مولانا محمد علي١
بيتٌ على أرضِ الهدى وسمائِهِ
الحقُّ حائطُه وأُسُّ بِنائِهِ
الفتحُ من أعلامه والطُّهُر من
أوصافه والقُدسُ من أسمائِهِ
تَحنو مَناكبُه على شعبِ الهدى
وتُطِلُّ سُدَّتُه على سينائه٢
مَن ذا يُنازعُنا مَقالدَ بابه
وجلالَ سُدَّتِه وطُهْرَ فِنائه
ومحمدٌ صلَّى على جنَباته
واستقبل السَّمحاتِ في أرجائه
واليومَ ضمَّ الناسَ مأتمُ أرضه
وحوَى الملائكَ مِهرجانُ سمائه
يا «قدسُ» هيِّئ من رياضك رَبوةً
لِنَزيلِ تُربِك واحتفل بلقائه٣
هو من سُيوفِ الله جلَّ جلاله
أو من سيوفِ الهندِ عندَ قضائه
فتحَ النبيُّ له مُناخَ بُراقه
ومَعارجَ التشريفِ من إسرائه
بطلٌ حقوقُ الشرقِ من أحماله
وقضيَّةُ الإسلامِ من أعبائه
لم تُنسِه الهندُ العزيزةُ رِقَّةً
للشرق أو سهرًا على أشيائه
وقَباؤه نسجُ الهنودِ فهل تُرى
دفنوا الزعيمَ مُكفَّنًا بقبائه٤
«النيلُ» يذكُر في الحوادث صوته
والتُّرْكُ لا ينسَونَ صِدقَ بلائه
قُل للزعيم محمدٍ نزل الأسى
ﺑ «النيل» واستولى على بَطحائه٥
فمشى إِليك بجَفنِه وبدمعه
وإلى أخيك بقلبه وعزائه٦
اجتزتَه فحَواك في أطرافه
ولو انتظرتَ حَواك في أحشائه
ولقد تعوَّد أن تمرَّ بأرضه
مَرَّ الغَمامِ بظلِّه وبمائه
نَم في جِوار اللهِ ما بك غُربةٌ
في ظلِّ بيتٍ أنتَ مِن أبنائه
الفتحُ وهو قضيةٌ قُدسيةٌ
يا طالما ناضلتَ دونَ لِوائه
أفتى بدفنِك عندَ سيِّدةِ القُرى
مُفتٍ أراد اللهَ من إفتائه٧
بلدٌ بَنُوه الأكرمونَ قصورُهم
وقبورُهم وقفٌ على نُزلائه٨
قد عِشتَ تنصرُه وتمنحَ أهله
عَونًا فكيف تكونُ من غُربائه
١
هو كبير زعماء الهند المسلمين، توفي سنة ١٩٣١م، وكان لا يألو جهدًا في خدمة
الإسلام في شتى أقطاره، وقد أُقيمَت له في القاهرة حفلة تأبين كبيرة أُلقيَت
فيها هذه القصيدة.
٢
السُّدَّة: باب الدار.
٣
يا قدس: لأنه دُفن في القدس.
٤
القباء (بفتح القاف): نوع من الثياب.
٥
محمد: هو المرثي.
٦
يريد بأخيه: مولانا شوكت علي، وقد آلت إليه زعامة المسلمين في
الهند بعد أخيه.
٧
سيدة القرى المقصودة: هي القدس الشريف، ولا بد للدفن في هذا
الحرم من تصريح ديني يُصدِره مفتي الإسلام هناك، ولا يُصرَّح بذلك
إلا لمَن ثبت نفعه للإسلام وللعرب.
٨
يقصد بالبلد: فلسطين وسوريا جميعًا، وكثيرًا ما هتف أمير الشعراء
بأهل هذه البلاد إعجابًا بأخلاقهم.