وداع فروق
تجلَّدَ للرحيل فما استطاعَا
وداعًا جَنَّةَ الدنيا وداعَا١
عسى الأيامُ تجمعني فإني
أرى العيشَ افتراقًا واجتماعَا
ألا ليتَ البلادَ لها قلوبٌ
كما للناسِ تنفطرُ الْتِياعَا٢
وليتَ لدى «فروقٍ» بعضَ بَثِّي
وما فعل الفراقُ غداةَ راعَا٣
أمَا واللهِ لو علِمَت مكاني
لَأنطَقَت المآذنَ والقِلاعَا
حوَت رِقَّ القواضبِ والعَوالي
فلمَّا ضِفتُها حوَت اليَراعَا٤
سألتُ القلبَ عن تلك الليالي
أكُنَّ لياليًا أم كُنَّ ساعَا٥
فقال القلبُ بل مرَّت عِجالًا
كدقَّاتي لذِكراها سِراعَا
أدارَ «محمدٍ» وتراثَ «عيسى»
لقد رَضِياكِ بينهما مشاعَا٦
فهل نبذ التعصُّبَ فيكِ قومٌ
يمدُّ الجهلُ بينهم النِّزاعَا
أرى الرحمنَ حصَّنَ مَسجدَيه
بأطولِ حائطٍ منكِ امتناعَا
فكنتِ لبَيتِه المحجوجِ ركنًا
وكنتِ لبَيتِه الأقصى سِطاعَا٧
هواؤكِ والعيونُ مُفجَّراتٌ
كفى بهما من الدنيا متاعَا٨
وشمسُكِ كلما طلعَت بأُفْقٍ
تخطَّرَت الحياةُ به شُعاعَا
وغِيدُك هُنَّ فوقَ الأرضِ حُورٌ
أوانسُ لا نقابَ ولا قِناعَا
حوالَي لُجَّةٍ من لازَوَرْدٍ
تعالى اللهُ خَلْقًا وابتداعَا
يروح لُجَينُها الجاري ويغدو
على الفردوسِ آكامًا وقاعَا٩
١
تجلَّد: تكلَّف الجَلَد وأظهره، والجَلَد قوة الصبر.
٢
تنفطر: تنشق. والالتياع: احتراق القلب من الهمِّ أو
الشوق.
٣
فروق: الآستانة. والبث: أشدُّ الحزن. راع: أفزع.
٤
القواضب: السيوف القاطعة، مفردها قاضب. والعوالي: جمع عالية، وهي
من الرمح أعلى رأسه، أو نصفه الذي يلي السِّنان، أو ما دخل منه تحت
السنان إلى ثلثه.
٥
الساع: جمع ساعة.
٦
المشاع (بفتح الميم وضمها): المشترك غير المقسوم.
٧
السطاع: عمود البيت.
٨
العيون: هي عيون الماء.
٩
لجينها: أي اللجنة، واللجين الفضة. والآكام: التلال. والقاع:
أرضٌ سهلةٌ مطمئنة انفرجت عنها الجبال والآكام.