فصل في العبادات ومنفعتها في الدنيا والآخرة١
ثم إن الشخص الذي هو النبي ليس مما يتكرر وجود مثله في كل وقت، فإن المادة التي تقبل
كمال
مثله يقع في قليل من الأمزجة، فيجب لا محالة أن يكون النبي ﷺ٢ قد دبر لبقائه ما يسنه ويشرعه في أمور المصالح الإنسانية تدبيرًا عظيمًا.٣ ولا شك أن القاعدة في ذلك هي٤ استمرار الناس على معرفتهم بالصانع والمعاد، وحسم سبب وقوع النسيان فيه مع
انقراض القرن الذي يلي النبي٥ﷺ. فيجب أن يكون على الناس أفعال وأعمال يُسَنُّ تكرارها عليهم في مدة
متقاربة، حتى يكون الذي «ميقاته مطل»٦ مصاقبًا للمنقضى منه فيعود به التذكر من رأس، وقبل أن ينفسخ «يلحق عاقبه».٧
ويجب أن يكون هذه الأفعال مقرونة بما يذكر [الله٨ والمعاد لا محالة، وإلا فلا فائدة فيها. والتذكير٩ لا يكون] إلا بألفاظ تقال أو نيات تُنْوى في الخيال، وأن يقال لهم إن هذه
الأفعال تقرب١٠ إلى الله تعالى ويُسْتوجب بها١١ الجزاء الكريم، وأن يكون تلك الأفعال بالحقيقة على هذه الصفة، وهذه الأفعال مثل
العبادات المفروضة على الناس. وبالجملة يجب أن يكون منبهات، والمنبهات إما حركات وإما
إعدام
حركات تفضى١٢ إلى حركات. فأما الحركات فمثل الصلاة، وأما إعدام الحركات فمثل الصوم، فإنه وإن
كان معنى عدميًّا فإنه يحرك من الطبيعة تحريكًا شديدًا ينبه صاحبه على أنه١٣ على جملة من الأمر ليس هذَرًا، فيتذكر سبب ما ينويه١٤ من ذلك وأنه التقرب١٥ إلى الله تعالى.١٦
ويجب إن أمكن أن يخلط هذه الأحوال مصالح أخرى في تقوية السنة وبسطها، والمنافع الدنيوية١٧ للناس أيضًا أن يفعل١٨ ذلك،١٩ وذلك مثل الجهاد والحج. على أن يعين مواضع من البلاد بأنها أصلح المواضع لعبادة
الله تعالى، وأنها خاصة لله تعالى.٢٠ ويعين أفعالًا٢١ مما لا بد منها للناس، وأنها٢٢ في ذات الله تعالى،٢٣ مثل القرابين فإنها٢٤ مما يعين في هذا الباب معونة شديدة.
والموضع الذي منفعته في هذا الباب هذه المنفعة، إذا كان فيه مأوى٢٥ الشارع ومسكنه، فإنه يذكره أيضًا، وذكراه في المنفعة المذكورة تالية لذكر الله تعالى٢٦ والملائكة. والمأوى٢٧ الواحد ليس يجوز أن يكون نصب عين الأمة كافة، فبالحري أن يفرض إليه مهاجرة
وسفرة. ويجب أن يكون أشرف هذه٢٨ العبادات من وجه هو ما يفرض متوليه أنه مخاطب٢٩ لله تعالى ومناجٍ٣٠ إياه وصائر٣١ إليه وما [ثل٣٢ بين يديه، وهذا٣٣ هو الصلاة. فيجب أن يُسنَّ للمصلي من الأحوال] التي يستعد بها للصلاة ما جرت [العادة٣٤ بمؤاخذة٣٥ الإنسان نفسه به عند لقاء الملك الإنساني] من الطهارة والتنظيف، [وأن٣٦ يسن في الطهارة والتنظيف سننًا بالغة، وأن يسن عليه فيها ما جرت العادة]
بمؤاخذته نفسه به عند «لقاء الملوك»،٣٧ من الخشوع والسكون وغض البصر وقبض الأطراف وترك الالتفات والاضطراب. وكذا يسن٣٨ له في كل وقت من أوقات العبادة «آدابًا ورسومًا»٣٩ محمودة. فهذه الأحوال٤٠ ينتفع بها العامة من رسوخ ذكر الله تعالى٤١ والمعاد في أنفسهم، فيدوم لهم التثبت بالسن والشرائع بسبب ذلك. وإن لم يكن لهم٤٢ مثل هذه المذكرات، تناسوا جميع ذلك مع انقراض قرن أو قرنين.٤٣ وينفعهم أيضًا في المعاد منفعة عظيمة، فيما تنزه٤٤ به أنفسهم، على ما عرفته. وأما الخاصة فأكثر منفعة هذه الأشياء إياهم في
المعاد.
فقد قررنا حال المعاد الحقيقي، وأثبتنا أن السعادة في الآخرة مكتسبة بتنزيه النفس،
وتنزيه
النفس بتعبدها عن اكتساب الهيئات البدنية المضادة لأسباب السعادة. وهذا٤٥ التنزيه يحصل بأخلاق وملكات، تكتسب بأفعال من شأنها أن تصرف النفس عن البدن
والحس، وتديم تذكيرها للمعدن٤٦ الذي لها، فإذا كانت كثيرة الرجوع إلى ذاتها، لم تنفصل من الأحوال البدنية.
ومما يذكرها ذلك ويعينها عليه أفعال متعبة خارجة٤٧ عن عادة الفطرة، بل هي إلى التكلف، فإنها تتعب البدن والقوى الحيوانية وتهدم٤٨ إرادتها، من الاستراحة والكسل٤٩ ورفض العناء وإخماد الحرارة الغريزية واجتناب الارتياض إلا في اكتساب أغراض
اللذات البهيمية. ويفرض٥٠ على النفس عند٥١ المحاولة لتلك الحركات ذكر٥٢ الله تعالى٥٣ والملائكة وعالم السعادة شاءت أم٥٤ أبت، «فيتقرر لذلك»٥٥ فيها هيئة الانزعاج عن هذا البدن وتأثيراته وملكة التسلط على البدن فلا ينفعل
عنه.
فإذا جرت عليها أفعال بدنية لم تؤثر فيها هيئة وملكة تأثيرها «لو كانت مخلدة»٥٦ إليها منقادة٥٧ لها من كل وجه؛ ولذلك٥٨ قال٥٩ القائل الحق: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ. فإن دام هذا الفعل من الإنسان،
استفاد ملكة التفات إلى جهة الحق وإعراض عن الباطل، وصار٦٠ شديد الاستعداد للتخلص إلى السعادة بعد المفارقة البدنية. وهذه الأفعال لو
فعلها فاعل ولم يعتقد أنها فريضة من عند الله، وكان مع اعتقاده ذلك يلزمه٦١ في كل فعل أن يتذكر الله ويعرض عن غيره؛ لكان جديرًا بأن يفوز من هذا الزكاء بحظ،٦٢ فكيف إذا استعملها من يعلم أن النبي من عند الله تعالى،٦٣ وبإرسال الله تعالى،٦٤ وواجب في الحكمة الإلهية إرساله، وأن جميع ما يسنه فإنما هو٦٥ مما وجب من عند الله أن يسنه،٦٦ وأن جميع ما يسنه من عند الله تعالى٦٧ فالنبي فُرض عليه٦٨ من عند الله أن يفرض عبادته؟ ويكون الفائدة في العبادات للعابدين فيما يبقى به
فيهم السنة والشريعة التي هي أسباب وجودهم، وفيما يقربهم عند المعاد من الله زلفى
بزكائهم.
«ثم٦٩ هذا الإنسان هو المليُّ بتدبير أحوال الناس على ما ينتظم به أسباب معايشهم
ومصالح معادهم، وهو إنسان متميز عن سائر الناس بتألهه.»
١
ت: نقص كل العنوان.
٢
ب، ت: نقص.
٣
مك، صك، ب: نقص.
٤
ب، ت: هو.
٥
طه: نقص كلمة النبي.
٦
ت: كلمة غير واضحة.
٧
غير واضح في ت.
٨
ما بين العلامتين ساقط في طه. وثابت في مك، صك، ب.
٩
ب: والتذكر.
١٠
طه: يقرب بالياء.
١١
ب: به
١٢
مك: يفضى بالياء.
١٣
طه: صاحبه أنه. والمثبت عن مك.
١٤
طه: ما ينوبه. والمثبت عن مك، صك.
١٥
طه: فإنه التقرب، صك، ت: وإنه القربة. والمثبت عن ب.
١٦
ب، ت: نقص.
١٧
طه: الدنياوية. والمثبت عن ت.
١٨
طه: يفعله. والمثبت عن صك.
١٩
مك، ب: نقص.
٢٠
ب، ت: نقص.
٢١
طه: وتعين أفعال، صك: وتعيين أفعال. والمثبت عن مك.
٢٢
ب: انها، بلا واو.
٢٣
ب: نقص.
٢٤
ت: نقص.
٢٥
مك: ماولى. والمثبت عن ب، طه.
٢٦
ب، ت: نقص.
٢٧
مك: نقص.
٢٨
ب: نقص.
٢٩
ت: مخاطبًا … ومناجيًا … وصائرًا.
٣٠
ت: مخاطبًا … ومناجيًا … وصائرًا.
٣١
ت: مخاطبًا … ومناجيًا … وصائرًا.
٣٢
ما بين [ ] غير واضح في ت.
٣٣
صك: وهذه.
٣٤
ما بين [ ] غير واضح في ت.
٣٥
طه: بمؤاخذات. والمثبت عن ب.
٣٦
ما بين العلامتين بياض في ت.
٣٧
ت: لقائه.
٣٨
ت: قوله.
٣٩
ت: فيمن له آداب ورسوم.
٤٠
ب، ت: في.
٤١
ب، ت: نقص.
٤٢
طه: نقص لهم. والمثبت عن مك، صك، ب، ت.
٤٣
ت: عبارتها: قرن قرنين، بدون «أو».
٤٤
مك، صك: ينزه، بالياء.
٤٥
طه: وهذه. والمثبت عن ب، ت.
٤٦
ت: المعدن.
٤٧
ب، ت: متعبة خارجة.
٤٨
طه: ويهدم، ب: وتهزم، وفي هامش صك: وتنهزم. والمثبت عن مك، صك أصل، ت.
٤٩
عبارة ت: والكسل وترك الحركات المتعبة إلا في اكتساب … إلخ.
٥٠
مك، صك: ويعرض، ت: ويعرض للنفس.
٥١
طه: نقص عند. والمثبت عن مك.
٥٢
مك: وذكر.
٥٣
ب، ت: نقص.
٥٤
ت: أو.
٥٥
طه: فيقدر. والمثبت عن ت.
٥٦
ت: كان مخلدًا.
٥٧
ت: منقادًا.
٥٨
ب: لذلك.
٥٩
صك، ب، ت: ما قال.
٦٠
ت: وكان.
٦١
طه وسائر النسخ: يلزم. والتصحيح عن ت.
٦٢
بياض في ت.
٦٣
بياض في ت.
٦٤
ب: نقص.
٦٥
بياض في ت.
٦٦
صك، ب: نقص.
٦٧
ب، ت: نقص.
٦٨
ت: بياض.
٦٩
ت: نقص إلى آخر ما بين الأقواس.