محمد ثابت باشا١
سِرْ أبا صالحٍ إلى الله واتركْ
مصرَ في مأتمٍ وحُزنٍ شديدِ
هذه غايةُ النفوسِ وهذا
مُنتهى العيشِ مُرِّهِ والرَّغيدِ
هل ترى الناسَ في طريقك إلا
نعْشَ كَهلٍ تلاه نعشُ وليدِ
إنَّ أوْهَى الخيوطِ فيما بدا لي
خيطُ عيشٍ مُعلَّقٌ بالوريد٢
مُضغةٌ بينَ خَفْقةٍ وسُكونٍ
ودمٌ بينَ جَرْيةٍ وجُمود
أنزَلوا في الثرى الوزيرَ ووارَوا
فيه تسعينَ حِجَّةً في صُعود
كنتَ فيها على يدٍ من حريرٍ
لِلَّيالي فأصبحَت من حديد٣
قد بلَوناك في الرياسة حينًا
فبلَونا الوزيرَ عبدَ الحميد٤
آخِذًا من لسانِ فارسَ قِسطًا
وافِرَ القسمِ من لسانِ لَبيد٥
في ظلالِ الملوكِ تُدني إليهم
كلَّ آوٍ لظلِّكَ الممدود
لستَ مَن مرَّ بالمعالمِ مرًّا
إنما أنت دولةٌ في فقيد
قُم فحدِّثْ عن السِّنينَ الخوالي
وفُتوحِ المُملَّكِين الصِّيد٦
والذي مرَّ بينَ حالٍ قديمٍ
أنتَ أدْرَى به وحالٍ جديد
وصِفِ العزَّ في زمانِ «عليٍّ»
واذكُرِ اليُمْنَ في زمانِ سعيد٧
كيف أُسطولُهم على كلِّ بحرٍ
وسراياهمُ على كلِّ بِيدِ٨
قد تَولَّوا وخلَّفوك وفِيًّا
في زمانٍ على الوفيِّ شديد
فالْحَقِ اليومَ بالكرام كريمًا
والْقَهم بينَ جَنَّةٍ وخُلود
وتقبَّلْ وداعَ باكٍ على فقـ
ـدِكَ وافٍ لعهدِك المحمود
١
هو أحد باشوات مصر الكبار، عاصر أكثر ولاة مصر من الأسرة العلوية، وتوفي سنة
١٩٠١م بعد أن عمَّر حوالَي تسعين عامًا.
٢
الوريد: شِريان بكسر الشين، وهو عِرقٌ رئيسي في جسم الإنسان.
يُشبِّه العروق في جسم الإنسان بالخيوط؛ ليتوصل بذلك إلى إثبات
ضرورة الضعف في الحياة وعدم بقائها.
٣
يد من حرير: كناية عن رفاهية العيش.
٤
بلوناك في الرياسة: أي اختبرناك. والوزير عبد الحميد: هو عبد
الحميد الكاتب المشهور.
٥
القسم: هو العطاء أو الحظ. ولبيد: شاعرٌ عربيٌّ قديم. والغرض أن
المرثي كان مُلمًّا بالفارسية والعربية.
٦
الصيد: جمع أصيد، وهو العزيز الجانب.
٧
يريد زمان محمد علي الكبير، ورفاهة العيش في زمن الخديو سعيد
باشا.
٨
السرايا: جمع سرِيَّة (بالياء المشددة مفتوحة)، وهي القطعة من
الجيش لا يزيد عددها عن الأربعمائة. والبيد: جمع بيداء، وهي
الصحراء.