حذارِ الهوى يا من غدا عنهُ خاليا
فذلك داءُ الموت أعيا المداويا
إذا حل في قلب امرئٍ رحل النهى
وكم من أخي عقلٍ به صار عاريا
وما الحب إلا نظرةٌ إن تعاقبت
تدعك على جمر الصبابة ساليا
وفتانة العينين ممشوقةٍ إذا
رنت أو تثنت أعدمتني فؤاديا
لها لفتاتٌ تورث الريم فتنةً
وقدٌّ إذا ما ماس يذري العواليا
زها ورد خديها النضير وطرفها
لهُ بنبال الغنج قد جاءَ حاميا
إذا ضاع عطر الورد من وجناتها
تراهُ لوردِ الثغر يهدي الصواديا
جبينٌ لها يحكي الصباح صباحةً
ووجهٌ غدا للنيِّرين محاكيا
تمكن من قلبي هواها فديتها
فأصبحت غير الشوقِ والوجد ما بيا
بذلت لها روحي وما كنت منصفًا
فيا ليت لي أخرى فأبذل ثانيا
خليليَّ بالله أنعشاني بذكرها
ومن ذكر ليلى والسوى خليانيا
لجسم هواها القلب قد صار حيزًا
فما للسلوى من مدخل فدعانيا
أتت وهي تبدي لي نفارًا تدللًا
فتلوي حياءً ثم تولي تدانيا
فقلت: اسفري، قالت: أتكفل يا فتى
هبوط الثريا إن أزحت لثاميا؟
سرت نفحات المسك من نفساتها
ومن خالها أضحى شذا الند ناميا
بلثم ثناياها حياتي فإن أتى
بتحريمهِ قومٌ أحلوا مماتيا
وقد يفعل المرءُ القبيح بزعمهِ
مليحًا وليس المرءُ يدري الخوافيا
ومما ازدهاني عطفها وانعطافها
وإعراضها والصد مما دهانيا
لقد قطعت عهدي بصارم صدها
فيا ليتها بالوصل ترعى ذماميا
سلوها سلوها هل درت ما أذاقني
هواها وهل لاقت كمثلي عانيا؟
أهيم إذا ما مثل الشوق طيفها
لعيني فبي أفدي خيالًا تجاهيا
رجوت الكرى حتى أرى طيفها بهِ
وهل خطرات الطيف تشفي هياميا؟
إذا احتجبت عن أعيني خوف راقب
فتمثالها ما زال في الذهن باديا
حلا ظُلمها لي بالهوى مثل ظَلمها
وتعذيبها مستعذبًا قد غدا ليا
وقد عوَّدتني السهد في غسقِ الدجى
فعدت بلا نومٍ أراها أماميا
تخالف نومي في هواها ومدمعي
فذا نازلًا أضحى وذلك نائيا
ترى يشتري مني المدامع جيدها
وهل لسوى هذا أبيع الجواريا
إذا جرحت قلبي فتقبيل خدها
أراهُ لجرح القلب بالحب شافيا
عذوليَ ذر عذلي فلست بسامعٍ
وكن راثيًا، فالحب أوهى عظاميا
ترى هل يلوم العاذل العاشق الذي
تتيم لو يدري المحبة ما هيا؟
ألا إنني قد صرت دائرة الهوى
فأضحى انتهائي بالغرام ابتدائيا
إذا هلت الأنواءُ من سحب أعيني
تساقطت النيران من نفثاتيا
فيا قلب، كم قد بت حيران بالنوى!
ويا طرف، كم قد بت للأوج راعيا!
أهيج غرامًا كلما لاحَ بارقٌ
وأصبو اشتياقًا ما بدا الطير شاديا
معذبتي لا تذكري الهجر والقلى
فذكرهما والله يفني حشائيا
إذا ما نسيت العهد والودَّ عامدًا
فلست أنا للعهد والودِّ ناسيا
هواكِ كساني السقم والضيم إنما
بهِ صرت من حسن التصبر عاريا
لأنتِ إلهُ الحسن يا زهرة البها
وبدر السما أضحى لوجهك جاثيا
فيا سعدَ مرآكِ ويا نحس مقلتي
ويا حسنَ ملقاكِ ويا سوءَ حاليا
وعينيك لا أسلو الهوى وهو قاتلي
ولو أنني أصبحت في الرمس ثاويا
بلي جسدي والبال بلبلهُ الهوى
فهلا رحمت اليوم بالله باليا
إذا لم تشي أني أراك بيقظتي
جفاءً فمن جفنيك ردي رقاديا
وما كنت ممن ينظم الشعر إنما
بحبك صرت اليوم أحصي القوافيا
جريح الهوى يشكو إليك مصابهُ
فلا تعرضي عمن أتى اليوم شاكيا
ذي البوادي أودت بتلك المطايا
وأعادت عظامهنَّ شظايا
قد براها بري المدى نغم الحا
دي وفيض اللظى ونضب الركايا
تترامى والوخد يوري صداها
والغدايا تكدها والعشايا
ذلك الصحصحان يقدح زندًا
في حشاها لهُ قلايا شوايا
وهجير الرمضاءِ يسعى عليها
بكئوس اللظى فتحسو المنايا
لا أذمُّ الحادي ولا أرحم العيس
ففي كرِّهنَّ كرُّ المنايا
أيها الهودج المشيع ليلًا
سر أمانًا لا طوحتك الغوايا
فيكَ برقٌ وكوكبٌ وهلالٌ
في جبينٍ وطلعةٍ وثنايا
تلكَ ليلى ترنو إليَّ وداعًا
بعيونٍ مغرورقات الزوايا
نافثاتٍ سحر الغرام بقلبٍ
في هواهنَّ يستطيب البلايا
أيها الموقف الذي أذعر الحا
دي وهال النوى وراع المطايا
موقف البين بين قيسٍ وليلى
أنا قيسٌ وتلكمُ ليلايا
يا عشايا الفراق بالله عودي
بالتلاقي على ظعون الغدايا
ما لشهب السماءِ تسهى وما للـ
ـبيد تدوي وما لذهل البرايا؟
أترى الكونَ كلهُ لم يجد من
خلبَ البين قلبهُ إلايا؟
بين ليلى يا ذا الملا بين ليلى
بين ليلايا قد أذابَ حشايا
وفنى مهجتي وأتلف جسمي
وبرى أعظمي وهدَّ صبايا
في هواها ضحيت قلبيَ طوعًا
وضحايا القلوب خير الضحايا
ولها قد أهديت روحي ولبي
وهي لي قد أهدت قبول الهدايا
عروةٌ في الوصال وثقى ولكن
فصمتها بالقطع أيدي الرزايا
لي نوايا في الشمل بيضٌ وها قد
كدرتها الدنيا بسود النوايا
حسدتني الأيام فاستبرزت لي
من زوايا الأقدار شر الخبايا
والليالي قامت عليَّ كأني
ملكٌ ظالم وهنَّ الرعايا
أفقرتني الدنيا ومذ رمت منها
صدقاتٍ تصدقت بالأسايا
ونوال العطا إذا كان بالذلِّ
فنعم الآباءُ بئس العطايا!
خاتمة الإقرار
علم الله وهو ربُّ البريهْ
أن نفسي من الصوابِ بريهْ
هفواتي كثيرةٌ ليس تحصى
ومن الفضل ليس لي من مزيهْ
لم أقصِّر عن مطلب العلم لكن
ليس لي قوةٌ ولا قابليهْ
طالما رمت أن أجوِّد نفسي
وبعيدٌ تجويد نفسٍ رديهْ
كل شيءٍ حصلتهُ فيهِ نقصٌ
فأنا ناقصٌ بكلِّ قضيهْ
وارتكبت الأغلاط في كل أمرٍ
يا لضعف الطبيعة البشريهْ!
غلطي فاضحٌ فإن سترتهُ
فئة الفضل قلت: نعم السجيهْ!
وإذا رام كشفهُ ذو كمالٍ
كان شكري لهُ أقل هديهْ
ليس لي حاسدٌ فيهتك صيتي
من ترى يحسدُ النفوس الغبيهْ؟
وأنا حاسدٌ لكل فضيلٍ
حسدًا زانهُ بياض الطويَّهْ
ها أقرت بالعجز نفسي ولكن
قد أبى الله أن تكون دنيهْ
ما أبت أن تقر بالضعف نفسٌ
هي عن غير ما أقرت أبيهْ
تأنفُ الرفد والجوائز مهما
كنَّ فالذلُّ كلهُ في العطيهْ
وتمجُّ التمداح إلا لمن كا
نَ فضيلًا ذا غيرةٍ وطنيهْ
لا ترى أن تطري غنيًّا لنيلٍ
إن نفسي عن الغني غنيَّهْ
أيها الناس، حسبكم أن تطيعوا
ظلمكم ذلكم عليكم بليَّهْ
فاعدلوا تصبحوا لدى الحقِّ أحرا
رًا وبنت العدالة الحريهْ
وإذ نال هذا الديوان حظًّا في أعين بعض الشعراء قرظوهُ بما سيأتي:
هذا كتابٌ جاءَ في عنوانهِ
بكر المعاني من بديع بيانهِ
يا صاح متع ناظريك بطرسهِ
وانظر رعاك الله في إتقانهِ
واشهد لمنشئهِ الأديب بأنهُ
قد لاح بدر العلم في أفنانهِ
بسنائهِ قد راح يرشدنا إلى
روح التمدن في هدى تبيانهِ
إن قال شعرًا لم نرى منهُ سوى
حسن البلاغة من فصيح لسانهِ
ونظيمهُ قد راح يفعل بالنهى
فعل الشمول بمغرمٍ في حانهِ
لله درك يا ابن مراشٍ إذا
شيَّدت بيت الشعر في أركانهِ
منهُ القضايا قد أتت بنتائجٍ
أغنت قياس العلم عن برهانهِ
حسان في عصر القديم وأنت قد
أغنيت هذا العصر عن حسانهِ
لو كنت في نجران قدمًا لم يكن
قس الفصاحة ساد في أقرانهِ
دونت شعرًا ما رأينا مثلهُ
نظمًا ونثرًا من بديع زمانهِ
من حسنهِ أرخت جاد بطبعهِ
مرآة حسنٍ أعلنت عن شأنهِ
[جاد = ٨، بطبعهِ = ٨٨، مرآة = ٦٤١، حسنٍ = ١١٨، أعلنت = ٥٤١، عن = ١٢٠، شأنهِ =
٣٥٦]
أشروق بدر الشرق في اللألاءِ
أم ذا سناءُ الغيد في الشهباءِ؟
أم ظبي أنسٍ زار يومًا صبهُ
أم ذا سعود مطالع الظرفاءِ؟
أم تلك أنوار التي من جيدها
طلع الصباح بغرةٍ بيضاءِ؟
هي بكر فكر الشاعر الشهم الذي
بالفضل أفحم زمرة البلغاءِ
هو بحر علمٍ والمعارف موجهُ
والدر منهُ فرائد الإنشاءِ
هو بدر فضلٍ والمكارم نجمهُ
من يحصِ عد النجم في الأضواءِ
هو ابن مراش الذي ساد الملا
ورقى العلا بمنازل السعداءِ
هل من يرى الشمس المنيرة قائلًا:
ما مثل تلك الليلة الظلماءِ
إلا الذي عميتْ بصيرة قلبهِ
حسدًا يكابد خبطة العشواءِ؟!
شهدت له الأعداءُ بالفضل الذي
بلغ العلا فيهِ على النظراءِ
هو شاعر الدنيا بديع زمانها
إنسان عين خلاصة الفصحاءِ
فلهُ من الشعر الحلال قصائدٌ
كقلائدٍ نظمتْ من الجوزاءِ
ولهُ التصانيف التي طويت لها
كتب الفحول السادة العلماءِ
ولهُ المقاطيع التي من سجعها
سجعتْ لها الورقاءُ بالورقاءِ
ولهُ الروايات التي كانت لنا
أصفى مساغًا من زلال الماءِ
ولهُ من الأمثال والحكم التي
كانت لنا كحدائق الأدباءِ
لا عيب فيهِ غير أن لسانهُ
ينبوع كل بديعةٍ غراءِ
مذ دوَّن الديوان دان لشعرهِ
دانٍ وقاصٍ من أولي الآراءِ
عجبًا فأرْخ كلما سطع البها
هذا جمال المرأة الحسناءِ
[كلما = ٩١، سطع = ١٣٩، البها = ٦٤١، هذا = ٧٠٦، جمال = ٧٤، المرأة = ٦٧٢، الحسناءِ
=
١٥١]
وقال جناب الشيخ «أحمد أفندي محجوب المكانسي»:
أبدر تمٍّ بدا من بعد إخفاءِ؟
أم غصن بانٍ زها في ثوبِ هيفاءِ
أم التآليف تروي عن مؤلفها
بأنهُ في الورى كالنقط للياءِ
ذاك ابن مراش ذو الآداب من شهدت
لهُ تصانيفهُ في حسن إنشاءِ
ديوانهُ لأولي الآداب دوَّنهُ
فلا تكن يا أديبًا عنهُ بالناءِ
سحرًا حلالًا غدا يحلو لسامعهِ
بشرى لقارئهِ والحظ للرائِي
فنزِّهِ الطرفَ في روضاتهِ عجبًا
تغنيك أبكارهُ عن كل عذراءِ
أبياتهُ الراح تشتاقُ النفوس لها
تغني المعاني بها عن كاس صهباءِ
ونورها مذ بدا طبعًا مورخها
يهدي بهِ فزهت مرآة حسناءِ
[يهدي = ٢٩، بهِ = ٧، فزهت = ٤٩٢، مرآة = ٦٤١، حسناءِ = ١١٩]
وقال جناب الخواجا «ميخائيل أنطون صقال»:
[ذا = ٧٠١، أشعر = ٥٧١، الشعراءِ = ٦٠٢]
وقالت أخت المؤلف حضرة الست «مريانا مراش»: