محمد عبد المطلب١
قام من عِلَّتِه الشاكي الوَصِبْ
وتلقَّى راحةَ الدهرِ التَّعِبْ٢
أيها النفسُ اصبري واسترجعي
هتفَ الناعي بعبد المُطَّلِب٣
نزل التُّرْبَ على مَن قبله
كلُّ حيٍّ مُنتهاه في التُّرُبْ
ذهب اللَّيِّنُ في إرشاده
كالأبِ المُشفِقِ والجَدِّ الحَدِبْ
القريبُ العَتْبِ من مَعنى الرِّضا
والقريبُ الجِدِّ من مَعنى اللَّعِبْ
والأخُ الصادقُ في الودِّ إذا
ظهرَ الإخوانُ بالودِّ الكَذِبْ
خاشعٌ في درسه مُحتشِمٌ
فَكِهٌ في مجلسِ الصَّفوِ طَرِب
قلَّدَ الأوطانَ نشءً صالحًا
وشبابًا أهلَ دينٍ وحَسَب
ربما صالت بهم في غدِها
صولةَ الدولةِ بالجيشِ اللَّجِب٤
جعلوا الأقلام أرماحَهمُ
وأقاموها مقاماتِ القُضُب
لا يميلون إلى البَغيِ بها
كيف يَبغي من إلى العلمِ انتسَب
شاعِرَ البدوِ ومنهم جاءنا
كلُّ معنًى رَقَّ أو لفظٍ عَذُب
قد جرَت ألسُنُهم صافيةً
جرَيانَ الماءِ في أصلِ العُشُب
سلِمَت من عنَتِ الطبعِ ومن
كُلفةِ الأقلامِ أو حشوِ الكُتُب٥
قد نزلتَ اليومَ في باديةٍ
عمرَت فيها «امرأَ القيس» الحِقَب٦
ومشى «المجنونُ» فيها ساليًا
نفَضَ اللوعةَ عنه والوَصَب٧
أعِرِ الناسَ لسانًا ينظموا
لك فيه الشِّعرَ أو يُنشُوا الخُطَب
قُم صِفِ الخُلْدَ لنا في مُلكِهِ
من جلالِ الخُلْقِ والصُّنْعِ العَجَب
وثمارٍ في يواقيتِ الرُّبا
وسُلافٍ في أباريقِ الذهب٨
وانثُرِ الشِّعرَ على الأبرارِ في
قُدُسِ الساحِ وعُلويِّ الرحب
واستعِر «رضوانَ» عُودَي قصبٍ
وترنَّمْ بالقوافي في القَصَب٩
واسقِ بالمعنى إلهيًّا كما
تتساقَونَ الرحيقَ المُنسكِب
كلَّما سبَّحتَ للعرشِ به
رفعَ الرحمنُ والرُّسْلُ الحُجُب
قُم تأمَّلْ هذه الدارُ وفَى
لك من طُلَّابها الجمعُ الأَرِب١٠
وفَتِ الدارُ لِباني رُكنِها
وقضى الحقَّ بنو الدارِ النُّجُب١١
طلبوا العلمَ على شيخِهمُ
زمنًا ثم إذا الشيخُ طُلِب
غابَ عن أعيُنهم لكنَّهُ
ماثلٌ في كلِّ قلبٍ لم يَغِب
صورةٌ مُحسِنةٌ ما تختفي
ومثالٌ طيِّبٌ ما يحتجِب
رجلُ الواجبِ في الدنيا مضى
يُنصِفُ الأخرى ويقضي ما وجب
عاش عيشَ الناسِ في دنياهمُ
وكما قد ذهب الناسُ ذهب
أخذ الدرسَ الذي لُقِّنهُ
عجَمُ الناسِ قديمًا والعرب
١
هو الأستاذ محمد عبد المطلب أستاذ الأدب في مدرسة دار العلوم، كان ينظم الشعر
مؤثِرًا في نظمه طريقة البادين؛ ولذلك كان يُلقَّب بشاعر البدو، وقد توفي سنة
١٩٣١م، وأُقيمَت له حفلة تأبين أُلقيَت فيها هذه القصيدة.
٢
يريد بالوصِب: المُتعَب من مرض أو من علو الهمَّة.
٣
الاسترجاع: هو قول إِنَّا للهِ وَإِنَّا
إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
٤
الجيش اللجب: الكثير العدد والعدَّة.
٥
العنت: المشقة.
٦
امرؤ القيس: الشاعر الجاهلي المعروف.
٧
المجنون: مجنون ليلى، من شعراء البادية كامرئ القيس.
٨
يواقيت الربى: الأكمام المتفتِّحة بالورد والثمار التي تُشبِه
الياقوت. والسلاف: الخمر.
٩
رضوان: هو الملك القائم على الجنة. والقصب: المزمار أو الناي
الذي يترنم به.
١٠
الجمع الأرب: أي الكثير الحصافة والكياسة والدهاء.
١١
النُّجُب: جمع نجيب.