محمد تيمور١
ضرَبوا القبابَ على اليَبابْ
وثوَوا إلى يومِ الحسابْ٢
همَدوا وكلُّ مُحرَّكٍ
يومًا سيسكنُ في الترابْ
نزلوا على ذئبِ البِلى
فتضيَّفوا شرَّ الذئابْ
وكأنهم صَرْعى كرًى
بالقاعِ أو صَرْعى شرابْ
فإذا صحَوا وتنبَّهوا
فاللهُ أعلمُ بالمآبْ
•••
من كلِّ مُنفضِّ الوفو
دِ هناك مهجورِ الجَنابْ
موروثِ كلِّ مَضنَّةٍ
إلا الذخيرةَ من ثوابْ٣
•••
يا نائحاتِ محمدٍ
نُحتُنَّه غضَّ الإهابْ
في مأتمٍ لم تخلُ فيـ
ـه المَكرماتُ من انتحابْ
تبكي الكريمَ على العشيـ
ـرة والحبيبَ إلى الصِّحابْ
حسْبُ الحِمامِ دُموعُكنَّ
المُستهِلَّةُ من عِتابْ٤
فارجِعنَ فيه لحكمةٍ
أو جِئنَ فيه إلى احتسابْ
في العالم الفاني مَصيـ
ـرُ العالمين إلى ذَهابْ
من سارَ لم يثنِ العِنا
نَ ومن أقام إلى اقترابْ
•••
يا وارثَ الحسَبِ الصميـ
ـمِ وكاسبَ الأدبِ اللُّبابْ
وابنَ الذي علِمَ الرِّجا
لُ حياءه من كلِّ عابْ٥
وكأنه في كُتْبِهِ
عثمانُ في ظلِّ الكِتابْ٦
ماذا نقمتَ من الشبا
بِ وأنت في نِعَمِ الشبابْ
مُتحليًا هِبةَ النُّبو
غِ مُطوَّق المِنحِ الرِّغابْ
ولمَ الترحُّلُ عن حيا
ةٍ أنت منها في رِكابْ
لم تعدُ شاطئَها ولم
تبلغْ إلى ثبَجِ العُبابْ٧
•••
رِفقًا على محزونة الـ
أبياتِ مُوحِشةِ الحِجابْ٨
فقدَتك في العمر الطريـ
ـرِ وفي زُها الدنيا الكَعابْ٩
تبكي وتندبُ إلفَها
بينَ الأفانينِ الرِّطابْ
وانظر أباك وثُكْلَهُ
ورُزوحَه تحتَ المُصابْ
لو كان يملك سِرَّ يُو
شَعَ ردَّ شمسَك من غِيابْ١٠
•••
أعَلِمتَ غيرَك من جَلا التـ
ـمثيلَ في جُدُدِ الثيابْ
وكسا غرائبَ جِدِّهِ
حُلَلًا من الهزلِ العُجابْ
مُتميزًا حينَ التميُّـ
ـزُ ليس من أرَبِ الشبابْ
أُفُقُ العُلا كنتَ الشِّها
بَ عليه لا ذنَبَ الشِّهابْ
يا رُبَّ يومٍ ضاقَ ذَرْ
عُك فيه بالحُسُدِ الغِضابْ
سَعْهم فأنت جمَعتَهم
الشهدُ مائدةُ الذُّبابْ
خُذ منهم نقْدَ العَفا
فِ ودَع لهم نقْدَ السبابْ
دونَ النُّبوغِ وأوْجِهِ
ما لا تعُدُّ من الصعابْ
فإذا بلغت الأوْجَ كُنـ
ـتَ الشمسَ تهزأ بالضَّبابْ١١
•••
لا تبعدنَّ فهذه
آمالُ قومِك في اقترابْ
اشرُفْ برُوحِك فوقَهم
ملكًا يُرفرِفُ في السحابْ
وانظر بعينٍ نُزِّهَت
عن زُخرفِ الدنيا الكِذابْ
ترَ من لِداتِك أُمَّةً
كسَتِ الديارَ جلالَ غابْ١٢
أُسْدٌ تجولُ بغير ظُفـ
ـرٍ أو تصولُ بغيرِ نابْ
جعلوا الثباتَ سِلاحَهم
نِعمَ السلاحُ مع الصوابْ١٣
أما الأمورُ فإنها
بلَغَت إلى فصلِ الخِطابْ
فإذا ملكتَ توجُّهًا
لله في قُدسِ الرحابْ
سَل فاتحَ الأبوابِ يفـ
ـتح للكِنانةِ خيرَ بابْ
١
محمد تيمور: أديبٌ كبير اشتهر بوضع القصص الاجتماعية، ولكنَّ الموت لم
يُمهِله فاخترم شبابه في سنة ١٩٢١م.
٢
القباب: جمع قبة. والمقصود بضرب القباب هنا هو الكناية عن
المقبرة.
٣
المضنة: هي الشيء النفيس يكون موضعًا للضنِّ به.
٤
الحِمام (بكسر الحاء): الموت.
٥
وابن الذي … إلخ: هو المرحوم أحمد باشا تيمور، كان عالمًا
بحَّاثًا، اشتهر بالاطلاع الواسع وباقتناء أثمن الكتب.
٦
يُشبِّه والد الفقيد في إقباله على الكتب في شيخوخته بعثمان بن
عفان، الخليفة الثالث الذي مات والكتابُ العزيز في يده.
٧
العباب: البحر. وثبجه: وسطه.
٨
موحشة الحجاب: كناية عن شدة مُصاب هذه السيدة. يقول: إن خدرها
أقفر من الأنس حتى صار يبعث الوحشة والهلع في قلب صاحبته.
٩
العمر الطرير: هو سن الشباب. ويقصد بقوله «الدنيا الكعاب»: أنه
كان يعيش في دنيا مزهوَّة بنعيمها وثروتها.
١٠
يوشع (كما في التوراة): هو يوشع بن نون، اصطفاه الله وأرسله لبني
إسرائيل بعد موسى، وأمره بمحاربة الجبَّارين، ففي بعض وقائعه ابتهل
إلى الله أن تقف الشمس حتى ينتقم من أعدائه، فوقفت ولم تغرُب مدة
يوم أو نحو ذلك.
١١
الأوج: العلو.
١٢
لدات الإنسان: المقاربون له في السن. والغاب: جمع غابة، وهي مأوى
الآساد.
١٣
يصف شباب الأمة المصرية في ثورة سنة ١٩٢٠م.