قافية الحا
وقال:
فؤَادي فدى خود شذا طيبها فاحا
وبدرُ مُحيَّاها بأُفقِ الحمى لاحا
نظرتُ إليها فانثنى غصنُ قدِّها
وعاد عليهِ بلبلُ القلب صدَّاحا
ولما رأَتني شاخصًا في جمالها
فأَرْخَتْ نقابًا ظلَّ بالمسك فواحا
فقلتُ: هبيني من جبينكِ نظرةً
فصدَّت وقالت: قطُّ ما شمت أصباحا!
فقلتُ: أريني خدَّكِ الأحمر الذي
سباني قالت: قطُّ لم ترَ تفَّاحا!
فقلتُ: أريني لحظَكِ فهو خمرتي
فقالت: أما تخشى من السكر إفضاحا؟!
فقلتُ: أريني ثغركِ الباسمَ السنا
فقالت: ألم تنظر أقاحًا وأقداحا؟
فقلتُ: وهل لي من رضابكِ رشفةٌ؟
فقالت: أيا هذا ألم تذُقِ الراحا؟!
فقلتُ: أريني جيدَكِ الزاهر الذي
بدا نورُهُ قالت: ألم ترَ مصباحا؟
فقلتُ: أريني الخصرَ منكِ كرامةً
فقالت: وهل عينٌ تشاهدُ أرواحا؟!
وتاهت بقدٍّ قد يقدُّ القنا إذا مشت
واصطباري بعدَ ذلك قد راحا
وقالت: وهل يُروى من الصخر ذو ظما؟
فقلتُ: وكم ماءٍ من الصخر قد ساحا!
وقال من المجون:
جزَّارُنا يذبحُ أغنامهُ
فهل لهُ إذ ذاك من ذابحِ؟
يدعونه زورًا أبا صالحٍ
ونحن ندعوهُ أبا سالحِ
وقال:
بات يرعى الشوقَ والدمعُ يسحُّ
والجوى يزدادُ والصبر يشحُّ
مغرمٌ قد أسكرتهُ عنوةً
أعينُ العينِ فمنها ليس يصحو
حَدَقٌ يطفحُ لي منها الهوى
مثلَ أقداحٍ بها للخمر طفحُ
كم ليالٍ أسهرتْ جفني بها
خطراتُ الشوقِ والوجدُ الملحُّ!
أرقبُ الصبحَ من الشرق وما
لِلَيَالي الوجدِ والأشواقِ صبحُ
فالدُّجى للشرق بابٌ مغلقٌ
دونه أضحى لقرنِ الشمس نطحُ
ظُلُماتٌ أغمرت قاعَ السما
فأرت بحرًا بهِ للنجم سبح
وإذا نجمٌ بدا ألمحهُ
عن نجومٍ ليس لي منهن لمحُ
والرجا يكتب آياتِ اللقا
في فؤادي وصروف الدهرِ تمحو
يا أحبائي خسرنا شملنا
يا زماني هل عقيب الخسرِ ربحُ؟!
ما لعيني في النوى شغلٌ سوى
ذرفِ دمعٍ كلَّما سال يصحُّ
أمسحُ الدمعَ فيرتد إلى
مهجةٍ ليس لما تبكيهِ مسحُ
مهجةٌ هاجمها جيش الأسى
بعدَ أحبابٍ لهم في القلب صرحُ
صارمتني نِعَمُ القرب وقد
صادمتني نقمٌ في البين تلحو
التهديد
صدحت بلابلةُ الأراكِ صباحا
فأهاجتِ البلبالَ والأتراحا
وتنفست ريحُ الصبا فتأَوهت
نفسي وطارحتُ الحمام نواحا
باللهِ يا ذاتَ الخضابِ لمَ البكا؟
مهلًا فأثخنتِ الفؤَاد جراحا
شمتُ الجمالَ فرحتُ مسلوبَ الحشا
وشربتُ كاساتِ الغرام طفاحا
ما زلتُ أكتمُ حرقتي وصبابتي
حتى كسا جسدي الضنا فأباحا
لله ممَّن غادرتني هايمًا
أطوي جبالًا من هوى وبطاحا!
أختالُ بين عواذلٍ وعواذرٍ
لا صادفتْ عينُ العذول نجاحا
وغدوتُ أَرْوَغَ من ثعالة في الهوى
لما أثارَ على الفؤادِ كفاحا
أَوَ كيف لم يفتك بقلبي الحسن إذ
يبدو وقد غدتِ العيونُ صفاحا
إني عهدتك يا فؤادي صابرًا
فلم ألفت بذا الجفا إلحاحا
لا شكَّ كنتَ ضللت في ليل النوى
لو لم يكنْ أملُ اللقا مصباحا
أشقيقةَ القمرين حتامَ الجفا؟
عطفًا على من قد جفا النُّصَّاحا
أترى — فديتكِ — هل إذا عاملتِ مَنْ
يهواكِ بالحسنى ترين جناحا؟
لم أرجُ منكِ سوى التفاتٍ كالظبا
فتلفتي إن كان ذاك مباحا
قلبي بنار جواكِ طال عذابهُ
يا ليتهُ تَرَكَ الهوى وارتاحا
ولكنتُ عاملتُ الهوى بالقتل لو
أُعطيتُ من شرع السلوِّ سلاحا
يا ربَّة الحسن البديع ترفَّقِي
بفتًى لغيرِك لم يكن مرتاحا
روحي فدى تلك المباسم فهي كم
تهدي لنا ماءَ الحياة قراحا!
وبمهجتي تلك الخدودَ فكم زها
برياضها وردُ الجمالِ وفاحا
لو تعلمين حقيقةَ الحبِّ الذي
لكِ في الفؤَادِ لما أردت سراحا
أَوْ لو عرفتِ مَن الذي بكِ مغرمٌ
لظننتِ ذيَّاكَ الغرامَ مزاحا
إني امرءٌ ربحَ المعزةَ بالحجا
وغدا إليكِ بذلةٍ ملتاحا
قلبي لخيمكِ لا لحسنكِ قد صبا
فعلى الدُّمى كم من جمالٍ لاحا
إن تقفلي بالسخطِ أبوابَ الرضا
دوني فصبري قد غدا مفتاحا
هذا إذا لم أسلُ حبَّكِ فاعلمي
أَني فتًى حَسِبَ السلوَّ رباحا
وإذا سلوتُ فلستُ أرجع للهوى
أبدًا ولو كان الرجوعُ فلاحا
ومن المَعيبِ عليَّ إنْ أكُ سرتُ في
أمرٍ وأرجِعُ نادمًا نوَّاحا
والعشقُ يفسدُ بالقلوب فنعمَ من
لا يعشقنَّ كواعبًا وملاحا
كن سالي الحسناءِ يا قلبي عسى
تلقى بذا بعدَ الفسادِ صلاحا
إن الهوى عينُ الهوانِ ففرَّ من
سطواتِه وخُذِ السلوَّ جناحا
يا قاتلَ اللهُ الغرامَ فكم بهِ
ذو العزِّ في وادي المذلة راحا
ولكم جوانحُ قد جنحنَ إلى اللظى
شغفًا وكم من مدمعٍ قد ساحا
نورُ السلوِّ بدا فشمت هُدًى ومن
حيث الشعاعُ أتى نرى الأشباحا
يا ربِّ خذْ بيدي فعفوك دائمٌ
واجعل لنفسي في حماك مراحا