نهج البُردة
ريمٌ على القاعِ بينَ البانِ والعلَمِ
أحَلَّ سفْكَ دمي في الأشهرِ الحُرُمِ١
رمى القضاءُ بعَينَي جُؤذَرٍ أسدًا
يا ساكنَ القاعِ أدرِكْ ساكنَ الأجمِ٢
لمَّا رَنا حدَّثَتني النفسُ قائلةً
يا ويْحَ جنبِكَ بالسهمِ المُصيبِ رُمِي٣
جحدتُها وكتمتُ السهمَ في كبدي
جُرْحُ الأحِبَّةِ عندي غيرُ ذي ألمِ٤
رُزِقتَ أسمَحَ ما في الناس من خُلقٍ
إذا رُزقتَ التماسَ العُذرِ في الشِّيَمِ٥
يا لائمي في هواه والهوى قدَرٌ
لو شفَّك الوجدُ لم تَعذِلْ ولم تَلُمِ٦
لقد أنلْتُك أُذْنًا غيرَ واعيةٍ
ورُبَّ مُنتصِتٍ والقلبُ في صَمَمِ٧
يا ناعسَ الطَّرْفِ لا ذُقْتَ الهوى أبدًا
أسْهَرتَ مُضناك في حفظِ الهوى فنَمِ٨
أفديك إلفًا ولا آلُو الخيالَ فِدًى
أغراك بالبخلِ مَن أغراه بالكرمِ٩
سَرى فصادَف جُرحًا داميًا فأسا
ورُبَّ فضلٍ على العُشاقِ للحُلُمِ١٠
مَن المَوائسُ بانًا بالرُّبا وقَنًا
اللاعباتُ برُوحي السافحاتُ دمي١١
السافِراتُ كأمثالِ البُدورِ ضُحًى
يُغِرنَ شمسَ الضُّحى بالحَلْيِ والعِصَمِ١٢
القاتلاتُ بأجفانٍ بها سَقَمٌ
وللمنيةِ أسبابٌ من السَّقَمِ
العاثراتُ بألبابِ الرجالِ وما
أُقِلنَ من عثراتِ الدَّلِّ في الرسَمِ١٣
المُضرِماتُ خُدودًا أسفرَت وجلَت
عن فِتنةٍ تُسلِمُ الأكبادَ للضرَمِ١٤
الحاملاتُ لواءَ الحُسنِ مختلفًا
أشكالُه وهو فردٌ غيرُ مُنقسِمِ١٥
من كلِّ بيضاءَ أو سمراءَ زُيِّنتا
للعينِ والحُسنُ في الآرامِ كالعُصُمِ١٦
يُرَعنَ للبصرِ السامي ومن عَجبٍ
إذا أشَرنَ أسَرنَ الليثَ بالعَنَمِ١٧
وضعتُ خدِّي وقسَّمتُ الفؤادَ رُبًا
يرتَعنَ في كُنُسٍ منه وفي أَكَمِ١٨
يا بنت ذي اللَّبَدِ المحميِّ جانبُهُ
ألقاكِ في الغابِ أم ألقاكِ في الأُطُمِ١٩
ما كنتُ أعلم حتى عنَّ مَسكنُهُ
أن المُنى والمنايا مَضرِبُ الخِيَمِ٢٠
مَن أنبَتَ الغُصنَ مِن صَمصامةٍ ذَكرٍ
وأخرج الريمَ مِن ضِرغامةٍ قَرِمِ٢١
بيني وبينكِ من سُمْرِ القَنا حُجُبٌ
ومِثلُها عِفَّةٌ عُذرِيةُ العِصَمِ٢٢
لم أغشَ مَغناكِ إلا في غضونِ كَرًى
مَغناكِ أبعدُ للمشتاقِ من إرَمِ٢٣
يا نفسُ دنياكِ تُخفي كلَّ مُبكيةٍ
وإن بدا لكِ منها حُسنُ مُبتسَمِ٢٤
فُضِّي بتقواكِ فاهًا كُلَّما ضَحكَت
كما يُفَضُّ أذى الرقشاءِ بالثَّرَمِ٢٥
مخطوبةٌ منذُ كان الناسُ خاطبةٌ
من أوَّلِ الدهرِ لم تُرمِلْ ولم تَئِمِ٢٦
يَفنى الزمانُ ويبقى من إساءتِها
جرْحٌ بآدمَ يَبكي منه في الأدمِ٢٧
لا تحفلي بجناها أو جنايتها
الموتُ بالزَّهرِ مِثلُ الموتِ بالفَحَمِ٢٨
كم نائمٍ لا يَراها وهْي ساهرةٌ
لولا الأمانيُّ والأحلامُ لم ينَمِ٢٩
طورًا تمدُّك في نُعمَى وعافيةٍ
وتارةً في قَرارِ البؤسِ والوَصَمِ٣٠
كم ضلَّلَتكَ ومَن تُحجَبْ بصيرتُهُ
إن يلقَ صابًا يَرِدْ أو عَلقمًا يَسُمِ٣١
يا ويلتاهُ لنفسي راعَها ودَها
مُسوَدَّةُ الصُّحْفِ في مُبيَضَّةِ اللِّمَمِ٣٢
ركَضتُها في مَرِيعِ المَعصياتِ وما
أخذتُ من حِميةِ الطاعاتِ للتُّخَمِ٣٣
هامت على أثَرِ اللَّذاتِ تطلبُها
والنفس إن يَدعُها داعي الصِّبا تَهِمِ٣٤
صلاحُ أمرِكَ للأخلاقِ مَرجعُهُ
فقوِّم النفسَ بالأخلاقِ تستقمِ
والنفسُ من خيرِها في خيرِ عافيةٍ
والنفسُ من شرِّها في مَرتعٍ وَخِمِ٣٥
تطغى إذا مُكِّنَت من لذةٍ وهوًى
طغْيَ الجيادِ إذا عضَّت على الشُّكُمِ٣٦
إن جَلَّ ذَنبي عن الغُفرانِ لي أملٌ
في اللهِ يجعلني في خيرِ مُعتصَمِ٣٧
أُلقي رجائي إذا عزَّ المُجيرُ على
مُفرِّج الكربِ في الدارَينِ والغُمَمِ٣٨
إذا خفضتُ جَناحَ الذُّلِّ أسأله
عِزَّ الشفاعة لم أسألْ سوى أَمَمِ٣٩
وإن تقدَّم ذو تقوى بصالحةٍ
قدَّمتُ بين يدَيه عَبرةَ الندَمِ٤٠
لزِمتُ بابَ أميرِ الأنبياءِ ومَن
يُمسِكْ بمِفتاحِ بابِ اللهِ يغتنمِ٤١
فكلُّ فضلٍ وإحسانٍ وعارفةٍ
ما بين مُستلمٍ منه ومُلتزمِ٤٢
علقتُ من مدحِه حبلًا أعِزُّ به
في يوم لا عِزَّ بالأنسابِ واللُّحَمِ٤٣
يُزرِي قَريضي زُهيرًا حين أمدحُهُ
ولا يُقاسُ إلى جودي لدى هَرِمِ٤٤
محمدٌ صفوةُ الباري ورحمتُهُ
وبُغيةُ اللهِ من خَلقٍ ومن نَسَمِ٤٥
وصاحبُ الحوض يومَ الرُّسْلُ سائلةٌ
متى الورودُ وجبريلُ الأمين ظَمِي٤٦
سناؤه وسناهُ الشمسُ طالعةً
فالجِرمُ في فلكٍ والضوءُ في عَلَمِ٤٧
قد أخطأ النجمَ ما نالت أُبوَّتُهُ
من سؤددٍ باذخٍ في مَظهرٍ سَنِمِ٤٨
نُمُوا إليه فزادوا في الورى شَرفًا
ورُبَّ أصلٍ لفرعٍ في الفخارِ نُمي٤٩
حوَاه في سُبُحاتِ الطُّهرِ قبْلَهمُ
نُورانِ قاما مَقامِ الصُّلبِ والرَّحِمِ٥٠
لمَّا رآه بَحيرا قال نعرِفُهُ
بما حفِظْنا من الأسماءِ والسِّيَمِ٥١
سائلْ حِراءَ ورُوحَ القدس هل عَلِما
مَصونَ سرٍّ عن الإدراكِ مُنكتِمِ٥٢
كم جيئةٍ وذهابٍ شُرِّفَت بهما
بَطحاءُ مكةَ في الإصباحِ والغَسَمِ٥٣
ووحشةٍ لابنِ عبدِ اللهِ بينهما
أشهى من الأُنسِ بالأحبابِ والحشمِ٥٤
يُسامِر الوحيَ فيها قبلَ مَهبطه
ومَن يُبشِّرْ بسِيمَى الخيرِ يتَّسِمِ٥٥
لمَّا دعا الصَّحْبُ يستسقونَ من ظمأٍ
فاضت يداه من التسنيمِ بالسَّنَمِ٥٦
وظلَّلَته فصارت تستظلُّ به
غمامةٌ جذَبَتها خِيرةُ الدِّيَمِ٥٧
محبةٌ لرسولِ اللهِ أُشرِبَها
قعائدُ الدَّيرِ والرُّهبانُ في القِمَمِ٥٨
إنَّ الشمائلَ إن رَقَّت يكاد بها
يُغرى الجَمادُ ويُغرى كلُّ ذي نَسَمِ
ونودِيَ اقرأْ تعالَى اللهُ قائلُها
لم تتصلْ قبل مَن قِيلَت له بفمِ
هناك أذَّن للرحمنِ فامتلأت
أسماعُ مكَّةَ مِن قُدسيَّةٍ النَّغَمِ٥٩
فلا تسَلْ عن قريشٍ كيف حَيْرتُها
وكيف نُفْرتُها في السهلِ والعَلَمِ٦٠
تساءَلوا عن عظيمٍ قد ألمَّ بهم
رمى المشايخَ والوِلدانَ باللَّمَمِ٦١
يا جاهلين على الهادي ودعوته
هل تجهلون مكانَ الصادقِ العَلَمِ٦٢
لقَّبتُموهُ أمينَ القومِ في صِغرٍ
وما الأمينُ على قولٍ بمُتَّهَمِ
فاقَ البدورَ وفاقَ الأنبياءَ فكَم
بالخُلْقِ والخَلقِ من حُسنٍ ومن عِظَمِ
جاءَ النبيون بالآيات فانصرمت
وجئتَنا بحكيمٍ غير مُنصرِمِ٦٣
آياتُه كُلَّما طالَ المَدى جُدُدٌ
يَزينُهنَّ جلالُ العتقِ والقِدَمِ٦٤
يكاد في لفظةٍ منه مُشرَّفةٍ
يُوصِيك بالحق والتقوى وبالرحمِ
يا أفصحَ الناطقين الضادَ قاطبةً
حديثُك الشَّهدُ عند الذائقِ الفَهِمِ
حلَّيتَ من عَطَلٍ جِيدَ البيانِ به
في كلِّ مُنتثِرٍ في حُسنِ مُنتظِمِ٦٥
بكلِّ قولٍ كريمٍ أنت قائلُهُ
تُحيِي القلوبَ وتُحيِي ميِّتَ الهِمَمِ
سرَت بشائرُ بالهادي ومَولده
في الشرق والغرب مَسرى النور في الظُّلَمِ
تخطَّفَت مُهَجَ الطاغين من عربٍ
وطيَّرَت أنفُسَ الباغين من عجمِ٦٦
رِيعَت لها شُرَفُ الإيوان فانصدعَت
من صدمةِ الحق لا من صدمةِ القُدُمِ٦٧
أتيتَ والناسُ فَوضى لا تمرُّ بهم
إلا على صنمٍ قد هام في صنمِ
والأرض مملوءةٌ جَورًا مُسخَّرةٌ
لكلِّ طاغيةٍ في الخَلقِ مُحتكِمِ
مُسيطِرُ الفُرسِ يبغي في رعيَّتِهِ
وقيصرُ الرومِ من كِبْرٍ أصمُّ عَمِ
يُعذِّبان عِبادَ اللهِ في شُبَهٍ
ويذبحان كما ضحَّيتَ بالغَنَمِ
والخَلقُ يَفتكُ أقواهم بأضعفِهم
كاللَّيث بالبُهْمِ أو كالحوتِ بالبَلَمِ٦٨
أسْرَى بك اللهُ ليلًا إذ ملائكُهُ
والرُّسْلُ في المسجدِ الأقصى على قَدَمِ٦٩
لمَّا خطرتَ به التفُّوا بسيِّدِهم
كالشُّهْبِ بالبدرِ أو كالجُندِ بالعَلَمِ
صلَّى وراءك منهم كلُّ ذي خطرٍ
ومن يفُزْ بحبيبِ اللهِ يأتممِ٧٠
جُبْتَ السمواتِ أو ما فوقَهنَّ بهم
على مُنوَّرةٍ دُرِّيةِ اللُّجُمِ٧١
رَكوبة لك من عزٍّ ومن شرفٍ
لا في الجيادِ ولا في الأينُقِ الرُّسُمِ٧٢
مَشيئةُ الخالقِ الباري وصَنعتُهُ
وقدرةُ اللهِ فوقَ الشكِّ والتُّهَمِ
حتى بلغتَ سماءً لا يُطارُ لها
على جناحٍ ولا يُسعى على قَدَمِ
وقيل كلُّ نبيٍّ عندَ رُتبتِهِ
ويا محمدُ هذا العرشُ فاستلِمِ
خطَطتَ للدِّين والدنيا علومَهما
يا قارئَ اللوح بل يا لامِسَ القَلَمِ٧٣
أحطتَ بينهما بالسرِّ وانكشفَت
لك الخزائنُ من عِلمٍ ومن حِكَمِ٧٤
وضاعَفَ القُربُ ما قُلِّدتَ من مِنَنٍ
بلا عِدادٍ وما طُوِّقتَ من نِعَمِ٧٥
سلْ عصبةَ الشِّركِ حولَ الغارِ سائمةً
لولا مطاردةُ المختارِ لم تُسمِ٧٦
هل أبصروا الأثرَ الوضَّاءَ أم سمعوا
همْسَ التسابيحِ والقرآنِ من أَمَمِ٧٧
وهل تمثَّل نسجُ العنكبوتِ لهم
كالغابِ والحائماتُ الزُّغْبُ كالرَّخَمِ٧٨
فأدبَروا ووجوهُ الأرضِ تلعنُهم
كباطلٍ من جلالِ الحق مُنهزِمِ٧٩
لولا يدُ اللهِ بالجارَينِ ما سَلِما
وعينُه حوْلَ ركنِ الدين لم يقُمِ٨٠
توارَيا بجَناح اللهِ واستترا
ومن يضُمُّ جناحُ اللهِ لا يُضَمِ٨١
يا أحمدَ الخيرِ لي جاهٌ بتسميتي
وكيف لا يتسامى بالرسولِ سَمِي٨٢
المادحون وأربابُ الهوى تَبَعٌ
لصاحبِ البُردةِ الفيحاءِ ذي القَدَمِ٨٣
مديحُه فيك حُبٌّ خالصٌ وهوًى
وصادقُ الحُبِّ يُملي صادقَ الكَلِمِ٨٤
اللهُ يشهدُ أني لا أُعارضُهُ
مَن ذا يُعارِضُ صوْبَ العارضِ العَرِمِ٨٥
وإنَّما أنا بعض الغابطين ومَن
يغبِطْ وليَّك لا يُذمَمْ ولا يُلَمِ٨٦
هذا مقامٌ من الرحمنِ مُقتبَسٌ
تَرمي مَهابتُه سَحبانَ بالبَكَمِ٨٧
البدرُ دونك في حُسنٍ وفي شرفٍ
والبحرُ دونك في خيرٍ وفي كرمِ
شُمُّ الجبالِ إذا طاولتَها انخفضَت
والأنجُمُ الزُّهْرُ ما واسَمتَها تسِمِ٨٨
والليثُ دونك بأسًا عند وثبته
إذا مشيتَ إلى شاكي السلاح كَمِي٨٩
تهفو إليكَ وإن أدميتَ حبَّتَها
في الحربِ أفئدةُ الأبطالِ والبُهَمِ٩٠
محبَّةُ اللهِ ألقاها وهَيبتُهُ
على ابنِ آمنةٍ في كلِّ مُصطدَمِ٩١
كأنَّ وجهَك تحتَ النَّقْعِ بدرُ دُجًى
يُضيءُ مُلتثِمًا أو غيرَ مُلتثِمِ٩٢
بدرٌ تطلَّعَ في بدرٍ فغُرَّتُهُ
كغُرَّةِ النصرِ تجلو داجيَ الظُّلَمِ٩٣
ذُكِرتَ باليُتْمِ في القرآنِ تكرمةً
وقيمةُ اللؤلؤِ المكنونِ في اليُتُمِ٩٤
اللهُ قسَّمَ بين الناسِ رزقَهمُ
وأنت خُيِّرتَ في الأرزاقِ والقِسَمِ٩٥
إن قُلتَ في الأمر لا أو قلتَ فيه نعم
فخِيرةُ اللهِ في لا منك أو نعمِ
أخوك عيسى دَعا ميْتًا فقام له
وأنت أحيَيتَ أجيالًا مِن الرَّمَمِ
والجهلُ موتٌ فإن أُوتيتَ مُعجزةً
فابعثْ من الجهل أو فابعثْ من الرَّجَمِ٩٦
قالوا غزَوتَ ورُسْلُ اللهِ ما بُعثوا
لقتلِ نفسٍ ولا جاءوا لسفكِ دمِ
جهلٌ وتضليلُ أحلامٍ وسفسطةٌ
فتحتَ بالسيفِ بعد الفتح بالقلمِ
لمَّا أتى لكَ عفوًا كلُّ ذي حسَبٍ
تكفَّلَ السيفُ بالجُهَّالِ والعَمَمِ٩٧
والشرُّ إن تَلقَه بالخيرِ ضِقتَ به
ذرعًا وإن تَلقَه بالشرِّ يَنحسِمِ
سَلِ المسيحيةَ الغرَّاءَ كم شربَت
بالصَّابِ من شهواتِ الظالمِ الغَلِمِ٩٨
طريدةُ الشركِ يُؤذِيها ويُوسِعُها
في كلِّ حينٍ قتالًا ساطعَ الحَدَمِ٩٩
لولا حُماةٌ لها هبُّوا لنُصرتِها
بالسيف ما انتفعَت بالرِّفقِ والرُّحُمِ١٠٠
لولا مكانٌ لعيسى عند مُرسِلِهِ
وحُرمةٌ وجبَت للروح في القِدَمِ١٠١
لسُمِّرَ البدَنُ الطُّهرُ الشريفُ على
لَوحَينِ لم يخشَ مُؤذِيه ولم يَجِمِ١٠٢
جلَّ المسيحُ وذاقَ الصَّلبَ شانِئُهُ
إن العقابَ بقدرِ الذنبِ والجُرُمِ١٠٣
أخو النبي ورُوحُ اللهِ في نُزُلٍ
فوقَ السماءِ ودونَ العرشِ مُحترَمِ١٠٤
علَّمتَهم كلَّ شيءٍ يجهلون به
حتى القتالَ وما فيه من الذِّمَمِ١٠٥
دعوتَهم لِجهادٍ فيه سؤددُهم
والحربُ أُسُّ نظامِ الكونِ والأُمَمِ
لولاه لم نرَ للدولاتِ في زمنٍ
ما طالَ من عُمُدٍ أو قرَّ من دُعُمِ١٠٦
تلك الشواهِدُ تَترى كلَّ آونةٍ
في الأعصُرِ الغُرِّ لا في الأعصُرِ الدُّهُمِ١٠٧
بالأمسِ مالت عروشٌ واعتلَت سُرُرٌ
لولا القذائفُ لم تُثلَمْ ولم تُصَمِ١٠٨
أشياعُ عيسى أعَدُّوا كلَّ قاصمةٍ
ولم نُعِدَّ سوى حالاتِ مُنقصِمِ١٠٩
مهما دُعِيتَ إلى الهيجاءِ قُمتَ لها
ترمي بأُسْدٍ ويرمي اللهُ بالرُّجُمِ١١٠
على لِوائك منهم كلُّ مُنتقِمٍ
لله مُستقتِلٍ في اللهِ مُعتزِمِ١١١
مُسبِّحٍ للقاءِ اللهِ مُضطرِمٍ
شوقًا على سابحٍ كالبرقِ مُضطرِمِ١١٢
لو صادفَ الدهرَ يَبغِي نُقْلةً فرمى
بعزمِه في رحالِ الدهرِ لم يَرِمِ١١٣
بيضٌ مَفاليلُ من فعلِ الحروبِ بهم
من أسيُفِ اللهِ لا الهنديةِ الخُذُمِ١١٤
كم في الترابِ إذا فتَّشتَ عن رجلٍ
مَن ماتَ بالعهدِ أو مَن ماتَ بالقسَمِ١١٥
لولا مواهبُ في بعضِ الأنام لَمَا
تفاوَت الناسُ في الأقدارِ والقِيَمِ١١٦
شريعةٌ لك فجَّرتَ العقولَ بها
عن زاخرٍ بصنوفِ العلمِ مُلتطِمِ
يلوحُ حوْلَ سنا التوحيدِ جوهرُها
كالحَلْيِ للسيف أو كالوَشْيِ للعَلَمِ١١٧
غرَّاءُ حامت عليها أنفُسٌ ونُهًى
ومَن يَجِد سَلسَلًا من حكمةٍ يَحُمِ١١٨
نورُ السبيل يُساس العالَمون بها
تكفَّلَت بشبابِ الدهرِ والهَرَمِ١١٩
يجري الزمانُ وأحكامُ الزمانُ على
حُكمٍ لها نافذٍ في الخَلقِ مُرتسِمِ
لمَّا اعتلَت دولةُ الإسلامِ واتَّسعَت
مشَت مَمالكُه في نُورِها التَّمَمِ١٢٠
وعلَّمَت أُمةً بالقفرِ نازلةً
رعْيَ القياصرِ بعدَ الشَّاءِ والنَّعَمِ
كم شيَّد المُصلِحون العاملون بها
في الشرق والغرب مُلكًا باذِخَ العِظَمِ
للعلمِ والعدلِ والتمدينِ ما عزموا
من الأمور وما شدُّوا من الحُزُمِ١٢١
سرعانَ ما فتحوا الدنيا لِملَّتهم
وأنهلوا الناسَ من سَلسالها الشَّبِمِ١٢٢
ساروا عليها هُداةَ الناس فَهْي بهم
إلى الفلَاحِ طريقٌ واضحُ العَظَمِ١٢٣
لا يهدِمُ الدهرُ رُكنًا شادَ عدلُهمُ
وحائطُ البغي إن تلمِسْهُ ينهدمِ
نالوا السعادةَ في الدَّارَين واجتمعوا
على عميمٍ من الرضوان مُقتسَمِ
دعْ عنك روما وآثينا وما حوَتا
كلُّ اليواقيتِ في بغدادَ والتُّوَمِ١٢٤
وخلِّ كِسرى وإيوانًا يُدِلُّ به
هوى على أثَرِ النيرانِ والأُيُمِ١٢٥
واترُك رعمسيسَ إن المُلكَ مَظهَرُهُ
في نهضةِ العدلِ لا في نهضةِ الهَرَمِ١٢٦
دارُ الشرائعِ روما كُلَّما ذُكِرَت
دارُ السلامِ لها ألقَت يدَ السَّلَمِ١٢٧
ما ضارَعَتها بيانًا عندَ مُلتأَمٍ
ولا حكَتها قضاءً عندَ مُختصَمِ١٢٨
ولا احتوَت في طِرازٍ من قياصرِها
على رشيدٍ ومأمونٍ ومُعتصِمِ١٢٩
مِن الذين إذا سارَت كتائبُهم
تصرَّفوا بحدودِ الأرضِ والتُّخُمِ١٣٠
ويجلسونَ إلى علمٍ ومَعرفةٍ
فلا يُدانَون في عقلٍ ولا فَهَمِ
يُطأطئ العلماءُ الهامَ إن نبَسوا
من هيبةِ العِلمِ لا من هيبةِ الحُكُمِ
ويمُطِرون فما بالأرضِ من مَحَلٍ
ولا بمَن باتَ فوقَ الأرضِ من عُدُمِ١٣١
خلائفُ اللهِ جلُّوا عن موازنةٍ
فلا تقيسنَّ أملاكَ الورى بهِمِ١٣٢
مَن في البرية كالفاروق مَعدَلةً
وكابنِ عبد العزيز الخاشعِ الحَشِمِ١٣٣
وكالإمام إذا ما فضَّ مزدحمًا
بمَدمعٍ في مآقي القومِ مُزدحِمِ١٣٤
الزاخرِ العَذْبِ في علمٍ وفي أدبٍ
والناصرِ النَّدْبِ في حربٍ وفي سَلَمِ١٣٥
أو كابنِ عفَّانَ والقرآنُ في يدِهِ
يحنو عليه كما تحنو على الفَطَمِ١٣٦
ويجمع الآي ترتيبًا وينظمُها
عقدًا بجِيدِ الليالي غيرَ مُنفصِمِ
جُرحانِ في كبدِ الإسلام ما التأما
جُرْحُ الشهيد وجرحٌ بالكتاب دمي١٣٧
وما بلاءُ أبي بكر بمتَّهَمٍ
بعدَ الجلائلِ في الأفعالِ والخِدَمِ
بالحزمِ والعزمِ حاطَ الدِّينَ في مِحَنٍ
أضلَّت الحِلمَ من كهلٍ ومُحتلِمِ١٣٨
وحِدْنَ بالراشد الفاروق عن رشَدٍ
في الموت وهْو يقينٌ غيرُ مُنبهِمِ١٣٩
يُجادِلُ القومَ مُستلَّا مُهنَّدَهُ
في أعظمِ الرسْلِ قدرًا كيف لم يدُمِ١٤٠
لا تعذلوه إذا طاف الذُّهولُ به
مات الحبيبُ فضلَّ الصَّبُّ عن رَغَمِ
•••
يا ربِّ صَلِّ وسلِّم ما أردتَ على
نزيلِ عرشِك خيرِ الرسْلِ كلِّهمِ
مُحيِي الليالي صلاةً لا يُقطِّعُها
إلَّا بدمعٍ من الإشفاقِ مُنسجِمِ
مُسبِّحًا لك جُنْحَ الليلِ مُحتمِلًا
ضُرًّا من السُّهدِ أو ضُرًّا من الورَمِ
رضيَّةً نفسُه لا تشتكي سأمًا
وما معَ الحبِّ إن أخلصتَ مِن سَأمِ
وصلِّ ربِّي على آلٍ له نُخَبٍ
جعلتَ فيهم لواءَ البيتِ والحرَمِ١٤١
بِيضُ الوجوه ووجهُ الدهرِ ذو حلَكٍ
شُمُّ الأنوف وأنفُ الحادثاتِ حَمِي١٤٢
وأَهدِ خيرَ صلاةٍ منك أربعةً
في الصحبِ صُحبتُهم مَرعيةُ الحُرَمِ
الراكبين إذا نادى النبيُّ بهم
ما هال من جَلَلٍ واشتدَّ من عَمَمِ١٤٣
الصابرين ونفسُ الأرضِ واجفةٌ
الضاحكين إلى الأخطار والقُحَمِ١٤٤
يا ربِّ هبَّت شعوبٌ من منيَّتها
واستيقظَت أُممٌ من رقدةِ العدمِ
سعدٌ ونحسٌ ومُلكٌ أنت مالِكُهُ
تُديلُ مِن نِعَمٍ فيه ومِن نِقَمِ
رأى قضاؤك فينا رأيَ حكمته
أكرِمْ بوجهِك من قاضٍ ومُنتقِمِ
فالطُفْ لأجلِ رسولِ العالمين بنا
ولا تزِدْ قومَه خسفًا ولا تسُمِ
يا ربِّ أحسنتَ بَدْءَ المسلمين به
فتمِّمِ الفضلَ وامنحْ حُسنَ مُختتَمِ١٤٥
١
الرئم (بالهمزة ويُخفَّف بقلب الهمزة ياءً): الظبي الخالص
البياض. والقاع: الأرض السهلة المطمئنة. والبان: جمع بانة، ضربٌ من
الشجر. والعلَم: الجبل. والأشهر الحرم: أربعة؛ ثلاثةٌ متتابعة هي
ذو القعدة وذو الحجة والمُحرَّم، وواحدٌ فرد وهو رجب، وكانت العرب
لا تستحلُّ فيها القتال، وفي الشطر الثاني طباق بين قوله «أحلَّ»
وقوله «الحرم»، ولا يذهب عن القارئ ما في البيت من براعة
الاستهلال.
٢
الجؤذر: ولد البقرة الوحشية. والأجم: جمع أجمة، وهي الشجر الكثير
الملتف، وهو مَسكن الأسد. يريد بالجؤذر المحبوبة التي شبَّهها في
البيت السابق ﺑ «الريم» تشبيهًا لها بالجؤذر في جمال عينَيه
واتساعهما. ويريد ﺑ «الأسد» نفسَه. وفي الشطر الثاني يستغيث
بالمقتول للقاتل — لا منه — ويستنجد للأسد بالغزال، وهو
بديع.
٣
رنا: أدام النظر مع سكون الطرف. ويا ويح: كلمة تُقال لمَن وقع في
الشدة والمكروه، يُستنجَد له بالرأفة والرحمة مما وقع فيه.
٤
جحدتها: الجحود هو الإنكار مع العلم.
٥
الشيم: جمع شيمة، وهي الخُلق والطبيعة.
٦
شفَّه الوجد: أهزله وأنحَلَ جسمه.
٧
انتصت: سكت سكوتَ مُستمِع. وفي الشطر الثاني من البيت طباق بين
قوله «منتصت»، وقوله «في صمم».
٨
الناعس: الوسنان. والطرف (بالفتح): العين. والمضنى: الذي أثقله
المرض. ومضناك: الذي أضنيته بما لحقه من الوله عليك. وفي الشطر
الثاني طباق بين قوله «أسهرت»، وقوله «فنم».
٩
الألو هنا: المنع والتقصير. وأغراه بالشيء: زيَّنه له وحرضه
عليه.
١٠
السُّرى: المشي في الليل. وأسا الجرح يأسوه: داواه.
١١
الموائس: جمع مائسة، وهي المتبخترة. والبان: ضربٌ من الشجر،
واحدتها بانة، يُشبِّه القوام بأغصانها لِلُدونتها. والقنا: جمع
قناة، وهي الرمح. وسفح الدم: سفكه وأساله.
١٢
يقال سفرت المرأة: أي كشفت عن وجهها. والحلي: ما تُزيَّن به
المرأة من مَصوغ المعادن وكريم الحجارة. والعصم: القلائد، جمع
عصمة، كعنب وعنبة.
١٣
العثرة: الزلة والسقطة. وأقاله من عثرته: أنهضه منها. والدلُّ:
قريب المعنى من الهدى، وهما من السكينة والوقار في الهيئة والمنظر
والشمائل وغير ذلك. والرسم: حُسنُ المشي.
١٤
الضرم: اشتعال النار.
١٥
اللواء: العلَم، وحمل لواء الحسن كنايةٌ عن نهاية الحُسن
فيه.
١٦
العصم: جمع أعصم، الذي فيه العصمة (بالضم)، وهي بياض اليدَين،
والعصماء من المعز البيضاء الذراعَين وسائرها أسود أو أحمر، وحرَّك
الصاد إتباعًا لحركة العين قبلها.
١٧
يرعن: يخفن. والعنم: شجرةٌ حجازية لها ثمرةٌ حمراء تُشبَّه بها
البنان المخضوبة. وفي البيت جناس بين قوله «أشرن»، وقوله
«أسرن».
١٨
وضع الخد هنا: كناية عن الخضوع والاستسلام. والكنس (بضمتَين):
جمع كناس، وهو مُستقَرُّ الظباء في الشجر. والأكم: جمع أكمة، وهي
الموضع يكون أشدَّ ارتفاعًا ممَّا حوله.
١٩
اللبد: جمع لبدة، وهي الشعر المتراكب بين كتفَي الأسد. والغاب:
جمع غابة، وهي الشجر المتكاثف. والأطم: القصر، وكل حصن مبني
بالحجارة.
٢٠
عنَّ الشيء: بان وظهر. والمنايا: جمع المنيَّة، وهي الموت. يريد
ﺑ «المنى» محبوبته، أو لقاءها؛ وﺑ «المنايا» أباه، أو لقاءه،
مبالغةً. ومضرب الخيم: المكان الذي تُضرَب فيه وتُقام؛ أي حيث تنزل
تلك المحبوبة في جوار أبيها. وفي البيت جناس.
٢١
الصمصامة: السيف. والضرغامة: الأسد. والقرم: شديد الشهوة إلى
اللحم، وهنا كناية عن شدة البأس والافتراس. وأراد ﺑ «الغصن»
و«الريم» معشوقته، وﺑ «الصمصامة» و«الضرغامة» أباها. يتعجب كيف
يُولَد لمِثل هذا الرجل، الشبيه بالسيف في صلابته ومضائه، مِثلُ
هذه المعشوقة، التي هي كالغصن في اللدونة ولطف التثني، وأيضًا كيف
يكون لمَن يُشبِه الأسد في قوته وسطوته وبأسه، مِثلُ هذه التي
تُشبِه الغزال في رقته وضعفه.
٢٢
العفة العذرية: نسبة لقبيلة بني عذرة، اشتهر شبابها بالعشق
والعفاف. والعصم: جمع عصمة، وهي المنع والحفظ.
٢٣
غشي المكان: وافاه. والمغنى: المنزل الذي غني به أهله. والكرى:
النوم. وإرم: هي إرم ذات العماد التي ورد ذِكرها في القرآن
الكريم.
٢٤
المبتسم: بمعنى المصدر؛ أي الابتسام، ويجوز أن يراد به الموضع؛
أي الثغر، والإضافة فيه من إضافة الصفة للموصوف.
٢٥
الرقشاء من الحيَّات: المُنقَّطة بالسواد والبياض. وأذى الرقشاء:
سُمُّها. والثرم: كسر السن من أصلها.
٢٦
أرملت المرأة: إذا مات عنها زوجها. وآمت المرأة تئيم، والأيم:
التي لا زوج لها، سواءً أكانت بِكرًا أم كان لها زوجٌ
فقدَته.
٢٧
الأدم: الجلد. يقول: مع أن حالها وحال الناس ما ذكرنا، فإن
إساءتها ما تنتهي، حتى إن آدم (عليه السلام) لا ينسى كيدها إلى آخر
الزمان. وفي البيت جناس بين آدم والأدم.
٢٨
الجنى: ما يُجتنى من الشجرة ويُقطَف من ثمرها.
٢٩
يريد بالنائم: المغتر بالدنيا الغافل عن مصائبها وغيرها.
٣٠
الوصم (بالتحريك): الألم والمرض، يقال وصمَته الحُمى فتوصَّم؛ أي
آلمته فتألم.
٣١
الصاب: جمع صابة، شجرٌ مرٌّ. والعلقم: الحنظل. ويسم: من سام
يسوم؛ أي رعى يرعى.
٣٢
دها: أي دهاها. اللمم: جمع لمة، وهي الشعر يجاوز شحمة الأذن.
مسودَّة الصحف: كناية عن العمل السيئ. ومبيضة اللمم: الشيب،
والإضافة فيها من إضافة الصفة للموصوف.
٣٣
ركضتها: أصل الركض تحريك الرِّجل، ويقال ركضت الفرس برجلي إذا
استحثثته ليعدو، والمراد هنا مجرد إطلاق النفس وإرسالها في طريق
غوايتها، وفيه تشبيه النفس بالسائمة تشبيهًا مضمرًا في النفس على
سبيل الاستعارة المكنية. والمريع: الخصيب. ومريع المعصيات: من
إضافة المشبه به للمشبه؛ أي المعصيات التي هي شبيهة بالمرعى المريع
تستطيبه الدابة؛ ففيه تشبيهٌ ضمني لمَن يرسل نفسه في المعاصي
بالبهيم الذي يستطيب المرعى ويسترسل فيه. وحمية الطاعات: كذلك من
إضافة المشبه به للمشبه؛ أي الطاعات التي شبيهة بالحمية، وفيها
أيضًا تشبيهٌ ضمني لمَن يتعفف عن مساورة المعاصي بمَن يمسك نفسه أن
ينال ما يهيضه من ألوان الطعام. والتخم: جمع تخمة، قيل هي فساد
الطعام في المعدة، وقيل فساد المعدة بالطعام. وقوله «التخم»؛ أي
للتحرُّز عن التخم.
٣٤
هامت الناقة على وجهها: ذهبت ترعى. وداعي الصبا: اللهو
والشباب.
٣٥
المرتع: من رتعت الماشية ترتع رتوعًا؛ أي أكلت ما شاءت، والمرتع
موضع الرتوع. والوخم: الرديء الوبي.
٣٦
الشكم: جمع شكيمة، وهي الحديدة المعترضة في لجام الفرس.
٣٧
عصمة الله العبد: حِفظه مما يُوبِقه ويُهلِكه، والمعتصم الموضع
منها، أو بمعنى المصدر؛ أي الاعتصام.
٣٨
الغمم: جمع غمة، وهي الهمُّ والحزن. والمجير هنا: بمعنى المنقذ.
إذا عزَّ المجير: أي يوم القيامة. ومفرج الكرب في الدارين: هو
الرسول الأمين صلوات الله وتسليماته عليه؛ لأنه أخرج في الدنيا من
ظلمة الغواية إلى نور الهداية، وهو في الآخرة صاحب الشفاعة
العظمى.
٣٩
الأمم: اليسير. وخفض جناح الذل: كناية عن شدة التواضع
والانكسار.
٤٠
العبرة: تحلُّب الدمع.
٤١
أمير الأنبياء: هو محمد
ﷺ. ولزوم بابه: كناية عن الالتجاء
إلى كرمه، وعدم الانحراف عن التوسُّل به في قضاء الطلبات.
٤٢
العارفة: المعروف.
٤٣
اللُّحَم: جمع لُحمة، وهي القرابة.
٤٤
يزري: يعيب. والقريض: الشعر. وزهير: هو زهير بن أبي سُلمى
المزني، كان سيدًا غنيًّا في الجاهلية، معروفًا بالحِلم والحكمة،
شاعرًا فحلًا. وهرم (بكسر الراء): هو هرم بن سنان بن أبي حارثة
المُرِّي، مدح زهير هرمًا فأحسن، ووصله هرم فأجزل الصلة وبالغ في
العطاء.
٤٥
النسم: جمع نسمة، وهي النفس، أو هي الإنسان.
٤٦
وجبريل الأمين ظمي: الملائكة لا تظمأ، فلعل مراده بالظمأ هنا
لازمه، وهو الطلب؛ أي للناس؛ بمعنى أن حاله تقتضي ذلك إشفاقًا على
حالها، لِما يُرهِقهم من شدة الظمأ وحرج الموقف.
٤٧
سناؤه: رفعته. وسناه: نوره. والعلم هنا: العالم.
٤٨
السؤدد: السيادة. والباذخ: العالي. والسنم (ككتف): المرتفع.
وأبوَّته: أي ذوو أبوَّته، والأبوة المعنى المأخوذ من الأب
كالأخوَّة والبنوَّة.
٤٩
نُمُوا: نُسِبوا.
٥٠
السُّبُحات (بضمتَين): مواضع السجود، وسبحات وجه الله أنواره.
٥١
السِّيَم: كعِلَب، جمع سيمة، وهي العلامة. وبحيرا (بفتح الباء
وكسر الحاء): الراهب النصراني المشهور.
٥٢
حراء: جبل بمكة فيه غار كان يتعبَّد فيه النبي
ﷺ قبل
الرسالة. وروح القدس: جبريل عليه السلام، والإضافة فيه من إضافة
الصفة للموصوف؛ أي الروح القدس. والقدس: الطُّهر. ومصونَ سرٍّ: من
إضافة الصفة للموصوف؛ أي السر المصون. وقوله «منكتم»: وصفٌ مؤكِّد
للسرِّ المصون؛ لأن السرَّ لا يكون إلا كذلك. وتنكير «سر»
للتعظيم.
٥٣
البطحاء: المَسيل الواسع فيه دقاق الحصى. والغسم: الإمساء وظُلمة
الليل. الإصباح والغسم: أي من كل مرة كان يطلب فيها النبي
ﷺ
حراء، لا كل صباح وكل غسم، فإنه
ﷺ كان يتزوَّد، فيقيم في
حراء الليالي والأيام.
٥٤
ابن عبد الله: هو النبي
ﷺ. والحشم: الخدم الخاصُّون
بمولاهم. والوحشة: الخلوة والهم، والمراد بها هنا مجرَّد الخلوة
والانقطاع عن الناس.
٥٥
مهبطه هنا: بمعنى هبوطه.
٥٦
التسنيم: ماء بالجنة يجري فوق الغُرَف، وسنم الإناء تسنيمًا:
ملأه، فكأنه أراد بالسنم هنا الإناء المملوء. والأحاديث الواردة في
نبع الماء من بين أصابعه الشريفة كثيرة.
٥٧
الديم: جمع ديمة، وهي المطر الدائم.
٥٨
القعائد: جمع قعيدة، وقعائد الدير مُلازِموه من متنسكة النصارى.
والقمم: جمع قمة، وهي أعلى الرأس من كل شيء، والمراد بها هنا أعالي
الجبل.
٥٩
أذَّن للرحمن: أي دعا إلى الله. وقوله «من قدسية النغم»: ترشيحٌ
لتشبيه الدعاء إلى الله تعالى بالصوت الجميل. وقدسية النغم: النغم
المطهَّرة المنزَّهة عن تطريب الغناء بتكبير الألفاظ واعتصار
الحناجر وإيقاع الأصوات.
٦٠
فلا تسل: يعني أن الأمر واضحٌ غنيٌّ عن السؤال، يقال عند ظهور
الأمر ووضوحه: لا تسأل. العلَم: الجبل.
٦١
ألمَّ: نزل. واللمم (محرَّكة): الجنون. والمعنى أنه قد أقبل
بعضهم على بعض يتساءلون عن الأمر العظيم الذي نزل بهم، وهو أن يقوم
رجل ليس له ما لهم من البأس والمنعة يُزعِجهم عما كان يعبد آباؤهم
— وهم سادات قريش وجباهها — ويأخذهم عما ألِفوا من عاداتهم
وأخلاقهم المغروزة فيهم، دُهشوا لهذا واستعظموه، حتى جُنَّ منه
شيبهم وشبابهم.
٦٢
العلم: الظاهر المشتهر. والجاهلون على الهادي: المتعنتون.
والاستفهام في قوله «هل تجهلون»: إنكاري.
٦٣
انصرمت: انقطعت. منصرم: منقطع. الحكيم: القرآن، وقد وصفه الله
تعالى بالحكيم في مواضع منه.
٦٤
جدد: جمع جديد، كسُرُر وسرير.
٦٥
يقال: عطلت المرأة عطلًا، إذا لم يكن عليها حلي.
٦٦
مهج: جمع مهجة، وهي دمُ القلب.
٦٧
ريعت: ذُعِرَت وخافت. وشُرَف: جمع شرفة، وهي ما يوضع على القصور
ونحوها. والقدم: جمع قَدُوم. روي أن شُرَفَ الإيوان — وهو مأوى
سلطان الأكاسرة — ارتجَّت وهوت ليلة مولده
ﷺ، لم تعمل فيها
المعاول، ولم تهدمها القُدُم، بل تداعت من صدمة الحق.
٦٨
البهم: جمع بهمة، وهي ولد الضأن والمعز. والبلم: صغار
السمك.
٦٩
المسجد الأقصى: بيت المقدس. وعلى قدم: قائمون محتشدون.
٧٠
ذي خطر: ذي قدرة ومنزلة. ويأتمم: أي يأتم، والأصل ومَن يأتم
بحبيب الله يفز، ولكنه قلب للمبالغة والمبادرة بذِكر الفوز.
٧١
بهم: أي بملابسة بعضهم فيها، فإنه ورد أنه مر ببعضهم في السموات،
لا كما هو المتبادر من قوله إنهم صاحبوه حين جاب السموات. ويريد
بقوله «منورة دُرِّية اللُّجُم»: البراق.
٧٢
«من» في قوله «من عز ومن شرف»: للتعليل؛ أي لأجل عزك وشرفك.
والأينُق الرُّسُم: النوق الشديدة الوطء لقوَّتها، حتى كأنها ترسم
في الأرض بمشيها آثارًا ظاهرة. والرُّسُم: واحدها رسوم. والجياد:
جمع جواد، وهو الفرس الرائع البيِّن الجودة.
٧٣
خطُّه علوم الدين والدنيا: كناية عن تعليمها الناس وبثها فيهم.
وقراءة اللوح ولمس القلم: كناية عن إطلاع الله له على ما أطلعه
عليه من الغيوب.
٧٤
عن ابن عباس — رضي الله عنه — أنه
ﷺ قال: «علَّمني ربي
ليلة الإسراء علومًا شتى؛ علمٌ أخذ عليَّ كتمانه، وعلمٌ خيَّرني
فيه، وعلمٌ أمرني بتبليغه.»
٧٥
يجوز أن يكون «القرب» فاعلًا لـ «ضاعف»، و«ما» وما بعدها مفعولًا
به، والمعنى أن قربه من الله تعالى قد أربى على جميع ما وليه
ﷺ من النعم التي لا يدركها العد، فكانت بإضافة القرب إليها
أضعاف ما كانت قبله، ويجوز أن يكون مفعولًا، والفاعل «ما» وما
بعدها، والمعنى أن ما تجلى الله تعالى عليه به من النعم التي لا
تُعَدُّ وأولاه من الفضائل التي لا تُحصى قد زاد قربه؛ لأنه قربٌ
على قربٍ، والأول أولى.
٧٦
عصبة الشرك: أي عصبة من أهل الشرك الذين ذهبوا يطلبونه
ﷺ
يوم هجرته. والغار: كالثقب بجبل أسفل مكة. سائمة: راعية.
٧٧
من أمم: من قرب.
٧٨
الغاب: الشجر الكثير المتكاثف. والحائمات الزُّغب: الحمام.
والرخم: جمع رخمة، وهي طائر على شكل النسر إلا أنه منقط السواد
والبياض.
٧٩
شبَّه إدبارهم ونكوصهم على أعقابهم خائبين بدمغ الباطل وإدحاضه،
قال الله تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ
عَلَى الْباطِلِ فيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ.
ونسبة اللعن لوجوه الأرض مجازٌ عقلي، واللاعن مَن فيها من المسلمين
والملائكة، أو المراد وجوه أهلها؛ أي أعيانهم وأفاضلهم.
٨٠
الجاران: الرسول
ﷺ وأبو بكر الصديق رضي الله عنه. والمراد
باليد: النعمة. وعينه: عنايته. وحرف الشرط مقدَّر في الجملة
الثانية.
٨١
جناح الله: لطفه وستره. ويُضَم: يلحق به الضيم.
٨٢
من أسمائه
ﷺ: أحمد، وقد سُمِّي الشاعر به تيمنًا باسم
الرسول الأكرم. ويتسامى: يتعالى. والاستفهام في البيت
إنكاري.
٨٣
تبع: أخبر بالمصدر مبالغةً، وأفرده لأنه يستوي فيه الواحد
والجمع، أو على تقدير مضاف؛ أي ذوو تبع؛ أي مقتدون به. والقدم:
التقدُّم والمنزلة. وصاحب البردة: هو الإمام البوصيري.
٨٤
مديحه حب: أي ناشئ من الحب، أو ذو حب؛ أي دالٌّ عليه.
٨٥
الصوب: الانصباب، ومجيء السماء بالمطر. والعارض: السحاب المعترض
في الأفق. والعرم: يريد المطر الشديد.
٨٦
الغابط: الذي يتمنى مثل ما للغير، وليس هذا القدر بمذموم. ويذمم:
يذم.
٨٧
البكم: الخرس. وسحبان: هو سحبان وائل من بني باهلة، كان يُضرَب
بفصاحته المثل.
٨٨
يقال واسَمه في الحسن فوسمه: غلبه فيه. انخفاض الجبال: كناية عن
ظهورها قصيرة بالنسبة لارتفاع قدره
ﷺ وعلو شأنه.
٨٩
الكمي: لابس السلاح.
٩٠
تهفو: هفا الظبي في المشي يهفو هفوًا وهفوانًا؛ أسرع وخفَّ فيه،
والمراد هنا شدة ميل القلوب له وانجذابها إليه
ﷺ. وحبَّة
القلب: سويداؤه. والبهم: جمع بهمة، وهو الشجاع.
٩١
مصطدم: بمعنى المصدر، أي الاصطدام؛ أو الموضع، أي موضع الاصطدام،
وهو ميدان الحرب.
٩٢
النقع: غبار الحرب.
٩٣
بدر: موضع بين الحرمَين الشريفين، وفيه كانت الغزوة المشهورة
التي دمغ الله فيها الشرك وأعزَّ الإسلام.
٩٤
اليتم في الناس: فقدان الأب، وهو في الأشياء: التفرُّد وعدم وجود
نظائر لها. واللؤلؤة اليتيمة: التي لا نظير لها في العقد. ذُكِرت
باليتم في القرآن: يشير إلى قوله تعالى أَلَمْ
يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى. وحرَّك التاء إتباعًا لحركة
الياء قبلها في قوله «اليتم»، ولا يخفى ما فيه من حسن
التعليل.
٩٥
روى الترمذي عنه
ﷺ قال: «عرض عليَّ ربي أن يجعل لي بطحاء
مكة ذهبًا، فقلت: لا يا رب، ولكن أشبع يومًا وأجوع يومًا.»
٩٦
والجهل موت: كالترشيح للاستعارة في البيت السابق، وهو تشبيهٌ
بليغ. وأوتيتَ: خطاب لغير معيَّن. والرجم: القبر.
٩٧
العمم: اسمُ جمعٍ للعامة.
٩٨
الغلِم: الهائج الثائر.
٩٩
الحدم (بالتحريك): شدة احتراق النار.
١٠٠
الرُّحم: الرقة والمغفرة والتعطُّف. لم يكن استعمال القوة في
إقامة الدعوة للدين شأن الدين الإسلامي وحده، وهذه الديانة
المسيحية الموصوفة بديانة الرهبنة والسلام، لم تبدأ الدعوة إليها
حتى أصاب أهلَها ما أصابهم، من الطرد والقتل والتعذيب والتشريد
والتمثيل، بأيدي الجبابرة الطغاة من الملوك والقياصرة، بل بأيدي
الشعوب والأمم، وتاريخ المسيحية بين أهل رومية مما تشيب له
الوِلدان، فترى الدين المسيحي دين الرهبنة والسلام ما دخل البلاد
إلا على رءوس الأسِنَّة، ولا حُمِل إلى الأمم إلا على متون
السيوف.
١٠١
المكان: المكانة بمعنى القرب وارتفاع المنزلة؛ لأن الله تعالى
منزَّه عن المكان والجهة. ووجبت: ثبتَت له من القدم؛ لأن الله
تعالى علِم الأشياء وأرادها أزلًا فصارت واجبة؛ بمعنى أنها لم
تتخلف أبدًا، والخبر محذوف في قوله «مكان» و«حرمة»: أي
ثابتان.
١٠٢
لسُمِّر: جواب الشرط في البيت السابق. والطهر: الطاهر من أدران
المعاصي، ووُصِف بالمصدر مبالغةً. واللوحان: الصليب الذي أُعِدَّ
له عليه السلام. والمراد بالتسمير: الصلب. لم يجم: لم يفزع.
١٠٣
جلَّ المسيح: تنزَّه عما رماه به اليهود من كاذب التُّهم وباطل
الأقاويل، وعما زعموا من أنهم صلبوه وَما
قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ.
وشانئه: مبغضه. وحرَّك الراء في قوله «والجرم» إتباعًا لحركة الجيم
قبلها.
١٠٤
أخو النبي: أي في الرسالة. روح الله: أي روح منه، قال تعالى:
إِنَّما الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ
رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ
مِنْهُ؛ وسُمِّي روحًا لإحيائه الموتى بإذن الله،
ولأنه نفخة من جبريل، قال تعالى: فَنَفَخْنا
فِيهِ مِن رُوحِنا، ونسبة النفخ إلى الله تعالى مجاز.
و«من» في الآية: للابتداء. فوق السماء: أي السماء الدُّنيا. محترم:
صفة لقوله «نُزُل» بضمتَين، وهو في الأصل المنزل، وما هُيِّئ للضيف
أن ينزل عليه.
١٠٥
الذمم: جمع ذمة، وهي العهد والأمان، والحق.
١٠٦
عمد: جمع عمود. وقرَّ: ثبت. ودعم: جمع دعام، وهو عماد البيت،
والدعم هنا كناية عما يستقيم به نظام الممالك، ويرتفع به شأن
الأمم.
١٠٧
الغرُّ: جمع أغرَّ، صفة لذي الغُرَّة، وهي بياض في الجبهة،
والأعصر الغرُّ: التي ساد فيها العلم، وعمَّت أسباب العدل.
الدُّهم: المظلمة التي شاع في أهلها الجهل، وفشا فيهم
الظلم.
ما زالت الغلبة للقوة، ولا زالت مُعتمَد الدول ومُستنَد الأمم في رفع عماد الملك وتثبيت دعامة الحكم، استوت في ذلك الأزمان السالفة التي يظنونها أزمان تأخر وتقهقر، والأيام الحاضرة التي يزعمونها أيام تقدُّم وتنوُّر. وفي البيت الطباق.
ما زالت الغلبة للقوة، ولا زالت مُعتمَد الدول ومُستنَد الأمم في رفع عماد الملك وتثبيت دعامة الحكم، استوت في ذلك الأزمان السالفة التي يظنونها أزمان تأخر وتقهقر، والأيام الحاضرة التي يزعمونها أيام تقدُّم وتنوُّر. وفي البيت الطباق.
١٠٨
اعتلت: علت.
١٠٩
قاصمة: كاسرة، ومنقصم: منكسر. في هذا البيت مقارنة بين أهل
الديانة المسيحية وأهل الديانة الإسلامية، فذكر أن المتشيعين اليوم
إلى الدين المسيحي (دين الهدوء والسلام) هم أهل القوة الحربية،
الدائبون على إعداد المهلكات في الحروب، حتى كأنهم أصبحوا ولم يبقَ
لهم من شغل يشغلهم إلا استخراج الذهب من بطون الأرض، وإنفاقه على
مصانع الحديد والفولاذ لطبع آلات الحرب في طول الأرض وعرض البحر،
وقد افتنُّوا في أسباب الإهلاك والتدمير، ولم يكفِهم أن يُدمدِموا
على الناس، ويأخذوهم بالبلاء عن أيمانهم وعن شمائلهم، ومن خلفهم
ومن تحت أرجلهم، حتى قاموا على تسخير الرياح ليرموهم من فوق رءوسهم
بكل دهياء، على حين أن أهل الديانة الإسلامية، الذين يتهمهم
الظالمون بحب الفتح والجهاد، ويشينون سمعتهم بحب الطعن والجلاد،
والولوغ في دماء العباد، هم القوم أهل السكينة والسلام، وهيهات أن
يدانوا أهل الديانة المسيحية في حب الفتوح والحروب، أو يشاكلوهم في
ادخار آلات الحرب واستعداد مُعَّدات الكفاح.
١١٠
الهيجاء: الحرب. الرجم: النجوم التي يرمي بها. رجع إلى خطابه
ﷺ، وشبَّه أصحابه بالأُسود؛ لِما لهم من شجاعتهم وبأسهم.
ورميه بهم: كناية عن ندبه إيَّاهم للجهاد، وتقديمهم إلى مواطن
الطعن والجلاد. والرمي بالرجم يكون للشياطين؛ ففيه استعارة مكنية؛
أي إنهم كالشياطين يرمون بالرجم.
١١١
على لوائك: أي مُنضوٍ تحت لوائك. استعارة العلو للتحتية استعارةٌ
تمليحية.
١١٢
الاضطرام: توقُّد النار وتأججها. سابح: جواد، شبَّه حميَّتهم
ونشاطهم في الحرب وجولاتهم فيها باضطرام النار، وهو توقُّدها
وتأججها، وأخذها يمينًا وشمالًا، واستعار الاضطرام لذلك المعنى، ثم
اشتق منه مضطرم، على سبيل التبعية.
١١٣
يبغي: يريد. وشبه العزم بالسهم، بجامع المضاء والنفوذ في كلٍّ.
وشبه الدهر بذي رحال، بجامع التحول في كلٍّ، وحذف المشبه به، ورمز
إليه بلازمه — وهو الرحال — على طريقة الاستعارة المكنية. لم يرم:
لم ينتقل ولم يتحول.
١١٤
مفاليل: الفل الثلم في السيف. والهندية: نسبة إلى الهند، كانت
مشتهرة بطبع السيوف. والخذم: جمع خَذِم، ككتف، السيف القاطع. بيض:
أي سيوفٌ بيض. شبههم بالسيوف لإزهاقهم نفوس الأعداء، وهو تشبيهٌ
بليغ، ومفاليل ترشيح للتشبيه بالسيوف.
١١٥
بالعهد: أي احتفاظًا بما عاهدوا الله ورسوله عليه من نصرته
للرسول. من: تفصيل لحال الرجل، أو تفصيل لمعنى «كم».
١١٦
أشار في هذا البيت إلى أن ما ناله أصحاب الرسول
ﷺ من
الفوز بالسعادة وارتفاع الدرجة عند الله تعالى، إنما كان بما تقدم
لهم من الفضائل والبلاء في نصرة الدين، وتعرضهم للقتل والطعن في
سبيل الله تعالى، ولولا ذلك ما كان لهم فضل على سائر الناس، ولا
عدت درجتهم منزلة غيرهم من العالمين.
١١٧
الوشي: النقش.
١١٨
حامت: عطفت ومالت. ونهى: جمع نهية، وهي العقل. والسلسل: الماء
العذب.
١١٩
نور السبيل: لأنها يُهتدى بها إلى غاية النجح والفلاح في الدنيا،
والفوز والسعادة في الآخرة. وشباب الدهر والهرم: كناية عن أوَّله
وآخره، أو عن حالتَي إقباله وإدباره. وتكفُّلها بشباب الدهر … إلخ:
أي تكفُّلها بما يُعلِي أهلها، ويُصلح من شأنهم على كل حال من
الأحوال، بلا تغيير في أحكامها ولا تبديل لنصوصها.
١٢٠
التمم: التام.
١٢١
الحزم: جمع حزام.
١٢٢
سرعان: اسم فعل، يُستعمَل خبرًا محضًا، وخبرًا فيه معنى
التعجُّب، يقال سرعان ما فعل كذا؛ أي ما أسرعَه. والنهل: أوَّل
الشرب، تقول أنهلت الإبل إذا شربت من أوَّل الورد. والسلسال: الماء
العذب. والشبم: البارد.
١٢٣
ساروا عليها: أخذوا بها وجروا على أحكامها. هداة الناس: أي حالة
كونهم هادين للناس. فهي: أي الملة. بهم: أي بسبب قيامهم بها ونشرهم
لها.
١٢٤
روما: هي المدينة المعروفة الآن بهذا الاسم، قاعدة لمملكة
إيطاليا، وكانت في الزمن السابق قاعدة لمملكة الرومان المشهورة.
وأثينا: قاعدة مملكة اليونان الآن، وكانت من أكبر مدن الأمة
اليونانية في العصور السابقة. وبغداد: قاعدة الخلافة الإسلامية في
دولة بني العباس. والتوم: جمع تومة، وهي الحبَّة من الفضة تُعمَل
على شكل الدرَّة.
١٢٥
كسرى: لقب لكل مَن يلي ملك فارس. والنيران: لعله يريد بها نيران
فارس، التي خبت ليلة مولد النبي
ﷺ، وكان ذلك أيام كسرى
أنوشروان. والأيم: الدخان.
١٢٦
الهرم: الأهرام في مصر كثيرة، وأشهرها أهرام الجيزة الثلاثة،
وأكبرها أشهرها وأعجبها، حتى إذا ذُكِر لفظ الهرم صُرِف إليه.
ورعمسيس: اسم بعض الفراعنة (ملوك مصر القدماء)، وقد تَسمَّى بهذا
الاسم غير واحد منهم، ولعل الشاعر يريد أولئك الفراعين — على
الجملة — الذين ينتسب مجدهم إلى مثل هذا العمل الخطير، وإن كان
باني الهرم ليس رعمسيس بعينه.
١٢٧
دار السلام: بغداد. والسلم: التسليم.
١٢٨
ملتأم: مجتمع. مختصم: بمعنى المصدر؛ أي اختصام. كما اشتهرت
«روما» بقضائها وقوانينها قد اشتهرت بخطبائها وشعرائها، وكان من
عادة الرومانيين أنهم إذا نزل بهم الأمر العظيم، نفروا إلى بعض
أماكنهم العامة، فخطبهم الخطباء، وأنشدهم الشعراء، الذين كان
لفصاحة ألسنتهم في الناس تأثيرٌ عجيب، ومع هذا فما دانَوا في
قضائهم شأوَ بغداد، التي كان يُقضى فيها بدين الله، وهو أجلُّ من
أن يقاس به غيره، ويوازَن به ما سواه، ولا بلغوا في فصاحتهم شأن
فصحاء الدولة العباسية، الذين قالوا في كل باب، فهزُّوا النفوس
وخلبوا الألباب.
١٢٩
الطراز: علم الثوب، والجيد من كل شيء. ولا احتوت على رشيد … إلخ:
أي على أمثالهم في الفضل والعدل والحزم. ورشيد: هو هارون الرشيد.
ومأمون: هو عبد الله المأمون بن هارون الرشيد الخليفة العباسي
المشهور. ومعتصم: هو أبو إسحاق محمد المعتصم بن هارون الرشيد، ولي
الخلافة يوم وفاة أخيه المأمون.
١٣٠
الكتائب: جمع كتيبة، وهي الجيش. والتخم، كعنق: جمع تخوم، وهي
الفواصل بين الأرضَين من معالم الحدود.
١٣١
المحل: الجدب. والعدم: فقدان المال.
١٣٢
خلائف الله: هذا قولٌ مستأنفٌ عامٌّ لجميع الخلفاء المتقدِّمين
والمتأخرين، وذِكر الخلفاء الراشدين بعده من ذِكر الخاص بعد العام؛
اهتمامًا بشأنهم، وتيمنًا بذِكرهم، ووصل بهم عمر بن عبد العزيز —
رضي الله عنه — لشدة فضله وورعه، وتشبُّهه بهم، واقتدائه في حكومته
بحكومتهم، فكان حقيقًا أن يُذكَر فيهم ويُلحَق بهم.
١٣٣
المعدلة: العدل.
١٣٤
الإمام: هو الإمام علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه. ومآقي
العيون: أطرافها مما يلي الأنوف، وهي مجاري الدمع.
١٣٥
يقال رجل ندب: أي خفيف في الحاجة سريع ظريف نجيب.
١٣٦
ابن عفان: هو أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه.
والفُطُم: جمع فطيم، وهو الصبي المفصول عن الرضاع.
١٣٧
وجرح بالكتاب دمي: أي وجرح دمي به الكتاب، وقلب للمبالغة؛ وذلك
أن قتلة عثمان — رضي الله عنه — دخلوا عليه الدار، وخبطوه بالسيوف
وهو صائم والمصحف في حجره، وهو يقرأ فيه، فوقع المصحف من يده وسال
الدم عليه.
١٣٨
يشير إلى حروب الردة بعد وفاة النبي
ﷺ، وانتصاره على
المرتدِّين.
١٣٩
يقول: ما ظنك بتلك المِحَن التي تنحرف بعمر — رضي الله عنه — عن
الرشد وله ما تعلم من كمال الرشد، ووفور العقل، وصدق اليقين،
وتُذهِله عن إدراك أمر من أظهر البديهيات لديه، هو أن يدرك الموت
رسول الله
ﷺ.
١٤٠
وذلك أنه لمَّا قُبِض رسول الله
ﷺ، وقال الناس مات رسول
الله، أسرع عمر إلى سيفه، وتوعَّد مَن يقول ذلك، وقال إني لأرجو أن
يقطع أيدي رجال وأرجلهم، فلمَّا حضر أبو بكر، وأُخبِر الخبر، كشف
عن وجه رسول الله
ﷺ، ثم أكبَّ عليه فقبَّله وبكى، ثم قال:
بأبي أنت وأمي، والله لا يجعل الله عليك موتتَين، أما الموتة التي
كُتبَت عليك فقد متَّها. ثم خرج إلى الناس وقال: ألا مَن كان يعبد
محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومَنْ كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا
يموت.
١٤١
النخب: جمع نخبة، وهو الرجل المختار.
١٤٢
الحلك (محرَّكة): شدة السواد. والشمم في الأنف: ارتفاع القصبة
وحُسنُها، وهو هنا كناية عن الحميَّة وشرف النفس. وأنف الحادثات
حمي: كناية عن اشتداد الخَطب واستفحال الأمر.
١٤٣
هاله الأمر هولًا: أفزعه. والجلل هنا: الأمر العظيم. والعمم:
التام العام من كل أمر، يقال أمرٌ عمم؛ أي تامٌّ عام.
١٤٤
القحم: جمع قحمة بالضم، ومن معانيها الأمر الشاق لا يكاد يركبه
أحد، وهو المراد هنا.
١٤٥
لا يخفى ما في «حسن مختتم» من حسن الختام.