تكريم١
وطنٌ يرفُّ هوًى إلى شُبَّانِهِ
كالرَّوضِ رِقَّتُه على ريحانِهِ٢
هم نَظمُ حِليتِه وجَوهرُ عِقدِهِ
والعِقد قيمتُه يتيمُ جُمانِهِ٣
يرجو الربيعَ بهم ويأملُ دولةً
من حُسنِه ومن اعتدالِ زمانِهِ٤
من غاب منهم لم يغِبْ عن سَمعِهِ
وضميرِه وفؤادِه ولسانِهِ
وإذا أتاه مُبشِّرٌ بقُدومِهم
فمن القميصِ ومن شذى أردانِهِ٥
ولقد يخُصُّ النافعين بعطفِهِ
كالشيخ خَصَّ نجيبَه بحنانِهِ٦
هيهات يَنسى بذلَهم أرواحَهم
في حفظِ راحتِه وجلبِ أمانِهِ
وقَفوا له دونَ الزمانِ وريبِهِ
ومشَت حداثتُهم على حَدَثانِهِ٧
في شدةٍ نُقِلَت أناةُ كُهولِهِ
فيها وحكمتُهم إلى فِتيانِهِ٨
•••
قُمْ يا خطيبَ الجمع هاتِ من الحُلَى
ما كنتَ تنشرُه على آذانِهِ
فلَطالما أبدى الحنينَ لقُسِّهِ
واهتزَّ أشواقًا إلى سَحبانِهِ٩
نادِ الشبابَ فلم يزَلْ لك ناديًا
والمرءُ ذو أثرٍ على أخدانِهِ١٠
امدُدْ حُداءَك في النَّجائبِ تنصرفْ
بهوى أعنَّتِها إلى تَحنانِهِ١١
ألْقِ النصيحةَ غيرَ هائبِ وقعِها
ليس الشجاعُ الرأيِ مِثلَ جبانِهِ
قُلْ للشباب زمانُكم مُتحرِّكٌ
هل تأخذون القسطَ من دورانِهِ١٢
قُمتم على الأحلامِ تلتزمونَها
كالعالَمِ الخالي على أوثانِهِ١٣
وتُنازِعون الحيَّ فضْلَ ثيابِهِ
والميْتَ ما قد رثَّ من أكفانِهِ
ولقد صدَقتُم هذه الأرضَ الهوى
والحُرُّ يصدُقُ في هوى أوطانِهِ
أملٌ بذلتُم كلَّ غالٍ دونَهُ
وفقدتُمُ ما عزَّ في وجدانِهِ١٤
الليثُ يدفعكم بشدةِ بأسِهِ
عنه ويُطعِمُكم بفرطِ لبانِهِ١٥
ويريد هذا الطيرَ حُرًّا مُطلَقًا
لكنْ بأعيُنِه وفي بُستانِهِ
•••
أوفَدتُمُ وفدًا وأوفد ربُّكم
معه العنايةَ فَهْي من أعوانِهِ
العصرُ حرٌّ والشعوبُ طليقةٌ
ما لم يحُزْها الجهلُ في أرسانِهِ١٦
فاضَ الزمانُ من النبوغِ فهل فتًى
غمَرَ الزمانَ بعلمِه وبيانِهِ
أين التجارةُ وهْي مِضمارُ الغنى
أين الصناعةُ وهْي وجهُ عَنانِهِ١٧
أين الجوادُ على العلوم بماله
أين المُشارِكُ مصرَ في فدَّانِهِ١٨
أين الزراعةُ في جِنانٍ تحتكم
كخمائلِ الفردوسِ أو كجِنانِهِ١٩
أئذا أصابَ القطنَ كاسِدُ سُوقِهِ
قُمنا على ساقٍ إلى أثمانِهِ
يا مَن لِشعبٍ رُزؤه في ماله
أنساه ذِكرَ مُصابِه بكِيانِهِ٢٠
المُلكُ كان ولم يكن قطنٌ فلم
يُغلَب أُبوَّتُنا على عُمرانِهِ٢١
«الفاطميةُ» شيَّدَت من عزِّهِ
وبنَى «بنو أيوبَ» من سلطانِهِ٢٢
بالقطنِ لم يَرفعْ قواعدَ مُلكِهِ
فرعونُ والهرمانِ من بنيانِهِ
لكن بأوَّلِ زارعٍ نقضَ الثَّرى
بذكائه وأثاره ببنانِهِ٢٣
وبكلِّ مُحسِنِ صنعةٍ في دهره
تتعجبُ الأجيالُ من إتقانِهِ
وبهِمَّةٍ في كلِّ نفسٍ حلَّقَت
في الجوِّ وارتفعَت على كيوانِهِ٢٤
مُلكٌ من الأخلاقِ كان بناؤه
من نحتِ أوَّلِكم ومن صَوَّانِهِ٢٥
فأتُوا الهياكلَ إن بنَيتم واقبسوا
من عرشِه فيها ومن تِيجانِهِ
١
نظم صاحب الديوان هذه القصيدة الاجتماعية في احتفالٍ تكريمي أُقيمَ
للأساتذة: عبد الملك حمزة، وإسماعيل كامل، وعوض البحراوي، في فندق
شبرد.
٢
يرف هوًى إلى شبَّانه: يرتاح إليهم. والرَّوض: الأرض المخضرَّة
بالنبات، جمع روضة.
٣
نظم حليته: جمعها وضم بعضها إلى بعض. واليتيم: الثمين الذي لا
نظير له. والجُمان: اللؤلؤ، واحدته جمانة.
٤
يرجو الربيع … إلخ: أي إن هذا الوطن يرجو أن يكونوا له مثل
الربيع، وهو خير فصول السنة، ويأمل أن تقوم له دولة منهم، لها من
الحسن والاعتدال ما يكون منها للربيع وزمنه.
٥
وإذا أتاه مبشِّر … إلخ: أي إذا أتى الوطنَ مبشرٌ بأنهم قادمون
عليه من غيبتهم، كان تأثير هذه البشرى فيه كتأثير قميص يوسف في
أبيه يعقوب. والشَّذى: قوة ذكاء الرائحة. والأردان: جمع ردن، وهو
أصل الكم.
٦
يخصُّ النافعين بعطفه: يُفردهم به. والنجيب: الولد كرُم حسَبُه
وحمد رأيه أو قوله أو فعله.
٧
الحداثة: صغر السن. والحدثان (بفتح الدال): نوائب الدهر.
٨
الأناة: الحِلم والوقار.
٩
قسُّ بن ساعدة: خطيبٌ عربي من نجران، يُضرَب المثل ببلاغته.
وسحبان: خطيبٌ كذلك، وهو من وائل، والضمير فيها للوطن.
١٠
الشباب: جمعُ شابٍّ. والأخدان: الأصدقاء، جمع خدن.
١١
الحُداء: الغناء للإبل لتنشط في مسيرها. والنجائب: النياق
الكريمة. والأعِنَّة: جمع عِنان، وهو سير اللجام الذي تُمسَك به
الدابة. والتحنان: الحنين.
١٢
القسط: النصيب.
١٣
الأحلام: جمع حُلم، وهو ما يراه النائم. والخالي: الماضي.
والأوثان: جمع وثن، وهو ما يُتَّخذ للعبادة من حجر ونحوه.
١٤
وجدان الشيء: إدراكه والظفر به.
١٥
اللبان: اللبُّ.
١٦
الأرسان: جمع رسن، وهو الزمام يكون على أنف الدابة.
١٧
العنان (بفتح العين): السحاب.
١٨
الجواد: الكريم الكثير الجود.
١٩
الجنان: جمع جَنة. والخمائل: جمع خميلة، وهي الشجر الكثير
الملتف. والفردوس: الجنة أو نعيمها.
٢٠
يا من لشعب … إلخ: كان قد لحق القطنَ كسادٌ عظيم، فارتاع له
المصريون جميعًا، وكاد يشغلهم أمره عن الجهاد في قضية الاستقلال،
فهو يشير إلى ذلك.
٢١
أبوتنا: آباؤنا.
٢٢
الفاطمية: أي الخلفاء الفاطميون أو الدولة الفاطمية، وهي إحدى
الدول التي قامت في مصر بعد الإسلام، ومؤسِّسها المعزُّ لدين الله،
قدِم من بلاد المغرب ففتح مصر، وكانت دولتهم عزيزة الجانب مرهوبة
السلطان. وبنو أيوب أيضًا: مؤسِّسو الدولة الأيوبية، وكان أعظمهم
شأنًا السلطان يوسف صلاح الدين الأيوبي.
٢٣
الثرى: التراب، والمراد به الأرض. ونقضها: أي شقُّها للزرع.
والبنان: أطراف الأصابع.
٢٤
حلَّقت: من حلَّق الطائر، إذا ارتفع في طيرانه واستدار كالحلقة.
وكيوان: اسم زحل بالفارسية.
٢٥
الصَوَّان (بفتح الصاد وتشديد الواو): ضرب من الحجارة
شديد.