الفصل الحادي عشر
ومرت سنة مات فيها سيف الدولة، فترك موته في كل نفس لوعة، وولي الملك بعده ابنه أبو المعالي سعد الدولة، وكان في الخامسة عشرة من عمره ضعيفًا بأعباء الملك كاهله، فتحكم فيه قرعويه. وكاد يقوم بشئون الملك دونه، وملأ صدره حقدًا على خاله أبي فراس فبرم أبو فراس بدسائس قرعويه، وأحزنه أن يصبح ابن أخته لعبة في أيدي الطامعين في الملك المتوثِّبين عليه. فخرج على سعد الدولة في ربيع الآخر سنة سبع وخمسين وثلاثمائة، وضم إليه بعض الجنود، وسار بهم نحو «حمص» يريد الاستيلاء عليها، وكانت نجلاء وابنته فوز وأمه معه في هذه الغزوة. وما كاد يعلم قرعويه بنيته حتى أغرى سعد الدولة بإرسال جيش عظيم لمحاربته، وحينما التقى الفريقان بالقرب من ضيعة تُسمى «صدد» استهوى قرعويه جنود أبي فراس بالمال، فانصرفوا عنه، ودهمه بجيش كثير العدة والعدد.
وحارب أبو فراس حرب المستميت، ولكن السهام انصبَّت عليه من كل ناحية، وانتاشته السيوف من كل مكان، فسقط عن جواده مثخنًا بالجراح، فتركه أعداؤه، وهو يجود بأنفاس قصار، وانطلقت إليه نجلاء وأمه وابنته حزينات نائحات، وحملت نجلاء رأسه فوضعته فوق ركبتها في رفق وحنان، وأخذت تناديه وتناجيه بعبارات تقطِّع القلب، وتذيب الصخر. وقامت أمه حوله تلطم عينيها حتى أذهبت بصرهما، وطال بكاء فوز وجزعها، وامتدَّ نشيجها، ففتح أبو فراس عينيه وهو يحتضر، والموت يزاحم أنفاسه، ونظر إلى نجلاء، ثم إلى أمه ثم إلى بنته وقال في صوت متقطِّع: