أرسططاليس وترجمانه١
علَّمتَ بالقلمِ الحكيمِ
وهدَيتَ بالنَّجمِ الكريمِ
وأتَيتَ من مِحرابِهِ
بأرسططاليسَ العظيمِ
مَلِكِ العقولِ وإنها
لَنهايةُ المُلْكِ الجسيمِ
شيخُ ابنِ رشدٍ وابن سِيـ
ـنا وابنِ بَرقينَ الحكيمِ٢
مَن كان في هَديِ المَسيـ
ـحِ وكان في رُشدِ الكليمِ
وغدا وراح مُوحِّدًا
قبلَ البَنيَّةِ والحَطيمِ٣
صوتُ الحقيقةِ بينَ رَعـ
ـدِ الجاهليةِ والهزيمِ٤
ما بينَ عاديةِ السَّوا
مِ وبينَ طُغيانِ المُسيمِ٥
يبني الشرائعَ للعُصو
رِ بِناءَ جبَّارٍ رحيمِ
ويُفصِّل الأخلاقَ للـ
أجيالِ تفصيلَ اليتيمِ٦
في واضحٍ لَحْبِ الطريـ
ـقِ من المذاهبِ مُستقيمِ٧
ورسائلٍ مِثلِ السُّلا
فِ إذا تمشَّت في النديمِ
قدسيةِ النفحاتِ تُسـ
ـكِر بالمذاقِ وبالشَّميمِ
•••
يا لُطْفِ أنت هو الصَّدى
من ذلك الصوتِ الرخيمِ
أَرَجُ الرياضِ نقلتَهُ
ونسختَه نَسْخَ النسيمِ
وسرَيتَ من شِعْبِ الألمـ
ـبِ به إلى وادي الصَّريمِ٨
فتجارَتِ اللغتانِ للـ
ـغاياتِ في الحسبِ الصميمِ
لغةٌ من الإغريق قيِّـ
ـمةٌ وأُخرى من تميمِ
وأتَيتَنا بمُفصَّلٍ
بالتِّبر عُلويِّ الرَّقيمِ
هو ضِنَّةُ المُثرِي من الـ
أخلاق أو مالُ العديمِ٩
•••
مَشَّاءَ هذا العصرِ قِفْ
حدِّثْ عن العُصُرِ القديمِ١٠
مثِّلْ لنا اليونان بيـ
ـنَ العلمِ والخُلقِ القويمِ
أخلاقُها نورُ السبيـ
ـلِ وعِلمُها نورُ الأديمِ
وشبابُها يتعلمو
نَ على الفراقدِ والنجومِ
لمَسوا الحقيقةَ في الفنو
نِ وأدرَكوها في العلومِ
حلَّت مكانًا عندهم
فوقَ المُعلِّم والزعيمِ١١
والجهلُ حظُّك إن أخَذ
تَ العِلمَ من غيرِ العليمِ
ولرُبَّ تعليمٍ سرى
بالنشءِ كالمرضِ المُنيمِ١٢
يتلبَّسُ الحُلُم اللذيـ
ـذُ عليه بالحُلُمِ الأليمِ
ومدارسٍ لا تُنهِضُ الـ
أخلاقَ دارِسةِ الرُّسومِ
يمشي الفسادُ بنَبتِها
مشْيَ الشرارةِ بالهشيمِ
•••
لمَّا رأيتُ سوادَ قَو
مي في دُجى ليلٍ بهيمِ
يُسقَونَ من أُمِّيَّةٍ
هي غُصَّةُ الوطنِ الكظيمِ
وسراتُهم في مُقعِدٍ
من مَطلَبِ الدنيا مُقِيمِ
يَسعَون للجاهِ العظيـ
ـمِ وليس للحق الهضيمِ
وبصُرتُ بالدستور يُزْ
هَقُ وهْو في عُمُرِ الفطيمِ
لم يَنجُ من كيدِ العَدوِّ
له ومن عبثِ الحميمِ
أيقَنتُ أن الجهلَ عِلَّـ
ـةُ كلِّ مجتمعٍ سقيمِ
وأتيتُ يا رَبَّ النثيـ
ـرِ بما تُحِبُّ من النظيمِ
أجِزِ اجتهادَك في جَنى الثَّـ
ـمراتِ للنَّشَأِ النهيمِ١٣
من روضةِ العلمِ الصحيـ
ـحِ وربوةِ الأدبِ السليمِ
العاشقينَ العلمَ لا
يألونه طلبَ الغريمِ
المُعرِضينَ عن الصغا
ئرِ والسعايةِ والنميمِ
•••
قسَمًا بمذهبِك الجميـ
ـلِ ووجهِ صُحبتِك القسيمِ
وقديمِ عهدٍ لا ضئيـ
ـلٍ في الوداد ولا ذميمِ
ما كنتَ يومًا للكِنا
نةِ بالعدوِّ ولا الخصيمِ
لمَّا تَلاحى الناسُ لم
تنزلْ إلى المَرعى الوخيمِ١٤
كم شاتمٍ قابَلتَهُ
بترفُّعِ الأسدِ الشتيمِ١٥
وشغلتَ نفسك بالخصيـ
ـبِ من الجهودِ عن العقيمِ
فخدمتَ بالعلمِ البلا
دَ ولم تزَلْ أوفى خَديمِ١٦
والعِلمُ بنَّاءُ المآ
ثِرِ والممالكِ من قديمِ
كسروا به نِيرَ الهوا
نِ وحطَّموا ذُلَّ الشكيمِ
١
ترجم الأستاذ أحمد لطفي باشا السيد كتاب أرسططاليس في علم الأخلاق إلى
العربية، فكتب إليه صاحب الديوان هذه التهنئة.
٢
برقين: بلدة المُترجِم لطفي باشا السيد.
٣
البنية: الكعبة.
٤
الهزيم: صوت الرعد.
٥
السوام: المرعية. والمسيم: الراعي.
٦
اليتيم: اللؤلؤ.
٧
الطريق اللحب: الواسع.
٨
الألمب: جبل من جبال اليونان. والصريم: وادٍ من أودية
العرب.
٩
الضنة: الشيء الذي يُضَنُّ به.
١٠
المشاءون: تلاميذ أرسططاليس.
١١
هذه إشارة إلى قول أرسططاليس المشهور: أفلاطون حبيب إليَّ،
ولكنَّ الحقيقة أحَبُّ إليَّ منه.
١٢
المرض المنيم: المُنوِّم.
١٣
النهيم: الذي لا يشبع.
١٤
تلاحى الناس: تلاعنوا.
١٥
الشتيم: العابس.
١٦
الخديم: الخادم.