قصيدة علقمة بن عبدة
ذهبت من الهِجران في كل مذهب
ولم يكُ حقًّا كل هذا التجنب
ليالي لا تَبْلى نصيحة بيننا
ليالَي حلوا بالستار فعرب
مبتلَّة كأن أنضاء حَلْيِها
على شادن من صاحة متربب
محالٌ كأجواز الجراد ولؤلؤ
من القَلَعي والكبيس الملوب
إذا ألحم الواشون بالشر بيننا
تبلَّغ راسي الحب غير المكذب
وما أنت أم ما ذكرها ربَعية
تحُل بإير أو بأكناف شربب
أطعت الوشاة والمشاة بصرمها
فقد أنهجت حبالها للتقضب
وقد وعدَتك موعدًا لو وفت به
كموعود عرْقوب أخاه بيثرب
وقالت متى يبخل عليك ويعتلل
تشكَّ وإن يُكشف غرامك تدرب
فقلت لها فيئي فما تستفزني
ذوات العيون والبنان المخضب
ففاءت كما فاءت من الأُدْمِ مغزل
ببيشةَ ترعى في أراك وحلب
فعشنا بها من الشباب ملاوَة
فأنجح آيات الرسول المحبب
فإنك لم تقطع لبانة عاشق
بمثل بكور أو رواحٍ مؤوب
بمجفرة الجنبين حرف شِمِلَّة
كهمِّك مِرْقال على الأين ذِعْلِب
إذا ما ضربتُ الدف أو صُلتُ صَولَة
ترقب مني غير أدنى ترقب
بعين كمرآة الصناع تديرها
لمحجِرِها من النصيف المثقب
كأن بحاذيْها إذا ما تشذرت
عثاكيل قِنْو من سُمَيحةَ مُرْطب
تذب به طورًا وطورًا تُمِرُّه
كذَبِّ البشير بالرداء المهدَّب
وقد أَغتدي والطير في وكناتها
وماء الندى يجري على كل مِذْنَب
بمنجردِ قيد الأوابد لاحَهُ
طِراد الهوادي كل شأوٍ مُغَرِّب
بعَوْجٍ لبانِه يُتَمَّ بَريمُه
على نفْتِ راقٍ خشيةَ العيْن مجلِب
كُمَيْتٍ كلونِ الأرجوان نشرتَه
لبيع الرِّواء في الصِّوان المكعب
مُمَرٍّ كعَقْد الأندريِّ يَزينُه
مع العِتْقِ خلقٌ مُفعم غير جانب
له حُرتانِ تَعرف العِتْقُ فيهما
كسامِعَتيْ مذعورة وسط رَبرَب
وجوْف هواءٌ تحت متن كأنه
من الهضْبةِ الخلْقاء زحلوق ملعب
قطاة ككُردوس المحالة أشرفت
إلى كاهل مثل الغبيط المذأب
وغلبٌ كأعناق الضباع مُضيفُها
سِلامُ الشظى يَغْشى بها كل مركب
وسُمْرٌ يُفَلِّقْنَ الظِّرابِ كأنها
حجارةُ غيلٍ وارسات بطُحْلب
إذا ما اقتنصنا لم نخاتل بُجنَّة
ولكن ننادي من بعيد: ألا اركب
أخا ثقةٍ لا يلعن الحي شخصه
صبورًا على العلات غير مسبب
إذا أنفدوا زادًا فإن عِنانه
وأكرَعه مستعملًا خير مَكسب
رأينا شِياهًا يَرْتعين خَميلة
كمشي العذارى في المُلاء المهدب
فبيْنا تَمارينا وعقد عِذاره
خرجن علينا كالجُمان المثقب
فأتبع أدبار الشِّباه بصادق
حَثيث كغيث الرايح المتحلب
ترى الفأر عن مُسترغِب القدر لائحًا
على جَدد الصحراء من شد مُلهِب
خفا الفأر من أنفاقِه فكأنما
تَجلله شَؤبوب غيث مثقَب
فظل لثيران الصريم غماغمٌ
يُداعِسُهُن بالنَّضيِّ المعلب
فهاوٍ على حُر الجبين ومتَّق
بمدْراته كأنها ذَلْق مِشْعَب