تعزية ورثاء١
كأسٌ من الدنيا تُدارْ
مَن ذاقها خَلع العِذارْ٢
الليلُ قوَّامٌ بها
فإذا ونى قامَ النهارْ
وحبا بها الأعمارَ لم
تدُمِ الطِّوالُ ولا القِصار
شَرِبَ الصبيُّ بها ولم
يخلُ المُعمَّرُ من خُمار
وحسا الكرامُ سُلافَها
وتناول الهَمَلُ العُقار٣
وأصابَ منها ذو الهوى
ما قد أصابَ أخو الوقار
ولقد تميلُ على الجما
دِ وتصرعُ الفلَكَ المُدار
كأسُ المنِيَّةِ في يدٍ
عَسْراءَ ما منها فِرار٤
تجري اليمينَ فمَن تولَّـ
ـى يَسْرةً جرَتِ اليَسار
أوْدَى الجريءُ إذا جرى
والمُستميتُ إذا أغار
ليثُ المعامعِ والوقا
ئعِ والمواقعِ والحِصار
وَبقيَّةُ الزُّمَرِ التي
كانت تَذودُ عن الذِّمار
جندُ الخلافةِ عسكرُ السـ
ـلطانِ حاميةُ الديار
ضاقت «كريدُ» جبالُها
بك يا «خلوصي» والقِفار
أيَّامُكم فيها وإن
طال المَدى ذاتُ اشتهار
عَلِمَ العدوُّ بأنكم
أنتم لِمِعصمِها سِوار
أحْدَقتُمُ بمَقرِّهِ
فتركتموه بلا قرار
حتى اهتدى من كان ضلَّ
وثاب من قد كان ثار
واعتزَّ ركنٌ للولا
يةِ كان مُنقضَّ الجدار
عِشْ للعُلا والمجدِ يا
خيرَ البَنِينَ ولِلفَخار
أبكي لدمعك جاريًا
ولدمعِ إخوتِك الصِّغار
وأودُّ أنكمُ رجا
لٌ مِثلُ والدِكم كِبار
وأُريدُ بيتَكمُ عَمَا
رًا لا يُحاكيه عَمَار
لا تخرجُ النَّعماءُ منـ
ـهُ ولا يُزايلُه اليَسار
١
وجَّه هذه التعزية إلى صديقه حامد بك خلوصي حين مات والده المرحوم الأميرالاي
مصطفى بك خلوصي، وقد كان من الضباط الكرام الذين مجدوا في قمع الثورة في
الجزيرة «كريد» أيام كانت تابعة للدولة العثمانية.
٢
العذار: الحياء والوقار.
٣
السلاف والعقار: من أسماء الخمر، يقال حسا فلان الماء، إذا شربه
شيئًا بعد شيء.
٤
يقال للرجل: أعسر، إذا عمل بيده الشمال، والعرب تصف ما ليس
محبوبًا بالأعسر إذا كان مذكرًا، وبالعسراء إذا كان مؤنثًا، فيد
المنية عسراء لأنها كذلك.