محبوك الطرفين
ويريدون أيضًا بهذا النوع من المنظوم أن تكون كل أبيات القصيدة أو القطعة مبتدأة ومختتمة بحرف واحد من حروف المعجم؛ وأول من جاء بشيء من ذلك أبو بكر محمد بن دريد المتوفى سنة ٣٢١، وقد ذكر المسعودي أنه كان شاعرًا كثير الشعر يذهب في كل مذهب، غير أنه لم يشتهر من شعره إلا مقصورته التي مدح بها ابن ميكال، وهي مشهورة، وقد نظم ابن دريد المذكور قطعًا مربعًا على عدد الحروف لم يلتزم فيها بحرًا واحدًا بل جعل كل قطعة منها مستقلة عن سائرها في الوزن كما هي مستقلة في الروميِّ، وأولها قوله في حرف الألف:
وفيها أبيات جيدة؛ لأن الشعر مع هذا القيد ولا جرم قريبٌ من الانطلاق، إلا حيث تكون الألفاظ المستكرهة في بعض الأحرف المعدودة كالخاء والظاء.
ثم جاء بعد ابن دريد وأبو الحسن علي بن محمد الأندلسي البرزي فانسحب على آثاره ونسج على منواله، ولكنه أبلغ أبيات كلِّ قطعة إلى العشرة، ولذلك تعرف منظومته بالقصائد المعشَّرة.
وتلاهما صفي الدين الحلي الشاعر الشهير المتوفى سنة ٧٥٠ فنظم من هذا النوع تسعًا وعشرين قصيدة على عدد الأحرف الهجائية، والتزم هذا العدد بعينه في نسق كل قصيدة، فجاء من ذلك بالشيء العجيب، ولو كان ابن دريد من المصنِّعين ولم يكن حيث هو من العربية وفنون الأدب لأخمله الصفي.
وقد مدح الحلي بقصائده تلك السلطان الأرتق المنصور نجم الدين أبا الفتح ولذلك تعرف بالأرتقيات ومطلع القصيدة الأولى منها:
ومن هذا النوع أخذ المتأخرون ما يسمونه التطريز، وذلك أنهم إذا أرادوا أن ينظموا في مدح أحمد مثلًا جعلوا أوائل الأبيات على حسب حروف هذا الاسم فيبتدئون بالألف، ثم بالحاء، ثم بالميم، إلخ.
وهو نوع كان يُعرف في القرن الحادي عشر بالمشجر وأورد منه ابن معصوم في السلافة بعض مقاطيع، وربما جاءوا بالتشجير في المصراعين فتكون أوائل الشطور الأولى على حروف الاسم المشجر به، وكذلك أوائل الشطور الثانية، وليس في ذلك كله من البراعة إلا ما اصطلحوا عليه من أنه صناعة.
وللصفي أيضًا أبيات تُقرأ طولًا وعرضًا فلا يغير وضعها، ولم أرَ غيرها لغيره إلا ما سيجيء في القصائد التي تقلب على وجوه كثيرة؛ لأن ذلك يكون من قراءتها طولًا وعرضًا وطردًا وعكسًا، والأبيات هي: