تحيَّة للتُّرك١
بحمدِ اللهِ ربِّ العالمينا
وحمدِك يا أميرَ المؤمنينا
لقِينا في عدوِّكَ ما لقينا
لقِينا الفتحَ والنصرَ المُبينا
•••
هُمُ شهروا أذًى وشهرتَ حربا
فكنتَ أجَلَّ إقدامًا وضربا
أخذتَ حدودَهم شرقًا وغربا
وطهَّرتَ المواقعَ والحصونا
•••
وقبلَ الحربِ حربٌ منك كانت
نتائجُها لنا ظهرَت وبانت
ألَنتَ الحادثاتِ بها فلانت
وغادرتَ القياصرَ حائرينا
•••
جمَعتَ لنا الممالكَ والشعوبا
وكانت في سياستِها ضُروبا
فلمَّا هبَّ «جُورجِيهم» هُبوبًا
تلفَّتَ لا يُصيبُ له مُعِينا٢
•••
رأى كيف السبيلُ إلى كريدِ
وكيف عواقبُ الطيشِ المزيدِ
وكيف تنامُ يا عبدَ الحميدِ
وتغفل عن دماءِ العالمينا
•••
ولا واللهِ والرُّسْلِ الكرامِ
وبيتِك خيرِ بيتٍ في الأنامِ
لَمَا كانوا وسيفُك ذو انتقامِ
يُعادِلُ جَمعُهم منَّا جنينا
•••
رأيتَ الحِلمَ لمَّا زاد غَرَّا
وجرَّأ مَلْكَهم حتى تجرَّا٣
فجاءَتك الدعاوى منه تَترَى
وجاءَته جُنودُك مُبطِلينا
•••
بخَيلٍ في الهضابِ وفي الروابي
ونارٍ في القلاعِ وفي الطوابي
وسيفٍ لا يلينُ ولا يُحابي
إذا الآجالُ رجَّت منه لِينا
•••
وجيشٍ من غُزاةٍ عن غزاةِ
هُمُ الأبطالُ في ماضٍ وآتي
ومن كرمٍ أذَلُّوا كلَّ عاتي
وذَلُّوا في قِتالِ المؤمنينا
•••
أبَعدَ بلائِهم في كلِّ حربِ
وضربٍ في الممالك أيِّ ضربِ
تُحاوِلُ صِبيةٌ في زيِّ شعبِ
وتطمعُ أن تدوسَ لهم عَرِينا
•••
جنودٌ للجِراحِ الدهرَ مَرهَمْ
يُدبِّرها البعيدُ الصِّيتِ أدهَمْ
فأنجَدَ في تساليةٍ وأتهَمْ
وكانت للعِدا حصنًا حصينا٤
•••
أرَوترُ لا تدسَّ السمَّ دسَّا
ومهلًا في التهوُّسِ يا «هَوَسَّا»٥
سَلِ اليونانَ هل ثبتَت ﻟ «رِسَّا»
وهل حُفِظَ الطريقُ إلى أثينا٦
•••
مَعاذَ اللهِ كلَّا ثم كلَّا
هُمُ البحَّارةُ الغُرُّ الأجِلَّا
وما أسطولُهم في البحرِ إلا
«شخاشِخُ» ما يَرُحنَ وما يجينا٧
•••
وكم بعثوا جيوشًا من أماني
أتَت دارَ السعادة في أمانِ
وما سارَت سِوى يَومَي زمانِ
فأهلًا بالغُزاة الفاتحينا
•••
وكم باتوا على هَرْجٍ ومَرْجِ
وقالوا المالُ مبذولٌ لجورجي٨
وكلُّ المالِ من دَخْلٍ وخَرْجِ
دُيونٌ لا تُقدِّرها ديونا٩
•••
وكم فتحوا الثغورَ بلا تَواني
وبالأسطولِ جاءوا من مَواني
وللبسفورِ طاروا في ثَواني
فأهلًا بالإوَزِّ العائمينا١٠
•••
وفي الأستانةِ انتصَروا انتصارا
وبطرسبرجَ دكُّوها حِصارا
فيا لِلمسلمين ولِلنصارى
وقيصرَ والملوكِ الآخرينا
•••
ويا غليومُ أين لك الفِرارُ
إذا جورجي وعسكرُه أغارُوا
فضاقت عن سفينِهمُ البِحارُ
وضاق البَرُّ عنهم واجفينا
•••
أمورٌ تضحكُ الصِّبيانُ منها
ولا تدري لها العقلاءُ كُنْها
فسَلْ روترْ وسَلْ هافاسَ عنها
فإنَّ لديهما الخبرَ اليقينا
•••
ويومَ مَلونَ إذ صِحنا وصاحوا
ذكَرْنا اللهَ من فرحٍ وناحوا
ودارت بينهم بالرَّاح راحُ
ودارت راحةُ الإيمان فينا١١
على الجبلَين قد بِتنا وباتوا
وقُتْناهم منيَّتهم وقاتوا
وقد مِتْنا ثباتًا واستماتوا
وما البُسلاءُ كالمُستبسِلينا
•••
خسَفْنا بالحصون الأرضَ خسفا
تزيد تأبِّيًا فنزيدُ قذفا
بنارٍ تنسفُ الأجيالَ نسفا
وتلقَفُ نارَهم والمُطلِقينا
•••
مَدافعُ ما تئوبُ بغيرِ زادِ
براكينٌ تصوبُ بلا نفادِ١٢
نصَبْناها لهم في كلِّ وادي
فكُنَّ الموتَ أو أهدى عيونا
•••
جعَلْنا الأرضَ تحتَهمُ دماءَ
وصيَّرْنا الدُّخانَ لهم سماءَ
وإذ راموا من النار احتماءَ
حمَت أسيافُنا منهم مِئِينا
•••
ورُبَّ مُجاهدٍ شيخٍ مُبجَّلْ
ترجَّلتِ الجبالُ وما ترجَّلْ
أرادَ لِيَركبَ الموتَ المُحجَّلْ
إلى أجدادِه المُستشهَدينا
•••
وفَى لجوادِه وحَنا عليهِ
وقد شخصَت بنادقُهم إليهِ
وصابَ رصاصُها يُدمِي يدَيهِ
وأوشكتِ السواعدُ أن تخونا
•••
تعوَّدَ أن يُصيبَ وأن يُصابا
فخُوطِبَ في النزول فما أجابا
وقال وقد قضى قولًا صوابا
هنا فلْيَطلبِ المرءُ المَنونا
•••
•••
وقد زادَ البسالةَ من وقارِ
هِزَبرٌ من لُيوثِ التُّركِ ضاري
تقدَّمَ نحوَ نارٍ أيِّ نارِ
لِيَسبقَ نحوَ خالقِه القرينا
•••
جرى فأذلَّ هاتيكَ الأُلوفا
وزحزحَ عن مواضعِها الصفوفا
فخاضَ إلى مَكامنِها الحُتوفا
وما هابَ الرُّماةَ مُسدِّدينا
•••
دعا لله في وجهِ الأعادي
كلَيثٍ زائرٍ في بطنِ وادي
فلبَّته الفيالقُ والأرادي
ودارَ هلالُ رايتِنا يمينا١٣
•••
فلمَّا أذعنوا أنَّا المنايا
وأنَّا خيرُ مَن قادَ السرايا١٤
تفرَّقَ جمعُهم إلا بقايا
على قُلَلِ الجبالِ مُجندَلينا
•••
صلاةُ الله ربي والسَّلامُ
على قتلى بِفَرسالو أقاموا١٥
هُمُ الشهداءُ حوْلَ اللهِ حاموا
فأدناهم وكانوا الفائزينا
•••
أنالوا المُلكَ فتحًا أيَّ فتحِ
وشادوا للخلافةِ أيَّ صرحِ
وجاءوا ربَّهم منهم بذِبْحِ
تقبَّلَه وكان به ضنينا١٦
•••
سلامًا سفْحَ فرسالو سلاما
وكُنْ خيرَ المُقامِ لمَن أقاما
وضِنَّ بها وإن بلِيَت عِظاما
تُطيفُ بها الملائكُ حائمينا
•••
أأَدهَمُ هكذا تُقنى المعالي
وتُقنى بالقواضبِ والعوالي١٧
لقد بيَّضتَ للملكِ الليالي
بسيفٍ يفضحُ الفجرَ المُبينا
•••
أخذتَ النصرَ بالجبلَين غصبا
وكنتَ الليثَ تَخطارًا ووثبا
حملتَ فماجتِ الحُمْلانُ رُعبا
يظنُّهم الجهولُ مُقاتِلينا
•••
وفي فرسالَ قد جِئتَ العُجابا
بسطتَ الجيش تقرؤه كِتابا
وقد أحصيتَه بابًا فبابا
وكانوا عن كِتابِك غافلينا
•••
ثبتَّ مُؤمَّلًا منك الثباتُ
تُوافيكَ الرسائلُ والسُّعاةُ
وحوْلَكَ أهلُ شُوراكَ الثِّقاتُ
تسُوسُون الجيوشَ مُظفَّرينا
•••
هناك الصُّحْفُ سارت حاكياتِ
وطُيِّرتِ البُروقُ مُحدِّثاتٍ
وحدَّثتِ الممالكُ آخذاتِ
علومَ الحربِ عنكم والفنونا
•••
بني عثمانَ إنَّا قد قدَرْنا
فُتوحَكمُ الكِبارَ وقد شكَرْنا
سألْنا اللهَ نصرًا فانتصَرْنا
بكم واللهُ خيرُ الناصرينا
١
قِيلَت في الحرب بين اليونان والأتراك سنة ١٣١٤ هجرية، وقلَّما نالت قصيدة في
العالم العربي بأجمعه ما نالته هذه القصيدة أيام ظهورها من حفاوة وانتشار؛ وذلك
لِما ورد فيها من وصف وتهكُّم صادفا هوًى في النفوس.
٢
جورجي: ملك اليونان يومئذٍ.
٣
تجرَّا: مخفَّف تجرَّأ.
٤
تسالية: موقعة من مواقع هذه الحرب. وأنجدَ وأتهمَ: نزل نجدًا
وتِهامة، والمراد أنه أتى على كل ما فيها، ما ارتفع منه وما
انخفض.
٥
هوسا: المراد به هافاس، وهي الشركة البرقيَّة المعروفة.
٦
لرسا: موقعة من مواقع هذه الحرب.
٧
شخاشخ: جمع «شخشيخة»، وهي لعبةٌ معروفة للأطفال.
٨
الهرج والمرج: الفتنة والاختلاط.
٩
لا تقدِّرها ديونًا: أي لضآلتها. والمراد في كل هذه الأبيات
التهكُّم باليونان.
١٠
وصفُ الإوزِّ بجمع المذكر قد يُرادُ به التعظيم أو
التحقير.
١١
ملون: موقعة. والراح الأولى: الأكُفُّ، والثانية: الخمر.
١٢
تصوب: أي يسقط حممها كالمطر.
١٣
الأرادي: جمع أردى، وهو الجيش.
١٤
السرايا: جمع سرِيَّة، وهي القطعة من الجيش.
١٥
فرسالو: موقعة.
١٦
الذبح: ما يُذبَح.
١٧
القواضب: السيوف. والعوالي: الرماح.