يا شباب الديار١
غالِ في قيمةِ ابن بُطرسَ غالي
علِمَ اللهُ ليس في الحقِّ غالي٢
نحتفي بالأديبِ والحقُّ يقضي
وجلالُ الأخلاقِ والأعمالِ
أدبُ الأكثرين قولٌ وهذا
أدبٌ في النفوسِ والأفعالِ
يُظهِرُ المدحُ رونقَ الرجلِ الما
جِدِ كالسيفِ يزدهي بالصِّقالِ٣
رُبَّ مدحٍ أذاع في الناس فضلًا
وأتاهم بقُدوةٍ ومِثالِ
وثناءٍ على فتًى عمَّ قومًا
قيمةُ العِقدِ حُسنُ بعضِ اللآلي
إنما يقدُرُ الكرامَ كريمٌ
ويُقِيمُ الرجالُ وزنَ الرجالِ٤
وإذا عظَّمَ البلادَ بَنُوها
أنزلَتهم مَنازلَ الإجلالِ
توَّجَت هامَهم كما توَّجوها
بكريمٍ من الثناءِ وغالي
إنما «واصفٌ» بِناءٌ من الأخـ
ـلاقِ في دولةِ المَشارقِ عالي
ونجيبٌ مُهذَّبٌ من نجيبٍ
هذَّبَته تَجاربُ الأحوالِ
واهِبُ المالِ والشبابِ لِما يَنـ
ـفعُ لا للهوى ولا للضلالِ
ومُذيقُ العقولِ في الغربِ ممَّا
عصَرَ العُرْبُ في السنينَ الخوالي
في كتابٍ حوى المَحاسنَ في الشِّعـ
ـرِ وأوْعَى جوائزَ الأمثالِ٥
من صفاتٍ كأنها العينُ صدقًا
في أداءِ الوجوهِ والأشكالِ
ونسيبٍ تُحاذِرُ الغِيدُ منه
شَرَكَ الحُسنِ أو شباكَ الدلالِ
ونظامٍ كأنه فلَكُ الليـ
ـلِ إذا لاحَ وهْو بالزَّهرِ حالي
وبيانٍ كما تَجلَّى على الرُّسْـ
ـلِ تَجلَّى على رعاةِ الضالِ٦
ما علِمْنا لغيرهم من لسانٍ
زال أهلوه وهْو في إقبالِ
بَلِيَت هاشمٌ وبادت نزارٌ
واللسانُ المُبينُ ليس ببالي
كُلَّما همَّ مَجدُه بزوالٍ
قام فحلٌ فحالَ دونَ الزَّوالِ
•••
يا بَني مصرَ لم أقُل أُمةَ القبـ
ـطِ فهذا تشبُّثٌ بمُحالِ
واحتيالٌ على خيالٍ من المَجـ
ـدِ ودعوى من العِراضِ الطِّوالِ
إنما نحنُ مسلمينَ وقبطًا
أُمةٌ وُحِّدَت على الأجيالِ
سبق النيلُ بالأبوَّةِ فينا
فهْو أصلٌ وآدمُ الجَدُّ تالي
نحن من طينةِ الكريمِ على اللهِ
ومن مائِه القَراحِ الزُّلالِ٧
مَرَّ ما مَرَّ من قرونٍ علينا
رُسَّفًا في القيودِ والأغلالِ
وانقضى الدهرُ بينَ زَغردةِ العُر
سِ وحثْوِ الترابِ والإعوالِ
ما تَحلَّى بكم يسوعُ ولا كُنَّـ
ـا لِطَهَ ودينِه بجَمالِ
وتُضاعُ البلادُ بالنومِ عنها
وتُضاعُ الأمورُ بالإهمالِ
يا شبابَ الديارِ مصرُ إليكم
ولواءُ العرينِ للأشبالِ
كُلَّما رُوِّعَت بشبهةِ يأسٍ
جعَلَتكم مَعاقلَ الآمالِ
هيِّئوها لما يليقُ بمَنفٍ
وكريمِ الآثارِ والأطلالِ
وانهضوا نهضةَ الشعوبِ لِدُنيا
وحياةٍ كبيرةِ الأشغالِ
وإلى اللهِ مَن مشى بصليبٍ
في يدَيه ومَن مشى بهلالِ
١
قِيلَت هذه القصيدة في تكريم واصف غالي باشا سنة ١٩٠٦م (واصف غالي بك
يومئذٍ)، ولعلها كانت أول دعوة إلى اتحاد عنصرَي هذه الأمة الكريمَين، ولعل
صاحب الديوان كان يتكشف له الغيب، فيرى خيال هذا الاتحاد، ويدعو إليه، والناس
عنه عَمُون، وحديث المؤتمرين ما زال يومئذٍ مِلءَ الأفواه والأسماع، ولقد شاء
الله أن يستجيب دعاءه، وأن يربط بين الأخوَين برباطٍ مقدس، كان لصاحب الديوان
فضل الخيط الأول في نسيجه.
٢
غالِ في المدح: بالِغْ فيه. وغالي (الثانية): إما أن يُراد بها
الأمر، أو يُراد بها اسم والد المكرَّم المرحوم بطرس باشا
غالي.
٣
صقل السيف صقالًا: جلاه.
٤
قدَرَه: عظَّمه.
٥
يشير إلى كتابٍ فرنسي ألَّفه واصف باشا، وكان موضع
تكريمه.
٦
الضال: نوع من الشجر، والمراد: رعاة ما يأكل الضال من الحيوان؛
أي رعاة الإبل.
٧
الماء القراح: الصافي.