الصِّحافة١
لكلِّ زمانٍ مضى آيةٌ
وآيةُ هذا الزمانِ الصُّحُفْ
لسانُ البلادِ ونبضُ العبادِ
وكهفُ الحقوقِ وحربُ الجنَفْ٢
تسيرُ مَسيرَ الضحى في البلادِ
إذا العِلمُ مزَّق فيها السَّدَفْ٣
وتمشي تُعلِّمُ في أُمةٍ
كثيرةِ مَن لا يخُطُّ الألِفْ
فيا فتيةَ الصحْفِ صبرًا إذا
نبَا الرزقُ فيها بكم واختلفْ
فإنَّ السعادةَ غيرُ الظهورِ
وغيرُ الثراءِ وغيرُ الترَفْ
ولكنها في نواحي الضميرِ
إذا هو باللؤم لم يُكتنَفْ
خذوا القصدَ واقتنِعوا بالكفافِ
وخلُّوا الفضولَ يغُلْها السَّرَفْ٤
ورُوموا النبوغَ فمَن ناله
تلقَّى من الحظِّ أسنى التُّحَفْ
وما الرزقُ مجتنِبٌ حِرفةً
إذا الحظُّ لم يهجر المُحترِفْ
إذا آخَتِ الجوهريَّ الحظوظُ
كفَلنَ اليتيمَ له في الصَّدَفْ٥
وإن أعرَضَت عنه لم يحلُ في
عيونِ الخرائدِ غيرُ الخزَفْ٦
•••
رعى اللهُ ليلتَكم إنها
تلَت عنده ليلةَ المُنتصَفْ٧
لقد طلع البدرُ من جُنْحها
وأوما إلى صُبحِها أن يقِفْ
جلَوتم حواشيَها بالفنونِ
فمِن كلِّ فنٍّ جميلٍ طَرَفْ
فإن تسألوا ما مكانُ الفنونِ
فكم شرفٍ فوق هذا الشرفْ٨
أريكةُ «مولييرَ» فيما مضى
وعرشُ «شِكِسْبيرَ» فيما سلفْ
وعُودُ «ابنِ ساعدةٍ» في عُكاظَ
إذا سالَ خاطره بالطُّرَفْ٩
فلا يَرقيَنْ فيه إلا فتًى
إلى درجاتِ النبوغِ انصرَفْ
تُعلِّمُ حكمتُه الحاضرينَ
وتُسمِعُ في الغابرين النُّطَفْ١٠
•••
حمِدْنا بلاءَكمُ في النضالِ
وأمسِ حمِدْنا بلاءَ السلفْ
ومَن نسِيَ الفضلَ للسابقينَ
فما عرفَ الفضلَ فيما عرفْ
أليس إليهم صلاحُ البِناءِ
إذا ما الأساسُ سما بالغُرَفْ
فهل تأذنون لذي خَلَّةٍ
يَفضُّ الرياحين فوقَ الجِيَفْ
فأين «اللواءُ» وربُّ اللواءِ
إمامُ الشبابِ مثالُ الشرفْ١١
وأين الذي بينكم شِبْلُهُ
على غايةِ الحق نِعْمَ الخَلَفْ
ولا بدَّ للغَرسِ من نقلِهِ
إلى مَن تعهَّد أو مَن قطَفْ
فلا تجحدنَّ يدَ الغارسين
وهذا الجَنى في يدَيك اعترَفْ
أولئك مَرُّوا كدودِ الحريرِ
شجَاها النَّفاعُ وفيه التَّلَفْ١٢
١
ألَّف أصحاب الصحف العربية نقابة تجمع كلمتهم، وقد أُلقِيت هذه القصيدة في
الاحتفال بإنشائها.
٢
الجنف: الحيف.
٣
السدف: الظلام.
٤
الفضول: فضلات المال الزائدة عن الحاجة. وغالها السرف يغولها:
أتى عليها.
٥
اليتيم: اللؤلؤ المنقطع النظير.
٦
الخرائد: العذارى.
٧
المنتصف: منتصف شعبان.
٨
الشرف أولًا: العلو والمجد. والشرف ثانيًا: الموضع العالي، وهو
هنا المسرح.
٩
عود ابن ساعدة: أي منبر قسِّ بن ساعدة، وهو أخطب خطباء
الجاهلية.
١٠
الغابرين: الآتين. والنطف: جمع نطفة، وهي أصل النسل.
١١
ربُّ اللواء: المرحوم مصطفى باشا كامل صاحب جريدة اللواء.
١٢
النفاع: النفع.