عثمان باشا غالب١
ضجَّت لمَصرعِ «غالبٍ»
في الأرضِ «مملكةُ النباتِ»
أمسَت ﺑ «تيجانٍ» عليـ
ـهِ من الحِدادِ مُنكَّساتِ٢
قامت على «ساقٍ» لغيـ
ـبتِه وأقعدَت الجهات
في مأتمٍ تَلقى الطبيـ
ـعةَ فيه بين النائحات
وترى «نجومَ الأرضِ» من
جَزَعٍ مَوائدَ كاسفاتِ
والزَّهرُ في «أكمامه»
يبكي بدمع الغاديات
وشقائقُ النُّعمانِ آ
بَت بالخدودِ مُخمَّشات٣
أمَّا مُصابُ الطبِّ فيـ
ـه فسَلْ به ملأَ الأُساةِ٤
أوْدَى الحِمامُ بشيخِهم
ومآبِهم في المعضلات
مُلقِي الدروسِ المُسفِرا
تِ عن الغُروسِ المُثمِرات
قد كان حربَ الظلمِ حر
بَ الجهلِ حربَ التُّرَّهات
والمُستضاءَ بنوره
في الخافيات المُظلِمات
عَلَمُ الورى في عِلمه
في الغربِ مُغترِبُ الرُّفات
قد كان فيه محلَّ إجـ
ـلالِ الجهابذةِ الثقاتِ
ومُمثِّلَ المصريِّ في
حظِّ الشعوبِ من الهِبات
قُل للمُريبِ إليكَ لا
تأخذْ على الحرِّ الهنَات
إِن النوابغَ «أهلَ بَد
رٍ» ما لهم من سيئات٥
هم في عُلا الوطنِ الأدا
ةُ فلا تحطَّ من الأداة
وهمُ الأُلى جمعوا الضما
ئرَ والعزائمَ من شَتات
لهم التَّجِلَّةُ في الحيا
ةِ وفوق ذلك في الممات
«عثمانُ» قُم ترَ آيةً
اللهُ أحيا «الموميات»
خرجَت بَنِينَ من الثرى
وتحرَّكَت منه بَنات
واسمَع بمصر الهاتفيـ
ـن بمجدها والهاتفات
والطالبين لحقِّها
بينَ السَّكينةِ والثبات
والجاعِلِيها قِبلةً
عندَ الترنُّمِ والصَّلاة٦
لاقَوا أُبوَّتَهم على
غُرِّ المَناقبِ والصفات
حتى الشبابُ تراهمُ
غلبوا الشيوخَ على الأناة
وزنوا الرجالَ فكان ما
أعطَوا على قدرِ الزِّنات٧
قُل للمُغالِطِ في الحقا
ئقِ حاضرٍ منها وآت
الفكرُ جاءَ رسولُهُ
وأتى بإحدى المعجزات
عيسى الشُّعورِ إذا مشى
ردَّ الشعوبَ إلى الحياة
١
عثمان باشا غالب: كان طبيبًا عظيمًا وعالمًا بالنبات يشار إليه بالبنان، توفي
في باريس سنة ١٩٢٠م.
٢
التيجان للنبات: هي أكاليل الثمار، كالأكمام.
٣
شقائق: جمع شقيقة، وهي الموضع ينبت الأعشاب، وشقائق النعمان موضع
بعينه كثر فيه النبات المختلف الألوان والشِّيات، مرَّ عليه
النعمان بن المنذر فأعجبه، فقال: هو لي. فلم يعُد أحد يمسُّه؛ ومن
ذلك سُمِّي شقائق النعمان، وصار كل موضع ينبت مثل ذلك يقال له:
شقائق النعمان. والخدود في شقائق النعمان يقصد بها الورد، وتخميشها
يعني لطمها أو قطعها.
٤
الملأ: الجماعة من الناس. والأساة: جمع آسٍ، وهو الطبيب.
٥
أهل بدر: هم أول الغزاة مع محمد
ﷺ، شبَّه النوابغ بهم،
ووجه الشبه بينهما هو سبق كل منهما لإحراز أسمى مراتب الشرف
والرفعة. نقول: وهذا نوع من وجه الشبه لم نرَ شاعرًا فطِن إليه قبل
شوقي حيَّاه الله.
٦
الترنُّم: أحد ضروب العبادة في المسيحية، كالصلاة عند
المسلمين.
٧
الزنات: جمع زِنَة (كعِدَة)، وهي المرة من الوزن.