فصل في عقد المدينة وعقد البيت وهو النكاح والسنن الكونية في ذلك
ويجب١ أن يكون القصد٢ الأول للسان في وضع السنن وترتيب المدينة على أجزاء ثلاثة: المدبرون، والصناع،
والحفظة، وأن يرتب في كل جنس منهم رئيسًا مرتب٣ تحته رؤساء٤ «يلونه،٥ يترتب تحتهم رؤساء» يلونهم، إلى أن ينتهي إلى أفناء الناس، فلا يكون في المدينة
إنسان معطل ليس له مقام محدود، بل يكون لكل واحد منهم منفعة في المدينة، وأن يحرم البطالة
والتعطل، وألا يجعل لأحد سبيلًا إلى أن يكون له من غيره الحظ الذي لا بد منه للإنسان،
وتكون
جنبته معفاة٦ ليس يلزمها كلفة، فإن هؤلاء يجب أن يردعهم كل الردع، فإن لم يرتدعوا نفاهم٧ من الأرض. وإن كان٨ السبب في ذلك مرضًا٩ أو آفة، أفرد لهم موضعًا يكون فيه أمثالهم١٠ ويكون عليهم قَيِّم.
ويجب أن يكون في المدينة وجه مال مشترك، بعضه من حقوق يُفرَض على الأرباح المكتسبة
والطبيعية١١ كالثمرات والنتاج، وبعضه يُفرَض عقوبة، وبعضه١٢ يكون من أموال المنابذين للسُّنة وهو١٣ الغنايم، ويكون ذلك عدة لمصالح مشتركة وإزاحةً لعلة الحفظة الذين لا يشتغلون
بصناعة، ونفقةً على الذين حيل بينهم وبين الكسب بأمراض وزمانات، ومن الناس من رأى قتل
الميئوس من صلاحه١٤ منهم، وذلك قبيح، فإن قوتهم١٥ لا يجحف بالمدينة. فإن١٦ كان لأمثال هؤلاء من قرابته من يرجع إلى فضل استظهار من قوته،١٧ فُرض عليه كفايته.
والغرامات كلها١٨ لا يسن على صاحب جناية ما،١٩ بل يجب أن يسن بعضها على أوليائه وذويه الذين٢٠ لا يزجرونه ولا يحرسونه، ويكون ما يسن من ذلك عليهم مخففًا فيه بالمهلة للمطالبة،٢١ ويكون ذلك في جنايات تقع خطأ ولا يجوز إهمال أمرها مع وقوعها خطأً.٢٢
وكما أنه يجب أن يحرم البطالة كذلك يجب أن يحرم الصناعات التي يقع فيها انتقالات
الأملاك
أو المنافع من غير مصالح يكون بإزائها، وذلك مثل القمار، فإن القامر يأخذ من غير أن يعطي
منفعة البتة، بل يجب أن يكون الأخذ أخذًا من صناعة يعطى بها «فائدة٢٣ يكون عوضًا، إما عوض٢٤ هو جوهر، أو عوض هو» منفعة، أو عوض هو ذكر جميل، «أو٢٥ غير ذلك مما هي٢٦ معدودة في الخيرات البشرية». وكذلك «يجب أن»٢٧ يحرم الصناعات التي [تدعو٢٨ إلى أضداد المصالح أو المنافع، مثل تعلم السرقة] واللصوصية والقيادة وغير
ذلك.
ويحرم أيضًا الحرف التي تغني٢٩ الناس عن تعلم الصناعات الداخلة في الشركة مثل المراباة، فإنها طلب زيادة كسب
من غير حرفة تحصله وإن كان بإزاء منفعة. ويحرم أيضًا الأفعال التي إن وقع٣٠ فيها ترخيص أدى ضد ما٣١ عليه بناء أمر المدينة مثل الزنا واللواط،٣٢ التي٣٣ تدعو إلى الاستغناء عن أفضل أركان المدينة وهو التزوج.
ثم أول ما يجب أن يشرع فيه هو أمر التزاوج المؤدي إلى التناسل، وأن يدعو إليه ويحرص
عليه،
فإن به بقاء الأنواع التي بقاؤها دليل وجود الله تعالى.٣٤ وأن يدبر في أن يقع ذلك وقوعًا ظاهرًا لئلا يقع ريبة في النسب، فيقع بسبب ذلك
خلل في انتقال المواريث التي هي أصول الأموال؛ لأن المال لا بد منه في المعيشة. والمال
منه
أصل ومنه فرع، والأصل موروث أو ملقوط أو موهوب، وأصح الأصول من هذه الثلاثة الموروث؛
فإنه
ليس عن بخت واتفاق بل عن مذهب كالطبيعي. وقد يقع في ذلك — أعني خفاء المناكحات — أيضًا
خلل
في وجوه أخرى، مثل وجه وجوب نفقة بعض على بعض، ومعاونة٣٥ بعض لبعض، وغير ذلك مما إذا تأمله العاقل عرفه. ويجب أن يؤكد الأمر أيضًا في
ثبوت هذه الوصلة، حتى لا يقع مع كل نَزَق فُرقة فيؤدي ذلك إلى تشتت الشمل الجامع للأولاد
ووالديهم، وإلى تجدد احتياج كل إنسان إلى المزاوجة، وفي ذلك أنواع من الضرر كثيرة.
ولأن «أكثر أسباب»٣٦ المصلحة المحبة، والمحبة لا تنعقد إلا بالألفة، والألفة لا تحصل إلا بالعادة،
والعادة لا تحصل إلا بطول المخالطة، وهذا التأكيد٣٧ يحصل من جهة المرأة بألا يكون في يديها إيقاع هذه الفرقة، فإنها بالحقيقة واهية
العقل مبادرة إلى طاعة الهوى والغضب. ويجب٣٨ أن يكون إلى الفرقة سبيل ما، وألا يسد٣٩ ذلك من كل وجه؛ لأن حسم أسباب التوصل٤٠ إلى الفرقة بالكلية يقتضي وجوهًا٤١ من الضرر والخلل، منها أن من الطبائع ما لا يألف٤٢ بعض الطبائع، فكلما اجتهد في الجمع بينهما زاد الشر والنُّبُوُّ٤٣ وتنغصت المعايش. ومنها أن من الناس من يُمْنَى بزوج غير كفء ولا حسن المذاهب في
العشرة، أو بغيض تعافه الطبيعة، «فيصير٤٤ ذلك داعية إلى الرغبة في غيره»، إذ الشهوة طبيعية، وربما أدى «ذلك٤٥ إلى وجوه من الفساد، وربما كان» المتزاوجان لا يتعاونان على النسل، فإذا «بُدِّلا٤٦ بزوجين آخرين تعاونا، فيجب أيضًا أن يكون إلى المفارقة» سبيل، ولكنه٤٧ يجب أن يكون مشددًا فيه.٤٨
فأما٤٩ أنقص الشخصين عقلًا وأكثرهما اختلافًا واختلاطًا وتلونًا، فلا يُجعل في يديه من
ذلك شيء، بل يجعله إلى الحكام، حتى إذا عرفوا سوء صحبة يلحقها٥٠ من الزوج الآخر فرقوا. وأما من جهة الرجل، فإنه يلزمه في ذلك غرامة، لا يقدم
عليه إلا بعد التثبت، وبعد استطابة٥١ ذلك لنفسه من كل وجه. ومع ذلك فالأحسن أن يُترك للصلح وجه آخر٥٢ من غير أن يمعن في توجيهه، فيصير سببًا إلى طاعة الطيش، بل يغلظ الأمر في
المعاودة أشد من التغليظ في الابتداء، فنِعم ما أمر به أفضل الشارعين أنها لا تحل له
بعد
الثالثة إلا بعد أن يوطن نفسه على تجرع مضض لا مضض فوقه، وهو تمكين رجل آخر من حليلته٥٣ بأن٥٤ يتزوجها بنكاح صحيح ويطأها بوطء صريح! فإنه إذا كان بين عينيه مثل هذا الخطب،
لم يقدم على الفرقة بالجزاف٥٥ إلا أن يصمم على الفرقة التامة، أو يكون هناك ركاكة فلا يرى بأسًا بفضيحة
تصحبها لذة، وأمثال هؤلاء خارجون عن استحقاق طلب المصلحة لهم.
ولما كان من حق المرأة أن تُصان لأنها مشتركة في شهوتها وداعية جدًّا إلى نفسها،
وهي مع
ذلك أشد انخداعًا وأقل للعقل طاعة، والاشتراك فيها يوقع أَنَفة وعارًا عظيمًا وهي من
المضار
المشهورة، والاشتراك في الرجل لا يوقع عارًا بل حسدًا، والحسد غير مُلْتَفَت إليه فإنه
طاعة
للشيطان؛ فبالحري أن يُسَنَّ عليها في بابها التستر٥٦ والتخدر. فلذلك ينبغي٥٧ ألا تكون المرأة من أهل الكسب كالرجل،٥٨ فلذلك يجب أن يسن لها أن تُكفى من جهة الرجل فيلزم الرجل نفقتها. لكن الرجل يجب
أن يعوض من ذلك عوضًا، وهو أن يملكها وهي لا تملكه، فلا يكون لها أن تنكح غيره، وأما
الرجل
فلا يُحجر عليه في هذا الباب، وإن حرم عليه تجاوز٥٩ عدد لا يفي بإرضاء ما وراءه ويعوله،٦٠ فيكون البضع المملوك من المرأة بإزاء ذلك. ولست أعني بالبضع المملوك الجماع،
فإن الانتفاع بالجماع مشترك بينهما وحظها أكثر من حظه، والاغتباط والاستمتاع بالولد كذلك،
بل ألا يكون إلى استعماله٦١ لغيره سبيل. ويُسَنُّ في الولد أن يتولاه كل واحد من الوالدين٦٢ بالتربية، أما٦٣ الوالدة فيما يخصها، وأما الوالد فبالنفقة. وكذلك الولد أيضًا يُسنُّ عليه
خدمتهما وطاعتهما وإكبارهما وإجلالهما، فهما سبب وجوده ومع ذلك فهما قد احتملا مؤنته٦٤ التي لا حاجة إلى شرحها لظهورها.
١
طه: فيجب.
٢
ت: قصده الأول.
٣
مك، صك، ت: يترتب.
٤
ت: رءوسا.
٥
ما بين هاتين العلامتين ناقص في مك.
٦
طه: ويكون جنبته معافاة، مك: ويكون جنبته معفاة، وفي الهامش: معافاة.
٧
طه: أتفاهم.
٨
طه: فان.
٩
ت: مرض.
١٠
طه: في أمثالهم.
١١
ت: المكتسبة الطبيعية.
١٢
ب: ويكون.
١٣
ت: وهي.
١٤
صك: إصلاحه.
١٥
ت: كونهم، ب: موتهم.
١٦
ب: وإن.
١٧
مك، صك، ب: عن.
١٨
مك، ب، ت عبارتها: لا يسن كلها.
١٩
ب، ت نقص فقط: ما.
٢٠
كل النسخ ما عدا ب: والذين.
٢١
ت: والمطالبة.
٢٢
صك: فلا.
٢٣
ما بين العلامتين بياض في ت.
٢٤
هكذا في: مك، صك، ب.
٢٥
ما بين العلامتين بياض في ت.
٢٦
صك: هو.
٢٧
ت: نقص.
٢٨
ما بين العلامتين بياض في ت.
٢٩
طه: يقع.
٣٠
ب: أوقع.
٣١
طه: ضدها عليه.
٣٢
طه: واللواطة.
٣٣
طه: الذي يدعو.
٣٤
ب، ت: نقص.
٣٥
ب: ومعاملة.
٣٦
ن: لأن أسباب.
٣٧
ت: التوكيد.
٣٨
هنا في ت زيادة ونقص، وعبارتها: وإذا كان الأمر كما قلنا، فلا بد من تسديد في أمر
الفرقة مع (كلمة غير واضحة) لها وبطريق (كلمة غير واضحة) إليها. وحسم أسباب التوصل
إلى الفرقة بكلية يقتضي وجوهًا … إلخ.
٣٩
صك: لا يسد.
٤٠
طه: التواصل.
٤١
طه: وجودها.
٤٢
ب، صك: يوالف.
٤٣
ت: والشوق.
٤٤
ت: بياض.
٤٥
ت: بياض.
٤٦
ت: بياض.
٤٧
صك: ولكن.
٤٨
عبارة ت: لكنه مشدد فيه.
٤٩
من هنا «فأما أنقص» إلى كلمة «الراحة» ص٢٣، س٢: نقص في ت.
٥٠
طه: تلحقها بالتاء.
٥١
ب: واستطابة.
٥٢
مك، صك، ب: نقص.
٥٣
طه: حليلته بنقص «من».
٥٤
طه: أن.
٥٥
ب: بانحراف.
٥٦
طه: يسن به فهي بابها.
٥٧
طه: لا ينبغي.
٥٨
طه: كون الرجل.
٥٩
مك: مجاز.
٦٠
مك: ونقوله، صك، ب، ط: يعوله.
٦١
صك: ط: استعمالها.
٦٢
طه: الأبوين.
٦٣
ط: وأما.
٦٤
طه: فهما فقد احتملا، صك، ط: فقدا مثلًا. وما أثبتناه عن مك.