اصطياد الفهود!
لم يحتدَّ الموقف بين «أحمد» والقبطان لأكثر من دقيقة … فقد سقطَت أمتعتُهم على سطح المركب … وبمجرد أن رآها القبطان … حتى أشار لبحَّارته … فأحاطوا بها وحملوها إليه … فتدخَّل الشياطين معترضين … فحاول البحارة منْعَهم … فكادوا يشتبكون معهم … فتدخَّل «شهيب» ليُقنعَهم بعدم الاحتكاك بالبحارة … فقال له «أحمد»: هل توافق على سرقة أمتعتنا؟
زمجر القبطان غاضبًا وقال له: إن لم تُحسن كلماتِك فسأُلقي بك في البحر …
فتصدَّى «أحمد» في جرأة قائلًا: وبماذا تسمِّي ما تفعله أنت ورجالك؟!
القبطان: إن لنا عندكم مائتي ألف دولار …
أحمد: وهل تظنُّ أن لدينا في هذه الحقائب مائتي ألف دولار؟!
القبطان: بالطبع لا … ولكني سآخُذ كلَّ ما له قيمة معكم.
أحمد: لن نُعطيَك شيئًا … وبينك وبين هذا الرجل اتفاق يجب أن تحترمَه …
وأشار إلى «شهيب» الذي أعطاهم ظهره … ولم يتدخل فيما يحدث …
فقال القبطان: إن من حقي أن أعرف ماذا أحمل على ظهر سفينتي.
نظر «أحمد» إلى زملائه ثم قال: نعم هذا حقك … فهل معنى هذا أنك ستفتشنا؟
القبطان: ألم تعترف أنه حقي؟!
أحمد: إذا كنت مصرًّا … فدَعْنا نفتح لك الحقائب.
أشار القبطان للبحارة بالابتعاد، وقال: لا مانع عندي …
وقام «أحمد» بفتح حقيبته وأخرج منها ملابسه وأدوات النظافة والاستحمام، فقال القبطان معلقًا: أهذا كل شيء؟!
نظر له «أحمد» وقال: هل كنت تنتظر شيئًا آخر …
القبطان: ألم تأتوا للقبض على زعيم «فهود الصحراء»؟!
أمسك «البيرق» ذراعَ «شهيب» في عنفٍ وقال له: مَن أخبر هذا الرجل بما يقوله؟
سحب «شهيب» ذراعَه من قبضة «البيرق» وذهب إلى القبطان وانتحى به جانبًا وتحدَّث معه كثيرًا … ثم تركه وعاد إلى الشياطين وقال له: القبطان يعتذر لكم.
صرخ القبطان في وحشية قائلًا: أنا لا أعتذر لأحد أيها الأحمق.
شعر «أحمد» أن «شهيب» ضائع بينهم … وأن الصراع الآن بينهم وبين هذا القبطان المغرور … وأن هذا الرجل قبض ثمنهم قبل أن يراهم … وأنه حتى لو كان قد حصل على المقابل الذي اتفقوا عليه … فإنه سيُسلِّمهم إلى «فهود الصحراء».
معنى هذا أن «فهود الصحراء» قريبون منهم جدًّا … وقد يكون مقرُّ قيادتهم على بُعد أميال وأن هذه السفينة ترسو هناك … وتحمل لهم كلَّ سُبُلِ عيشهم، ولكبر حجم السفينة فقد تخيلَت «ريما» أن «فهود الصحراء» لهم على متنها مقرٌّ متحرك لا يمكن لأحد اكتشافه … ولا يمكن لأحد القبض عليهم … وبصعوبة استطاعَت «ريما» الانفراد بأُذُنِ «أحمد» وأسرَّت له بما تشكُّ فيه.
وتغيَّرَت أولوياتُ «أحمد» عندما سَمِع ما تقول «ريما»؛ فقد رأى أنه احتمال معقول والدليل على ذلك ما يفعله هذا القبطان معهم … وفي قرارة نفسه اتخذ قرارًا بالمواجهة … ونظر إلى «بو عمير» مستفهمًا … فأشار له بأنه جاهز للاشتباك وكذلك «إلهام» و«ريما»، وكان لا بد أن يفهم «بو عمير» شيئًا ما … فاقترب من «ريما» وقال لها: هل هناك ما لا أعرفه؟!
فقالت له «ريما»: نحن نشكُّ أن «فهود الصحراء» على ظهر السفينة.
فَهِم «بو عمير» سببَ استعداد «أحمد» للمواجهة … وكان عليه أن يناور ليحصل على أسلحته من حقيبته المغلقة … فقال للقبطان: طبعًا حقيبتي ليس بها ما يريب؟
نظر له القبطان في شكٍّ وقال له: وكيف أعلم …
فلَحِقَه «بو عمير» قائلًا: هل أفتحها لك؟
وفي استخفاف قال له: أرجوك!
فتح «بو عمير» الحقيبة، وأخرج كلَّ ما بها ما عدا شيئًا واحدًا إذا تمَّ تركيبُه مع هذه الأجزاء المفككة والتي ظنَّها القبطان آلاتِ تدليك … لتحوَّلَت إلى سلاح فتاك.
وعندما التفت القبطان إلى «إلهام» كان «بو عمير» قد جمع أجزاء سلاحه … وأصبح جاهزًا للاستعمال … وكذلك «أحمد» الذي رفع بندقيته النصف آلية إلى مستوى وسطه وصرخ في القبطان قائلًا: أيمكنك التنحِّي وترك القيادة لنا؟
لم يَبدُ على القبطان الانزعاج الشديد … وكأنه ينتظر النجدة من مكان قريب جدًّا … وفي استعلاء شديد واستخفاف بمن حوله قال ﻟ «أحمد»: اترك أيها الشاب اللعبة التي في يدك حتى لا تؤذيَ نفسك.
لم تُعجب هذه اللهجة «أحمد» أو المفروض هذا … فأطلق في الهواء رصاصتَين لإخضاع القبطان، غير أنه كان يقصد نتيجةً أخرى تمامًا … لقد كان يقصد إخراجَ الدبابير من أعشاشها.
وصرخ القبطان في «أحمد» قائلًا: سأقتلك نظيرَ ما فعلت!
رفع «بو عمير» سلاحَه إلى مستوى وسطه أيضًا … وأطلق دفعةَ رصاصات إلى الحبل الذي يحمل قاربًا لنجاة غرقه … وسقط قارب النجاة في الماء.
انطلقَت الرصاصات في كل اتجاه من الشياطين الأربعة … وهرول البحارة يجرون في اتجاه واحد … هو اتجاهِ سلَّمِ النزول إلى قاع السفينة.
ولم يتوقف الأمر عند هذا … بل غادروا السفينة وتجمَّعوا كلهم في قارب النجاة الذي كان يسبح بجوارها … فخرج من القمرة المواجِهة لهم أحدُ «فهود الصحراء» ممسكًا ببندقية نصف آلية … ويأمرهم بالعودة إلى السفينة.
ومن السطح العلوي للسفينة انطلقَت رصاصةٌ أسقطَت البندقية من يده، وعندما همَّ بالانحناءة لالتقاطها … عاجلَته رصاصة أخرى … فسقط في الماء.
وفي هذه اللحظة خرج من أكثر من مكان على سطح السفينة جنودٌ يحملون البنادق … فاتخذ الشياطين سواترهم في أماكن مختلفة … وتبادلوا معهم إطلاقَ النار … وفجأة انطلقَت من مكان ما قنبلةٌ شديدة الانفجار قد تسقط أكثر من على سطح السفينة قتلى … إذن فمَن أطلقها يحتمي بقاع السفينة.
وهنا سأل «أحمد» «بو عمير» عن قنبلة الغاز … فقال له: معي أكثر من واحدة …
أحمد: فلنُطلقها كلها في تتابُع سريع.
دحرج «بو عمير» قنبلةً لكل زميل من زملائه، وبإشارة من «أحمد» قاموا برمي القنابل تباعًا، وبعدها دحرجها لزملائه … ثم انتظروا إشارة «أحمد» وبعدها ألقوها كما ألقَوا ما قبلها.
وانطلق دخانٌ كثيف في قاع السفينة وفي القمرات السفلية … أخرج كل من فيها … فمنهم مَن ألقى بنفسه في الماء … ومنهم من صعد إلى سطحها … فتلقَّفَته رصاصات الشياطين.
وكان «أحمد» يقف أمام السور العلوي للسفينة … فلم يشعر إلا بمن جذبه من قدمِه وهوَى به إلى الماء.
معركةٌ حامية دارَت بين أحمد والرجل … انتهَت بضربة قاسية على رأسه أفقدَته الوعي في الماء، وعبثًا حاول «أحمد» الخروج من الماء فلم يستطع.
فقفز «بو عمير» وكانت هذه فرصة للقبطان أن يحاولَ اختطاف «إلهام» و«ريما»؛ فقد أمر البحارة بإدارة المحركات إلى أقصى سرعتها.
وانطلقَت السفينة تشقُّ الماء وتبتعد عن «أحمد» و«بو عمير»، وقد فوجئا بما حدث، فحاولا اللحاق بها سباحة …
وفي هذه الأثناء … خرج القبطان من مكمنه شاهرًا بندقيته من خلف «إلهام» و«ريما»، ولم تشعرَا به إلا وهو يُطلق النار على بنادقهم، فأطاح بهما … وأمرهما أن ترفعَا أيديَهما مستسلمتَين.
فظهر في هذه اللحظة رجلٌ يُشبه «البيرق» … وقد أمسك به … وقال للقبطان … ماذا تفعل على ظهر السفينة؟
نظر له القبطان في احترام وقال يسأله: ماذا حدث يا سيدي؟
فقال الرجل: لقد حاول «البيرق» قتلي … وقبضتُ عليه وكان على وشكِ تنفيذ مهمته القذرة … فوجَّه القبطان ماسورةَ بندقيتِه إليه، وقال: هل أقتلُه يا سيدي؟
في هذه اللحظة رفع شابان رشيقان مفتولَا العضلات بندقيتَهما … وقالَا للقبطان ولزعيم «فهود الصحراء» اللعبة انتهَت … أنتم مقبوض عليكم …
وكان يومًا مشهودًا في هذا البلد الشقيق يوم إعادة «البيرق» ومحاكمة زعيم المتمردين وقبطانه.
وكان يومًا مشهودًا لرقم «صفر» الذي تلقَّى التهاني من كلِّ مكان، فقام بتهنئة الشياطين.