المطرية تتكلَّم١
يا ناشرَ العلم بهذي البلادْ
وُفِّقتَ نشرُ العِلم مثلُ الجهادْ
بانِيَ صرحِ المَجدِ أنتَ الذي
تبني بيوتَ العِلم في كلِّ نادْ
بالعلم ساد الناسُ في عصرهم
واخترقوا السبعَ الطِّباقَ الشِّدادْ٢
أيَطلبُ المَجدَ ويَبغي العُلا
قومٌ لسُوقِ العِلمِ فيهم كسادْ
نَقَّادُ أعمالِك مُغلٍ لها
إذا غلا الدُّرُّ غلا الِانتقادْ٣
ما أصعبَ الفعلَ لمَن رامَهُ
وأسهَلَ القولَ على مَن أرادْ
سمعًا لشكوايَ فإن لم تجد
منك قبولًا فالشكاوى تُعادْ٤
عدلًا على ما كان من فضلكم
فالفضلُ إن وُزِّع بالعدلِ زادْ٥
أسمعُ أحيانًا وحينًا أرى
مدرسةً في كلِّ حيٍّ تُشادْ
قدَّمتَ قبْلِي مُدُنًا أو قُرًى
كنتُ أنا السيفَ وكُنَّ النِّجادْ٦
أنا التي كنتُ سريرًا لمَن
ساد «كإدوَردَ» زمانًا وشادْ٧
قد وحَّد الخالقَ في هيكلٍ
مِن قبلِ سقراطَ ومِن قبلِ عادْ٨
وهذَّب الهندُ دياناتِهم
بكلِّ خافٍ من رموزي وبادْ٩
ومن تلاميذيَ موسى الذي
أُوحِيَ مِن بعدُ إليه فهادْ١٠
وأُرضِعَ الحكمةَ عيسى الهُدى
أيامَ تُربِي مَهدُه والوسادْ١١
مدرستي كانت حياضَ النُّهى
قرارةَ العرفان دارَ الرشادْ١٢
مشايخُ اليونان يأتُونها
يُلقُون في العلم إليها القِيادْ
كنَّا نُسمِّيهم بصِبيانِهِ
وصِبيتي بالشَّيبِ أهلُ السدادْ١٣
ذلك أمسِي ما به ريبةٌ
ويوميَ «القبةُ» ذاتُ العِمادْ١٤
أصبحتُ كالفردوسِ في ظلِّها
من مِصرَ للخنكا لِظِلِّي امتدادْ
لولا جُلَى زيتونيَ النَّضْرِ ما
أقسَمَ بالزيتونِ ربُّ العبادْ١٥
الواحةُ الزَّهراء ذاتُ الغِنى
تُربِي التي ما مِثلها في البلادْ١٦
تُريكَ بالصبح وجُنحِ الدُّجى
بُدورَ حُسن وشموسَ اتقادْ
•••
بَنِيَّ يا سعدُ كزُغبِ القَطا
لا نقَّص اللهُ لهم من عِدادْ١٧
إنْ فاتَكَ النسلُ فأكرِمْ بهم
ورُبَّ نَسلٍ بالندى يُستفادْ
أخشى عليهم من أذًى رائحٍ
يجمعهم في الفجر والعصر غادْ١٨
صفيرُهُ يَسلُبني راحتي
ويمنعُ الجَفنَ لذيذَ الرقادْ١٩
يعقوبُ من ذئبٍ بكى مُشفِقًا
فكيفَ أنيابُ الحديدِ الحِدادْ٢٠
فانظُرْ رعاك الله في حاجِهم
فنظرةٌ منكَ تُنيلُ المرادْ٢١
قد بسطُوا الكفَّ على أنهم
في كرمِ الراحِ كصَوبِ العِهادْ٢٢
إنْ طُلبَ «القسط» فما منهمُ
إلا جوادٌ عن أبيه الجوادْ
١
أحسَّ صاحب الديوان أيام كان يسكن «المطرية» بحاجة هذا البلد إلى مدرسةٍ
تُهذِّب أبناءه، فناشد وزير المعارف يومئذٍ «سعد زغلول باشا» على لسان المطرية
أن يقوم بإنشاء هذا الأثر الجليل.
٢
ساد الناس: مجدوا وجلُّوا. والسبع الطِّباق: السموات السبع، وهي
طباق أي مطابقة بعضها بعضًا.
٣
النَقَّاد: مبالغة من النقد، وهي في الكلام إظهارُ ما به من
العيوب، وفي غير الكلام النظرُ إلى الشيء لمعرفة جيده من رديئه.
ومغلٍ لها: من أغلى الشيء؛ أي جعله غاليًا.
٤
سمعًا لشكواي: أي اسمعها سمعًا.
٥
عدلًا: أي أطلب عدلًا زائدًا على ما حصل من فضلكم.
٦
النِّجاد: حمائل السيف.
٧
السرير: تخت الملك. وساد: صار سيِّد قومه متسلِّطًا عليهم.
وإدوارد: ملك الإنجليز قبل الملك جورج القائم حينذاك. وشاد: رفع
البناء.
٨
الهيكل: بيت الأصنام. وسقراط: حكيم من حكماء اليونان. وعاد: اسم
رجل من العرب الأولى سُمِّيت به قومه، وهم الذين أُرسلَ إليهم هود
نبي الله.
٩
هذَّب الشيء: خلَّصه مما يشينه، وطهَّره من العيوب. والخافي:
المستتر. والبادي: الظاهر.
١٠
موسى: النبي عليه السلام. وأُوحيَ إليه: أنزل الله عليه الوحي.
وهاد: رجع إلى الحق.
١١
الحكمة: صواب الأمر، ووضع الشيء في موضعه، والعلم، والعدل،
والحلم. وعيسى: ابن مريم عليه السلام. والترب: التراب. والمهد:
الموضع يُهيَّأ للصبي. والوساد: المتكَّأ، وكل ما يُتوسَّد به من
قماش وغيره. أي أيام أن كان ترابي مهده ووساده.
١٢
مدرسة المطرية القديمة: إحدى مدارس العلم الكبرى عند المصريين
القدماء، وكان يقصدها الطلاب من بلاد اليونان وغيرها. القرارة:
القاع المستدير يجتمع فيه ماء المطر.
١٣
وصبيتي بالشيب: أي وتُسمَّى صبيتي بالشيب.
١٤
القبَّة: ضاحية من ضواحي القاهرة، بها قصرٌ عظيم بناه الخديو
عباس حلمي، وقد غلب اسمها على هذا القصر. والعماد: الأبنية
الرفيعة، تُذكَّر وتُؤنَّث، مفردها عمادة.
١٥
الزيتون: شجرٌ مُثمرٌ معروف، وثمره يُسمَّى زيتونًا أيضًا،
وتُسمَّى به ضاحيةٌ أخرى من ضواحي القاهرة مجاورة للقبة.
١٦
الواحة الزَّهراء: هي واحة عين شمس، والواحة: وادٍ متَّسِعٌ
مُنخفض في الصحراء.
١٧
الزغب: جمع أزغب، وهو ما له شعر، أو ريش صغير. القطا: جمع قطاة،
وهي طائر في حجم الحمامة.
١٨
رائح، غادٍ: يريد قطار البخار الذي يركبه الأبناء إلى المدارس في
القاهرة.
١٩
صفيره: أي صفير القطار.
٢٠
يعقوب: النبي أبو يوسف، بكى على يوسف حين رجع إليه أبناؤه إخوة
يوسف فأخبروه أن الذئب أكله، وقد كان يخاف عليه هذا من قبل، وقصة
ذلك مبسوطة في كتب التاريخ الديني.
٢١
الحاج: جمع حاجة.
٢٢
كصوب العهاد: أي كنزول المطر. والعهاد: جمع عهد. والمطر ينزل
متعاقبًا، فيُدرِك آخره أوله.