عبث المَشيب
ظلمَ الرجالُ نساءَهم وتعسَّفوا
هل للنساءِ بمصرَ من أنصارِ١
يا معشرَ الكُتَّابِ أين بلاؤكم
أين البيانُ وصائبُ الأفكارِ٢
أيَهمُّكم عبثٌ وليس يهمُّكم
بَنيانُ أخلاقٍ بغيرِ جدارِ٣
عندي على ضَيمِ الحرائرِ بينَكم
نبأٌ يُثيرُ ضمائرَ الأحرارِ٤
ممَّا رأيتُ وما علِمتُ مسافرًا
والعِلمُ بعضُ فوائدِ الأسفارِ
فيه مجالٌ للكلام ومَذهبٌ
ليَراعِ «باحثةٍ» و«سِتِّ الدارِ»٥
•••
كثُرَت على دارِ السعادة زُمْرةٌ
مِن مصرَ أهلُ مَزارعٍ ويَسارِ٦
يتزوَّجون على نساءٍ تحتَهم
لا صاحباتِ بِغًى ولا بِشِرارِ٧
شاطَرْنَهم نِعَمَ الصِّبا وسقَينَهم
دهرًا بكأسٍ للسُّرورِ عُقارِ٨
الوالداتُ بَنِيهمُ وبناتِهم
الحائطاتُ العِرضَ كالأسوارِ٩
الصابراتُ لضرَّةٍ ومضرَّة
المُحيِياتُ الليلَ بالأذكارِ
•••
مِن كُلِّ ذي سبعين يكتمُ شَيبَهُ
والشيبُ في فَودَيه ضوءُ نهارِ١٠
يأبى له في الشيبِ غيرَ سفاهةٍ
قلبٌ صغيرُ الهمِّ والأوطارِ١١
ما حلَّه عَطفٌ ولا رِفقٌ ولا
برٌّ بأهلٍ أو هوًى لديارِ
كم ناهدٍ في اللاعباتِ صغيرةٍ
ألْهَته عن حَفَدٍ بمصرَ صِغارِ١٢
مهما غدا أو راح في جولاته
دفعَته خاطبةٌ إلى سمسارِ١٣
شُغْلُ المشايخ بالمتاب وشغلُهُ
بتبدُّلِ الأزواجِ والأصهارِ١٤
في كلِّ عامٍ همُّه في طَفْلةٍ
كالشمس إن خُطِبَت فلِلأقمارِ١٥
يرشُو عليها الوالدين ثلاثةٌ
لم أدرِ أيُّهمُ الغليظُ الضاري
المالُ حلَّل كلَّ غيرِ مُحلَّلٍ
حتى زواجَ الشِّيبِ بالأبكارِ
سَحَر القلوبَ فرُبَّ أمٍّ قلبُها
مِن سِحرِه حجرٌ من الأحجارِ
دفعَت بُنيَّتها لأشأمِ مَضجَعٍ
ورمَت بها في غُربةٍ وإسارِ١٦
وتعلَّلَت بالشرع قُلتُ كذَبتِهِ
ما كان شرعُ الله بالجزارِ١٧
ما زُوِّجَت تلك الفتاةُ وإنما
بِيعَ الصِّبا والحُسنُ بالدينارِ
بعضُ الزواج مُذمَّمٌ ما بالزنى
والرِّقِّ إن قِيسا به من عارِ
فتَّشتُ لم أرَ في الزواج كفاءةً
ككفاءَة الأزواجِ في الأعمارِ
أسَفي على تلك المَحاسنِ كُلَّما
نُقِلَت من «البالي» إلى الدَّوَّارِ
إن الحِجابَ على «فروقٍ» جَنةٌ
وحِجابُ مصرَ وريفُها من نارِ
وعلى وجوهٍ كالأهِلَّةِ رُوِّعَت
بعدَ السفورِ ببرقعٍ وخِمارِ١٨
وعلى الذوائب وهْي مِسكٌ خُولِطَت
عند العناق بمِثلِ ذَوبِ القارِ١٩
وعلى الشِّفاهِ المُحيِياتِ أماتَها
ريحُ الشيوخ تهبُّ في الأسحارِ
وعلى المَجالسِ فوقَ كلِّ خَميلةٍ
بينَ الجبالِ وشاطئٍ مِحبارِ٢٠
تدنو الزَّوارقُ منه تُنزِلُ جؤذرًا
بقلادةٍ أو شادنًا بِسوارِ٢١
يرفُلنَ في أُزُرِ الحريرِ تنوَّعَت
ألوانُه كالزَّهرِ في آذارِ٢٢
الطاهراتُ اللَّحظِ أمثالُ المَها
الناطقاتُ الجَرْسِ كالأوتارِ٢٣
الدَّهرُ فرَّقَ شملَهنَّ فمُرْ به
يا ربِّ تجمعُه يدُ المقدارِ
١
تعسَّفوا: ظلموا، أو لم يُنصِفوا.
٢
البلاء: الاختبار.
٣
العبث: اللعب. الجدار: الحائط.
٤
الحرائر: جمع حُرَّة. الضمائر: جمع ضمير، وهو قلب الإنسان
وباطنه.
٥
باحثة: هي المرحومة ملك ناصف، وكانت قد اتخذت لنفسها اسم «باحثة
البادية» تُذيِّل به مقالاتٍ كانت تُذيعها بواسطة الصحف في شئونٍ
اجتماعية ونسوية. وست الدار: اسمٌ كانت تُذيِّل به مقالات في الصحف
أيضًا.
٦
دار السعادة: هي الآستانة. الزمرة: الجماعة متفرقة. اليسار:
الغِنى.
٧
البغى والبغاء، مقصور وممدود: الزنى.
٨
شاطرنهم: من شاطره الشيء؛ أي ناصفه إيَّاه. والعقار: الخمر؛
لأنها تعقر العقل، أو لأنها تُعاقر البدن؛ أي تلازمه.
٩
الوالدات: أي اللاتي هن والدات أبنائهن وبناتهن. والحائطات: من
حاط الشيء؛ أي حفظه وتعهَّده. والعِرض: هو ما يصونه الإنسان من
نفسه، أو سلفه، أو مَن يلزمه أمره، أو هو محلُّ المدح والذمِّ من
الإنسان. والأسوار: جمع سور.
١٠
الفودان: تثنية فود، وهو معظم الرأس مما يلي الأذن، وقيل هو
ناصية الرأس.
١١
الهمُّ: ما يهمُّ به الإنسان في نفسه، ويقال رجلٌ همٌّ؛ أي ذو
همة يطلب معالي الأمور. الأوطار: جمع وطر، وهو الحاجة.
١٢
الناهد: الجارية ارتفع ثديها. والحفد، بفتح الفاء: جمع حافد، وهو
ولد الولد كالحفيد.
١٣
الخاطبة: مَن تتوسط في تزويج الرجال من النساء.
١٤
المشايخ: أي مَن أدركتهم الشيخوخة. والمتاب: التوبة.
١٥
الطَّفلة، بفتح الطاء: الرَّخصة الناعمة.
١٦
أشأم مضجع: أي أشدُّ المضاجع شؤمًا. والإسار: الأَسر.
١٧
تعلل بالشيء: تلهَّى به واكتفى. وكذبته: أي كذبت عليه.
١٨
وعلى وجوه: أي وأسفي على وجوه. والأهِلَّة: جمع هلال. والخمار،
بكسر الخاء: ما تُغطِّي به المرأة رأسها.
١٩
الذوائب: جمع ذؤابة، وهي الناصية. والقار: قيل هو ما يُسمَّى
بالزفت.
٢٠
الخميلة: الشجر الكثيف الملتف، وقيل الموضع الكثير الشجر.
والمحبار: الأرض السريعة النبات الحسنة.
٢١
الجؤذر: ولد البقرة الوحشية، تُشبَّه به الحسان لجمال عينَيه.
والشادن: ولد الظبية.
٢٢
يرفلن: من رفل في ثيابه؛ أي أطالها وجرَّها متبخترًا. والأزر:
جمع إزار، وهو كل ما سترك. وآذار: الشهر الثالث من السنة
المسيحية.
٢٣
المها: جمع مهاة، وهي البقرة الوحشية. والجرس: الصوت.
