الاختطاف البيولوجي!
لم يكن «رينيه» يعلم حتى الآن ماذا جرى «للبيرق» ولا لخاطفيه، كلُّ ما يعرفه أنهم مرُّوا بسلام من المطار، وأنهم الآن متابَعون سرًّا من عملاء المنظمة … ولم يرضَ «أحمد» عن هذه الأخبار … فهو يريد أن يعرف تفاصيل أكثر … فقد رأى المطار يعجُّ برجال الأمن … ولكنه رأى أحد عملاء المنظمة … وبعض رجال المخابرات الفرنسية، وكان هناك تعاونٌ أمنيٌّ يجري لصالح «البيرق» … غير أنه سَمِع من «رينيه» ما يخالف ذلك … فقد قال له: إن الأوروبيِّين غيرُ راضين عمَّا قام به رئيس المجموعة …
أحمد: تقصد أن ما رأيناه قد لا يكون تعاونًا بينهم؟!
فقال: «رينيه» مصحِّحًا: بل مَن رأيتموهم ليسوا من رجال حكومة «البيرق».
أحمد: تقصد أنهم من أعوان المتمردين؟!
فابتسم «رينيه»، وقال ساخرًا: أو المعارضين لنظام الرئيس الجديد للمجموعة …
أحمد: ولكن لا أظن أن «فرنسا» ستتدخل لتغيير الرئيس أو النظام هناك … فالفرنسيون يحترمون حقَّ أصحاب الأموال في تقرير ما يرونه صائبًا، ويؤمنون بعدم التدخل في الشئون الداخلية للشركات.
رينيه: أنا لم أقصد هذا … ولكن هل تستطيع أن تُخبرني أين «البيرق» الآن؟
وقبل أن يُجيبَه «أحمد» تلقَّى على تليفونه المحمول اتصالًا … أشرق وجهُه معه، وما إن أغلق التليفون حتى التفت إليهم قائلًا: ظهر «البيرق» …
بو عمير: تقصد ظهر الحق …
ابتسم «أحمد» وقال يسأله: «رينيه»، أين هو؟
رينيه: في مطار «أوروبا» بصحبة بعض الرجال من بلده …
أحمد: يجب أن نعطلَهم حتى نعرف وجهتَهم … ونتمكن من الحصول على التأشيرات اللازمة لنلحق بهم.
في هذه اللحظة رنَّ تليفونه المحمول … وكان على الخط معه رقم «صفر» الذي قال له: أين أنتم يا «أحمد»؟
أحمد: نحن في سيارة مسيو «رينيه».
رقم «صفر»: «البيرق» في الطريق إلى «دكار».
أحمد: ولماذا «دكار» يا زعيم؟!
رقم «صفر»: إنها معقل جماعة المتضررين من القرارات الأخيرة للمجموعة.
أحمد: وهل لا يمكنكم القبض عليهم في المطار الآن؟
رقم «صفر»: ليس هناك تهمةٌ واضحة … أما عن اختطاف «البيرق» … فلا يمكننا المساس بهم وهو معهم وإلا تعرَّض للقتل بالأسلحة البيولوجية.
أحمد: وكيف سكتَت مخابرات بلده على عملية اختطافه؟!
رقم «صفر»: ومَن قال لكم إنهم سكتوا … فمطار «شارل ديجول» يعجُّ برجالهم … ولكنهم أيضًا خائفون من الأسلحة البيولوجية.
أحمد: وما خطتنا إذن؟
رقم «صفر»: خطتنا هي مطاردتهم حتى نَصِل إلى الرأس المدبر لكل هذا …
أحمد: وهل عرفتموه؟
رقم «صفر»: نعم … ولكن القضية الآن هي كيفية الوصول له …
أحمد: أي أننا إذا ضربنا الرأس مات الجسد؟
رقم «صفر»: نعم … سنَئِد هذا التمرد في مهده بضرب قيادته.
كان الشياطين يتابعون الحوار الذي يجري بين «أحمد» والزعيم … ويحاولون استخلاص معلومات منه يقفون بها على بعض الأخبار … ولم تتركه «إلهام» يُنهي حواره قبل أن تُشيرَ له إشارةً فَهِم منها ما تريده … فقال لرقم «صفر»: ألن نركبَ معهم طائرتهم إلى «دكار»؟
رقم «صفر»: بالطبع.
أحمد: وكيف سنحصل على التأشيرات؟
رقم «صفر»: سيقوم «رينيه» بهذه المهمة.
أحمد: وهل سنلحق بهم؟
رقم «صفر»: لن تسافر الطائرة إلا وأنتم عليها … فقط أعطني «رينيه».
مدَّ «أحمد» يدَه بالمحمول إلى «رينيه» الذي حيَّا رقم «صفر» … ثم علَّق عينَيه في سقف السيارة لثوانٍ وهو يستمع إليه … ولم ينطق إلا قائلًا: أمرك يا فندم …
ثم أعاد التليفون ﻟ «أحمد» واستدار إلى عجلة القيادة … وانطلق بهم فجأة … وبعد أن خرج من المنظمة قال لهم: أعطوني جوازات سفركم.
مدَّ «أحمد» يدَه إلى زملائه فحصل منهم على جوازات سفرهم ثم ناولها ﻟ «رينيه» وقال له: هل سنذهب إلى سفارة «السنغال»؟
قال «رينيه» في اقتضاب وحسم: لا، بل سأذهب وحدي …
إلهام: هل هذه أوامر؟
رينيه: نعم.
غادر الشياطين سيارة «رينيه»، واستقلوا تاكسيًا إلى مطار «أورلي» … وهناك جلسوا في كافيتريا المطار ينتظرون «رينيه»، وكان «أحمد» يبدو مهمومًا وفي عينَيه أسئلة كثيرة … فقالت له «إلهام»: فيمَ تفكِّر يا «أحمد»؟
نظر لها «أحمد» مليًّا ثم قال: ألم نَصِل اليوم إلى «فرنسا»؟
إلهام: نعم!
أحمد: إذن كيف نسافر في نفس اليوم؟
بو عمير: تقصد أن هذا سيكون ملفتًا للنظر؟
أحمد: نعم!
ريما: وهل تظن أن رقم «صفر» لم يفكر في هذا؟!
نظر لها «أحمد» في حيرة وقال: لا أعرف يا «ريما» … وليتَني أعرف!
كان المطار مزدحمًا … وبه الكثيرُ من الأفارقة ذوي البشرة الداكنة … ودار بخلد «أحمد» أنه من الممكن أن يكون بينهم عملاء لحكومة المعارضة … أليس مقرُّهم في السنغال؟
وفجأة ساد المطارَ الهرجُ … وازدحم بالركاب من كلِّ مكان … غير أن الشياطين رأَوهم يتحركون إلى خارج الفندق لا إلى داخله. فداخلَتهم الدهشة … وازدادَت دهشتُهم حينما رأوا رجالًا من القوات الخاصة يحملون العصِيَّ والدروعَ يدفعون الناس دفعًا إلى خارج المطار!
وعن بُعدٍ … وعلى مهبطِ الطائرات رأوا سيارة جيب تقترب من إحدى الطائرات «الشارتر» ثم تقف بجوار السلم الواقف بجوارها … وينزل منها رجلٌ، وصاحوا جميعًا في دهشة قائلين في صوتٍ منخفض عندما رأوه: إنه «البيرق»!
صَعِد «البيرق» سلَّمَ الطائرة … وأمامه رجلٌ ضخم يُمسك بآلةٍ تُشبه التليفون المحمول، ومن خلفه … أيضًا كان يصعد أربعة رجال يُمسكون بنفس الآلة، فعلَّق «أحمد» قائلًا: هذه الآلات هي منصات إطلاق لإبر ملوثة بفيروسات قاتلة. و«البيرق» الآن في موقف لا يُحسد عليه …
كان «البيرق» يصعد متثاقلًا ويبدو على خطواته الإجهاد الشديد.
وما إن بلغ نهايةَ السلَّمِ ووضع قدمَه بداخل الطائرة … حتى تحرَّك السلَّمُ مبتعدًا … وتصايح الرجال الصاعدون عليه خلف «البيرق» في فزع … فقد أخذَتهم المفاجأة واندفعَت السيارة الحاملة للسلم بقوة أفقدَت هؤلاء الرجال توازنَهم … فسقطوا على الأرض … وعلَا صوتُ ارتطامهم قبل صوت صراخهم … ومن أكثر من اتجاه هرع رجال الأمن يُحيطون بهم …
وفجأة … أغلق باب الطائرة ودارَت المحركات وعلَا هديرُها … ثم ارتفع صوتُ صفيرٍ حادٍّ يصمُّ الآذان … بعده سارَت الطائرةُ وسطَ دهشةِ الجميع … وقبل أن يتمكن أحدٌ من عرقلتها، ارتفعَت مقدمتُها لأعلى في زاوية تعلَّقَت عليها الطائرة وطارَت تحمل «البيرق» والرجل الذي يختطفه … وطاقم الطائرة … ومن وسط ذهولها قالت «إلهام»: إلى أين يا رجل؟!
فأجابها «أحمد» في هدوء قائلًا: إلى «دكار» بالطبع.
اعترض «بو عمير» وقال مستنكرًا: لقد أصبح وحيدًا والقبض عليه في «السنغال» سيكون سهلًا.
أحمد: لا أفهم ما تقصده …
بو عمير: أقصد أن ما قلته سيكون سببًا لتغيير وجهته.
وفجأة علَت صرختان في السماء، فقالت «ريما»: هناك طائرتان ميراج تطاردان الطائرة … فشعر «أحمد» بالجزع، وقام بالاتصال برقم «صفر»، وقال له: هل عرفت ما يدور؟
رقم «صفر»: إنهم يطاردون الطائرة.
أحمد: إن هذا الرجل بحوزته أسلحة خطيرة … وقد يقتل الجميع في لحظة يأس!
رقم «صفر»: إنهم لن يتعرَّضوا له …
أحمد: ولماذا إذن يطاردونه؟!
رقم «صفر» سيُجبرونه فقط على الهبوط في مكان آمن ومعروف.
دارَت الطائرة دورتَين في السماء … ثم عادت وطلبَت الإذن بالهبوط في مطار «أورلي» … فلم يسمح لها المسئولون بذلك، وطلبوا من قائدهم التوجُّهَ إلى مهبط طوارئ يقع بالقرب من الحدود السويسرية … وعندما عرَف المختطف بذلك جنَّ جنونه، وأخذ يصرخ قائلًا: إنهم يفرضون إرادتهم علينا … إنهم لا يعرفون حدودَ قوتي … وسأُريهم ذلك الآن …
رأى «البيرق» نظراتٍ مجنونةً تتقافز من عينَي الرجل … فخاف على مَن بها … وقام بتهدئته قائلًا: لا تُعِرْهم انتباهك وأخبرني أنا بما تريد.
صرخ الرجل في جنون قائلًا: أنا لا يهمُّني مَن بالطائرة … ولا الطائرة … وسأقتل الجميع وأنا معهم.
ومدَّ يدَه فأمسك بكتف «البيرق» وقال له: وستموت أنت أيضًا.
البيرق: وماذا تريد حتى لا يحدثَ كلُّ هذا؟!
الرجل: أن نتوجَّه إلى «السنغال» دون اعتراض هذه الطائرة.
أبلغ «البيرق» قائد الطائرة بهذا … فقام الرجل بالاتصال ببرج مراقبة المطار … وطلب منهم عدمَ اعتراضه والسماح له بالخروج من الأجواء الفرنسية، ولم يكن هذا قرارَ فردٍ حتى يمكنَهم الوصول فيه إلى ردٍّ سريع … وهذا ما قاله له «البيرق» حين رآه في قمة التوتر … غير أنه لم يقتنع وصرخ فيه قائلًا: إن الوقت يمرُّ والوقود ينفد وسنجد أنفسنا في النهاية نلجأ للحلِّ الذي اقترحوه.
البيرق: أي حل؟
الرجل: ألم يقترحوا علينا النزول في مهبط الطوارئ على الحدود السويسرية؟
حاول «البيرق» استدراجَه إلى حلٍّ وسط … فقال له: أنا لا أرى أنها فكرة لا بأس بها …
وفي حنق قال الرجل: كيف؟
البيرق: يمكننا من هناك التحرك بريًّا.
وفي تهكُّم سأله قائلًا: كيف؟ … سيرًا على الأقدام؟!
البيرق: اطلب منهم سيارة مصفحة وبها ما يكفي من الوقود.