علوم الأدب وكُتبه
كان الأدب — كما أسلفنا — مجموع علوم المؤدِّبين، فلا جرم حَدُّوه كما رأيت فيما نقلناه عن ابن خلدون، وهو حدٌّ يطابق أمرهم كل المطابقة، فلما أرادوا تعيين هذه العلوم، نظروا في غرض الأدب فجعلوا له غرضين: أحدهما يقال له الغرض الأدنى، والثاني الغرض الأعلى، فالأول أن يحصل للمتأدب بالنظر في الأدب والتمهر فيه قوةٌ يقدر بها على النظم والنثر، والغرض الأعلى أن يحصل للمتأدِّب قوةٌ على فهم كتاب الله تعالى وكلام رسوله ﷺ وصحابته، ويعلم كيف تُبنى الألفاظ الواردة في القرآن والحديث بعضها على بعض حتى تُستنبط منها الأحكام وتُفرَّع الفروع وتنتج النتائج وتُقرن القرائن على ما تقتضيه معاني كلام العرب ومجازاتها.
إلا أن الزمخشري المتوفى سنة ٥٣٨ أراد أن يجعل للأدب حدًّا علميًّا من الحدود — الجامعة المانعة — على طريقة المتكلمين، فعرَّف علوم الأدب بأنها علوم يُحترز بها عن الخلل في كلام العرب لفظًا وكتابةً، وجعلها اثني عشر، منها أصول لأنها العمدة في ذلك الاحتراز، وهي: اللغة، والصرف، والاشتقاق، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع «وجعلوه ذيلًا لعلميِّ المعاني والبيان داخلًا تحتهما» والعروض، والقوافي.
ومنها فروع، وهي: الخط — أي الإملاء — وقرض الشعر، والإنشاء والمحاضرات، ومنه التواريخ.
وهذا التقسيم هو المعروف عند العلماء إلى اليوم.
وقال صاحب نفح الطيب: «إن علم الأدب في الأندلس كان مقصورًا على ما يُحفظ من التاريخ والنظم والنثر ومستظرفات الحكايات، قال: وهو أنبل علم عندهم، ومن لا يكون فيه أدب من علمائهم فهو غُفْل مستثقل.».
أما كتب الأدب فهي على الحقيقة كتب العلوم التي مرت، بيد أن أهل اللغة كانوا ينتحلون لفظة الأدب في تسمية كتبهم الخاصة بأوضاع اللغة وشواهدها؛ لأن اللغة أصل المادة، فمن ذلك: ديوان الأدب، وكتاب ديوان العرب وميدان الأدب، وروض الآداب، ومفتاح الأدب، وسر الأدب، ومقدمة الأدب، وعنوان الأدب، وكلها في اللغة ذكَرَ صاحب «كشف الظنون» وغيره، وبعضها موجود، كديوان الأدب للفارابي، ومقدمة الأدب للزمخشري، ومن هذا القبيل «أدب الكاتب» لابن قتيبة ولابن دُريد ولابن النحاس وغيرهم.