مشروع ملنر١
اثْنِ عِنانَ القلبِ واسلَمْ بهِ
مِن رَبربِ الرملِ ومِن سِربِهِ٢
ومِن تَثنِّي الغِيدِ عن بانِهِ
مُرتجَّةَ الأردافِ عن كُثْبِهِ٣
ظِباؤه المُنكسِراتُ الظُّبا
يَغلبنَ ذا اللُّبِّ على لُبِّهِ٤
بِيضٌ رِقاقُ الحسنِ في لمحةٍ
من ناعمِ الدرِّ ومن رَطْبِهِ
ذَوابلُ النرجسِ في أصلِهِ
يَوانعُ الوردِ على قُضْبِهِ
زِنَّ على الأرضِ سماءَ الدُّجى
وزِدْن في الحُسنِ على شُهْبِهِ
يمشين أسرابًا على هِينةٍ
مشْيَ القَطا الآمِنِ في سِربِهِ٥
مِن كلِّ وَسْنانٍ بغيرِ الكرى
تنتبهُ الآجالُ من هُدْبِهِ
جَفنٌ تلقَّى مَلَكا بابلٍ
غرائبَ السِّحرِ على غَرْبِهِ٦
يا ظَبيةَ الرملِ وُقِيت الهوى
وإن سعَت عيناكِ في جَلبِهِ
ولا ذرَفَت الدمع يومًا وإنْ
أسرفَت في الدمع وفي سَكبِهِ
هذي الشواكي النُّجْلُ صِدنَ امرأً
مُلقَى الصِّبا أعزلَ من غَربِهِ٧
صيَّادَ آرامٍ رماهُ الهوى
بشادنٍ لا بُرءَ من حُبِّهِ٨
شابَ وفي أضلُعِه صاحبٌ
خِلوٌ من الشيب ومن خَطبِهِ٩
واهٍ بجنبي خافقٌ كُلَّما
قُلتُ تَناهَى لجَّ في وثبِهِ
لا تنثني الآرامُ عن قاعِهِ
ولا بناتُ الشوقِ عن شِعبِهِ١٠
حمَّلتُه في الحُبِّ ما لم يكن
ليحملَ الحبُّ على قلبِهِ
ما خفَّ إلا للهوى والعُلا
أو لجلالِ الوفد في رَكبِهِ
أربعةٌ تجمَعهم همَّةٌ
ينقلُها الجيل إلى عَقْبِهِ١١
قِطارُهم كالقَطرِ هزَّ الثرى
وزاده خِصبًا على خِصبِهِ١٢
لولا استلامُ الخَلقِ أرسانَهُ
شبَّ فنالَ الشمسَ من عُجبِهِ١٣
كُلُّهمُ أغيَرُ من وائلٍ
على حِماه وعلى شعبِهِ١٤
لو قدَرُوا جاءُوكمُ بالثرى
من قُطبِه مُلكًا إلى قُطبِهِ
وما اعتراضُ الحظِّ دون المُنى
مِن هفوةِ المُحسِن أو ذنبِهِ
وليس بالفاضلِ في نفسِهِ
من يُنكِر الفضلَ على ربِّهِ
ما بالُ قومي اختلفوا بينهم
في مِدحةِ المشروع أو ثَلبِهِ١٥
كأنهم أَسرى أحاديثُهم
في ليِّن القيدِ وفي صُلبِهِ
يا قومِ هذا زمنٌ قد رمَى
بالقيدِ واستكبرَ عن سَحبِهِ١٦
لو أنَّ قيدًا جاءَه من عَلٍ
خشيتُ أن يأبى على ربِّهِ
وهذه الضجةُ من ناسِهِ
جنازةُ الرِّقِّ إلى تُربِهِ
مَن يَخلعِ النِّيرَ يَعِشْ بُرهةً
في أثَرِ النِّير وفي نَدبِهِ١٧
يا نشأَ الحيِّ شبابَ الحِمى
سُلالةَ المَشرقِ من نُجْبِهِ١٨
بَني الأُلى أصبحَ إحسانُهم
دارت رحى الفنِّ على قُطبِهِ
موسى وعيسى نشَآ بينهم
في سَعةِ الفِكر وفي رُحبِهِ
وعالَجا أولَ ما عالَجا
من عِللِ العالَمِ أو طِبِّهِ١٩
ما نسِيَت مصرُ لكم بِرَّها
في حازِبِ الأمرِ وفي صَعبِهِ٢٠
مزَّقتمُ الوهمَ وألَّفتُمُ
أهِلَّةَ اللهِ على صُلبِهِ
حتى بنَيتم هرمًا رابعًا
من فئةِ الحقِّ ومِن حِزبِهِ
يومٌ لكم يَبقى ﮐ «بدرٍ» على
أنصارِ سعدٍ وعلى صَحبِهِ٢١
قد صارت الحالُ إلى جِدِّها
وانتبه الغافلُ من لِعبِهِ
اللَّيثُ، والعالَمُ من شرقِهِ
في هيبةِ الليثِ إلى غَربِهِ٢٢
قضى بأن نَبني على نابِهِ
مُلكَ بَنِينا وعلى خِلبِهِ٢٣
ونبلُغَ المَجدَ على عينِهِ
وندخلَ العصرَ إلى جَنبِهِ
ونَصِلَ النازلَ في سِلمِهِ
ونقطعَ الداخلَ في حربِهِ
ونصرفَ النِّيلَ إلى رأيهِ
يَقسِمُه بالعدل في شِربِهِ٢٤
يُبيحُ أو يَحمي على قُدرةٍ
حقَّ القُرى والناسِ في عَذبِهِ
أمرٌ عليكم أو لكم في غدٍ
ما ساء أو ما سَرَّ مِن غِبِّهِ٢٥
لا تستقِلُّوه فما دهرُكم
بحاتمِ الجودِ ولا كَعبِهِ٢٦
نسمعُ بالحقِّ ولم نطَّلعْ
على قَنا الحقِّ ولا قُضبِهِ٢٧
ينالُ باللِّينِ الفتى بعضَ ما
يَعجِزُ بالشدَّةِ عن غَصبِهِ
فإن أَنِستُم فليكُن أُنسُكم
في الصبر للدهر وفي عَتبِهِ
وفي احتشامِ الأُسدِ دون القَذى
إذا هي اضطُرَّت إلى شُربِهِ٢٨
قد أسقط الطَّفرةَ في مُلكِهِ
مَن ليس بالعاجزِ عن قَلبِهِ٢٩
يا رُبَّ قيدٍ لا تُحبُّونَهُ
زمانُكم لم يتقيَّد بِهِ
ومَطلبٍ في الظنِّ مُستبعَدٍ
كالصبح للناظرِ في قُربِهِ
واليأسُ لا يجمُلُ من مؤمنٍ
ما دام هذا الغيبُ في حُجْبِهِ
١
في سنة ١٩١٩م ثارت البلاد في طلب استقلالها، وسافر الوفد المصري لعرض قضية
البلاد في مؤتمر السلام العام في «فرساي»، وتلقَّى هناك دعوةً من لورد «ملنر»
وزير المستعمرات الإنجليزية إذ ذاك؛ ليتفق معه على مركز البلاد، وتحديد علاقة
إنكلترا بها، فتمخَّضت المحادثات بينهما عن مشروعٍ قدَّمه لورد ملنر، واتفق مع
الوفد على عرضه على البلاد لأخذ رأيها فيه مع التزام الحيدة؛ فانتدب الوفد
أربعةً من أعضائه للقيام بهذه المهمة، وقد كانت الأفكار يومئذٍ متَّجِهة إلى أن
المشروع يصلح أساسًا للمفاوضة ببعض تعديلات.
٢
الربرب: القطيع من بقر الوحش. والسرب (بكسر السين): جماعة الظباء
أو النساء.
٣
الغيد: جمع غيداء، وهي المرأة الليِّنة الأعطاف. والبان: شجرٌ
يُشبَّه به القدُّ لطوله. والكثب: جمع كثيب، وهو التل من الرمل،
يُشبَّه به الرِّدف.
٤
الظُّبا: جمع ظُبَة، وهي حدُّ السيف.
٥
الهينة (بالكسر): السكينة والوقار.
٦
هاروت وماروت: الملَكان اللذان أُنزلَ عليهما السحر. وغرب العين:
مقدَّمها أو مؤخَّرها. والغرب: السيف. وعلى هذا المعنى يكون المراد
بالجفن: غمد السيف.
٧
الشواكي: المسلَّحة. وغرب الشباب: حدَّته ونشاطه.
٨
آرام: جمع رئم، وهو الظبي الخالص البياض. والشادن: ولد
الظبية.
٩
صاحب: يريد القلب.
١٠
القاع: أرضٌ سهلةٌ مطمئنَّة قد انفرجت عنها الجبال والآكام.
والشِّعب (بالكسر): الناحية.
١١
يريد بالأربعة: الأعضاء المندوبين لعرض المشروع. والعقب: الولد
وولد الولد.
١٢
القطر: المطر.
١٣
أرسان: جمع رسَن، وهو الزمام.
١٤
وائل: قبيلة من العرب.
١٥
ثلبه: عيبه وتنقُّصه.
١٦
السَّحب: الجر على الأرض.
١٧
النير: الخشبة المعترِضة في عنق الثورَين بأداتها، وتُعرَف عند
العامة ﺑ «الناف». والندب: جمع ندبة، وهي أثر الجرح الباقي على
الجلد.
١٨
النجب: جمع نجيب، وهو الكريم الحسيب.
١٩
الطب: الشهوة، وهو أيضًا علاج الجسم والنفس.
٢٠
حازب الأمر: شديده.
٢١
بدر: أكبرُ وقعةٍ انتصر فيها الإسلام على أعدائه.
٢٢
الليث: الأسد البريطاني. وهنا يبدأ الشاعر في سرد نقط المشروع
الهامة.
٢٣
الخلب (بالكسر): الظفر.
٢٤
الشرب (بالكسر): النصيب من الماء.
٢٥
الغب: العاقبة.
٢٦
حاتم طي وكعب بن مامة: من أجواد العرب.
٢٧
القنا: الرماح. والقضب: السيوف.
٢٨
احتشام: إحجام.
٢٩
الطفرة: الوثبة في ارتفاع. وأسقط الطفرة: تركها. وقلب الملك:
تبديله وتغيير نظامه.