القصائد المعَرَّاة
يراد بهذا النوع من المنظوم أن تكون القصيدة بجملتها خالية من أحد حروف الهجاء، فحيث التمسته كنت كطالب ما لا يوجد، أو كملتمس حرف أجنبي في الحروف العربية.
وكان هذا الأمر مقصورًا على المنثور ولا يتعدى مع ذلك ما يُنسب إلى أبي حذيفة، حتى جاء الصاحب بن عباد المتوفى سنة ٣٣٥ فجعله في المنظوم. قال الثعالبي في ترجمة أبي الحسين علي بن الحسين الحسني الهمذاني: وكان الصاحب صاهره بكريمته التي هي واحدته … ولما قال الصاحب قصيدته المُعرَّاة من الألف التي هي أكثر الحروف دخولًا في المنظوم والمنثور، وأولها:
وهي في مدح أهل البيت «لأن الصاحب كان علويًّا» تبلغ سبعين بيتًا — تعجب الناس منها وتداولتها الرواة:
فاستمر الصاحب على تلك المطية، وعمل قصائد كل واحدة خالية من حرف من حروف الهجاء، وبقيت عليه واحدة تكون مُعراة من الواو، فانبرى أبو الحسين لعملها، وقال قصيدة فريدة ليس فيها واو، مدح الصاحب في عرضها، وأولها:
وكلها من هذا النمط يتحامل بعضها على بعض، ولعل قصائد الصاحب لا تعدوه في التقدير؛ لأنه لم يقع لنا منها شيء، حتى إن الثعالبي نفسه لم يذكرها في ترجمته.
ولم نعلم أن أحدًا بعد الصاحب تعاطى هذا الشأو، مع غلبة هذه الصناعات على شعر المتأخرين وتكلفهم لما هو أكثر استغلافًا وأصعب مراسًا من النظم المُعَرَّى، ولعل شيئًا من ذلك اتفق لبعضهم ثم درست به آثاره، أو لعل الاطلاع قصر بنا: ومهما يكن فقد بحثنا في الأصل، وما بقي فهو مما يردُّ إليه، والأمر في ذلك سهل إن شاء الله.