قافية اللام ألف
غلبة الصبابة
أنا من كئوس الذل لا أرتضي نهلا
فصعبٌ على ذي العز يومًا إذا ذلَّا
أرى كل شيءٍ فقدهُ سهلًا غدا
عليَّ إذا لم أفقد الشرف الأعلى
يسوقُ الفتى حب الحسان إلى البلى
كذا الحسن نحو الحبِّ يستاقهُ قبلا
فلا أشغل النفس النفيسة بالهوى
فإن الهوى ذو العقل يحسبهُ جهلا
ولا أتجلي في حلة العشقِ للتي
على كل صعلوكٍ لها طلعةٌ تجلى
إذا كان غرس الحبِّ يفرع للفتى
هوانًا فلا أهوى الهوان أنا أصلا
ولما رأيت القلب مني كاد أن
يهيم بوادي الحبِّ قلت لهُ: مهلا
إذا كنت ممن يعشق الغيد والدمى
لك الويل إن العشق يورثك القتلا
ولكن مرارات الصبابة والهوى
بحبِّ التي تعلو على البدر تستحلى
محجبةٌ ضنَّتْ عليَّ بوصلها
وجادت بأنواع الدلال فما أحلى
إذا لم تجدْ بالقرب خيفة راقبٍ
فلا عجبٌ إذ تصحب الجبن والبخلا
لها أعينٌ سكرى بخمر الصبا فإن
رنت غادرت قلبي بنار الهوى يصلى
بروحيَ أفديها مهاةً وبانةً
تميل فكم أسرى وترنو فكم قتيلا
سبت منيَ الأحشاءَ قامتها وقد
رمت كبدي الحراءَ مقلتها الكحلا
تجلى على طور النهى حسنها الذي
بأنوارهِ يهدي المحب إذا ضلا
يحقُّ انكساري بالغرام وذلتي
لديها فإني لم أعاين لها مثلا
أحاطت بكل الحسن طلعتها فقد
أرتنيَ كيف الجزءُ يستغرق الكلا
أتتني بذيل التيهِ رافلةً وقد
جلت قمرًا في برج قلبيَ قد حلا
فقلت لها: أهلًا وسهلًا بغادةٍ
لها الشمس والأقمار قد أصبحت أهلا
فقالت: وهل يا صب قلبك كَلَّ عن
تحمل هذا الحب؟ قلت لها: كلا
إذا لم يكن لي من وصالك مسعفٌ
على حمليَ الأوصاب لم أستطع حملا
وما ذلك الشيءُ الذي يقدر الفتى
بهِ أن ينال الفوز والعون قد ولَّى
وقال من الجناس المهمل:
أودعهم والدمع هامٍ كهاطلٍ
وكل وداعٍ كل دمعٍ لهُ سالا
أساهر أحوال السما لرواحهم
معلل روحٍ عود آمالها مالا
وقال وهي أول قصيدة قالها:
يا قضيبًا قضى بقتلي ومالا
وانثنى معرضًا وماس دلالا
حاولِ الرفقَ بالمحب الذي كا
د بذاك الجفا يصير خيالا
رشقَ الطرفُ منك قلبي بسهمٍ
فجرى الدمع من عيوني وسالا
إن تبدَّيتَ أو تلفتَّ يومًا
شام طرفي غزالةً وغزالا
عذبٌ في هواك كل عذابٍ
يا مليحًا حوى الجمال فصالا
أنت شمسٌ والقلب مني كالحر
باءِ إذ كان ميل وجهك مالا
كم لك الله تطعن القلب من ذا
ك القوام الذي زرى الآسالا!
أحرقتني الخدود منك بنارٍ
كلما رمت منك بدري وصالا
زادك الله يا حبيبي حسنًا
مثل ما زدتُ في هواك انتحالا
قد عفا القلب حين عفتَ وصالي
ليتني مذ هجرتني متُّ حالا
فصدودٌ ولوعةٌ وبكاءٌ
وسهادٌ وما ألفت احتمالا
سألوني عما اعتراني فأنكر
ت فدمع العيون ردَّ السوالا
إن تكن راضيًا بموتي فحسبي
أن ماءَ الحياة في فيك جالا
إن صبري مثل الجبال متينٌ
والجفا منكِ قد يدكُّ الجبالا
ليس عيبٌ إذا تذللت عشقًا
إنما العشق قد يذل الرجالا
إن ذلي بالحب عزي وفخري
يا غزالًا غزا المحب وطالا
عد محبًّا يهواك بالوصل إني
أرتضيهِ ولو يكون مقالا
ضاع عمري في الحب ليتكِ تعطيـ
ـني بما ضاع من حياتي وصالا
كلما ينقص التصبر مني
يا حبيبي تزيد أنت جمالا
أنت غصنٌ وقد غرستك في
قلبي فأثمرت قسوةً ودلالا
فاجلُ ليل الجفا وراعِ ذمامي
يا قضيبًا قضى بقتلي ومالا
وقال:
أنخت مطايا العز مني على العلا
فكيف لذات الخدر أعنو تذللا؟
سموت فلا أرضى الدنوَّ لأنني
بنيت على ظهر المجرة منزلا
وقد غازلتني أعين المجد والسنا
فهل أنا للحسناءِ أهدي تغزلا
إذا ما أثار الحب حربًا على الحشا
بعثت لهُ من دولة العقل جحفلا
وهيهات أن تسطو العيون على فتًى
نظيري يرى أن الهوى مركز البلا
فما اقتاد قلبي للهوى والجوى سوى
جمال التى تسبي الفؤاد تدللا
معذبتي بالله عودي متيمًا
سوى وجهك الباهي لعينيهِ ما حلا
وجدتك أعلى الناس في مقلتي لذا
تعشقت منكِ الخد والنهد والطلا
هويتك مذ أبدت لحاظك لي هوًى
فذقت الذي قد ذقتهِ أنت أوَّلا
فحسبك ما تغزو لحاظك فهي كم
أصابت وقاك الله قلبًا ومفتلا!
وقال:
لو يكون المحب يهوى الجمالا
وحدهُ كان يعشقُ التمثالا
إن تكن مقلتي إلى الحسن تصبو
ففؤادي يهوى الحيا والدلالا
فبروحي أفدي مهاةً سبتني
بلحاظ ترمي بقلبي نبالًا
وقوامٍ يهدُّ درع اصطباري
كلما هزَّهُ الشبابُ فمالا
ذات طرف كأنهُ لغزالٍ
حين يرنو لو لم يكن غزَّالا
حركات الأحداق تجدي ثبوتًا
للمحبين والسكون ملالا
يَا سُليمَى كُفِّي النفَارَ فَلَمْ يُبـ
ـقِ لِقلبِي هَذَا النِّفَار احتِمالا
قَد حَوَيتِ الحُسنَ العَجِيب لهذا
بضلوعِي جَرَى هواكِ وجالا
واتخذتِ الدَّلالَ يا نورَ عَيْني
دَيْدَنًا إذ قَطَعْتِ عَني الوِصَالا
فَنَفيْتِ الكَرَى عن الجفْنِ حتَّى
عُدْتُ أرجو ولا أنالُ الخَيَالا
كيف يسلو هواكِ قَلْبِي وَلِي عَيْنٌ
لمرآكِ لَمْ تُشَاهِد مِثَالا
حَاولَ العاذلون عنكِ سلوي
وا عْنَائي مِمَّن يَرُومُ المُحَالا!
وقال:
سلامٌ يَود الطِيْب لو كان طِيبه
يروحُ بأرواحِ الهَوَى مُتَعَلِّلا
على معشرٍ لو يعلمون محبَّتِي
لما قَطَعوا وصلًا وما وصلوا فلا
وقال جوابًا لرسالة بعث بها إليه بعض الشعراء:
أطْرَقَ البدر إذ تَجَلَّت وقَالَا
هَكَذَا هَكَذَا وإلا فلا لا
غَادةٌ لو بَدَت لِحَوَّاء قدمًا
تحت رمز لأحرمتها الكمالا
ذات وجهٍ حَلَا لآلِ نعيمٍ
وَجَبِين جلا لبدرٍ هلالا
أنشد القرط وهو يخفقُ وجدًا
وا بعادي عن عقد جيدٍ تلالا!
ليسَ عيبٌ فيها سوى أنها ذا
تُ نفارٍ لم يبقِ فيَّ احتمالا
أقسمت أن تصدَّ طول المدى لا
وأخذ الله من على البين آلا
أيها الصب لا تملَّ الهوى إن
نفرت عنك فهي تحكي الغزالا
ولحبل الوداد إن قطعت كن
صابرًا فالحسناءُ تجفو دلالا
فهو قطعٌ يضيفُ للوصل آما
لا بهنَّ الأشواقُ تنصب حالا
ليس للمرءِ في وقوع الردى من
عضدٍ غير رصده الآمالا
في فؤادي نار الصبابة ثارت
فأراقت من الأماقي سجالا
وأقامت بين الجوانح من شوقٍ
جبالًا تحمي الجوى وتلالا
واضطرام النيران في الأرض كم ير
فع من مستوي السهول جبالا
كان عندي الهوى هوانًا ولما
ذقتهُ صار فخرةً وجلالا
رب ليلٍ أجنني الشوق فيه
ودهاني فهمت أرجو الوصالا
واتخذت الرجا معينًا على حمل
الشقا والرجا يعين الرجالا
لم أزل أقطع البوادي وأعدو
كل وادٍ وأقحم الأهوالا
وفؤادي يفري فلاة الهوى فو
قَ شجونٍ كانت لهُ آبالا
علني أن أرى مواقع سعدي
ولبعض المنى عسى أن ينالا
خضت بحر الظلماءِ والشهب فوقي
رامياتٌ من الشعاع نبالا
فكأني حوتٌ يروم من الكو
نِ ابتلاع الدجى فحامى وحالا
يا نجوم السماء مالكِ قد صر
تِ صفوفًا كالقاصدين نزالا
هل ظننتِ الأنين مني بوقًا
يستثيرُ الوغى فرمتِ القتالا
ليس لي طاقةٌ على الحرب إذ إني
ألفت الشقا وذقت الوبالا
للفتى حالتانِ ضيرٌ وخيرٌ
وهو يبني عليهما الأعمالا
إن غدا اليوم ضاحكًا لهَا ولَّى
فيبكي غدًا لضيمٍ نوالا
هكذا الكون دائرٌ وعليهِ
كلنا دائرون نرعى الزوالا
وجميع الورى على الخطب تحيا
قوَّة، والقوى ترى الأفعالا
فوبالٌ على الخبير إذا صا
دف حظًّا فراحَ ينعمُ بالا
وحياة الإنسان أكثرها نو
مٌ وباقي الحياة يحكي الخيالا
ولقدر الشباب لا يدرك الإنسا
ن إلا إذا المشيب تلالا
نِعمٌ تغمر الفتى فيراها
نقمًا إذ يدافع الإقبالا
لا يفوز الفتى بلذة عيشٍ
إن يكن فيهِ راح يرجو المحالا
قلَّ من في الورى يحب علومًا
وكثيرٌ من يعشق الأموالا
وأخو الجهل ينتقي أضعف الأقوا
لِ مما يصغاهُ والأقوى لا
أبطل الدهر دولة العلم قهرًا
هكذا الدهر يقهر الأبطالا
ورمت بالأركاس فرس المعاصي
بابل الفضل فاكتست بلبالا
إن وددت الثراءَ يومًا فهل لي
من ودادي لهُ سوى أن أعالا؟
ويصمُّ الإناءُ ما زاد ملأً
ويضنْ الغنيُّ ما زاد مالا
فإذا ما هويت علمًا فإني
قد هويت الجمال والإجمالا
دفع الدهر كل صاحب عقلٍ
واسترد البغاة والجهالا
لا أبالي إذا الجهول علاني
إنما الصخرُ يحقر الأوعالا
هل أقاوي قرم القضاءِ إذا أَوْ
قَعَ فيَّ الأرزاءَ والأرزالا
ولدى سطوة القضا ماجت الأر
ض ارتياعًا وزلزلت زلزالا
وإذا ما الفتى تحاشى من الأيـْ
ـيَامِ نبلًا نضت عليهِ صقالا
والملا للبلا موارد بيضٍ
ومرامي نبلٍ تتيح النكالا
لم يهل طارقُ الردى ذا رشادٍ
قط لكن لذي الجهالة هالا
فإذا الدهر سل صارمهُ أبكى
الحماقي فأضحك العقالا
كل شيءٍ يبدو حقيرًا لمن يفكر
بالموتِ ثم يدري المآلا
قابل الغمر فهو هيلة بالهو
ل وألا يؤذيك فالروق طالا
أين أهل الوفاءِ؟ هيهات قد أصبح
جسمُ الوفاءِ منهم خلالا
ريَبُ الدهر لم تدع من صديقٍ
لصديقٍ ولم تذر مفضالا
لم يعد لي بين الأخلاءِ خلٌّ
ذو ثباتٍ سوى فتًى قد تغالى
من على هامة المودة أضحى
تاج صدقٍ فكم سما وتعالى؟
ذو صفاتٍ صفت وصحت فكانت
للصوادي مشمولةً وزلالا
فلو الدهر راح يجري عليها
كلَّ نقدٍ عسى يصيب اعتلالا
لانثنى وهو ضاربٌ أسدريهِ
خائبٌ يشتكي العنا والكلالا
هو بحرٌ تموجَ الفضل فيهِ
نعم بحرًا أجرى لنا أفضالا!
ولهُ الشعر قد عنا فإذا قا
ل قريضًا يستغرقُ الأقوالا
لا نرى للإيطاءِ وطئًا عليهِ
لا ولا للإقواءِ نلقى مجالا
كلمٌ كالجمان تسلك في سلـ
ـك معانٍ تشاكل السلسالا
فاضلٌ لا أبوح باسمٍ لهُ إذ
إنهُ لا يبوح بي إجلالا
لي إليهِ رسائلٌ حملت من
أعظم الشوق ما يدك الجبالا
وسلامٌ أرقَّ من نسمة الرو
ضِ وأرقى من ابنة الكرم حالا
إن يكن حال بيننا البعد رغمًا
دون قربٍ فَلِلْوَلَا ما أحالا
لو يذوقُ الزمان مرَّ بعادٍ
لرأينا حدوثَ بعدٍ محالا
وقال:
تهافتَ أهل الشعر — وا عجبي! — على
مديح أناسٍ يدعون لهم نبلا
وما القصد إلا الرفد منهم وإنني
أرى صون ماءِ الوجه من رفدهم أولى
وهل يستحق المدح عيرٌ بعسجدٍ
تبردعَ أو تيسٌ بتيسٍ قد استعلى؟
فما رفعةٌ أو دولةٌ أو سيادةٌ
سوى لقبٍ لم يعطَ إلا لمن ضلَّا
أنا لا أود المدح إلا لصابرٍ
على الدهر مثلي أو لشهمٍ سما فعلا