ضيف أمير المؤمنين١
رضِيَ المسلمون والإسلامُ
فرْعَ عثمانَ دُمْ فِداك الدوامُ٢
كيف نُحصي على عُلاكَ ثناءً
لك منك الثناءُ والإكرامُ
هل كلامُ العبادِ في الشمسِ إلا
أنها الشمسُ ليس فيها كلامُ
ومكانُ الإمام أعلى ولكن
بأحاديثه يَتِيهُ الأنامُ٣
إيهِ «عبدَ الحميدِ» جلَّ زمانٌ
أنت فيه خليفةٌ وإمامُ٤
ما رأت مِثلَ ذا الذي تَبتني الأقـ
ـوامُ مَجدًا ولن يَرى الأقوامُ
دولةٌ شادَ ركنَها ألفُ عامٍ
ومئاتٌ تُعِيدها أعوامُ٥
وأساسٌ من عهدِ عثمانَ يُبنى
في ثمانٍ ومِثلهن يُقامُ
حكمةٌ حالَ كلُّ هذا التجلِّي
دونَها أن تنالها الأفهامُ
يسأل الناسُ عندها الناسَ هل في النَّـ
ـاس ذو المقلةِ التي لا تنامُ٦
أم مِن الناسِ بعدُ مَن قولُه وحْـ
ـيٌ كريمٌ وفِعلُه إلهامُ٧
صدَقَ الخَلقُ أنت هذا وهذا
يا عظيمًا ما جازَه إعظامُ٨
شرفٌ باذخٌ ومُلكٌ كبيرٌ
ويمينٌ بُسْطٌ وأمرٌ جُسامُ٩
«عُمَرٌ» أنتَ بيْدَ أنك ظلٌّ
للبرايا وعصمةٌ وسلامُ١٠
ما تتوَّجتَ بالخلافة حتى
تُوِّجَ البائسون والأيتامُ
وسرى الخصبُ والنماءُ ووافى الـ
ـبِشرُ والظلُّ والجَنى والغَمامُ١١
وتلقَّى الهلالَ منك جبينٌ
فيه حُسنٌ وبالعُفاةِ غَرامُ١٢
فسلامٌ عليهمُ وعليه
يومَ حيَّتهمُ به الأيامُ
وبدا المُلكُ مُلكُ عثمانَ من عَلْـ
ـياكَ في الذروةِ التي لا تُرامُ١٣
يهرعُ العرشُ والملوكُ إليه
وبنو العصر والولاةُ الفِخامُ١٤
هكذا الدَّهرُ حالةٌ ثم ضدٌّ
ما لحالٍ مع الزمان دوامُ
ولَأنت الذي رعيَّتُه الأُسْـ
ـدُ ومَسرى ظِلالِها الآجامُ١٥
أمةُ التُّركِ والعراقُ وأهلو
هُ ولبنانُ والرُّبا والخيامُ
عالمٌ لم يكن ليُنظَم لولا
أنك السِّلمُ وَسْطَه والوئامُ١٦
هذَّبَته السيوفُ في الدَّهرِ واليو
مَ أتمَّت تهذيبَه الأقلامُ١٧
أيقولون سَكرةٌ لن تَجلَّى
وقعودٌ مع الهوى وقيامُ١٨
ليذوقُنَّ للمُهلهِلِ صَحوًا
تَشرفُ الكأسُ عنده والمُدامُ١٩
وضع الشرقُ في يدَيك يدَيه
وأتَت من حُماتِه الأقسامُ٢٠
بالولاءِ الذي تُريدُ الأيادي
والولاءِ الذي يُريد المَقامُ٢١
غيرَ غاوٍ أو خائنٍ أو حسود
برِئَت من أولئك الأحلامُ٢٢
كيف تُهدَى لما تُشِيدُ عيونٌ
في الثرى مِلؤها حصًى ورغامُ٢٣
مُقَلٌ عانَتِ الظلامَ طويلًا
فعماها في أن يزولَ الظلامُ٢٤
قد تعيش النفوسُ في الضَّيمِ حتى
لَترى الضَّيمَ أنها لا تُضامُ٢٥
أيها النافرون عُودوا إلينا
ولِجُوا البابَ إنه الإسلامُ٢٦
غرضٌ أنتمُ وفي الدَّهرِ سهمٌ
يومَ لا تدفعُ السهامَ السهامُ٢٧
نِمتمُ ثم تطلبون المعالي
والمعالي على النِّيامِ حرامُ٢٨
شَرُّ عَيشِ الرجالِ ما كان حُلْمًا
قد تسيغ المنيَّةَ الأحلامُ٢٩
ويبيتُ الزمانُ أندلسيًّا
ثم يُضحِي وناسُه أعجامُ٣٠
•••
عاليَ البابِ هَزَّ بابُك مِنَّا
فسعَيْنا وفي النفوسِ مَرامُ٣١
وتجلَّيتَ فاستلَمْنا كما للنـ
ـاسِ بالركنِ ذي الجلالِ استلامُ٣٢
نستميحُ الإمامَ نصرًا لمصرٍ
مِثلَما ينصرُ الحسامَ الحسامُ٣٣
فلِمِصرٍ وأنت بالحُبِّ أدرى
بكَ يا حاميَ الحِمى استعصامُ٣٤
يشهدُ اللهُ للنفوسِ بهذا
وكفانا أن يشهدَ العلَّامُ
وإلى السيدِ الخليفةِ نشكو
جورَ دهرٍ أحرارُه ظُلَّامُ٣٥
وعَدُوها لنا وُعودًا كبارًا
هل رأيت القُرى علاها الجَهامُ٣٦
فمَلِلْنا ولم يكُ الداءُ يحمي
أن تملَّ الأرواحُ والأجسامُ٣٧
يمنعُ القيدُ أن تقوم فهل تا
جٌ فبالتاجِ للبلاد قيامُ
فارفع الصوتَ إنها هي مصرٌ
وارفع الصوتَ إنها الأهرامُ
وَارْعَ مصرًا ولم تزَل خيرَ راعٍ
فلها بالذي أرَتكَ زِمامُ
إن جهدَ الوفاءِ ما أنت آتٍ
فليقُم في وقائك الخُدَّامُ٣٨
وَلْيَصُولوا بمَن له الدهرُ عبدٌ
وله السعدُ تابعٌ وغلامُ٣٩
فاللواءُ الذي تلقَّوا رفيعٌ
والأمورُ التي تولَّوا عِظامُ
مَن يُرِدْ حقَّه فلِلحقِّ أنصا
رٌ كثيرٌ وفي الزمانِ كرامُ
لا ترُوقَنَّ نومةُ الحقِّ للبا
غي فلِلحقِّ هبَّةٌ وانتقامُ
إنَّ للوحش والعِظامُ مُناها
لَمنايا أسبابُهنَّ العِظامُ٤٠
رافعَ الضادِ للسُّها هل قَبولٌ
فيُباهي النجومَ هذا النظامُ٤١
قامت الضادُ في فمي لك حُبًّا
فَهْي فيه تحيةٌ وابتسامُ
إن في «يَلدزِ» الهُدى لَخِلالًا
أنا صَبٌّ بلُطفِها مُستهامُ٤٢
قد تجلَّت لخيرِ بدرٍ أقلَّت
في كمالٍ بدَت له أعلامُ٤٣
فالْزَمِ التمَّ أيها البدرُ دومًا
والْزَمِ البدرَ أيُّهذا التمامُ٤٤
١
نزل صاحب الديوان بالآستانة، فبُلِّغ أنه ضيف أمير المؤمنين ما أقام
بها.
٢
فرع عثمان: هو السلطان عبد الحميد.
٣
يتيه: يتكبَّر.
٤
إيه: اسم فعل، معناه الاستزادة من الحديث.
٥
شاد ركنها ألف عام ومئات: أي رفع ركنها ألف عام ومئات، وهي دولة
الإسلام منذ هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام. تعيدها أعوام: أي
تُرجعها إلى مثل قوَّتها أعوام معدودة، هي التي توليت فيها
أمرها.
٦
يسأل الناس عندها: أي عند هذه الحكمة، والمعنى أن بعضهم يسأل
بعضًا: هل فيهم مَن هو مثلك ساهر على الملك فلا تنام عينه؟
٧
أم من الناس: أي يسألون أيضًا أمِنْهم مَن يكون له ذكر بعدك، أنت
الذي يصدر عنك القول صادقًا مطاعًا كأنه الوحي، ويصدر عنك العمل
صوابًا كأنه إلهام من الله.
٨
صدق الخلق: أي صدقوا في الحالَين؛ فأنت الذي لا تنام عينك، وأنت
القائل الصدق والفاعل الصواب.
٩
شرف باذخ: طويل. ويمين بسط (بضم الباء): أي مبسوطة مطلقة، كناية
عن الجود والسخاء. أمر جسام. بضم الجيم: عظيم ضخم.
١٠
عمر أنت: أي أنت كعمر بن الخطاب في عدله وتقواه.
١١
الخصب: رغد العيش. والجنى: ما يُجنى من الشجر.
١٢
وبالعفاة غرام: أي وفيه غرام العفاة. والعفاة: جمع عافٍ، وهو
طالب الفضل والرزق.
١٣
من علياك: أي من عليائك، والعلياء: ما علا من الشيء.
١٤
يهرع: يمشي إليه بسرعة. والفخام: جمع فخم، وهو العظيم
القدر.
١٥
المسرى: السريان كما يسري الماء، أو السير عامةَ الليل. والآجام:
جمع أجم، وهو الشجر الكثير الملتف.
١٦
ينظم: أي ينتظم. والسلم: ضد الحرب. والوئام: الوفاق.
١٧
هذَّبته: أصلحته.
١٨
لن تجلى: أي لن تنجلي؛ تنفرج وتنكشف.
١٩
ليذوقنَّ: هنا قسم؛ أي والله ليذوقن، والضمير في هذا الفعل
للجماعة، يرجع إلى القائلين الذين يدلُّ عليهم قوله «أيقولون» في
البيت المتقدِّم. والمهلهل (بكسر الهاء الثانية): هو عدي بن ربيعة،
أخو كليب بن ربيعة، وكليب هذا كان من الرؤساء في الجاهلية، قتله
جسَّاس أخو امرأته، وخبرهما مشهور في أيام العرب وحروبهم، وكان
المهلهل صاحب شراب وقمار ونساء، فلمَّا علم بقتل أخيه هجر النساء
والغزل، وحرَّم القمار والشراب، وشُغِل عن هذا كله بالحرب وطلب
الثأر، وإلى هذا يشير بقوله: ليذوقنَّ للمهلهل صحوًا … إلخ؛ أي
ليذوقنَّ صحوًا كصحو المهلهل، وحربًا كالحرب التي أثارها.
٢٠
الحماة: جمع حامٍ، وهو المانع الدافع. والأقسام: الأيمان، جمع
قسم.
٢١
الذي تريد الأيادي … إلخ: أي أتوا يحثُّهم الولاء الذي تقتضيه
أياديك عليهم — جمع يد، وهي النعمة — والولاء الذي يستوجبه مقامك
الرفيع.
٢٢
برئت من أولئك: أي من هذه الأصناف الثلاثة. والأحلام:
العقول.
٢٣
لما تشيد: لما تبني. والثرى: التراب، وكذلك الرغام.
٢٤
مقلٌ: جمع مقلة، وهي العين.
٢٥
الضيم: الظلم والقهر.
٢٦
النافرون: المتفرِّقون المتباعدون. لِجُوا: ادخلوا.
٢٧
الغرض: الهدف الذي يرمي إليه.
٢٨
المعالي: جمع مَعلاة (بفتح الميم)، وهي الرفعة والشرف.
٢٩
الحلم (بضم الحاء): ما يراه النائم، جمعه أحلام.
٣٠
أندلسيًّا: أي كزمان الأندلس أيامَ عز العرب والإسلام
فيها.
٣١
عالي الباب: أي يا من بابك العالي. هزَّ بابك منا: أي هزَّنا.
وفي النفوس مرام: مطلب.
٣٢
تجلَّيت: ظهرت. والركن: ركن الكعبة. والاستلام: اللمس إما
بالقُبلة أو باليد.
٣٣
نستميح: نسأل. والحسام: السيف.
٣٤
الحمى: ما حُمِي من شيء. استعصام: استمساك.
٣٥
الجور: الظلم. وظُلَّام: جمع ظالم.
٣٦
القرى: جمع قرية. والجهام (بفتح الجيم): السحاب لا ماء فيه؛ يعني
أن تلك الوعود كانت كالسحاب الذي لا خير فيه.
٣٧
ولم يكُ الداء يحمي … إلخ: أي لم يكن من شأن الداء أن يمنع
الأرواح والأجسام من أن تملَّه وتسأمه.
٣٨
إن جهد الوفاء: أي غاية الوفاء. ما أنت آتٍ: أي آتيه
وفاعله.
٣٩
وليصولوا: أي وليسطُوا بأمرك على مَن ظلموا مصر حتى
يقهروهم.
٤٠
العظام: جمع عظم. ومناها: جمع أُمنية. ومنايا: جمع مَنيَّة. أي
إنَّ الوحوش تجد منيتها في العظام وهي تطلبها للأكل
والغذاء.
٤١
الضاد: اللغة العربية. والسُّها: كوكبٌ خفي من بنات نعش الصغرى.
هذا النظام: أي الشعر.
٤٢
يلدز: قصر السلطان عبد الحميد في الآستانة.
٤٣
أقلَّت: حملت.
٤٤
التمُّ والتمام: الكمال.