا في حنادس الطغيانِ!
إن نفسَ الفتى سراجٌ إذا لم
تسقَ زيت الحجا أتت بالدخانِ