سعيد زغلول بك١
آل «زغلولَ» حسْبُكم من عزاءٍ
سُنَّةُ الموتِ في النبيِّ وآلِهْ
في خِلالِ الخطوبِ ما راعَ إلا
أنها دونَ صبرِكم وجَمالِهْ
حمَلَ الرُّزْءَ عنكمُ في «سعيدٍ»
بلدٌ شيخُكم أبو أحماله٢
قد دهاهُ من فقدِه ما دهاكم
وبكى ما بكَيتُمُ من خِلاله
فكما كان ذُخْرَكم ومُناكم
كان من ذُخرِه ومن آماله
ليتَ من فكَّ أسْرَكم لم يكِلْهُ
للمنايا تمدُّه في اعتقاله
حجبَت من ربيعِه ما رجَوتم
وطوَت رحلةَ العُلا من هلاله
آنسَت صحةً فمرَّت عليها
وتخطَّت شبابَه لم تُبالِه
إنما من كِتابِه يُتوفَّى الـ
ـمَرءُ لا من شبابِه واكتهاله
لستَ تدري الحِمامُ بالغاب هل حا
مَ على اللَّيثِ أم على أشباله
يا «سعيدُ» اتَّئِدْ ورِفقًا بشيخٍ
والِهٍ من لواعجِ الثُّكلِ واله٣
ما كفاه نوائبُ الحقِّ حتى
زِدتَ في همِّه وفي أشغاله
فجأ الدهرُ فاقتضبتُ القوافي
من فُجاءاتِه وخطفِ ارتجاله
قُم فشاهِدْ لو استطعتَ قيامًا
حسرةَ الشِّعرِ والْتِياعَ خياله
كان لي منك في المجامع راوٍ
عجَزَ «ابنُ الحُسينِ» عن أمثاله٤
فطِنٌ للصِّحاحِ من لُؤلؤِ القو
لِ وأدْرَى بهنَّ من لأْآلِهْ٥
لم يكُن في غُلوِّه ضيِّقَ الصَّد
رِ ولا كان عاجزًا في اعتداله
لا يُعادى ويُتَّقى أن يُعادي
ويُخلِّي سبيلَ من لم يُواله
فامضِ في ذمةِ الشبابِ نقيًّا
طاهرًا ما ثنَيتِ من أذياله
إنَّ للعصرِ والحياةِ لَلُؤمًا
لستَ من أهلِه ولا من مَجاله
صانَكَ اللهُ من فسادِ زمانٍ
دنَّسَ اللؤمُ من ثيابِ رِجاله
سيقولون ما رثاه على الفضـ
ـلِ ولكن رثاه زُلْفى لخاله
أيُّهم من أتى برأسِ كُلَيبٍ
أو شفى القُطْرَ من عياءِ احتلاله
ليس بيني وبين خالِكَ إلا
أنني ما حيِيتُ في إجلاله
أتمنَّى لمصرَ أن يجريَ الخيـ
ـرُ لها من يَمينِه وشِماله
لستُ أرجوه كالرجالِ لصَيدٍ
من حَرامِ انتخابِهم أو حَلاله
كيف أرجو «أبا سعيدٍ» لشيء
كان يُقضى بكُفرِه وضلاله
هو أهلٌ لأن يرُدَّ لقومي
أمْرَهم في حقيقةِ استقلاله
وأنا المرءُ لم أرَ الحق إلا
كنتُ من حزبِه ومن عُمَّاله
رُبَّ حرٍّ صنعتُ فيه ثناءً
عجزَ الناحتون عن تمثاله٦
١
تفتَّح شباب سعيد بك زغلول عن رجولة ممتازة، وبشَّر طالعه عن طالع عظيم،
ولكنه لم يكد يؤتي ثمره حتى اقتطفه الموت، فقضى سنة ١٩٢٢م وكان خاله سعد باشا
زغلول متبنيًا له.
٢
شيخكم أبو أحماله: هو الزعيم سعد باشا. والبلد: مصر.
٣
الواله: الذي ذهب عقل أو كاد من شدة الوجد.
٤
ابن الحسين: الشاعر المتنبي. وراوي الشعر وراويته: الذي يروي
الشعر ويحفظه.
٥
اللأْآل: صانع اللؤلؤ وبائعه.
٦
يقول: إنني كثيرًا ما أصنع للأحرار قصائد ثناء، فتقوم في تصويرهم
وتخليد أشكالهم ومزاياهم مقام التماثيل التي تُعجِز المثَّالين
الناحتين أن يصنعوا مثالها.